|
محمود درويش تجاوز النوبل مرتين
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 - 10:32
المحور:
الادب والفن
جاء درويش الى السويد قادما من ارض الحصار جاء يخترق الحواجز باصالة العطاء المتدفق انسانية وشجن وحماسة وغناء وايقاع ، جاء يعزف سمفونية الحرية التي لا يريد لها حدود ، جاء ليعقد عقدا ويشهد الشهود ، جاء ليواصل ملحمته في اختراق حوائط العزل الابارتيتي الجديدة ، فالصوت وضوء الكلمة لن يستطيع ايقافهما اي شرطي مهما كان مدججا بالمعادن واجهزة المنع القديمة والحديثة ، الفضاء لايحجز الافكار انه خير وسيط لنقلها ، انها تطير بلا اجنحة كما قال ابن رشد ، فاليجتمع البعيد بالقريب والمجهول بالمعلوم ، والنكرة بالمعرفة ، والمألوف بالغريب ، جاء محلقا في سماء بلاد الفايكنغ عابرا على جدارالعزل العنصري وساخرا منه ، فحصارالجبابرة على الناس والانفاس لايجدي ، جاء يفوح باحساس لا يجهله مقياس . جاء ليشارك في المعرض السنوي للكتاب الدولي في مدينة يتوبوري السويدية المنعقد من 21 ـ 24 سبتمبر تحت عنوان حرية الرأي بمشاركة 44 كاتب واديب ومفكر وناشط من مختلف بلاد العالم وبمشاركة 42 دار نشر عالمية وكان من ابرز المشاركين هذا العام محمود درويش ونسرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام . يعتبر هذا المهرجان الثقافي واحدا من اكبر المعارض في اوروبا والعالم من حيث عدد دور النشر الكبيرة المشاركة فيه وعدد الاصدارات المعروضة وكذلك تنوع فعالياته من ندوات ودورات وعروض ومبيعات ويشارك اغلب ضيوف المعرض بلقاءات تلفزيونية واذاعية وصحفية تساهم بالتعريف بهم وبادبهم ، علما ان مبيعات الكتب تزداد بوتيرة عالية في السويد واوربا عموما بسبب من نجاح اساليب التسويق الحديثة ففي هذه السنة ارتفعت نسبة المبيعات الى حوالي 15 % عن العام الماضي ! لقد اثار قدومه تساؤلا كبيرا لدي عن مدى بعده وقربه واستحقاقه القديم والجديد لنيل جائزة النوبل ، ووجتني اجيب نفسي بانه يستحق نيلها مرتين ، وقد يكون نيلها المتاخر ان حصل رافعة جديدة للادب العربي وهمومه اضافة لكونها نافذة تواصل مطلوبة ، ومن من ؟ من عاشق فلسطين لكسر حصار المتغولين على شعوبنا ظلما وعدوانا .
المرة الاولى :
عندما قال في قصيدة تلخص مراحل كاملة من تاريخ شعب ، وتكثف نضج فكري وفني وتتبادل الابداع في الاجادة بين الصوت والصورة والرمز والاستدعاء والاستعارة والنبوغ في استنطاق الفكرة ، كانت معلقته الفتية بطاقة هوية :
بطاقة هوية
سجل ! انا عربي ورقم بطاقتي خمسون الف واطفالي ثمانية وتاسعهم . . . سيأتي بعد الصيف ! فهل تغضب ؟ سجل ! انا عربي واعمل مع رفاق الكدح في محجر واطفالي ثمانية اسأل لهم رغيف الخبز ، والاثواب والدفتر من الصخر . . ولا اتوسل الصدقات من بابك ولا اصغر امام بلاط اعتابك فهل تغضب ؟ سجل ! انا عربي انا اسم بلا لقب صبور في بلاد كل مافيها يعيش بفورة الغضب جذوري . . قبل ميلاد الزمان رست وقبل السرو والزيتون . . وقبل ترعرع العشب أبي . . . من اسرة المحراث لا من سادة نجب وجدي كان فلاحا بلا حسب . . ولا نسب ! يعلمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب وبيتي ، كوخ ناطور من الاعواد والقصب فهل ترضيك منزلتي ؟ أنا اسم بلا لقب ! سجل ! أنا عربي ولون الشعر فحمي ولون العين بني وميزاتي : على رأسي عقال فوق كوفية وكفي صلبة كالصخر . . . تخمش من يلامسها وعنواني : أنا من قرية عزلاء . . . منسية شوارعها بلا اسماء وكل رجالها في الحقل والمحجر فهل تغضب ؟ سجل أنا عربي سلبت كروم اجدادي وأرضا كنت افلحها أنا وجميع أولادي ولم تترك لنا . . ولكل احفادي سوى هذي الصخور . . فهل ستأخذها حكومتكم . . . كما قيلا !؟ إذن ! سجل . . . برأس الصفحة الاولى انا لا اكره الناس ولا أسطو على أحد ولكني . . . إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي حذار . . . حذار . . . من جوعي ومن غضبي ! !
قصيدته المتوجة هذه لها اخوات واعمام واخوال واقارب لها مناخ من الابداع المتجاوز الذي يحمل كلا منها عنوانا واسما وروحا نفخها ومنحها اياها شاعرها الذي لا يركد ، عاشق من فلسطين عام 1966 آخر الليل عام 67 ، حبيبتي تنهض من نومها عام 1970 ، احبك اولا احبك عام 1972 ، محاولة رقم 7 عام 1973 ، وداعا ايتها الحرب وداعا ايها السلام عام 1974 ، اعراس 1977 ، كانت حرب 67 مفصلية في تحديد وجهته نحو نوع من النزوح الاختياري المكتشف ، كان الشاعر قد اختار بيروت لتكون ملاذا لانكسارات وسكتات الروح التي ضاقت بالوطن الموبوء بالتعايش المشوه ، له مجاميع شعرية اذا جمعت عناوينها تتشكل لديك بيت قصيدة متعدد الزوايا ، الكتابة على ضوء البندقية ، العصافير تموت في الجليل ، اوراق الزيتون ، شيء عن الوطن ، عصافير بلا اجنحة ، جندي يحلم بالزنابق البيضاء ، يوميات جرح فلسطيني ، اخر الليل نهار !
المرة الثانية : في ام القصائد والمعلقات في رائعته مديح الظل العالي ، عندما غادرت سفينة الثورة مكرهة شواطيها البيروتية ، وذهبت للبحر المحاصر والمواني البعيدة الامنة والمقيدة بالشروط والقيود ، من حصار الى اخر ، وكان يرى الفكرة ثورة ويراها حلما كبيرا والدولة واقعا صغيرا متقزما مشوها !
بحر لأيلول الجديد . خريفنا يدنو من الابواب . . بحر للنشيد المر . هيأنا لبيروت القصيدة كلها. . . . حاصر حصارك لا مفر سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك . . لا مفر وسقطت قربك ، فالتقطني واضرب عدوك بي . . فانت الان حر حر وحر . . قتلاك ، او جرحاك فيك ذخيرة فاضرب بها ، اضرب عدوك . . لا مفر . أشلاؤنا اسماؤنا حاصر حصارك بالجنون وبالجنون وبالجنون ذهب الذين تحبهم ، ذهبوا فاما ان تكون او لا تكون ، . . . يا سيد الشعلة ما اوسع الثورة ما اضيق الرحلة ما اكبر الفكرة ما اصغر الدولة ! . .
ثم تتوالى المعلقات وتتوالى الفصول الجديدة من اسفار الحصار في المنافي وفي الوطن المقطع وفي الدولة الشبح ! حصار لمدائح البحر عام 1984 ، في وصف حالتنا 87 ، ارى ما اريد 90 ، عابرون في كلام عابر 91 ، احد عشر كوكبا 92 ، لماذا تركت الحصان وحيدا 1995 ، جدارية عام 1999 ، واخر اصداراته حالة حصار 2002 . 14 ديوان مع المجموعة الاولى من الاعمال الكاملة مع 17 من اصدارات القصيدة الطويلة الواحدة ، ترجم الى الانكليزية والفرنسية والعبرية ، يعد واحدا من اكثر شعراء الوطن العربي مبيعا ، صوته لم يشخ في اداء اجمل الايقاعات الشعرية وفي التكثيف المركب للجمل والانغام ، يقول في مقطع شعري هو آية وغاية في الشعر الذي يجود نسغ الحياة ويتقاسم شجونها ويستنهضها للعبور الى قزح المستقبل العادل : اذا لم تكن مطرا ياحبيبي . . . فكن شجرا مشبعا بالخصوبة كن شجرا وان لم تكن شجرا ياحبيبي فكن حجرا وان لم تكن حجرا يا حبيبي فكن قمرا في منام الحبيبة كن قمرا هكذا قالت أمراة لابنها في جنازته .
اشعاره حتى لو كتبت نثرا وكلامه المنثور حتى لو لم يدعي الشعر فهو شعرا ، كل ما كتبه يخرج من نبض قلبه وكأنه سمفونيات من الاحساس المعتق والمموسق ، كلها اغاني لروح ثائرة جميلة ، لا نشاز فيها بل هي معصومة عن النشاز . قال احد النقاد العرب عن تجربته : الشعر ماء اللغة به تغتسل من ذاكرتها وتضع ذاكرتها في آن معا وتجربة درويش هي ابنة هذا الماء . معين بسيسو الشاعر الفلسطيني الراحل وصف الشعر بانه رئة اللغة حيث تتنفس من خلاله نسغ البقاء حية . واذا كان الامر كذلك فان محمود درويش رئة من الموسيقى يعزف عليها الشهيق اعذب الالحان ليخرجها الزفير اغاني على شكل اشعار ! لدرويش حكايات مع شجن العراق كما حاله مع الشجن الرديف الشجن الفلسطيني وهو لا يميز بين الشجنين ، بل عندما ينسى شجنه الاول ينحاز للثاني ! ومن قصيدته المعبرة عن هذا الشجن والتي تحمل عنوان الى شاعر عراقي يقول : خلقنا لنكتب عما يهددنا من نساء وقيصر . . . والارض حين تصير لغة ، وعن سر جلجامش المستحيل ، ولنهرب من عصرنا الى امس خمرتنا . وسرنا الى عمر حكمتنا وكانت اغاني الحنين عراقية والعراق نخل ونهران . . . لي قمر في الرصافة لي سمك في الفرات ودجلة ولي قارئ في الجنوب ، ولي حجر الشمس في نينوى ونيروز لي في ضفائر كردية في الشمال الشجن . . . ولي وردة في حدائق بابل . لي شاعر في بويب ، ولي جنتي في العراق .
اخيرا محمود درويش شاعر يحتوي روح وضمير الانسان العربي وشجنه فيه من الشابي ومن السياب ومن البردوني ومن الجواهري ومن دنقل وحجازي وشوقي وفيه من الفيتوري وفيه وفيه روح جديدة تستحق اكثر من نوبل بل تستحق ان تقرأ بكل لغات العالم مع النوبل او بدونها .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايران بين مزدوجين
-
من يحزر في يد من خاتم بغداد ؟
-
نظرتان متقابلتان
-
11 سبتمبرحريق في الرايخشتاغ الامريكي
-
البراءة الكبرى
-
من يوميات الحب السري في بغداد
-
الحرية للكاتبة العراقية كلشان البياتي
-
عصامية نجيب محفوظ
-
الى الاخ سامر ومن خلاله الى كل من يهمه الامر
-
يريدون انفجارا ذريا للعناصر الاجتماعية المشعة في العراق
-
الحرب السادسة ليست اخر حروب المنطقة
-
انهيار البورصة السياسية في العراق الجديد
-
اقطاعية شمال العراق نموذج للديمقراطية الدموية في العراق الجد
...
-
عزل لبنان عن الصراع العربي الاسرائيلي مهمة مستحيلة
-
الحلقة الاخيرة من عراق الازل بين الجد والهزل
-
عراق الازل بين الجد والهزل
-
اجتثاث مكارثي في العراق
-
فدرالية العراق مهيج حيوي للانعزال القومي والطائفي
-
قول الحقيقة لا يغضب احدا سوى اعدائها يا طالباني
-
انظمة عربية لا تحترم نفسها
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|