|
آآآيَمَّااااا
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7395 - 2022 / 10 / 8 - 20:53
المحور:
الادب والفن
تذكرتُها هامسا آسمها.تذكرتُ وصاياها حارصا أَنْ لا أخيبَ ظنها:
_غَارَشْ آتّكَتْ لَبْسَالاَتْ..إيلْ تبَرْزَاطْ خْوَالَشْ..بَعّدْ زي تْفُوشْتْ..غَارشْ آترَحَتْ البيرْ.. إيلْ تَكُّورْ غَرْ العين وحدَشْ..سْغَادْ مزيان مَيْنَاشْ تيني حَنَّاشْ...(إياك والمشاكسة، كن هادئا مؤدبا في حضرة أخوالك، ابتعد من أشعة الشمس، لا تذهب مطلقا الى الوادي، لا تقصد عين الماء وحدك، اسمع كلام جدتك لا تعاند)
وكنتُ في كل مرة أهمُّ بفعل شيء ما مخالف للتعليمات أتذكرُ صوتها المغروسَ أمامي..لقد كانت بجانبي دائما مباشرة في عتبة الأبواب الثلاثة وسط(أزقاق نْ وَخّام)[١]جنب زريبة الماعز مطوقة بصف منضود من حَطب(إيكشوطن) يُسيج الدار ويَحدها شرقا جهة(تامُورْتْ نْسِيمُوحَنْد أوعبدالله)[٢]والدي المنشغل بالخدمة العسكرية لا يزور ما تبقى من الأرض إلا لماما ليجدها دائما مستغلة من طرف الأغيار دون أنْ يستفيدَ منها ومن غلالها قيد أنملة... لَمْ نَكُنْ بعدُ مَوْلودينَ عندما غرستْ أمنا شجرة تين في ذلك المكان الذي سيفصل فيما بعد بين مَجاليْن خاصيْن.لكل منهما ماضيه المنفرد؛ لكن بعد وفاة جدي المبكر ورحيل (يَمّا تامقرانتْ رقية)[٣]إلى قرية أخرى من قرى قبائل آيت وراين*، سيجتمع الفضاءان ويَلمُّ شملَهما ذاك الزواجُ الذي أثمر ذكورا وإناثا عبر سنين مَديدات ظلتْ فيها الشجرةُ فيحاء يانعة سامقة تتفارعُ أفنانها في كل آتجاه، لا ينقطع موردها ولا يمل واردها..وها أنا ذا طفلٌ في العاشرة أُدَاوِمُ التحديق فيها.أتحلقُ حولها، أتسلقُها، أتشممُ أنساغَ أوراقها الخضراء الداكنة والفاتحة.ألهو بخشونة ملمسها.أتحسسها، فيلسعني حَليبُها اللاذعُ اللازبُ، فأسرعُ أغسلُ ساعديّ وأعودُ أثِبُ برشاقة أهيمُ كدعسوقة أتعلقُ بثناياها والأفنان المتعالقة ببعضها.حَذِراً أضعُ القدمَ تلو القدم، متلهفا أرقبُ باحثا عن ثمار أخرى أكثر سمنة ونضجا من تلك التي أصادفها في طريقي.أشدُّ عزمي.أقَوِّي همتي أكمل الصعودَ مرتقيا مناورا في خلسة الممانعة والمتابعة المُصِرّةِ على الرفض والتحريم.أختبئُ كيربوع ضئيل القد والحجم بين الخمائل المتداخلة، أنافسُ في عَنت وتذمر وغضب يعاسيب ملحاحة وزنابيرَ صفراء عملاقة مرعبة مشاكسة ومخلفات طائشة لمناقير تِيمَاللِيوِينْ وطيور الزريق(الوَجِّيقْ)الرشيقة و(تيبَرْغُوكَالينْ) و(مْزيوْقَا)و(مَنْقَبْ زَقُّورْ)وعصافير بَرْزيزا والدورية النزقة وطائر (آزْطُوطْ)واليمام البري (الورامْ)[٤]وحشودا هائلة من أنواع نمل سائب بمختلف الألوان والأشكال سارح في كل مكان..أوووف..تبا..!!..أسخط أتبرمُ.."إيقَرْدُوزَنْ دَكُولْمْشَان!!".[٥]فأينَ الثمار..؟؟..آآه..لازالَتْ هناك في سُموقها المُغالي..أين أنا من كل ذلك التعالي؟؟أغمضُ عَينيَّ أفتحهما ثم أعرُجُ أتسلق أتمم الطريق..لابد ألحقها..لا بد أنْ أَصِـلَ...وتذكرتُ وأنا في غمار حماسي المتصاعد، ما حدث ذات ضحى في رحاب هذه الأفنان المتشابكة..أفعى أفعى..!!.. حِيوَشْ حِيوَشْ..هَاتّايَنْ هَاتّايَنْ..غَرَاشْ غَرَاشْ..!!..[٦]وتداعتِ الأصوات من كل حدب وصوب تفاقمتِ الجَلَبة في آستنفار وتجييش للقوة والحيطة والعتاد من أجل التصدي لهذا الضيف الطفيلي غير المرغوب فيه...
_لاَ لاَ إيلْتشَاتْ سِيزْرَا أَذْيَرْوَلْ..غَارَويتْ..هَاتِيينْ هَاتِيينْ..!!..[لا تضربوه بالحجارة سيهرب انتبهوا إنه هناك...]
حذرتْ جدتي...
_آهْدَاتْ طُورَا إيلْ سَفْجَاعَتْ، أَدَلِيغْ غَارَسْ سْيِشْتْ تْغَزالْتْ أَدَرْزَغْ أَزَلِّيفَنّسْ.. [اهدؤوا قليلا لا داعي لترعيبه سأصعد جهته بعصا أهشم بها رأسه]
قال خالي(موحند)الذي كان يقضي أيام برمسيون نّسْ دي تمورتْ أكدْ وَارَنّسْ..[٧]
_آهْيا غَراشْ آحْنِينِي ما يَخَصْ آتْسَخْلاقَتْ؟؟[إياك عزيزي ماذا تريد أن تفعل لا تلق نفسك الى التهلكة]صاحت(العزيزة).[٨]
_لا لا..آجْ خَافَشْ أَعَكّازْ..أُورْيِتِيحْلاَشَايْ..[دع عنك العصا لن تفيدك في شيء]
علق جدي، مقترحا:
_هَالَعْمَارَتْ دي الغُورْفَتْ، شْسِيتْ إيسَنْطَاوْ أَللِّي نّسْ..!!.. [هناك بندقية في الغرفة داخل الدار انها مشحونة هشم بها رأسه]
وما كان من خالي(مُوحَنْدْ أوحدو)_هكذا ينطقون الاسم في ألسنتهم المتداولة_إلا أن عمد الى(بُوحَبَّا/بندقية ذات طلقة واحدة).حَشَاها بما يجب من ذخيرة، وطفق يخلس النظر هنا هناك في صمت وحرص وترقب من الجموع المتوجسة..
_ماتْغِيلَتْ إيخْفَنَّشْ دي الصحرا...[أتعتقد أنك في عراك في الصحراء ما هذه الا أفعى لا غير]علق خالي(الحَسَن)، فرد خالي المُجَند..
_أشششت سْقَاااارْ خَافْنَغْ...[صمتا لا داعي للجَلبة]
_أوّاااتْ مَا تَوّاتْ شَا..قَالاَنَغْ زي الفْرَاجَتْ..[اطلق رصاصتك دعنا من الاستعراض]
ثم..دَاااووْو..!!..سُمِعت في الأنحاء كلها..خرجت العمارة يصك صداها القوي الآذان وهااا..هو الجسد الزاحف المديد الأرقط المفزع السام اللاهبُ الملتهب ذو القرنين يرتعد ينتفضُ هاويا يتمرغ يتلوى في التراب دون أمل في النجاة، إذ سرعان ما هوت عليه الأيدي بالحجارة والهراوات مركزة على الرأس سبب المصائب حتى أضحى مُدمى معجونا معفرا بالتراب أكد أوشالْ، ولم تكن الضربات لتكف عنه وهو يُبدي آرتعاداته المحتضرة المتشنجة المتشبتتة بيأس بحياة لم تعد في المنال ...
_صافي صافي غاسْ قَالَتْ طُورَا..يْرَاحْ أزَلِّفَنَسْ يَلاّ يَتْمَتّا..[كفى دعوه الآن لقد آنتهى]
قال المجند وهو يحرك الجسد الملولب بأنبوبة البندقية يتفقد موضع الضربة...
_ماني توفتيت..ماني تسّيغَتْ.. ماذكْزَليفْ..[أين تراك أصبته هل هشمت رأسه] استفسر الحضور...
_هااامَني...[هناااا]
وأشار الى أحشائه التي ثقبَتْها الرصاصة مخلفة فجوة حمراء كدماء مترعة بالدماء.
_غَسْ إيريتْ طورا أجَمّاطَادْ أدَتْشَنْتْ إيطَانْ..[القوه بعيدا تلتهمه الكلاب]
نصَحَتْ(العزيزة تَاهْرِيدَانْتْ).
...وعند هذه الذكرى، تنملتِ الأطراف تخشب الجسد تصلبتُ في مكاني لا أرينُ إلا لمنحدر الرجوع متوجسا من هذا التنين الأفعواني الذي يمكن أن يفاجئني في أي لحظة، أو هو هنا الآن يترقب يجس حركاتي في آنتظار فرصة يودي بي فيها..آه..من هذا الخطر الداهم المتربص..وشرعتُ ألملمُ خطاي بتؤدة وحذر أن تنزلق القدمان وأقعَ وأثير حفيظة الزواحف المتلصصة أو ألفت آنتباه أسماع المانعين..وفي غمرة المبالغة في التردد والخوف والوجل، وقع الذي وقع..نعم..لا مهربَ من هواجسنا..إنها تطاردنا، تخرق إحساسنا، تعشش في عقولنا، تعطل التفكير الصائبَ، تطوق القلب بأسياخ تثقب مَسَاعِرُهَا الشغافَ، تقصل الهامات عن أبدانها،تطمس البصيرة، تضبب الرؤى، تفلق الجأش تمزقه إربا إربا..فنتردد ننتكس ويحصل رغم كل الاحتياطات المحضورُ..نعم..لقد وقعتُ، سقطتُ من شاهق حانقا أوْقعني الإيغال في التخمين والتفكير فيما لا جدوى منه.ولسخرية الأقدار العابثة أو لحسن الصدف، علق جسدي الضئيل بالأغصان المتفرعة، وأوغلتُ مرغما في الصمت بعد صرخة مختزلة مبحوحة أصدَرَتْها نبراتُ حَنجرتي واجفةً عَجفاءَ:
_أيَــمّااااااا...!!....
وتذكرتهـا..وأنا أصرخ هامسا آسمها:
_آيمّــااا!!....
تذكرتُ وصاياها قبل الصعود الى الجبل:
_إيلْتَكْ الصداع إيلَهْلْنّشْ..إيلْتَغَانَانْ أكْدْ خْوَالَشْ..كُنْ ترانكيلْ الله يرضي عليك...
وها..أنا يا أمي أتكومُ بين أفنانكِ التي غرسَتْ جذورَها طفولتُكِ..أتدثّرُ بأفيائها البُنية الكستنائية ألملمُ ما أمكن جراحاتي ومخاوفي في صمت وسكينة، شغلي الشاغل عدم إثارة المشاكل..
_إحالات: *آيتْ وَرَايَنْ:قبائل أمازيغية يطلق عليها بالعربية بني وراين تستقر في مجالات واسعة بالجبال(الأطلس المتوسط/قمة بويبلان أزيد من ٣٠٠٠ متر على سطح البحر)..تقع وسط شرق المغرب ما بين مدينة فاس و تازا وجرسيف وتاوريرت.. [١]_أزْقاقْ وَخَّامْ:باحة المنزل [٢]_تامورت:الأرض [٣]_يما تامقرانت:أمي الكبرى أي جدتي [٤]_تِيمَاللِيوِينْ:اليمام _(الوجيق):طائر الزريق _(تيبرغوكالين):نوع من طيور الوروار _مزيوقا:طائر الحسون _(منقب زقور/برزيزا):طيور صغيرة الحجم تعيش في الغابة _(أزطوط):الحمام البري [٥]_إيقَرْدُوزَنْ دَكُولْمْشَان:ثمار تين نيئة غير ناضجة بعد [٦]_حِيوَشْ حِيوَشْ..هَاتّايَنْ هَاتّايَنْ.. غَرَاشْ غَرَاشْ..!!..:أفعى أفعى إنها هناك انتبه حذار..!!.. [٧]_بَرْمَسْيُونْ نّسْ دي تمورتْ أكدْ وَاَرَنّسْ:يقضي عطلته في القرية مع عائلته الصغيرة [٨]_العزيزة:لفظة ينادي بها الأحفاد في بوادي المغرب خصوصا مناطق الشمال جدتهم والدة الأم..
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رَيْثَمَا نَصْحُو آلصَّيْحَةَ التي لا نَوْمَ بَعْدَهَا
-
وَصِيَّةُ كَافْكَا
-
كُنْ أَنْتَ أَنْتَ لَا تَكُنْ أَنْتَ سِوَاك
-
شَمَمْتُنِي
-
وَطَفِقَ يَقْتَاتُ آلنُّجُومَ
-
حَياةُ آلْمَطَالِعِ
-
حَسَاءٌ أَبَدِيّ
-
مَزيدًا مِنْ ثُغَاءِ بَاااعْ فِي مَزْرَعَةِ آلْمَتَاع
-
نَقِيق
-
اللعِينَةُ
-
سَكَرَاتِ
-
جرعة واحدة لا غير
-
حُلْمٌ مُبَلَّلٌ
-
لَحْظَةٌ وَكَفَى
-
حَالَة مُسْتَعْصِية
-
عَيْنَا فِيرْجِينْيَا
-
شَغَفِي بِهَا
-
لَا، لَمْ يَنْقَرِضْ بَعْدُ
-
مَوْلُودٌ
-
رُبَّمَا تَتَغَيَّرُ أقدارُ الديدانِ رُبما
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|