أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سعدون محسن ضمد - إفلاس الانثروبولوجيا















المزيد.....

إفلاس الانثروبولوجيا


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 1689 - 2006 / 9 / 30 - 06:38
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


(لكن ما جدوى انتقالنا من ذات فاحصة، إلى موضوع مفحوص، إذا كانت الانثروبولجيا غير قادرة على اختبار الإنسان؟)

ثقافة أن الأرض مركز الكون، ومحوره اندثرت، يوم اتَّضح أنها ليست مركزاً للكون ولا هي قطب الرحى فيه. وأنها أبداً لم تكن في يوم من الأيام قسيمة للسماء أو محاصِصَة لها في هذا الوجود الممتد.
يوم اتَّضح بما لا يقبل الشك، بأن الأرض تابع (صغير) للشمس، ضمن مجموعة توابع أخرى انهدمت الكثير من المفاهيم، وانبنت أخرى. تراجعت فلسفات وتقدمت غيرها. منظومة كاملة (فكرية/ تاريخية/ اجتماعية) انهزمت لتخلي الساحة لمنظومة جديدة أكثر موضوعية وواقعية وقابلية على الإنتاج. ويوم ذاك تحولت الأرض ـ وتحولنا معها ـ من كونها البداية والنهاية، إلى كونها خطوة بسيطة وأولية على طريق الأبد.
ثقافة أننا المقياس والمعيار والقيمة، اندثرت أيضاً، منذ انكشف لنا بأن موضوعات إدراكنا مستقلة عنّا، وأن أحكامنا الذاتية عليها، قد لا تصيب الواقع في الكثير من الأحيان. منذ أن أخبرتنا الطبيعة بأن لها معاييرها المستقلة عنّا والثابتة فيها. وسواء شئنا أم أبينا، فإن شفرتها لن تتفكك عن طريق تلاوتنا للعزائم أو التعاويذ على رأسها.. بل فقط وفقط عن طريق دراستها، الدراسة التي تنطلق منها وتتأسس على معاييرها وترضخ لشروطها.
عندما تخلت الأرض عن كونها المركز، وعندما قبلت الذات الكامنة فينا بأن تنزل لواقع الطبيعة الساخن، لتدرسه عن طريق اللمس لا الحدس. صرنا مؤهلين للدخول في مرحلة علم الإنسان (الانثروبولوجيا)، ذلك أن علم الإنسان مرحلة، وقف من خلالها الإنسان على الطريق لمعرفة ذاته واستكشاف أعماقها الخطرة. تطور خطير وقفنا من خلاله على أعتاب مرحلة اندراجنا ضمن مجموعة العناصر والمكونات التي تشكل هذا الوجود الواسع، مجموعة العناصر التي نسعى لإدخالها لمختبراتنا العلمية بغية فحصها والتعرف عليها أكثر.
لم يدخلنا علم الاجتماع لهذه المرحلة، لم يتمكن من تحويلنا إلى مفحوص. كانت الظاهرة هي الموضوع. في علم الاجتماع، ليس المدروس هو الإنسان باعتباره موضوع، بل الظاهرة الاجتماعية.
علم الاجتماع خطوة ما قبل الوصول، الوصول إلى واقعية أننا المفحوص أيضاً وليس الفاحص فقط.
كان المقصود في بداية الانثروبولوجيا، هو دراسة المجتمعات (ما قبل التكنولوجية) لقد أردنا أن ندرس أيامها هؤلاء الذين اكتشفناهم تواً، ووجدنا بأنهم (متخلفين). إلى حدود هذه المرحلة لم تتحقق بعد حقيقة تحولنا إلى موضوع، فقد كان الموضوع ما يزال تحت مجاهرنا المتعالية، كان الموضوع هو (الآخر البدائي) الذي أفرزناه وحاولنا أن نصدق بأنه لم ينتقل بعد من حيوانيته لإنسانيتنا. وهكذا إلى أن اتَّضح لنا في يوم من الأيام أن هذا الآخر ليس غير صورتنا القديمة، صورة ما تزال حية وشاخصة تحكي لنا عن مرحلة طفولتنا، وتضعنا أمام الستاؤل المهين، عن حقيقة أننا تجاوزنا هذه المرحلة أم لا؟
كانت صورة الصغير مرعبة بالنسبة لنا (للكبير) فقد وجد هذا الكبير، بأنه ولوقت قريب جداً كان عبارة عن كائن متخلف، أسطوري، خيالي، متوحش... الخ. اكتشف أن السحر هو العمق الحقيقي لبنائه العلمي الرصين، وأن الأسطورة هي الجذر الأول لدينه المقدس، وأن التنقل على شكل (قطيع) نقطة الانطلاقة الحقيقية باتجاه حضارته المرعبة. كانت الصورة مدهشة بالنسبة للإنسان، مثيرة للحيرة والشك والقلق، حقاً لقد كانت تلك الصورة انعطافة خطيرة، خطورة أن تتحول الذات الفاحصة إلى مفحوص صغير وبسيط وأولي.
إذن، كانت خطوة الانتقال من الذات إلى الموضوع، انتصاراً علمياً حقيقياً، حيث أنها عززت ورسخت الموضوعية في البحث العلمي على حساب الذاتية، الموضوعية التي انطلقت منذ وصل العلم عصره التقني، وكانت الانثروبولوجيا وليدة هذا العصر، الأمر الذي جعلها تتحمل مسؤولية إدخال الإنسان إلى المختبر. ومن ثم فقد أصبحت مطالبة بالكشف عن محركات السلوك (الإنساني/ المجتمعي) كشفاً علمياً يواكب الكشوف التي أنجزتها علوم الطبيعية بخصوص مواضيعها، ويكون بمستواها.
لكن كانت المشكلة الحقيقية تكمن في صعوبة تحولنا من ذات فاحصة إلى موضوع مفحوص، وتكمن أيضاً بخطورة اتحاد الفاحص والمفحوص، كيف يمكن للدارس أن يكون موضوعاً لنفس دراسته؟ وكان الأخطر من ذلك حقاً هو إدراكنا بأننا كموضوع غير قابلين للعدّ، للتكميم، للقياس، كان الأخطر من ذلك هو إدراكنا بأن أكبر مختبرات العالم وأكثرها تقنية، غير مؤهلة لاستيعابنا كموضوع. نحن كموضوع مفحوص، أكبر منّا كذات فاحصة.
كيف يمكن لنا أن نحصر الأسباب التي تقف وراء سلوك الإنسان، كمرحلة ضرورية للتنبؤ بهذا السلوك في المستقبل؟ أوليس العلم هو القابلية على التنبؤ والدقة فيه؟
هذا من جهة. ومن جهة أخطر، أن الإنسان هو النتيجة الوحيدة التي تستطيع أن تتحكم بمقدماتها، الموضوع الوحيد الذي يستطيع أن يتحكم بشروط وجوده، هو الإنسان. فهل هناك أخطر على دقة العلم ونتاج مختبراته، من مرونة وانفلات هكذا موضوع؟
لكن ومع الاعتراف بصعوبة كون الإنسان موضوع، أليست هذه الصعوبة هي التحدي الذي شخصته الانثروبولوجيا وقبلت به؟
إن هذه التساؤلات تضعنا وجهاً لوجه أمام المنجز الذي حققه علم الإنسان، خلال مسيرته. إلى أي درجة تمكن هذا العلم ـ بمعية باقي العلوم الإنسانية طبعاً ـ من إنجاز إطار نظري يُمَكِن المجتمع البشري من السيطرة على ظواهره. هل وقف علماء الانثروبولجيا على المحركات الحقيقية للسلوك المجتمعي، ومن ثم أنجزوا رؤيا دقيقة بخصوص آليات التغير (الاجتماعي/ الحضاري)؟ وإذا كانوا لم ينجحوا لحد الآن بإنجاز أي شيء من هذا القبيل، ألا يعدُّ ذلك هدراً حقيقياً للزمن الذي استغرقه هذا العلم وهو يجري أبحاثه ويحاول البرهنة على فروضه؟ ثم ومن جهة أخرى ألا يُعتَبَر ذلك تقصيراً حقيقياً في أداء الواجب العلمي والنهوض بواقع التخصص لمستوى الإنتاج الحقيقي النافع.
منذ أن وجد الإنسان على هذا الكوكب وهو يمثل أكبر خطر يواجه حياته هو. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحمل مبررات بقاءه وفناءه بنفس الوقت، وما دامت مثل هذه المشكلة قديمة قدم الإنسان، أما كان الأجدر بعلماء الانثروبولوجيا أن يولوها جل وقتهم، وأن ينجزوا بالتالي رأياً علمياً دقيقاً بخصوصها. تاريخ الإنسان حافل بالمجازر، الحربين العالميتين، ناقوسا خطر، القنبلة الذرية في اليابان، ناقوس خطر، بن لادن والزرقاوي أيضاً ناقوسا خطر. الإنسان يسعى حثيثاً لنحر نفسه، وكما أن هناك من هو مسؤول عن تفعيل عملية النحر هذه، يجب أن يكون هناك من هو مسؤول عن إيقافها، ولهذه العملية بعد انثروبولوجي لم يكشف النقاب عنه بعد، ليس الفقر وحده هو المسؤول عنها، ولا الدين، ولا الصراع الحضاري، التاريخ بامتداده يشهد على أصالة الجريمة في الإنسان، وأنها تخلق مبرراتها ولا تخلقها المبررات.
هناك منطقة فراغ تقع بين الإنسان باعتباره موضوعاً لعلم النفس، والإنسان باعتباره موضوعاً لعلم الاجتماع، تبقى هذه المنطقة ضمن مسؤولية علم الإنسان، وعليه وحده تقع مهمة سبر أغوارها. وأعتقد بأن الواقع العراقي الراهن، يشكل أكبر اختبار لهذا العلم، ليس فقط للانثروبولوجيين العراقيين ـ على قلتهم ـ القابعين خلف صمتهم ولامبالاتهم، بل أيضاً للبناء الانثروبولوجي (البريطاني/ الأمريكي) الضخم، والذي كشف العراق الراهن عن هشاشة (ضخامته) ومبلغ ما بها من تهويل.
يفترض بقوات الاحتلال (الأنكلوأمريكة) أنها لم تدخل العراق محصنة بالدرع التكنولوجي المنيع فقط، بل بدراسات هذا العلم الذي يجب أن يعينها على التنبؤ بسلوك الإنسان والتحكم به. لكن تحول العراق إلى مستنقع يكاد يُغرِق هذه القوات، يجعلنا نتساءل عن جدوى انتقالنا من ذات إلى موضوع إذا كانت الانثروبولجيا غير قادرة على اختبار الإنسان؟.
تحدٍ جديد، يكشف للإنسان حدود تفاهته، وللعلوم الإنسانية مقدار تقاعسها عن إنجاز ما يجعلها تلحق بالمنجز الخطير الذي حققته العلوم الطبيعية.
مواجهة خطيرة مع التفجير، التفخيخ، النسف، الذبح، الهدم، مواجهة مع الموت، تكشف للإنسان حقيقة أنه ما يزال يحبوا باتجاه المعرفة، وللعلوم الإنسانية أنها ما تزال فاشلة في عملية الكشف عن حقيقة موضوعها كشفاً لائقاً بتاريخها ومقدار ما يسخر لها من إمكانات.
أسامة بن لادن، أبو مصعب ألزرقاوي، هذان الاثنان خرجا بأمريكا من المختبر إلى الغابة، من التكنولوجيا إلى البدائية، حقاً لقد أجبراها على استبدال المجهر بالخنجر. كشفا بما لا يقبل الشك عن إفلاس (العاْلِم/ المختبر) الأمر الذي زاد من حضوض (العسكري/ الغابة). وأجبرا أيضاً علماء الإنسان العرب والمسلمين على التخلي عن المواجهة، والعجز عن أي أداء يشكل رد فعل علمي حقيقي يكافئ أداء هاذين التخريبيين.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثابت والمتحكم في جدل الإنسان والدين
- المجد لحضارة المقابر... حيث الموتى وحدهم يتكلمون*
- العقل الخالي... تخبط السياسة الأمريكية بين نموذجي خاتمي ونجا ...


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سعدون محسن ضمد - إفلاس الانثروبولوجيا