|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 109
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7392 - 2022 / 10 / 5 - 19:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِّن دونِكُم لا يَألونَكُم خَبالًا وَّدّوا ما عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم وَما تُخفي صُدورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ إِن كُنتُم تَعقِلونَ (118) هنا نهي وزجر ينسب إلى الله للمسلمين عن الركون إلى غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، وبطانة المرء هي خاصته الذين يستبطنون أمره، أي يطلعون على شؤونه الخاصة وأسراره، وكما ذهب إليه المفسرون هو نهي للمسلمين أن يتخذوا من غير المسلمين من مشركين ويهود ومسيحيين مقربين يسرونهم بشؤونهم الخاصة، ويتبادلون معهم الآراء ووجهات النظر في أمور خاصة وعامة، فالإسلام كما سائر الأديان لاسيما اليهودية تنهى عن الصداقة الحميمة مع أتباع الأديان الأخرى أو غير التابعين لأي دين، بل رجح لهم رجال الدين المتزمتون مستندين إلى نصوص مقدسة ألا يجاملوا أو حتى يحادثوا المغايرين في العقيدة، المنعوتين بـ(الكفار) في الإسلام و(الغوييم) في اليهودية. هاأَنتُم أُلاءِ تُحِبّونَهُم وَلا يُحِبّونَكُم وَتُؤمِنونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقوكُم قالوا آمَنّا وَإِذا خَلَوا عَضّوا عَلَيكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الغَيظِ قُل موتوا بِغَيظِكُم إِنَّ اللهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ (119) ويبلغ الاستنكار على المسلمين ذوي العلاقات بغير المسلمين أعلى مراتبه، عندما يرى منهم أنهم يحملون تجاه أولئك مشاعر المودة، فتدعي هذه الآية إن المحبة حاصلة من جهة واحدة، فهم أي المسلمون يحبون هؤلاء، بينما لا يبادلونهم هم بالمحبة أيضا. وبكل تأكيد إن هذا كان ينطبق على فريق من غير المسلمين الذين يتخذهم بعض المسلمين أصدقاء لهم، ولكن لا يمكن إطلاق الحكم بشكل عام، فلا بد أن هؤلاء غير المسلمين من كان يبادل أصدقاءه المسلمين نفس المشاعر. وتقول الآية مخاطبة المسلمين إن غير المسلمين: «إِذا لَقوكُم قالوا آمَنّا وَإِذا خَلَوا عَضّوا عَلَيكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الغَيظِ»، فمن الراجح أن من هؤلاء كان من يسلك هذا السلوك، ولكن المشكلة في الثقافة الدينية هو اعتمادها لتعميم وإطلاق الأحكام، إلا ما ندر. ومن أجل أن يجري تثقيف المسلمين على التعميم والإطلاق، ينسب هذه التعميم والإطلاق إلى الله بقول «إِنَّ اللهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ»، إذن الله هو الذي ينبئهم بأن هذا الحكم على الكافرين أي غير المؤمنين بالإسلام عاما ومطلقا، ثم من أجل أن يجري بعث الضغينة والكراهة في قلوب المسلمين تجاه المغايرين لهم بالعقيدة، تحثهم على من تفترض أنهم يحملون غيظا تجاه المسلمين، أن يردوا عليهم بقول «موتوا بِغَيظِكُم». والآيات عديدة تلك التي تحث على الكراهة والعداوة، ومنها حث المسلمين على الاقتداء بإبراهيم والذين آمنوا معه بقول: «قَد كانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبراهيمَ وَالَّذينَ مَعَهُ إِذ قالوا لِقَومِهِم إِنّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ كَفَرنا بِكُم وَبَدا بَينَنا وَبَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضاءُ أَبَدًا حَتّى تُؤمِنوا بِاللهِ وَحدَهُ». وإن كنا نرى آيات جميلة تمثل حالات نادرة تشذ عن القاعدة تحث على المعاملة الإنسانية مع غير المسلمين كقول «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ للهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلّا تَعدِلُوا، اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوى»، وكذلك قول «لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِّن ديارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ»، ولكن الآيات التي تنقض هذه المعاني الجميلة أكثر بكثير من هذه الاستثناءات النادرة، علاوة على ما تذهب أمهات التفاسير إلى أن آيات التشدد والحث على الكراهة والقتال هي المعول عليها، لأنها قد نسخت ما قبلها من آيات القسط والسلام والتعامل الإنساني والتسامح، التي كانت وقت ضعف المسلمين. إِن تَمسَسكُم حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكُم سَيِّئَةٌ يَّفرَحوا بِها وَإِن تَصبِروا وَتَتَّقوا لا يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بِما يَعمَلونَ مُحيطٌ (120) عندما تنشأ العداوات بين أطراف متعصبة دينيا أو قبليا أو قوميا أو عنصريا أو آيديولوجيا أو أي نوع من أنواع التعصب، فيكون حال كل فريق من الفريقين المتعاديين، في حالتنا هنا بين المسلمين وخصوم المسلمين يكون التشفي والفرح حال أحد الفريقين، عندما يصيب الفريق الثاني مكروه، بينما تراهم يغتاظون عندما يصيب الفريق الثاني خير ورفاه أو انتصار، وإذا كان هذا حال خصوم المسلمين من يهود ومشركين في شبه الجزيرة العربية، فبكل تأكيد هو نفسه حال المسلمين تجاه الذين يسمونهم بالكافرين، فعندما تصيب (الكافرين) مصيبة، يشفي ذلك صدور المسلمين. حالة التشفي عندما يسوء أمر الطرف الآخر، والابتئاس عندما ينالهم خير، هي حاصلة بالتقابل عند الطرفين تجاه بعضهما الآخر. فهي إن كانت مستنكرة، يجب استنكارها بقطع النظر عمن صدرت منه، وإذا افترضنا أنها كانت مقبولة، فيجب أيضا قبولها من كلا الطرفين. وَإِذ غَدَوتَ مِن أَهلِكَ تُبَوِّئُ المُؤمِنينَ مَقاعِدَ لِلقِتالِ وَاللهُ سَميعٌ عَليمٌ (121) إِذ هَمَّت طّائِفَتانِ مِنكُم أَن تَفشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ (122) الركون إلى الاقتتال بسبب الدين أو العقيدة أو أي لون من العصبية والتطرف أو المصالح المادية التي يمكن التفاهم عليها بموازين العدل، أمر مستنكر ومدان، لاسيما هو مستنكر على البادئ بالعدوان، والتاريخ يتيه في مشهد ضبابي، لا ندري متى كان خصوم المسلمين هم البادئون بالعدوان، ومتى كان المسلمون هم البادئون. على الأرجح إن أهل مكة قد اضطهدوا أتباع الدين الجديد في بداية ظهوره، ولعقد كامل لغاية هجرة المسلمين ونبيهم إلى يثرب. وما أن استقر الأمر بمؤسس الدين الجديد وأتباعه في يثرب التي سميت بالمدينة (المدينة المنورة، أو مدينة رسول الله)، وقويت شوكتهم وكثر أتباع الدين، حتى بدأوا يشنون الغزوات على أهل مكة الذي اضطهدوهم من قبل، إذ كانت غزوة المسلمين الأولى بقيادة نبيهم في السنة الثانية من الهجرة وتأسيس الدولة الإسلامية الأولى. ثم كانت بعد سنة من المعركة الأولى المعركة الانتقامية التي شنتها قريش على المسلمين في معقلهم (المدينة)، ألا هي معركة أحد، لوقوعها بالقرب من جبل أحد الواقع في أطراف المدينة، حيث خرج المسلمون إليهم ليدافعوا عن مدينهتم. وعندما علم محمد وأتباعه بقدوم الجيش القريشي إليهم، استشار محمد أتباعه عما إذا يخرجون إليهم أو يستقبلونهم في داخل المدينة، وانقسم المسلمون إلى رأيين، ثم رجحت كفة الخروج فخرج محمد مع من خرج معه إلى محاذاة أحد لاستقبال الجيش المهاجم. من هنا فمعنى «وَإِذ غَدَوتَ مِن أَهلِكَ تُبَوِّئُ المُؤمِنينَ مَقاعِدَ لِلقِتالِ» أي عندما هيأ محمد مقاتله المسلمين بتوزيعهم في مواقع القتال، مما كان يسمى بالميمنة والميسرة وغير ذلك من المواقع، وكان توزيع المقاتلين حسب قبائلهم، وهنا إشارة بقول «إِذ هَمَّت طّائِفَتانِ مِنكُم أَن تَفشَلا» إلى أن مجموعتين قبليتين من المسلمين، اختلف الرواة فيهما، ولا يهمنا ذلك هنا، لأننا لا نبحث في هذه القراءة في السيرة والتاريخ بقدر ما نبحث في المضامين؛ إن هاتين القبيلتين كانت سبب فشل المعركة للمسلمين، بسبب نزولهم من جبل أحد إلى الغنائم.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 108
-
مناقشة لمناقشة قارئ مسلم عقلاني 2/2
-
مناقشة لمناقشة قارئ مسلم عقلاني 1/2
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 107
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 106
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 105
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 104
-
لن ننهض إلا بعد القطيعة مع التاريخ
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 103
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 102
-
الإسلام دين أم دين ودولة 2/2
-
الإسلام دين أم دين ودولة 1/2
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 101
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 100
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 99
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 98
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 97
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 96
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 95
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 94
المزيد.....
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|