شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن-العدد: 7394 - 2022 / 10 / 7 - 22:37
المحور:
الادب والفن
(ترجمة التقرير الذي قدم في المؤتمر العلمي العالمي "الطاقة التربوية للفن، الاستراتيجيات والنماذج النظرية والعملية في التربية والتعليم" الذي عُقد في جامعة موسكو في شهر أيلول -2022)
Международная научнопрактическая конференция «Воспитательный потенциал искусства: академические стратегии и модели в теории и практике образования и воспитания»
يمتلك الأدب الروسي الكلاسيكي طاقة إبداعية هائلة، ومخزوناً فريداً من الأفكار، والصور، والرؤى والخيال، وفرادة الأسلوب، مما يمكنه من أن يترك أثَّراً في المتلقي، وبفضل ذلك كل الأدب الروسي مصدراً رئيساً في ثقافة الشبيبة الثورية في البلدان العربية التي تعرفت إلى الثقافة الروسية، وساههم في صياغة وعيها، ولا سيما مع نمو التيارات والاحزاب السياسية اليسارية القومية منها والأممية...
من المسائل التي ينبغي أخذها في الحسبان عند بحث مسألة تعزيز الوعي الثقافي الجمالي في أذهان الشبيبة، مسألة اعتمادهم على وسائل التواصل الاجتماعي، والعالم الافتراضي، والكتاب الإلكتروني، وحسن استخدام هذه الوسائل لإيصال المعلومة المفيدة، والثقافة التي تنشر قيم الخير، والمحبّة، والحرية، والجمال...
سأسلط الضوء في هذا التقرير على هذه المسألة، وأعززه بأفكار وتصورات كتاب ومثقفين عرب، وتجربة عدد من معلمي ومعلمات اللغة الروسية، وعدد من مدربي الموسيقا والأغاني الروسية، الذين استطلعت آراءهم في هذا الخصوص...
وفضلاً عن الأمثلة ، وآراء عدد من الأدباء والمثقفين العرب، التي تؤكد دور الثقافة الروسية في صياغة وعي الشبيبة، تتضمن هذه الدراسة مجموعة من الاقتراحات لتعزيز هذه المهمة
بعد استطلاع آراء الأصدقاء عبر شابكة الانترنت الدولية وسؤالهم عن موقع الأدب الروسي في ثقافتنا العربية، وهل يساهم في إغنائها... وهل له أثر في تربية الشبيبة... تلقيت مجموعة من الردود سأوردها بإيجاز في هذا التقرير.
في هذا السياق يثمن المهندس بدر درميني - وهو خريج جامعة الصداقة في موسكو ومن كبار المهندسين المحترمين في سوريا - دور الأدب الروسي في حياتنا وفي حياة شبابنا، لكنّه يأسف للتراجع الملحوظ لدى أبناء مجتمعنا في القراءة والبحث، ولا سيّما، لدى الشباب، والسبب في ذلك انشغالهم الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وإهدارهم الوقت فيما تحتويه من مواد وبرامج للهو والضياع..."
وينوه الباحث والكاتب وأستاذ علم الاجتماع "أحمد غانم"، إلى أنّ الأدب الروسي شكل مصدراً رئيساً في ثقافة الشبيبة الثورية، ولا سيّما، مع نمو التيارات والاحزاب السياسية اليسارية القومية منها والأممية. ويكاد لا يخلو منزل في سوريا من وجود أعمال المبدعين الروس... ومن آثار ذلك، احترام أبنائنا الشباب للمبدعين الروس، فها هو ذا ابني الشاب المقيم في ألمانيا يضع صورة دوستويفسكي كبروفايل لحسابه على فيسبوك... هذا فضلاً عن وجود مشتركات كثيرة بيننا وبين المجتمع الروسي كمجتمع يقترب من الشرق أكثر مما هو أوروبي غربي، فكثير من القيم مشتركة بيننا، لهذا يدخل الادب الروسي بيوتنا كجار قريب وليس كضيف غريب، ويساعد في نشر الثقافة الروسية بين الشبيبة".
وينوه الكاتب والباحث السوري عبد الرزاق دحنون إلى أن علاقته "بالأدب الروسي تعود إلى أواخر سبعينيات القرن العشرين... وأن الأدب الروسي - قبل الاتحاد السوفييتي- معروف جديداً في بلاد الشام والعراق وفي بعض الدول العربية الأخرى، وقد أثَّر الأدب الروسي في شريحة اجتماعية محصورة على الأغلب في "اليسار العربي"، وفي أولئك الذين يشتغلون في الشأن الثقافي، كالـ"الروائي المصري "علاء الأسواني" مثلاً" وهو ينتمي إلى اليسار العربي... وقد ساهمت دور النشر السوفييتية: "دار التقدم"، و"دار رادوغا" في هذا الشأن. مع العلم أنّ الترجمات من الروسية إلى العربية سبقت ذلك، فقد ترجم ابن مدينة "إدلب" مواهب كيالي العديد من روايات " إيفان تورغنيف" مثلاً...
بينما تنوه المهندسة الأديبة الشابة نغم طاهر إلى أنّها تود لو كان لديها "اطلاع أوسع على الأدب الروسي".
فيما يرى الأستاذ عبدو قندلفت، أنّ الأدب السوفييتي كان يشمل الأدب الروسي، وقد مارس على جيلهم دوراً عاصفاً...
وقد علّق الأستاذ المترجم عن الفرنسية نبيل أبو صعب، على هذه المسألة قائلاً: "ليس لدي أكثر مما لدى أي شيوعي سابق، وبالتالي معجب بكل ما كان سوفيتياً. وأذكر أن كتاب مكارينكو "قصيدة"... كان يحظى بشعبية كبيرة، وكذلك روايات "الأم"، و"الفولاذ كيف سقيناه" ككتب لتثقيف وتصليب الشيوعيين الجدد، كما لعب كتاب "أين الله" لغوركي لعب دوراً هاماً... أما روايات الكتاب العظام تولستوي وديستوفسكي وغيرهم فكانت للنخبة القارئة من الشيوعيين وغيرهم... المشكلة أنه سادت لفترة في بعض اوساط الشيوعيين أن هؤلاء الكتاب ينتمون للحقبة القيصرية وقلما كان يجري تشجيع قراءتهم.. كان الحشد الأيديولوجي هو السائد وهو الغاية من الأدب السوفيتي... أما أعمال كبار النقاد فقد كانت حكراً على نخبة النخبة.."
ويعتقد المهندس "نزار نده" بوجود "جهل بالأدب الروسي شعبياً، وتجاهل من بعض الهيئات الرسمية عموماً والسبب أن الأدب الروسي اقترن فترة طويلة بالشيوعية كمبدأ في السياسة وفلسفة الحياة، وبعد سقوط الفكر الشيوعي عالمياً، وظهور الرأسمالية كقوة وحيدة بقي هناك كثير من الفجوات الثقافية والمعرفية لدى عامة الشعب السوري، مثلا، لفهم الأدب الروسي ومحاولة تفهمه وبقي ذلك حكراً على بعض الأكاديميين والمهتمين لأسباب مختلفة ونشهد اليوم رغبة لدى المثقفين في الاقتراب أكثر من الثقافة الروسية وفهم بيئتها..."
قصتنا وقصة جيلنا مع الادب الروسي /السوفيتي - حسب رأي الأستاذ والناشط الاجتماعي والسياسي "طلال الإمام" الذي يقيم الان في السويد - فهي "قصة عشق لا تنتهي، شهدت صعوداً ونزولاً. قصة عمرها أكثر من خمسة عقود، ولها جملة أسباب، فقد كانت رفوف المكتبات المنزلية لأبناء جيلنا، وواجهات المكتبات العامة تمتلىء بأعمال الأدباء الروس: تلستوي، دوستوفيسكي، ليرمنتوف، بوشكين، مكسيم غوركي، جنكيز ايتماتوف، رسول حمزاتوف وغيرهم… لم يكن الدافع آنذاك ثقافياً بحتاً، إنّما مزيجاً من السياسة والثقافة...
بدأ الأدب الروسي في نهاية ستينات القرن الماضي ينتشر في سورية في أوساط الشبيبة التقدمية ويلهمها، فقد قرأنا: "الفولاذ سقيناه"، "آنا كارنينا"، "الحرب والسلم"، "أبطال قلعة بريست"، "الأم"، وسلسلة "مدافعون عن وطنهم السوفيتي" طبعاً بالإضافة إلى أعمال كلاسيكي الفكر الماركسي. وقد لعبت وزارة الثقافة السورية دوراً مميزاً في انتشار الادب الروسي عبر دعم ترجمات العديد من عيون الادب الروسي، واقامة معارض للكتاب السوفيتي في دمشق العاصمة والمدن السورية الاخرى، وعرض أفلام في التلفزيون ودور السينما، وتقديم مسرحيات لأدباء روس. هذا فضلاً عن دور الأحزاب التقدمية في تشجيع جمهورها الاطلاع على هذا الأدب... لعبت مجمل هذه العوامل دوراً ايجابيا في إغناء ثقافتنا العربية وثقافة الشبيبة بشكل خاص... أي كان لها دوراً تنويرياً... وانعكس ذلك في تأثر العديد الكتاب السوريين في مختلف ألوان الأدب في تلك الفترة بشكل واضح جداً بالأدب الروسي، وأفكاره من حيث المواضيع التي يطرحونها: بث الروح النضالية، الوطنية، الإنسانية، قضايا الصراع الطبقي (الفقر، الظلم،)مساواة المرأة بالرجل وحقوق الطفل وسواها...
يمكن إضافة تجربتي الشخصية في هذا المجال. عملت بعد ان أنهيت دراستي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو (كلية الآداب) في مكتبة ودار توزيع ميسلون المعروفة في دمشق، كانت مكتبة ميسلون تعج يومياً بطلاب جامعة، موظفين، عمال، مثقفين يترددون لشراء عيون الأدب الروسي؛ وهذا يؤكد مرة أخرى على دور هذا الادب الايجابي في تنمية الوعي لدى الشبيبة والمجتمع وتلبية بعض حاجاتهم الروحية. إنّما مع بداية تسعينات القرن الماضي وانهيار المنظومة الاشتراكية بدأت رياح استهلاكية تعصف بمختلف جوانب الحياة في العالم، ومن ضمنها سورية طبعاً. وبدأ الاهتمام بالأدب الروسي يتراجع على حساب تصاعد كتب دينية /أصولية، أو استهلاكية (ابراج، الحظ، تعلم فنون الطبخ، الازياء وما شابه ذلك). استمر التراجع المؤسف لدرجة أغلقت كثير من المكتبات التي كانت منارة للأدب الطليعي والانساني أبوابها، وتحولت إما الى محل بيع أحذية، أو مأكولات، أو تصريف عملة… إنّه أمر محزن للغاية...
من جانب آخر لابد من الاشارة إلى أنّ كثيراً من الأجيال التي ترعرعت في ظل الثقافة السوفيتية /الروسية سواء ممن درس في الجامعات والمعاهد الروسية، أو تربى على تلك الثقافة بقي مخلصاً لها ويعمل ضمن ظروف صعبة للغاية على متابعة ذلك النهج عبر ترجمة اعمال روسية للعربية ( كما يفعل الأساتذة: شاهر أحمد نصر, عاطف البطرس، د. ثائر زين الدين، والأديب والشاعر أيمن أبو الشعر... والقائمة تطول)، واستمرار التواصل مع المؤسسات الثقافية الروسية. وأتمنى أن يقوم المركز الثقافي الروسي في دمشق بتفعيل جهوده في هذا المجال، ويدعم أي نشاط يرمي الى تقوية وجود الثقافة الروسية في سورية... ولوزارة الثقافة دور مهم طبعاً في هذا المجال… أعتقد أن هكذا عمل يحتاج الى دعم مؤسسات، لا يمكن لأفراد القيام به وحدهم مهما بذلوا من جهد... ختاما أعدّ جيلي محظوظاً لأنه عاش في مرحلة ازدهار الأدب السوفيتي- الروسي في سورية كما وفي البلدان العربية الأخرى. إن التعاون الثقافي بين سورية وروسيا ليس وليد بضع سنوات، إنما جذوره راسخة وعميقة في تاريخ العلاقات بين البلدين والشعبين الذي نأمل ان يستمر ويتطور".
تحدث الأستاذ "محمد سلوم" مراسل صحيفة "قاسيون" عن دور (دار التقدم) في انتشار روائع الأدب الروسي، وآداب شعوب الاتحاد السوفياتي في النصف الثاني من القرن العشرين، فصلاً عن دور معارض الكتب التي كانت تقوم بها دور النشر، أو المكتبات المركزية التي كانت تتعامل مع (دار التقدم)، وانتشار المكتبات في أعلب المدن، وكان المثقف السوري يعرف معظم رواد الأدب الروسي (السوفياتي) آنذاك، أكثر مما يعرفه عن أدباء بلده، وهذا يعود لسببين أساسين: الأول: التربة الخصبة لاستقبال هذا النوع من الإصدارات لأنّها حوامل منتجات هذه الأفكار التي كانت سائدة... السبب الثاني: هو عدم وجود دور نشر عالمية تتفوق على اصدارات (دار التقدم)، لا بجودة الطباعة ونوعية الورق، ولا بأهمية وأهمية العناوين التي كانت تصدر آنذاك، وبالتالي هذه الدار حققت آمال وطموحات تلك الأجيال للتزود بالمعرفة العالمية ومنتجات هذا الفكر، بأسعار تناسب الجميع، بلا استثناء...
بعد التسعينات تغير الوضع، أصبحنا نحن رواد قراءة واقتناء إصدارات الأدب الروسي، لا نعرف عنه شيء إلا من خلال زملائنا المترجمين، بسبب التخلف في مواكبة مفرزات الثورة العلمية التكنولوجية الرقمية، وسرعة انتشار المعلومة، ومنها الأدب، وبالتالي تعدد الوسائط والوسائل في عملية الانتشار... والمطلوب الآن إصدار كتب بأسعار تناسب القراء، واستخدام كل الوسائل المتاحة حاليا الإعلامية والالكترونية (كوسائل التواصل الاجتماعي) وغيرها، فتعاظم مكانة روسيا ينبغي أن يرافقه انتشار أدب هذه المرحلة، بوسائل في متناول الجميع، مع التنويه بدور المترجمين، والمحطة الإعلامية (روسيا اليوم)، وضرورة تعميق دور الأدب الروسي بتطوير الوسائل الداعمة لمنتجات هذا الأدب كي يدخل بيوت الناس، ويساهم في صقل وتنمية وعيهم، ونمط تفكيرهم..."
ويذكر العميد الدكتور "علي الحج" أنّه حينما سافر "لمتابعة اختصاصه الطبي في لينينغراد كانت لدينا دروس مسائية في اللغة والأدب الروسي، وكنت قد قرأت مثلي مثل أكثر أبناء جيلي ترجمات الأدب الروسي، والسوفييتي وحيما ذًكر يسينين، وشغفه بشجرة البيريوزكا وعشقه لها وربطها بأرض روسيا وقصيدته الرائعة لجدته، كانت فرحة المعلمة كبيرة، وفي اليوم التالي أهدتني ديوان يسينين بنسخة قديمة من مكتبتها، إذ كانت من عشاقه".
ويعدّ المهندس "حيدر نصر" "انتصار الثورة البلشفية تحولاً عميقاً في كافة نواحي الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية فتأسست الأحزاب الشيوعية في كل بلدان العالم وكان لهذه الأحزاب دوراً مهماً في ترسيخ قيمها وانتشار مبادئها، فازدهرت ترجمة الأعمال الأدبية والعلمية والسياسية الروسية إلى كافة لغات العالم. وقد حجزت هذه الأعمال مواقعها في المكتبات العربية فلا تخلو مكتبة مثقف، أو كاتب من العديد من الأعمال الفكرية والأدبية الروسية. كما أنّ التنوع الواسع للأدب الروسي جعله يستهدف كل شرائح المجتمع ملامساً مثلها العليا (الحق، والخير، والجمال). لقد تميز الأدب الروسي ببعده الاجتماعي الإنساني، وتبلورت الواقعية الاجتماعية على يد الأدباء الروس، حيث كانت رواية الأم لمكسيم غوركي نموذجاً لمواجه الأدب للظلم الاجتماعي، وكانت ملهمة الشباب للتحدي والنضال من أجل الحرية.
إننا نشم رائحة الأدب الروسي في غالبية أعمال كثير من الكتاب، وبرأيي يعتبر الأدب الروسي من أمهات مصادر أعمالهم... ولا أحد يستطيع نكران الدور المهم، والمساهمة الفعالة للأدب الروسي في نشر الوعي الاجتماعي والسياسي، ولا سيّما، في الفترة الممتدة من الخمسينيات وحتى نهاية القرن الماضي.
الأعمال الأدبية الروسية الفذة لا تموت لما تحمله من تجارب وقيم اجتماعية إنسانية، من تلك الأعمال، على سبيل المثال لا الحصر: "الجريمة والعقاب"، "آنا كارنينا"، "الأم"، "المعلم ومارغريتا"، و"الحرب والسلم" وأعمال "بوشكين"، و"تشيخوف"، و"تورغينيف"... وغيرها.
كانت الأحزاب الشيوعية، ومعتنقو الفكر الماركسي الحامل الأساسي لهذه الأعمال الأدبية... إنّما بعد حصول المتغيرات العميقة في العالم، أرى أنه من المفيد إعادة نشر هذه الأعمال والترويج لها بالندوات والحوارات ووسائل التواصل الاجتماعية".
ولتغطية الجانب العملي لانتشار الثقافة الروسية وسط الشبيبة، وأطفال المدارس استطلعت آراء أساتذة سوريين يعملون في هذا الميدان، فتحدثت عن ذلك
المهندسة يسرى صبح - التي درست الهندسة في الاتحاد السوفيتي – والتي تدرّس اللغة الروسية للتلاميذ في المدارس ونوهت إلى تأثير الأدب الروسي في الثقافة العربية، ولا سيما، في الشبيبة التي تتابع تحصيلها العلمي في الاتحاد السوفيتي. فقد تعمق عدد منهم في دراسة الأدب الروسي، وترجم عدد منهم كثيراً من الكتب لشعراء وأدباء روس. وتوسع التفاعل مع الثقافة الروسية في سوريا بعد إدخال اللغة الروسية في مناهج التعليم، وتعمق ذلك التفاعل عبر المبادرات، والنشاطات المشتركة التي تقوم بها وزارة التربية السورية بالتنسيق مع نظيرتها الروسية، وجامعة موسكو الحكومية... فقد تم انشاء مركز روسي في جامعة دمشق يعمل على توطيد العلاقات بين الطلاب والتلاميذ السوريين ونظرائهم الروس من خلال مسابقات سنوية تحت عنوان روسيا - سورية في عيون الاطفال السوريين، تتضمن هذه الفعالية مسابقات في الرسم، والغناء، والرقص، والشعر، والقصص باللغة الروسية، ويوفد الفائزون في رحلة ترفيهية الى روسيا ليلتقوا مع الأطفال الروس، و يشاركونهم فعاليات تحت اشراف وزارتي التربية في البلدين...
كما تقوم وزارة التربية الروسية سنوياً بإرسال اختصاصين باللغة الروسية من جامعة موسكو للاجتماع بمدرسي اللغة الروسية في سورية، والمحاضرة بهم عن طرائق تدريس اللغة الروسية كلغة اجنبية... كما تقوم الجالية الروسية في سوريا بتنظيم فعالية احتفالية سنويا بمناسبة يوم المرأة العالمي، ويوم النصر كل عام في محافظة بحضور ممثلين عن السفارة الروسية، ومنذ فترة قريبة نُظم احتفال في دمشق بمناسبة عيد الماسليتسا الروسي قدم فيه أطفال سوريون رقصات بالزي الفلكلوري الروسي معبرين عن حبّهم للغة الروسية عبر أغانيهم، وقصائدهم".
وأوجز الدكتور والمخرج السينمائي "فداء عباس" خريج معهد الإخراج السينمائي في موسكو - رأيه باختصار قائلاً: "بغض النظر عن البعد الجيوغرافي، واختلاف اللغة إلا أن الأدب الروسي أثر تأثيراً واسعاً في الأدب والسنيما العربية، ولا سيّما، في شبابنا أجيال ما بعد الخمسينات، فقد كنا على اطلاع بأمير روسيا (بوشكين)، ودستيوفسكي، ومايكوفسكي الخ وتأثرنا بهم... أما الآن فإنّ تأثير الأدب الروسي في شبابنا، ومثقفينا ليس بالقوة التي كان عليها في عهد الاتحاد السوفيتي، وثمة عدة أسباب لذلك؛ منها التطور التكنولوجي، الذي جعل نسبة الشبيبة، أو المثقفين الذين يهتمون بالقراءة تنخفض كثيراً، أو أصبحوا يقرأون العناوين فقط، حسب رأيي، ولمعالجة هذه المسألة ينبغي:
- تطوير الكتب الإلكترونية الجذابة في بلدنا لتلامس إحساس الشبيبة، كي يستطيعوا تحميل الكتب التي يرغبون بها...
- إضافة مادة في المناهج الثانوية عن الأدب الروسي...
- الاهتمام بترجمة الكتب، والأدب الروسي ترجمة دقيقة...
- الاهتمام بإنتاج الأفلام الدرامية و(مسلسلات) من وحي الأدب الروسي".
وتروي المهندسة المعمارية الأستاذة "ديانا المعلم" كيف "تربى جيل سبعينيات وأوائل ثمانينات القرن العشرين في سوريا على برامج أطفال أغلبها ذات خلفية ثقافية روسية, كان للقصص الروسية العالمية نصيب وافر فيها؛ إذ لم يخلُ أسبوع من قراءة رواية روسية ممتعة، أو مشاهدة قصة قصيرة، أو فيلم كرتون روسي، مثل: "امينوشكا"، و"الاحمق مارشاك"، و"السيدة الصغيرة عقعق"، وهي قصص تعليمية هادفة للأطفال، تغني ذهن المتلقي بقيم المحبّة، والصداقة النبيلة والجمال...
ومن الملاحظ أنّه بعدما رزقنا بأطفال - وصرنا نتابع معهم البرامج الجديدة التي تبثها محطات الأطفال التلفازية - اختفاء كامل وواضح للقصص الروسية العالمية، وأفلام الكرتون ذات الخلفية الثقافية الروسية، وظهور اتجاه واضح للثقافة الرقمية لبناء جيل مؤمن بالحضارة الامبريالية، وانتشار واضح للموسيقى الغربية الصاخبة... وحينما نحتك بالجيل الجديد نرى أنّ أبناء مطلع الألفية الجديدة لا يمتلكون أدنى معرفة بأسماء الأدباء والمفكرين، والمبدعين الروس، وقد استبدلت الثقافة الراقية ببرامج عن بطولات التتار، والبطولات المذهبية الدينية، وقصص غزو الفضاء... الخ. فثمّة اتجاهات واضحة لإبعاد الجيل الجديد عن الثقافة العريقة...
لقد أفادتني تجربتي الشخصية المتواضعة بوجود تأثير بسيط للثقافة الفنية الروسية في الجيل الحالي عبر تدريس الأطفال مادة الصولفيج، إذ تعتمد النوتات الغنائية على مقطوعات من أغانٍ روسية، وهذا أمر مفرح يذكرنا بالقصص الروسية التي كنا نقرأها في طفولتنا، وبالأفكار والقيم التي ينبغي غرسها في أذهان ووعي، ونفوس الأطفال. إنّما، وللأسف ما يزال وجود الثقافة الروسية في الفضاء الثقافي العربي ضعيفاً، أو يمكن أن نقول: لقد أزالوها..." وتدعم الأستاذة "ديانا المعلم" قناعتها برأي شاب صديق - يحمل شهادة تجارة واقتصاد، ويعمل في صيانة الأجهزة الإلكترونية – لخص الحالة الثقافية السائدة بقوله: "إنّ أثر الدعاية الغربية الصاخبة أقوى، فتصل تلك الدعاية إلى المتلقي بسلاسة وسرعة أكبر، عن طريق نشر الألعاب، والأفلام والمسلسلات الغربية ذات التأثير الأقوى، والأكثر فعالية، إننا جميعاً نعرف نمط حياة الأمريكي، بيد أننا لا نعرف نمط حياة الروسي، ولا نعرف شخصية الروسي المعاصر، إنّما لا وجود للأدب الروسي الحديث في حياتنا، ولا أثر له، حسب رأي هذا الشاب... توجد محطة تلفاز: "روسيا اليوم"... نحن نعرف صواريخ روسيا، دبابات روسيا، طائرات روسيا وغواصاتها، ونسمع بالنفط والغاز الروسيين؛ هذه هي الشخصية الروسية في أذهان الشبيبة العربية".
للأدب الروسي عموماً تأثير في صياغة وعي الشبيبة، إنما يمتلك أدب تشيخوف تأثيره المميز في صياغة وعي وأساليب الكتابة لدى فئات الشبيبة التي تستهويها حرفة الكتابة...
وفي بحث الأديبة والناقــدة ميرفت علي عن جذورُ الأدبِ الروسيِّ في الثقافةِ العربية، وتأثيرهُ على الشبيبة، ولا سيما الكتاب منهم، أخذت (تشيخوف) أنموذجاً، واستطردت تقول:
من أروع هِباتِ القرنِ التاسعَ عشرَ وعطاياهُ - وبالتحديدِ عشريناتهِ - هو الأدبُ التشيخوفيُّ الذي خرجَ إلى العالمِ برؤيةٍ قصصيةٍ ومسرحيةٍ مُمايزةٍ وجدليَّةٍ، هازئةٍ من كلِّ ما يُضيمُ الإنسانَ ويحطُّ من قدْرهِ، وفي مقدمةِ ذلكَ الإنسانُ نفسهُ الذي ارتضى الركونَ في زاويةِ التهميشِ، والإقصاءِ المتعمَّدِ، والترويضِ لأنماطِ سلوكهِ ولرُؤاهُ، وصُودرَ منهُ حاضرهُ وبالتالي مستقبلهُ، ليغدوَ كالبهيمةِ التي تُساقُ إلى مرعى البلاهةِ والغبنِ والحماقةِ المُستديمةِ، بل تورِّثُ نسلَها ذاكَ الخواءَ العقيمَ، والهبائيَّميةَ المستفزَّةَ التي لا مبرِّر لها.
تلك هيَ الثِّيمةُ الأساسيةُ لمُجملِ ما تركَ لنا (أنطون تشيخوف)، طبيبُ الجسدِ والنفسِ في كائناتهِ الأدبيةِ التي اكتسبتْ مزيةَ الخلودِ، وبراءةَ اختراعِ الديمومةِ، وعبورَ الأزمنةِ والأمكنةِ والأمصارِ والأعراقِ، مُؤثِّرةً في جيلِ (تشيخوف) تأثيراً بيِّناً جليَّاً صقلَ وعيَ القارئِ وإدراكَهُ، وأحدثَ رجَّةً في ذاتهِ المبعثرةِ المُتشيِّئةِ، وفي شتاتهِ المُتناثرِ.
واستمرَّ (تشيخوف) مؤثِّراً في القراءِ بـ(أعمالهِ الكاملةِ) بالعمقِ وبالجلاءِ ذاتِهما، دامغاً الأجيالَ ببصمةٍ لا تُمحى منَ التأثيمِ ومُحاكمةِ الذاتِ الإنسانيةِ؛ لارتهانِها الطويلِ للنَّبذِ وللتجرُّدِ منَ القيمِ، ولارتضائِها بالأقلِّ منَ القليلِ، وبالحدِّ الأدنى لتجاوزِ الحيوانيَّةِ والبهائميَّةِ إلى تُخومِ الأنسنة. فكيفَ ننسى (تشيخوف)، وقد أوقدَ في نفوسِنا حسَّ الرومانسيةِ الناقدِ...
وكيف ننسى قصصه، وذلكَ القدْرَ المثيرَ منَ التكثيفِ والإيجازِ والإشباعِ النصيِّ بمُغرياتِ الولوجِ إلى عالمٍ دلاليٍّ ساخرٍ، فكاهيٍّ، طريفٍ، مضحكٍ ومُؤنسٍ حيناً، ومترعٍ بالأسى وبالجنائزيَّةِ وبالنَّدبِ حيناً آخرَ؟ و كيف ننسى إدانةَ روتينيَّةِ الحياةِ وبلادتِها وتكلُّسِها في السهوبِ، كما في المدنِ الآهلةِ بالسكانِ، وخاصةً لدى شريحةِ موظّفي الحكومةِ، ومؤسساتِها ومُؤسِّسيها المدموغينَ بالبيروقراطيةِ، وبالبُنى والمفاهيمِ والشعاراتِ الحزبيةِ الصمَّاءِ البكماءِ؟...
كيف ننسى نصَّهُ الموسوم بسمةَ التحليقِ بفضلِ الإيجازِ المركَّزِ، مُختزلاً الوقتَ والجهدَ على المتلقِّي، وقدَّمَ خيرَ مقالٍ لخيرِ مقامٍ، بلغةٍ أدبيةٍ بسيطةٍ، مأنوسةٍ، لم تخلُ من استعاراتٍ وجوازاتٍ وصفيَّةٍ مثيرةٍ للدهشةِ ولشهيَّةِ القراءةِ كقوله:
(التربةُ رائعةٌ جداً، إلى حدِّ أنكَ لو زرعتَ فيها رجلاً ناحِلاً، فستُنبتُ مارداً).
وليس غريباً على مبدع أدبيٍّ متفوقٍ كــ (أنطون تشيخوف) أن يدليَ بدلوٍ طافحٍ بالانسيابيَّةِ، وبالسلاسةِ في عالمِ أدبِ الأطفالِ، فينفذُ ويعلمنا والأدباء الشبان كيف ننفذ إلى قلوبِ القرَّاءِ الصغارِ نفاذَ المعلِّمينَ العارفينَ بطبائعِ التلاميذِ، دونَ أن يُؤستذَ نفسهُ أو يفرضَ فنَّهُ على أحدٍ، أو يتباهى بهذهِ الفضيلةِ الأدبيةِ، وبذلكَ الإلهامِ الخصبِ، ويُعد أدبه مثالاً ساطعاً لتأثير الأدب الروسي في الشبيبة...
تشيخوف أستاذَ حياةٍ قبلَ أن يكونَ أستاذَ قلمٍ. وقد أثَّرَ فينا كقرَّاء عربٍ منذُ إِقبالِ يَفَاعتِنا، ومازالت أعمالهُ الكاملةُ مرجعاً فذَّاً لمتذوِّقي الأدبِ من غيرِ المختصِّينَ، فما بالكَ بدارسيه!
وفي علاقة الأدب الروسي والسوفييتي بالمثقفين والقرّاء العرب في القرن العشرين، يرى الناقد الأدبي والمفكر "عطية مسوح" أنّ "العلاقة بين الأدب الروسيّ والقرّاء العرب تتجاوز القرن وربع القرن, فقد درس مئات الطلاّب السوريين (من سورية، ولبنان، وفلسطين) في المدارس التي أقامتها روسيّة في فلسطين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر, وأنهى كثيرون منهم ما يعادل المرحلة الثانويّة في أيّامنا, وتعلّموا اللغة الروسيّة, واطّلع بعضهم على الأدب الروسيّ, وأتمّ بعض المتفوّقين منهم الدراسة في الجامعات الروسيّة منذ أوائل القرن العشرين".
"ومن أولئك المتعلّمين من ًأصبحوا أدباء مرموقين كميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة. كما بدأت ترجمة الأدب الروسيّ الكلاسيكيّ في أوائل القرن العشرين في بلاد الشام ومصر, فتعرّف قرّاء بلادنا إلى الأدباء والمبدعين الروس. واستمرّت العلاقات الثقافيّة ونمت في العهد السوفييتيّ, ونشطت الترجمة, فغدا الأدب الروسي الكلاسيكيّ والواقعيّ (الاشتراكيّ) من أهمّ مصادر الثقافة للشباب السوريّ التقدّميّ الطامح إلى التغيير".
"بدأ الأدب الروسيّ يسهم في تشكيل وعيي الأدبيّ شخصياً مذ كنت يافعاً, وأذكر أنّني في مرحلة الدراسة الثانويّة, قرأتُ بضع روايات روسيّة مترجمة - عن الفرنسيّة أو الإنكَليزيّة - إلى العربيّة, للكلاسيكيّين الروس الكبار, ورواية (أين الله) لغوركي وهي من ترجمة الكاتب الحمصيّ نظير زيتون, ثمّ الرواية الشهيرة (الأم) لغوركي أيضاً, ووجدت فيما قرأته ما شدّني إلى ذلك الأدب, فتابعت ذلك. أهم ما وجدته فيه تلك النزعة الإنسانيّة العميقة والأصيلة".
"استفادت الرواية الروسيّة, من تراكم خبرة روائيّي العالم, وأسهمت بدورها في ذلك التراكم, لكنّ أهمّ ما ميّزها تلك النزعة الإنسانيّة, سواء في السخرية من مرارة الواقع, كما لدى غوغول, أم في تصوير القهر والتعاطف مع المقهورين والفقراء والضعفاء, كما لدى تولستوي, أم في كشف أعماق النفس الإنسانيّة بكلّ ما فيها من تنوّع وتعقيد ونوازع, كما لدى دوستوييفسكي, أم بالشغف الرومنسيّ السامي والواقعي, كما لدى تورغنيف, أم بتصوير القاع الاجتماعيّ والتناقضات الواقعيّة برهف وإحساس كما لدي تشيخوف وغوركي وسواهما. كلّ ذلك يأتي في أطر فنّيّة عالية المستوى وفق مقاييس زمنها, أطرٍ تتابع وتغني ما بدأه بوشكين الذي يُعدّ مؤسّس الأدب الروسيّ الحديث".
"لم يكن الأدب الروسيّ وحده هو المؤثّر في بنائي الوجدانيّ, فقد تكامل تأثيره مع تأثير كتّاب آخرين (هيجو – غوته – همنغواي – كالدويل – تشاينبك – لوركا...) والمفكّرين والأدباء العرب في النصف الأوّل من القرن العشرين, والكثير ممن قرأت لهم في مرحلة الشباب, مرحلة التكوين الثقافيّ وتراكمِ عوامل النضج الفكريّ والنفسيّ".
"في الستينيّات والسبعينيّات من القرن العشرين أخذت دار التقدّم ودور سوفييتيّة أخرى تنشر روايات وقصصاً بالعربيّة, كان قسم كبير منها يتناول موضوع البطولة والصمود والتضحية في الحرب الوطنيّة العظمى, أو الكفاح المتفاني من أجل الإعمار بعد دمار الحرب, فأسهمت هذه المنشورات في إذكاء الروح الثوريّة والوطنيّة في نفوس شبابنا, وكنت واحداً منهم.."
"وإضافة إلى الكتب الأدبيّة, عمرت مكتبتي بالكتب الفكريّة والسياسيّة والفلسفيّة الماركسيّة التي أصدرتها دار التقدّم وغيرها, والتي كانت مصدراً مؤثّراً في صياغة الوعي السياسيّ لديّ كما لدى الكثير من الشباب السوريّ".
"بظهور مذهب الواقعيّة الاشتراكيّة, مال الكثير من أدباء سورية ولبنان ودول عربيّة أخرى إلى نشر مبادئ هذا المذهب وتكوين تيّار أدبيّ يستلهم مبادئه, وتُوّج هذا الميل بتأسيس (رابطة الكتّاب السوريّين) في أواسط خمسينيّات القرن العشرين. احتضنت الرابطة الكتّاب الشباب ورعت نتاجهم الأدبيّ, وصار تيّار الواقعيّة الاشتراكيّة من أقوى التيّارات الأدبيّة في سورية".
"بطبيعة الحال, ونتيجة للأحاديّة السياسيّة والفكريّة التي كانت عماد النظام السوفييتيّ, برزت النزعة الآيديولوجيّة بوضوح في أدب الواقعيّة الاشتراكيّة بعامّة... وأثّر ذلك على الوعي الأدبيّ لدى المثقّفين والكتّاب الشباب عندنا, الذين كانوا يرون الأدب السوفييتيّ مثلاً للواقعيّة الاشتراكيّة وقدوة أدبيّة إن صحّ التعبير, فأخذ بعضهم بمبدأ تغليب الآيديولوجبا والمحتوى الشعبيّ أو الثوريّ على السموّ الفنّيّ, أو- على الأقلّ – تساهل فنّياً لصالح المحتوى التقدّميّ للعمل الأدبيّ".
"وأثّرت النزعة الأيديولوجيّة الأحاديّة على مفهوم الثقافة الوطنيّة, فقد حُمّلت حمولة "طبقيّة " لا يدخل النتاجُ الأدبيّ مملكة الوطنيّة إلاّ بها, وهذا ما ضيّق مفهومها".
"كما أنّ أحاديّة المذهب الأدبيّ في الأدب السوفييتيّ نحو نصف قرن أدّت إلى نوع من الترهّل الأدبيّ بسبب غياب التفاعل بين المناهج والمذاهب, وانحصار التنافس في الساحة الأدبيّة بين ذوي الاتجاه الواحد, وهذا ما يُفقد الأدب أحد عوامل تطوّره وغناه".
"وثمّة ظاهرة سلبيّة أخرى تجلّت لدينا, عزّزها انتشار الكتب الأدبيّة والفكريّة السوفييتيّة الصادرة بالعربيّة, ورخص ثمنها, وهي الأحاديّة الثقافيّة لدى كثير من الشبان – وبعض العاملين في النشاط الثقافيّ- نتيجة لاقتصار ثقافتهم على تلك الكتب, وبرزت نقطة الضعف هذه لدى الكثير من أعضاء الحزب الشيوعيّ وأصدقائه... وغيرهم من أعضاء بعض الأحزاب اليساريّة".
"أخيراً, من المؤسف أنّ علاقة قرّائنا بالأدب الروسيّ قد ضعفت بعد تفكّك الدولة السوفييتيّة, فعلاقة المثقّفين السوريّين بالأدب الروسيّ المعاصر محدودة, وقلّما نجد من يتابع في الأدب الروسيّ ما صدر في العقود التي تلت التفكّك, وأنا شخصيّاً سُررت لمّا ترجم أخي الدكتور مسّوح مسّوح بعض النتاجات الأدبيّة الروسيّة الصادرة بعد تفكك الدولة السوفييتيّة, ومنها مجموعة قصصيّة للكاتبة فيكتوريا توكاريفا, وديوان شعريّ للشاعرة باخو ميسيدو رسولوفا. وكان قد ترجم قبل ذلك أشعاراً ليسينين، وحمزاتوف وغيرهما".
"الأدب الروسيّ غنيّ جدّاً, وعلينا الاستمرار في متابعته وترجمته والإفادة منه".
تبين الدراسة أعلاه أنّ للثقافة الروسية تأثير فعّال في صياغة وعي الشبيبة العربية، ومن المفيد تعزيز هذه المهمة بتنفيذ الإجراءات التالية:
الشبيبة في حاجة إلى قدوة حسنة، فهل نقدم لهم القدوة الحسنة؟ وكيف؟ بشن الحروب، أم بنشر ثقافة المحبة؟
- دعم الكتّاب والكتاب مالياً ومادياً، وإعادة طباعة نفائس الأدب الكلاسيكي الأصيل، وإحياء دور المكتبات، والاهتمام بمعارض الكتب، وزيادة عدد مناطق إقامتها لتشمل البلدات والإرياف، فضلاً عن مختلف المدن.
- تنظيم مؤتمرات وندوات سنوية للتعريف بنتاج أهم الكتاب والمفكرين، والفلاسفة الوطنيين والأمميين... وإقامة مسابقات للأدباء والأديبات من الشبيبة...
- تعزيز دور المؤسسات الثقافية، والكتاب والمترجمين لنشر الثقافة الروسية والاستفادة من طاقاتها الإبداعية في صياغة وتحصين القيم الإنسانية في وعي الشبيبة العربية، بما يخدم تعزيز الصداقة بين الشعوب العربية، والشعب الروسي.
#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟