أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة - المخاض















المزيد.....

بخطى طليقة - المخاض


عصمت منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7378 - 2022 / 9 / 21 - 17:47
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


بخطى طليقة
المخاض
هناك سلاح وهناك صدى السلاح.
يحدث أن يكون فعل الصدى وأثره أكثر وقعا وقوّةً من السلاح ذاته، عندما تكون أنت ذاتَك، وواقعُك ووجودُك ناتجٌ عن نشوء هذه الظاهرة التي امتازت بأنها مسلحة.
تصاعدت أفعال المقاومة في بداية السبعينات، وبدأت الفصائل تأخذ دور الصدارة وتفرض نفسَها وخطابَها وأساليبَها من خلال الصراع الذي كانت تخوضه مع الاحتلال.
في تلك الأثناء كانت مجموعة جديدة من هذه الفصائل قد انفصلت عن الفصائل الأم، كما ينقسم جرم سماوي إلى نصفين ويبقى كل جزء منهما يحمل صفات الآخر، الجزء الذي تقدم الصفوف وواجه، ووجد نفسه في قبضة العدو، حافظ على علاقة خاصة، غير ملموسة وغير منظمة لكنها لصيقة بالجزء الذي أدار المعركة في الخارج.
بعد حالة الشد والتوتر الأولى، والتي أنتجت أول إضراب منظّم وشبه جماعي عن الطعام، أدركت مديرية مصلحة السجون الإسرائيلية أنها أمام ظاهرة جديدة وغير مألوفة، ومنظمة، جسدها محجوز لديها، اما رأس هذه الظاهرة ففي الخارج.
المساعي الأولى التي بذلتها إدارة السجون تركزت على فصل هذا الجسد عن الرأس، وحشره في دهاليز ضيقة ومعتمة متصلة بالحياة اليومية داخل المعتقل، بعيدا عن حركة الثورة والتطورات التي بدأت تشهدها وارتداداتها عربيا وعالميا، كي يبقى هذا الجزء المحجوز لديهان وتحت سيطرتها جسدا طيعا وبلا روح مهما تضخم ومكث طويلا.
هذا الهدف تطلب تركيز الجهد على الخلايا النشطة والحيوية، والنواة القيادية التي جسدت الرابط الحي والعضوي بين الجسم الأسير من المقاتلين والثورة، وتبين ان أشخاصا بعينهم هم مكمن الخطر، ومجرد وجودهم تهديد لسلطة المصلحة وإدارة السجون، لا لشيء سوى لأنهم أعادوا إنتاج الواقع، وقرروا إعادة تشكيل دور الأسير ووظيفته، وحددوا معالم هويته وأهدافه ارتباطا بالهدف العام.
لقد اطلوا برأس الحركة الأسيرة من فوق ورغما عن الجدران، وامتلكوا قدرات سحرية حولت كل شيء الى سلاح، وجعلت كل حركة صغيرة خطوة تقرب من هدف جماعي، قزّم السجن وبهت إجراءاته وفرمل تأثيره الى الحد الأدنى.
تمرست إدارة السجون في اتقان فن التنكيل في الأجساد، تعذيبها وقمعها والتفنن في اذلالها، لكنها وبعد الإضراب الأول، عاشت فترة من التخبط لعجزها عن التعامل مع صراع تلعب فيه الأجساد دور التابع والمجرور الذي تحول الى سلاح يقذف في وجهها على شكل هياكل عظمية ذاب عنها اللحم أثناء امتناعها عن الطعام واعلانها الاضراب، وهو ما خلق لها معضلة جديدة يعجز أنبوب الغاز الخانق او الهراوة والقيد عن مواجهتها.
المعضلة التي واجهتها مديرية السجون تمثلت في أن هذه الأجساد التي كانت تحشرها في ممرات ضيقة، وتنهال عليها بالهراوات والشتائم، ومن ثم وبعد ان تسقط منهكة ومحطمة ترشها بالمبيدات المطهرة للإمعان في إذلالها، وتحتجزها في زنزانة انفرادية لأيام قبل ان تفرج عنها وتلزمها بالمبيت على بلاط بارد، وتفرض عليها السير في خطوط دائرية غير مرسومة دون التفات سوى الى كعب قدم الاسير الذي يليك، لم يعد لها أية قيمة في ذاتها، بل انها باتت تصاب بالرعب من فكرة ان أصحابها تخلوا عنها وألقوا بها مثل كتلة ضخمة في وجهها.
أمر خفي صدر من جهة لم تعلم إدارة السجون من هي، ولا استطاع الأسرى انفسهم التعرف عليها بوضوح، لكنهم آمنوا بها مثل وحي غامض وساحر: "من الان وصاعدا، عليك أيتها الإدارة ان تتعاملي مع مطالب، وارادة".
الفكرة وقبل ان تتحول الى برنامج ونمط حياة وسلوك يومي بعد ان يعتنقها الناس، تحتاج الى رسل أمناء وأشداء.
محاربة الفكرة في مهدها تتطلب عزل هؤلاء القادة الذي جسدوا دور المبشرين وتقمصوا وظيفة الأنبياء، وحولوا الأجساد المحطمة من التعذيب الى جيش منظم يمتلك أعظم سلاح أنتجته البشرية عبر تجربتها الطويلة الممتدة لآلاف السنين، وأكثر سلاح يحتاج الى ملهم وفكرة: الصبر والارادة.
العزل تطلب فتح أقسام وسجون جديدة، وسبب.
كانت فترة الانفلاش القصيرة الامتحان الحقيقي الأول، ومفترق الطرق الحاسم أمام إدارة السجون والقيادة الجديدة التي بدأت تلعب دورا مؤثرا في إعادة صياغة واقع الأسرى وكيفية وجودهم داخل السجون الاسرائيلية، ووظيفة هذه السجون، في أن تكون مقابر للأحياء تتحرك فيها اجساد باهتة بلا هوية أو معنى، تدور حول نفسها دون غاية، أم هي جيش من المقاتلين يشكل حلقة وصل في سلسلة النضال التحرري ويرفد الثورة بخيرة المناضلين والكوادر المجرّبة؟
أهدى لنا هؤلاء القادة المبشِّرون وللبشرية تجربة فريدة في قدرة الإنسان على إعادة خلق ذاته وواقعه والانتصار في ظروف مجافية لكل ما هو سويّ ومنطقي ومعقول ، وتحويل الافتقاد الى السلاح، والهشاشة والضعف الجسدي الى قوة مادية لا تكسر، اعتمادا على يقينه وإرادته.
خلطة نادرة وعجيبة وإعجازية مثل هذه كانت تحتاج الى أشخاص عرفوا الثورة وخبروها، وذاقوا حلاوة ما تحمله من حرية، وساهموا في تشكيل خميرتها قبل أن تنطلق، وتمتعوا بقدرات ثقافية مميزة وصفات جسدية تمتاز بالصلابة وقوة الشكيمة، الى جانب روح رحبة، ليوائموا بين الصراعات الداخلية التي كثيرا ما نشبت بين الأسرى وحالة الفوضى التي عاشوها في بداية تواجدهم في الأسر، ويتحَدُّوا السجان، ويفرضوا حضورهم على الطرفين المتخاصمين.
بعد الإضراب الأول ووسط حالة التراخي (الانفلاش) التي أعقبته، بدأت تلمع اسماء شخصيات في صفوف الاسرى تحولت مع الزمن الى الرعيل الأول المؤسس للحركة الأسيرة، اأمهم على الاطلاق عمر القاسم وأبو علي شاهين ومحمد حمدان القاق ومهدي بسيسو وحافظ ابو عباية (وآخرون سنفرد لهم ولصفاتهم مساحة خاصة).
الخلطة النادرة التي أنتجت هذه الظاهرة كانت تحتاج الى عامل آخر هو الزمن والخبرة والتجربة، وواجهت تحديات جديدة أهمها تزايد أعداد الأسرى وتوزعهم على سجون مختلفة قبل ان تستقر المياه المتحركة، ويترسب العكر، وتصفو صورتها النهائية.
الإرادة اذا ما توثبت وتحولت الى سلاح، لا يمكن أن يهزمها بعد ذلك سوى تحريك الغرائز، وإثارة النعرات الداخلية والمحلية وإشاعة الكراهية، وهي عوامل برزت وتعاظمت في فترة الانفلاش وهددت بشكل حقيقي بوأد المشروع الطموح الذي أعطاه الإضراب الأول عن الطعام دفعة قوية وجعله ممكنا، خاصة بعد ان تم استهداف رؤساء الأسرى ونواتهم القيادية الأولى والزج بهم في أقسام العزل الانفرادي او في سجون جديدة.
لم يكن من محض الصدفة أن تنشب في البدايات ازمات بين أسرى الجبهة الشعبية واسرى حركة فتح الذين لم يتحدد انتماؤهم بشكل واضح ولا اهتدوا الى صيغة يديرون بها خلافاتهم، وان تتحول هذه الأزمة الى شجار عنيف بسبب التدخين في شهر رمضان، وتوظيف الدين والمنطقة الجغرافية والتعصب التنظيمي في تأجيج الخلافات بين الأسرى بهدف اعادتهم الى الوراء.
عاش الأسرى الأوائل فترة مخاض قاسية وطويلة لم تنته الا بإعلان الاضراب مرة اخرى بعد ست سنوات عجاف على الإضراب الاول.
في هذه السنوات الأولى ولد أول تعريف للحركة الأسيرة، وصيغت أول لائحة داخلية (دستور) وتبلورت بشكل نهائي صورة التنظيمات، وكل هذا لم يحدث دون صدى المعارك التي كانت تدور في الخارج، والتي لم تكن تتسبب في دخول مزيد من المقاتلين والمقاومين الى السجون، بل حملت روحا جديدة هي روح الثورة وهديرها الذي ملأ الآفاق وأسر القلوب.
الزمن ومرور ما يقرب من العقد على دخول أول اسير الى المعتقل، كرّس قناعة مفادها أن المكوث في هذا المكان ليس طويلا فقط، بل هو مرهون بشكل كبير جدا بسلوك الأسرى ونضالهم الداخلي ومسار الثورة، وهو ما يعني ان الالتحاق بها او بالأحرى عدم التخلي عنها هو كلمة السر وراء الانعتاق الشخصي والعام من الاحتلال.



#عصمت_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطى طليقة مرحلة الإنفلاش
- بخطى طليقة - إضراب
- بخطى طليقة.. أزمة التكيف.
- التنافس على ضمّ آيزنكوت في الانتخابات الإسرائيلية القادمة
- حقول الغاز الإسرائيلية اللبنانية المشتركة: فرص ومخاطر
- معايير صفقات تبادل الأسرى وفيديو هشام السيد
- محاولات قتل الشهود في قضية شيرين أبو عاقلة
- إسرائيل والتعامل مع نتائج التحقيقات في اغتيال شيرين أبو عاقل ...
- شيرين ابو عاقلة واختراق الجدار الحديدي
- وهم الفصل بين الساحات
- تهديد الطائرات المُسيّرة وأثرها على المواجهات القادمة
- قانون تجنيد المتدينين مشكلة ائتلافية أم أزمة مجتمع؟
- بعد زيارة جانتس: الأبعاد الأمنية والاستراتيجية للعلاقات المغ ...
- دور المنظمات اليمينية في تصنيف منظمات حقوقية فلسطينية على ان ...
- خطة -الاقتصاد مقابل الأمن في غزة- هل تملأ فراغ غياب الاسترات ...
- سيف القدس وتقنية الجيل الرابع 4G
- الانسحاب الأمريكي من أفغانستان من منظور إسرائيلي
- انفجار عقود من الكبت والتحريض
- -جائزة إسرائيل- ...لليمينين فقط!
- إعادة إنعاش السلطة الفلسطينية مع تقليص وظيفتها


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - عصمت منصور - بخطى طليقة - المخاض