أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر ابو حلتم - الشتاء دافئ هناك !














المزيد.....


الشتاء دافئ هناك !


منذر ابو حلتم
قاص وشاعر ، عضو رابطة الكتاب الاردنيين

()


الحوار المتمدن-العدد: 7385 - 2022 / 9 / 28 - 14:50
المحور: الادب والفن
    


ثَمِل بشعورك بالملل، تسير في الشارع المزدحم ووجهك تضيئه مصابيح السيارات المنطلقة بين لحظة وأخرى. وهذا الجو الشتائي الكئيب يجبرك على السير بمحاذاة الأبواب الزجاجية المقفلة. وجوه كثيرة تمر قربك. يخيل إليك أنها حزينة.‍‍
الليلة ستنتهي. نعم، لا يمكن أن يطول الأمر اكثر من ذلك‍!
تمر سيارة مسرعة. ينطلق رذاذ الوحل والشتائم. تضع يديك في جيبي سترتك الجلدية وتمضي.

***

- أنا لا أحب الشتاء. لكني أحب المطر! كانت تقول لك.
يفاجئك المقهى عند المنعطف. تشعر برغبة كبيرة في شرب شيء دافئ. أي شيء. يغريك منظر الدفء الماثل في الداخل. تجلس على طاولة فارغة. كانت لا تفرط في الشرب.
- إذا شربتُ كثيراً فإنني سأبكي. لا أحب أن تراني باكية أبداً! المدفأة الحجرية القديمة كانت تصدر صوتاً خافتاً. تقترب منك، وفي عينيها بحر أزرق دافئ.
- أنا لا أحب الشتاء! عندما كنت تقول لها إن الشتاء في بلادها دافئ رغم الثلوج، كانت تحتدُّ وتقول:
- الشتاء هو الشتاء في أي مكان!
تلتفت حولك. يفاجئك الضجيج اللزج. تنظر في الساعة. إنها العاشرة. صوت أغنية صاخبة لم تفهم منها شيئاً ينطلق من مذياع هرم.
تجيل عينيك في المكان. عيون ناعسة، عيون عابسة، ضاحكة، نائمة... أوراق اللعب تصفع الطاولات بعنف. آه... إنه الحصار يا صديقتي.‍ تأتيك القهوة.
كانت تحدثك بحماس. وعندما كنتَ تضحك وتقول لها إنها تشبه طفلة فلسطينية صغيرة استشهدت قبل سنوات في المخيم، كانت تبتسم وتقول:
- هل حقاً ستذكرني في روايتك الجديدة؟
تشعل سيجارة وتنظر إلى سقف المقهى. دخان لزج يتجمع في الزوايا. تنادي الجرسون وتطلب فنجان قهوة آخر. تقول لك:
- أنت مفرط في شرب القهوة. ثم تتابع بعد أن تصمت قليلاً:
- لا أدري لماذا تذكِّرني ببوشكين. أنت مجنون مثله على أي حال‍!
تبتسم وأنت تتذكر لَكْنَتَها الأجنبية وهي تلفظ اسمك. كنتما تتعمدان ألا تذكرا موضوع السفر.
- ماذا ستكتب عني؟ ثم أنت شاعر ولست روائياً. حتماً ستكون رواية مجنونة مثلك!
تمسح عينيها وتقول:
- يبدو أني شربت كثيراً. ستبعث الرواية لي. أليس كذلك؟ تشرب الكأس ببطء ثم تتابع فجأة بصوت متهدج:
- ستغيب طويلاً؟ لم تكن لديك القدرة على الحديث.
- ألا يمكن تأجيل السفر؟ أعني...
تبتسم بأسى وتقول لها:
- سأكتب لك كثيراً. ثم... من يدري؟ فقد أتمكن من المجيء بعد فترة.
تقترب منك. تطوقها بذراعيك. وصوت المطر يتساقط على النافذة.
أضواء الشارع تقتحم المقهى بين لحظة وأخرى، والشارع يقفر شيئاً فشيئاً. إنه قاع المدينة، يا صديقتي، حيث يعيش القديسون والقتلة، الشعراء الجائعون!
- سأنهي الرواية هذه الليلة. تقول وتنظر إلى الشارع وهو يغرق بماء المطر.
- هل تسمع لتشايكوفسكي؟ فكرة جيدة أليس كذلك؟

***

كانت مستلقية على الأريكة، تطوق صدرها بذراعيها وتنظر إلى سقف الغرفة، فتبدو رموشها طويلة. المدفأة الحجرية القديمة تصدر صوتها الدافئ.
- أتدري؟ لقد بدأت أحب الشتاء. هل ستكتب هذا في الرواية؟
تقول لها بأنها ستكون محور الرواية كلها. تقول لك بصوت مرتعش:
- ألا يمكن أن تسير الأمور في اتجاه آخر؟
تشعل سيجارة وتقول لها بأن العودة الآن هي الخيار الوحيد. تتجمع أمواج زرقاء في الغرفة الدافئة. تشايكوفسكي يحلق كنورس مهاجر. تنهار فجأة، تغطي وجهك بيديك.
- متى سيتغير هذا العالم الأحمق؟!
- أتبكي؟ ألم أقل لك إنك مجنون؟ كانت تبكي هي الأخرى.

***

تخرج من المقهى، فتلفح وجهك ريح منتصف الليل. تضع يديك في جيبي سترتك الجلدية.
عندما تدخل إلى غرفتك الصغيرة.‍ يزداد شعورك بالحصار!
تلقي نظرة على أكوام الكتب المبعثرة. على الكراسي المقلوبة. والملابس الملقاة أرضاً. تجلس على طرف السرير العاري وتشعل سيجارة. لقد أخذوا أوراق الرواية! تنظر إلى الأشرطة المبعثرة على الأرض. تشايكوفسكي ملقى بالقرب من رجل الطاولة!
باب الغرفة يفتح بعنف. عدة أشخاص يقتحمون الغرفة وينتشرون فيها شاهرين أسلحتهم كجنود في ساحة المعركة. تنظر إليهم. تبتسم بأسى. آه... يا صديقتي. لقد اكتملت الرواية الآن. لكني لن أتمكن من إرسالها إليك هناك، حيث الشتاء الدافئ...


شتاء 1989



#منذر_ابو_حلتم (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطيع والثورة .. وقصص اخرى
- سرب ايائل مذعورة يفر من قلبي !
- ما بين روسيا القومية .. وروسيا الشيوعية
- مرثية لمساء جديد ..
- وكمم عقلك !
- ايها الرقم المدجن ...
- اولغا وفاطمة .. والجنود
- الميتافيرس .. انقراض الانسان العضوي
- ظلال الأشرعة العتيقة


المزيد.....




- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر ابو حلتم - الشتاء دافئ هناك !