أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الفضل شلق - المياسون روح جديدة في الثقافة العربية















المزيد.....


المياسون روح جديدة في الثقافة العربية


الفضل شلق

الحوار المتمدن-العدد: 7380 - 2022 / 9 / 23 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قال المتنبي في مدح سيف الدولة:

وإن تفق انام وأنت منهم….. فإن المسك بعض دم الغزال

تكلم نديم شرفان وفرقته “المياس” بلغة الجسد، فكانه يكتب الشعر. والشعر لغة الفن الأساسية عند العرب. أكد عدة مرات انتمائه العربي، مصرا على “عروبيته”. رفعوا لغة الرقص العربية الى العالمية بأعلى المستويات. قدموا لنا برهاناً أن في الثقافة العربية معيناً لا ينضب من الإبداع. نقيض السلفية وكل الأصوليات الدينية. ماراثون الرقص لديهم يساوي في سموه “الأغاني”، كتاب أبي الفرج الأصفهاني. وهذا بالمناسبة، قرشي أموي متشيّع. آلّف أيضاً كتاب “مقاتل الطالبيين”. في أخر كل قصيدة أو مقطع شعري للغناء، شرح أبو الفرج كيف يكون عزف الأغنية، وبأي وتر يدق، وبأي أصبع، وبأي مقام.

في ليل العرب الدامس، ورغم واقع لبنان، وقد أطبق الدين السلفي على صدور الناس، ونزلت بالعرب مصائب وكأنها أخر الزمان، أطل علينا ما يبعث الأمل في قلوبنا. مسألة ثقافية هي في أعلى مستويات السياسة. وليس نديم شرفان بعيداً عن السياسة، بل هو في صلبها. إذ يدعو مرة بعد أخرى الى تدمير الطبقة السياسية في لبنان، تطبيقاً لشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”. وهو شعار الثورة العربية التي انفجرت في عام ٢٠١١ على المستوى العربي، وفي العام ٢٠١٩ على المستوى اللبناني. لم يجد نديم شرفان تناقضاً بين كونه لبنانياً معتداً وكونه عربياً فخوراً بعروبته. يحق له ذلك، وما جاء ذلك الإنجاز وفرقته إلا تأكيداً لذلك. رفع فن الرقص عربياً وعالمياً من رؤية الى أخرى، حتى ليقال ما بعد وما قبل “المياس”. حولت المياس الرقص من فن ملحق بالغناء والسهر في المنازل والمنتديات الليلية الى حرفة، الى فن قائم بذاته للتعبير بالجسد، كما التعبير بالكتابة. هذا لا يعني أنه لم يكن ما قبله من الفرق الفولكلورية، مثل كركلا ، والرحابة، وغيرهما. لكن هذه الفرقة أوصلت هذا الفن الى مرحلة نضجه وعالميته، مع التفاتة لما هو عربي موروث. وهو مرحلة جديدة من الخروج الى العالم والانخراط فيه. انكسر حاجز بين ما هو شرقي وما هو عربي، وبين دعاة “المواجهة” و”الفصل” و”الانعزال” لما هو عربي عما هو عالمي. جاءت فرقة المياس إعلاناً على كسر وتدمير كل ذلك، والخروج الى العالمية، لا من حيث الشهرة، شهرة عمل فني شرقي في عالم يحكمه ثقافياً الغرب، بل الاندماج في الثقافة العالمية، مع ارتياح الى ما هو شرقي، بل البناء عليه. نقيض هذا الاندماج في الثقافة العالمية هو الانعزال الثقافي والخوف من الغزو الثقافي، بما هو تعبير عن عنصرية ثقافية ودونية. فرقة مياس كرست غزو الثقافة العربية للغرب. هي ليست إبداع لبنانيين حضنهم الغرب. هي إبداع لبنانيين يصرون بصراحة على العيش في الفضاء الثقافي العربي والخروج الى العالم. ربما كأن ذلك كان بداية غزو فضاء يتجاوز مسألة التحرر الوطني التي تعبّر عن الاستقلال الثقافي في مواجهة الاكتفاء بالاستقلال السياسي، والانغلاق الثقافي، والاستبداد، وما جرّ إليه من أصوليات دينية وقومية. تحرر البلد من الامبريالية ما قاد في بلادنا الى تحرر المجتمع الذي يعتمد أساساً على الحرية، وهي ضرورية في مواجهة سلطة الاستبداد على المجتمع والدين. بتعابير أكثر بساطة، تحرر البلد لا يعني حرية المجتمع كأفراد. والحرية لا تكون إلا فردية، وهي كانت مقموعة في عهد الاستقلال أكثر مما قبل. ما نشاهده الآن هو بداية حرية المجتمع كأفراد. انتزاع المجتمع من ربقة السلطة، سلطة الاستبداد. تحرر المجتمع من نفسه. خروج المجتمع من ذاته الموروثة، وتكوين إرادة جديدة. نصنع المستقبل الثقافي لمجتمعاتنا العربية. من الرحابنة الى كركلا، وغيرهما، ظهرت عبقرية منغرزة في التراث الفولكلوري. مع المياس يظهر التراث عالميا متفلّتاً من ذاته، مندمجاً بالعالمية. مستوى من الحرية (ليس فقط التحرر) لم تستطع الأنظمة ضبطه أو احتواءه. تحرر الجسد من كونه أداة للتسلية أو مجرد تلاعب بالمتعة، ليصير أداة لتعبير فني تحار فيه بين ما هو عربي وما هو عالمي.

هذه ثقافة التجاوز في مواجهة ثقافة التقوقع. ثقافة الحرية في مواجهة التزمّت. التفلّت في مواجهة الانتظام القمعي. لكن في هذا الرقص أعلى قيمة جمالية، وأرفع قيمة أخلاقية، أشمل قيمة سياسية، مما في انتظام الاستبداد. فيه حرية تواجه الاستبداد. فيه بداية من حيث يجب أن نبدأ من جديد على طريق النهوض والنصر. مقاومة من نوع آخر تقود العالم ولا تجري وراءه. ليست بحاجة للتفاوض. بالثقافة بلغتها العربية، والغناء، وإبداعات الشعر والنحو والتفاسير والمعجميات، انتصرت العروبة على الرغم من الغزو الثقافي الذي أصابها. عندما بدأت الخلافة العباسية بالتفتت ،التقلّص، حتى لم يبق منها إلا الرمز لسلطة سياسية لم تعد موجودة، بهذه الثقافة توسعت العروبة وضمت إليها شعوباً لم تكن من قبل عربية الأصل، بل صارت عربية باندماجها في الثقافة الغربية التي صار أقلية فيها آلآتون من أصل عربي قح. العروبة ثقافة وليست أصلاً قومياً أو أثنياً.

المياس في القاموس أسد يتبختر. مياسنا مواطن يتجدد، يقول لأهل السلطة: آت يومكم الى نهاية. صوّت له مئات الآلاف، ولا نعرف العدد الدقيق. نعرف أن من صوّت له في الولايات المتحدة أكثر بكثير من الذين كان يمكن أن يصوتوا في لبنان. ونعرف أن في قلوب اللبنانيين أصوات تفوق كل ما لدى الطبقة السياسية في لبنان. فرقة المياس قالوا كل ما كان كل لبناني يوَّد أن يقوله. ألم يقل الدوس هاكسلي في بداية القرن العشرين بأن الفن يجب أن يقول أو يعبّر عما يجول في خاطر شبان قاصرين عن القول نفسه؟ المياس قالوا بأجسادهم، وأحياناً بالكلام الصريح كل ما كنا نود قوله وإن بمستوى أعلى من الإفصاح والبلاغة الجسديتين. لا يهمنا من موّل الفرقة، مثلما لا يهمنا من موّل المتنبي والفرزدق وغيرهما. عمل فني بأعلى المستويات، ليس فقط لانضباط فرقة على أنغام الموسيقى، بل لأن الموسيقى ذاتها أذنت بانتهاء مرحلة وابتداء مرحلة جديدة. صعاليك العرب قبل الإسلام، الذين يقول المستشرقون، واعوذ الله من إثم الاستشراق، هم الذين مهدوا للروح الشعبية التي احتوت الإسلام. ومهدوا الظروف الفكرية والذهنية والشكوك والاستخفاف بالقديم من أجل قدوم الجديد. هذا ليس تشكيكاً بالرسالة السماوية. كل رسالة سماوية بحاجة الى روح ثقافية تحضّر لها كي تنتشر.

يبدو أن القلق باعث على الإبداع والعبقرية. وقد قال المتنبي:

على قلق كأن الريح تحتي… أوجهها يميناً أو شمالاً

هل هو القلق في غمار المصائب التي حلت بنا، هو الذي سبب إبداعات في الفن، كما في رياضة كرة السلة والتنس وغيرهما؟

انتصار المياس إعلان بأننا بدأنا ولوج طريق الخروج من زماننا. ذلك بالروح الجديدة التي عبرت عنها. روح جديدة لن يكون للمافيا الحاكمة مكان فيها. ومن حسن الحظ أن السلطة الرسمية لم تكن ممثلة في استقبال فرقة المياس في المطار حين الوصول. هو لبنان الجديد لا لبنانهم. هو عمل يوحّد ولا يقسّم.



#الفضل_شلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
- المصارف اللبنانية وخيانتها لنفسها ولمجتمعها
- افتراق السلطة والشعب: ثقافتان وخطابان
- بيان المؤتمر القومي الإسلامي – تعبير بائس
- للأنظمة العربية الديكتاتورية بنية فكرية
- ضرورة الحرب من أجل السلام
- الإرهاب الامبراطوري غذائي وأمني وثقافي
- الاقتصاد السياسي للبترول
- الاقتصاد السياسي للمال في لبنان
- مشكلة حزب الله في المواجهة مع الولايات المتحدة
- التحليل الطبقي وتحليل التشكيلات الاجتماعية
- الانتخابات في شرح قصيدة دريد بن الصمة
- دعوية الحزب الديني تميزه عن الحزب الطائفي
- الحزب الشيوعي اللبناني: أوهام جديدة بخطاب قديم
- الإرادة فعل ومعرفة
- المؤتمر الخامس للمنظمة الشيوعية سابقاً اليسارية حالياً نقد و ...
- كسب الحرب وخسارة النتائج السياسية
- هستيريا الحرب بعد الكورونا
- انتصار ثقافة العمامة على ثقافة الحداثة عندنا
- أوكرانيا: أنذال يأخذون قرار الحرب أو اللاحرب. وفي الحالتين ا ...


المزيد.....




- كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س ...
- إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني ...
- حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم ...
- الحوثيون يحذرون الدول من مساندة إسرائيل في غاراتها على اليمن ...
- الثاني في أسبوع.. زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزر فانواتو
- في ظل تهديد -وباء رباعي-.. المصادر الغذائية الرئيسية لفيتامي ...
- مباشر - سوريا: تركيا ستفعل -كل ما يلزم- إذا فشلت الحكومة الج ...
- عاجل | مراسل الجزيرة: 13 شهيدا جراء قصف إسرائيلي متواصل على ...
- الحوثيون يكشفون خسائر الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة ...
- قوة متحالفة مع جيش السودان تسيطر على قاعدة -الزُرق- بدارفور ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الفضل شلق - المياسون روح جديدة في الثقافة العربية