أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 13















المزيد.....

قطار آخن 13


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7395 - 2022 / 10 / 8 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


ـ في حلمي زارني إبراهيم، كان يرتدي الأسود الكامل، كما "زورو"، كان معطفه الأسود مغبرّاً وكان يريدُ أن نلتقي، أخذتُ منه معطفه ورحتُ أنفض عنه الغبار، ثم وليس خلسةً عنه أخرجتُ من جيبه قطعتي نقد، واحدة ورقيّة والأخرى معدنيّة، فاجأتني كميّتها القليلة، وكان ينبغي أن أخرجَ شيئاً هامّاً من الجيب الأخرى لكني لم أفعل، ثم ودون مقدمات حلمتُ به يشمُ رائحة خصري، رائحة تحت الضُّلوع رغم إشارات خطر، كان يضعُ رأسه في حِجْري وأنا حائضٌ، وكان يقرأُ لي الشِّعر.
ـ ألديك خبرة في تفسير الأحلام؟
ـ لا أستطيع تفسير أحلام امرأة مثل سابينه، فهي لا تشرب القهوة السوداء في الفناجين العربية الصغيرة، أحلام المرأة قصة طويلة، يجب أن يشتغل عليها الرجل المُنجِّم مَدِيداً إلى أن تصبح قصيرة جداً ومفهومة كما ينبغي.
**

ـ أريد أن أستلقي قليلاً في غرفتي، ينبغي أن أتكلم بالتلفون مع أمي وأبي. قالت هنيلوري، استأذنتهما وتوجهت إلى غرفتها.
ـ لم أحصل على كفايتي من النوم، أرغب أن استحم ثم أغفو لمدة ساعة، كنزي سابينه، أين وضعتِ حقيبتي؟
ـ في غرفة الملابس، عمّ تبحث؟ ما الذي تحتاج إليه بالضبط؟
ـ ملابس داخلية، بلوزة، عدة الحلاقة ...
ـ سأجلب ما تحتاج إليه.
ـ لا تفعلي، سأحضر ما أحتاج إليه بنفسي.
نظرت إليه آمرة وأشارت بيدها إلى الحمّام دون كلام.
أومأ برأسه موافقاً، مشى إلى حيث أشارت، دخله، حمّامها واسع كسريرها، شهي كفخذيها القويتين، نظر إلى وجهه في المرآة، شعر بأن شيئاً ما قد تغير فيه، تمّعن أكثر، لم يلحظ إلا تعب عينيه وهالة داكنة تحيط بهما، تمتم مواسياً نفسه:
ـ ليس إلا من قلة النوم.
في زاوية الحمّام أريكة مريحة، مقابلها حوض استحمام ملائكي، ولجت سابينه دون إنذار، تحمل بين يديها ملابس ليست ملابسه، وأشياء مُغَلَّفة لا تنتمي إلى حقيبته، وفوق الملابس استرخت علبة تبغها الدائرية والبايب الأسود الرفيع.
ـ ما هذا؟ أين أشيائي!؟
ـ هذه لك، أهديها لك! إنها جديدة، أصلية، ماركة أمريكية، اشتريتها، غسلتها وكويتها لك.
ـ شكراً جزيلاً، لكني في الحقيقة لا أحتاجها.
ـ بلى، ستحتاجها اعتباراً من اليوم.
فَرشتْ ما بين يديها على الكُمُدينا قرب أريكة الجلوس، جوارب صوفية دافئة، كنزتان من الصوف، واحدة باللون العسكري والأخرى باللون البني، ثلاثة سراويل وقمصان داخلية، منشفتان، فرشاة أسنان غريبة، عدة لحلاقة الذقن لم يرَ مثيلاً لها في حياته وعلبة عطر ماركة غارغويل.
ـ كل هذا لي!؟
ـ نعم لكَ جميعها، أنت من يستحقها!
ـ شكراً، أشعر بالخجل.
ـ لا عليك، ستحصل على أهم من هذا بكثير إذا بقينا أصدقاء.
**

جلس على الأريكة مدهوشاً.
خلعت سابينه ملابسها على مهل، فاح نسيم رائحتها، رائحة غريبة، محصلة روائح عطرية انبعثت من مسامات جلدها وشعرها، رائحة الربيع الأخضر في منتصف الشتاء، تمتم لنفسه وبلغته الشرقية:
ـ ثقْ بأنف كلبك يا رجل! هي ما تحلم به من روائح، هي التي تنتظر أن تشمها مذ الطفولة!
ـ لم أفهم ما قلته، لكنه يبدو لطيفاً، هل تترجمه لي؟
ـ غير مهم، لا تبالي. كم جميل لو أصير سنجابك الأحمر!
ـ هأهأت سابينه وأجابت: في هذه الحالة سأكتب حكاية "ويلهلم هاوف" من جديد، لن تكون قزماً بإنف عجيب، سأسميك يعقوب الكبير، سأعلمك فن الجنس واستنشاق الروائح بديلاً عن فن الطبخ، لكنك ستبقى سبع سنوات في ضيافة سريري!
أشعلتْ شموعاً، وزعتها في كل مكان، أغمضَ عينيه، صعدتْ إلى حوض استحمامها، همتْ بالجلوس وظهرها باتجاهه، نظرتْ إليه، ابتسمتْ بغموضٍ وسألته:
ـ هل أنت في حلم؟
حين ترغب أن تتكلم مع المرأة، تكلم وكأنك تصف فلماً فرنسياً تشاهده، واصغِ لها حين ينبغي وكأنك ترى فلماً عاطفياً يُحكى.
أجابها بشاعرية لطيفة مسحوراً من عريها، من ألوان وأضواء شموعها ونسيم عطرها:
ـ أرسم في مخيلتي لوحةً لحديقة مسحورة! حيث السنَاجبُ البريَّة ذات العيون السوداء لا تهابني إذ تراني في وضح النهار بين الأشجار أمشي، تتوقف عن الصفير والصراخ والتعنيف، تهلل فرحاً بقدومي، تفتح لي نوافذها وتضيِّفني حبة بندق ومخروطاً بنياً صنوبرياً، أشكرها وأتابع مشواري، هناك حيث يسكن فرحي.
ـ جميل، ما قلته يشبه العلاج النفسي لحالات الاكتئاب! سيسجلها علم النفس الحديث براءة اختراع باسمك.
أجابها وقد شعر بالإحراج من سخريتها:
ـ كنت أمزح.
ـ لا يهمك وأنا أمزح، أعطني إذا سمحت علبة تبغي والبايب.
ـ هل أجهزه لك؟
ـ لا، شكراً، لم تصبح خبيراً بعد!
ـ تفضلي.

ابتسمت له بعينيها، جلست في الحوض، الماء ساخن بلونٍ أزرق، وضعت مقداراً ضئيلاً من الغبار الأبيض في البايب، مقدار حجم رأس الإصبع الصغير لطفلٍ، أشعلته بهدوء، أخذت نفساً قصيراً، طارت من فمها غمائم فرح، قدمتْ له البايب، سألته:
ـ هل ترغب؟ إنه علاج رقيق كوصفتك السنجابية، وجبة طعام لذيذة وخفيفة، إنه نبيذ الذكريات والعواطف، هل ترغب؟
تناوله من يدها بمحض إرادته ثم سحب المتبقي فيه!
أمسكت ماكنة حلاقة نسائية، مسحت ساقيها برغوة الصابون، نظفت ساقيها النظيفتين من زَغَب البَراعِمِ، نظفت تحت إبطيها، تناولت مقصاً وهندست به شعر عانتها. قالت وهي تغتسل:
ـ أتستغرب ما أفعله بوجودك؟ هل فعلته معك امرأة قبلي؟

التلذّذُ بالحياة ليس لعبة خفيفة نحرِّكها كما نشاء، الاستمتاع بالحياة فن ومهارة لا يتقنه إلا بعض من يمتاز بالحِذْق في عمله. حين يعترض الفرح طريقنا علينا أن نسارع باستعماله كمفتاح، لنفتح به نوافذ أرواحنا وأبواب وسائل راحتنا ولنُمتّع أنفسنا بالدهشَة.
شَعرَ بقوة جسده، رأته، ضحكت، طلبت منه إعطاءها منشفتها المعلقة.
وضع المنشفة على ظهرها وعانقها.

ـ اجلس في الحوض، سأحمّمك وأقص لك شعر إبطك وعانتك.
ـ دعيني أشم أريج أثداءك الحّارة، دعيني أتنفسها.
تَّدَنّت منه وهمست:
ـ دونَكَ ما تريد.
ـ حين استشمَّك تتراءى لي شواطئ فرح تسطع عليها شمس متوهجة كالجمر. يا الله، إن كان ولا بد، صيّرني أصمَّ، لكن لا تصيّرني أخشَم. جسدي لا يعمل دون حاسةَ الشَّمِّ.
**



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطار آخن 12
- قطار آخن 11
- قطار آخن 10
- قطار آخن 9
- قطار آخن 8
- قطار آخن 7
- قطار آخن 6
- قطار آخن 5
- قطار آخن 4
- قطار آخن 3
- قطار آخن 2
- قطار آخن 1
- خواطر قارئ تحت ظلال رواية (المُكْتَوي)
- سِباق التعرُّج 11
- سِباق التعرُّج 10
- سِباق التعرُّج 9
- سِباق التعرُّج 8
- سِباق التعرُّج 7
- سِباق التعرُّج 6
- سِباق التعرُّج 5


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - قطار آخن 13