|
أزمة الذكورة و الأنوثة في المجتمع العربي ؟ أين الخلل ؟
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7378 - 2022 / 9 / 21 - 18:47
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
قد يثير طرح هذا الموضوع على مائدة النقاش ، حفيظة بعض القراء ، نظرا لحساسيّته و خصوصيته و إثارته لفكرة طوباويّة ، و ملامسته لمنطقة حسّاسة في الشخصيّة العربيّة ، القائمة على الأحاديّة الذكوريّة . إنّنا - للأسف - نعاني من أزمات شتّى ، لكنّنا نتغافل عنها ، و أحيانا نتجاوزها ، و أحيانا نخشى من طرحها و مناقشتها ، و أحيانا نخجل بمجرد الإشارة إليها ، و لو بشكل رمزيّ . و أنا ، هنا ، لست بصدد جلد الذات ، لأنّ المجتمع العربي ، لا ينقصه الجلد ، و ليس في حاجة إلى مزيد من القدح و الهجاء . الرجولة صفة مكتسبة ، لها صفاتها النبيلة و الأصيلة فليس كل ذكر هو رجل . فلو أحصينا عدد الرجال ، لوجدناهم أقلّ من الذكور . و قد خصّ القرآن الكريم الرجل – كما خصّ المرأة - بالمدح و التبجيل و و نعته بأفضل الصفات . قال تعالى : " مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا " الأحزاب / 23 . رجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ النور / 37 . لنتفق ، إذن ، أنّ الرجولة ، هي صفة " الذكر الكل " . الذي يقدّم الواجبات على الحقوق ، و يطالب بالحقوق بعد إنجاز الواجبات . فهو ، اولا ، يؤمن بقدسيّة العلم ، و بضرورة التعلّم ، و أخذ ما يحفظ وجوده من الطبيعة ، و لا يكون الأخذ منها خبط عشواء ، بل يعامل الطبيعة بمبدأ لا ضرر و لا ضرار . فلا يشوّه سحرها ، و لا يدمّر كنوزها ، و لا ينزع غطاءها النباتي ، و لا يلوّث بحارها و محيطاتها و أنهاره و آبارها بالمواد الكيماويّة ، و لا يسمّم جوفها بالأشعّة النوويّة و نفاياتها . الرجل الكلّ ، هو الذي يستغل قدراته العقليّة ، التي أودعها الله في دماغه ، و قدراته النفسيّة و البدنيّة ، في نفع نفسه و أسرته و محيطه و مجتمعه و الإنسانيّة جمعاء ، دون النظر للاعتبارات الدينيّة أو الإثنيّة أو اللغويّة أو الجغرافيّة أو الإيديولوجيّة أو المخلّفات التاريخيّة الداميّة . إنّنا ، في المجتمع العربي ، لا نعاني من أزمة " الرجولة الجنسيّة " ، فنحن أكثر البلدان فحولة جنسيّة ، و أكثرهم إنجابا للبنين و البنات . لكنّنا نعاني ، اشدّ العناء ، من أزمة " الرجولة الفكريّة و الأخلاقيّة " . نحن متخلّفون في مناهجنا التعليميّة ، تنظيرا و تطبيقا ، و نحن مولعون بمصطلح " الإصلاح و التجارب الفأريّة " ، فكلّما نصبت حكومة جديدة نفسها على رأس السلطة التنفيذية ، لعنت سابقتها ، و ألغت ما وجدته منجزا جزئيّا أو كليّا . نحن مغرمون بالبدايات ، و سنظل نرفس في أغلالها ، و لن نبلغ النهايات ، ما دمنا نعامل الأشياء ، الماديّة و المحسوسة ، و المعنويّة ، بمنطق " الإلغاء و البداية من الصفر " . و هكذا نجد أنفسنا ندور في حلقات فارغة . أين الرجولة ، و نحن نستورد من الأصدقاء و الأعداء ، معظم أغذيتنا و ألبستنا و أفرشتنا ، و أسلحتنا ؟ أين الأنوثة الحقّة ، و نحن نستورد حليب أطفالنا الرضع ، بعدما تخلّت معظم النساء الوالدات عن الرضاعة التقليديّة الصحيّة ؟ أين نحن من الأمن الغذائي ، بالرغم من أنّنا نملك أوسع الأراضي الفلاحية و أجودها خصوبة ، و نملك مصادر الطاقة التقليدية ، كالنفط و الغاز ، و البديلة ، كالطاقة الشمسيّة ؟ لقد أكّدت الدراسات العلميّة و البحوث الأكاديميّة ، في الشرق و الغرب ، بأنّ الوعاء الجغرافي للعالم العربي كفيل بإطعام البشريّة كلّها ، و تزويدها بالطاقة التقليديّة و الطاقة البديلة . إنّه " السلّة الغذائيّة للعالم " . أليس عجيبا أن نعاني من نقص الغذاء إلى حدّ المجاعة ، و شحّ الماء إلى درجة العطش و الجفاف ، و نقص فادح في الدواء ، و انعدام كلّي في بعض الأدويّة الأساسيّة ؟ إنّها أزمة الرجولة و الأنوثة . لم تعد المرأة ، عندنا امرأة ذات مروءة ، بل مجرّد أنثى ، تبحث عن مساواة مع الذكر ، في اللباس و الطبخ و التسكّع في الساحات و الشوارع ، أنثى تقضي جلّ وقتها في تصفيف خصلات شعرها ، و صبغ أظافرها و وجنتيها و خدّيها و شفتيها و عينيها بألوان مختلفة ، لإغراء ذكر الشارع . و السبب في ما آلت إليه المرأة ، عندنا ، هو سلوكات الرجل ، الذي يطبّق رجولته ( المزعومة ) على المرأة ، في صورة الزوجة أو الأخت أو البنت . حقّا ، و دون مبالغة ، نحن نعاني من أزمة رجولة و أنوثة . فمازلنا ، في مجتمعنا العربي ، منشغلين بأفكار ميّتة ، نحاول ، بشتى الوسائل ، بعثها من الأجداث ، و هي رميم . مازلنا ضحايا أنفسنا ، ضحايا فلسفة تحتفل بأفكار ميّتة و مميتة ، و تسعى ، بكل قوّة ، إلى دفع الناس إلى اعتناقها و تطبيقها في حياتهم اليوميّة . نحرم الأنثى من التعليم ، و إذا منحناها فرصة التعلّم ، ادرجناها في قائمة السلوكات الثانوية و الكماليّة . و كأنّ العلم خُلق للذكر دون الأنثى . و كأنّ الله خلق النور ليضيء درب الذكر ، و خلق الظلمة لتعتم سبيل الأنثى . إنّه منطق الجهل المركّب ، الذي فاق جهل الجاهليين و البدائيين . إذن ، هي أزمة شاملة و عميقة ؛ أزمة الرجل المفكّر و المرأة المفكّرة ، و الرجل المتعلم و المرأة المتعلّمة ، و الرجل المربّي و المرأة المربيّة ، و الرجل المسيّر و المرأة المسيّرة ، أزمة الرجل الصانع و الزارع و المنتج ، و كذلك المرأة الصانعة و الزارعة و المنتجة . و حلولها في إعادة إنتاج فلسفة جديدة بعيدة عن سوق الاستغلال و الاستعباد . و لتكن البداية ، تحرير الذكر ، أولا ، من أنانيته الفكريّة و الأخلاقيّة . و تخليص الأنثى من وصايته الساذجة .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تثقيف السياسة
-
هل سيندلع الشتاء الأوربي ؟
-
الفلسفة و الحرب و السلم
-
قوارب بلا تأشيرة
-
على هامش الصيف
-
ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
-
وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
-
لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟
المزيد.....
-
الأولى من نوعها..دراسة تكشف التغيرات بدماغ المرأة خلال الحمل
...
-
“التسجيل مفتوح” سجلي الآن بسهولة في منحة المرأة الماكثة في ا
...
-
وزارة المالية: تحديـــد سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 تب
...
-
لأول مرة.. دراسة ترصد التغيرات التي تطرأ على دماغ المرأة أثن
...
-
قدم من هنا .. لينك التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت الج
...
-
الهند.. زعيمة محلية وأنصارها يضربون رجلا هددها بالاغتصاب (في
...
-
وزارة المالية الجزائرية.. توضيح هام بشأن سن التقاعد للنساء ف
...
-
طالبان تحظر على المرأة رفع صوتها أو الضحك علنا.. تعرفوا على
...
-
“قدمي الآن” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت لعا
...
-
للمتقاعدين الجزائريين.. السن القانوني للتقاعد للرجال وللنساء
...
المزيد.....
-
جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي
/ الصديق كبوري
-
إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل
/ إيمان كاسي موسى
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
الناجيات باجنحة منكسرة
/ خالد تعلو القائدي
-
بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê
/ ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
-
كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي
/ محمد الحنفي
-
ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
/ فتحى سيد فرج
-
المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟
/ مريم نجمه
-
مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد
...
/ محمد الإحسايني
المزيد.....
|