|
الدكتورعبدالحسين شعبان دعم امريكا لاسرائيل لايشجع على الثقة بمشاريعها في المنطقة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 1689 - 2006 / 9 / 30 - 09:31
المحور:
مقابلات و حوارات
حاوره عبد الحميد الصائح الاسلام حضارة وثقافة وهوية وليس تعاليم دينية حسب حاوره عبد الحميد الصائح المدرسة الرأسمالية والاشتراكية بعيدتان عن المنظومة الشاملة لحقوق الانسان جذور التشدد والتطرف والغلو موجودة في التيارات الاسلامية والمسيحية واليهودية قلما تشهد الساحة العراقية السياسية والثقافية المعاصرة نماذج لمجتهدين ومفكرين ودعاة يثيرون جدلا في طروحاتهم ومواقفهم في زمن تحاول فيه الاحداث والطروحات العامة شطر الرأي العام الى وجهين صارمين سطحيين (مع) او (ضد) (نعم) او (لا)، ومايكتنف هكذا جدلية من مفاهيم قاسية كالتكفير والتخوين او الولاء المطلق، مثلما تحاول تغييب المساحة الحرة للراي والاجتهاد والجدل، المساحة التي تقع خارج طرفي المعادلة والتي كان لها الفضل في انتاج المركّب والمعقد والتفصيلي من الفكر والراي والمعطى الثقافي التنويري في تاريخنا العربي بوجه عام. ولعل سياسيا ومثقفا مثل الدكتور عبد الحسين شعبان يجد نفسه امينا على هذه المساحة المغيبة في زمن قلّ فيه فرسانها أو ارخى الفرسان التقليديون لجام خيولهم جراء المصالح الضيقة أو الضغوط شديدة القسوة.
تبلورت ثقافة عبد الحسين شعبان في ميادين متداخلة من حياتنا سياسيا وثقافيا كان من تلاميذها وقادتها والفاعلين فيها، ولعل حيوية حضور السياسي والثقافي و( الادبي) معا في مسيرة عبد الحسين شعبان الطويلة المتشعبة وسمت تجربته بالعمق والتنوع اللذين بديا للبعض على انه تقلّب وتبعية للهوامش والتفاصيل، فيما بديا للبعض على انهما مؤشرا سعة اطلاع وثراء تجربة ودقة تشخيص، حيث يصطدم ثابت الثقافي الاخلاقي مع متغير السياسة الظرفي، وصلف السياسي مع تجريبية المفكر والمثقف، مستندا الى منظومة مثالية شاسعة هي مباديء حقوق الانسان واخلاقيات القانون الدولي في مواجهة اشباح المستقبل التي تتهدد مستقبل العالم، حيث لاينفصل لديه ذلك سواء في مواجهته ازمة دولية سياسية او مواظبته على قراءة نقدية لرواية او شاعر او سيرة ذاتية، وقد يبدو حوارنا الحالي مع الدكتور عبد الحسين شعبان شاملا حول قضايا عديدة وذلك من طبيعة الحوار معه وليس من اهدافه، فقد حاولنا حصر حوارنا في دائرة قضايا الشرق الاوسط والعالم العربي وشبح الحروب المقبلة في المنطقة، فتداخل ما تداخل من افكار وهواجس داخل هذا الحوار:
نص الحوار
يرى خبراء اليونسكو في اجتماعهم المنعقد عام 1949 ان مشكلة التفاهم الدولي هي نزاع حضارت.هل كانوا يتنبأون بما يحصل الان في العلاقات الدولية؟ هل نحن في زمن فرض الحضارة بالقوة؟ اذا اردت ان استعيد ما هو مدّون في دستور اليونسكو – في موضوع النزاع او موضوع الحرب فإنه يقول :ان الحروب تبدأ في العقول ولذلك لابد من صنع السلام في العقول ايضا. أي ان القضاء على الحرب كوسيلة من وسائل فظ النزاعات الدولية ينبغي ان يبدأ في العقول ولذلك لابد من العمل على توفير المستلزمات الانسانية على التخلص من ثقافة الإلغاء والاقصاء والاستئصال واحلال ثقافة الحوار والتفاهم و التعايش. اعتقد ان دستور اليونسكو وخبراءها عندما قالوا ان هناك (صراع حضارات) كان المقصود هو هيمنة شكل من اشكال الصراع في العلاقات الدولية وهذا الشكل كان قد ابتدأ اثناء ما سمي بالحرب الباردة والصراع الايديولوجي وسباق التسلح بين المعسكرين. وكانت صيحة ونستون تشرشل عام 1947 بمثابة المانفستو لمرحلة جديدة من الصراع الآيديولوجي على المستوى العالمي، حيث قال ان هناك خطراً ما داهمنا او سوف يداهمنا "وهو الخطر الشيوعي" مذكّراً بالخطر النازي والفاشي خصوصاً بعد انفضاض التحالف الشيوعي - الغربي في الحرب العالمية الثانية، الذي انتهى بهزيمة النازية والفاشية وانتصار العالم الحر بما فيه "المعسكر الاشتراكي" آنذاك على الفاشية والنازية واقامة انظمة في اوربا الشرقية موالية للاتحاد السوفيتي ولمعان نجم أفكار الحرية والديمقراطية. بهذا المعنى يمكن ان تدور رؤية خبراء اليونسكو. فقد كان السباق الماراثوني بين المعسكرين هو عبارة عن تناقض تناحري بين ايديولوجيتين. بين نظريتين، بين معسكرين، وباستعادة الجواهري الكبير أدبياً يكون الصراع ذا بعد استئصالي شديد حيث يقول الجواهري مخاطباً ستالين ونظامه الاشتراكي: يا ستالين وما اعظمه في التهجي أحرفاً تأبى الهجاءا وعلى الجرفين عظمين التقى رمزُ عهدين إنخفاضاً وارتقاءا
ان الصورة التي رسمها الجواهري هي تعبير عن حقيقة الصراع آنذاك بين العالم الحر والافكار الحرة من جهة والنازية والفاشية من جهة أخرى وفيما بعد أخذت تمثل شكل الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية. على هذا المنوال كان الصراع الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية . والادق تصاعد بعدها بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي تناحرياً.اريد ان اقول أن ما يجري اليوم هو شكل من اشكال الصراع اكتسب بعد انتهاء الحرب الباردة… نمطاً ونوعاً جديداً بعد انهيار الشيوعية. إذ استبدل الاسلام مقابل الشيوعية سابقا .
لكن صراع الحضارات صراع غريزي وهنالك من منهجَ لهذا الصراع وحوله الى مبدأ للحوار او الافادة المتبادلة. في عصرنا الراهن قد يساهم حدث بسيط في تغيير رقعة التاريخ،
نعم و النزاع ظل موجوداً في العلاقات الدولية حتى بانتهاء نظام القطبية الثنائية وبداية قطبية واحدية رئيسية تدور في فلكها اقطاب أصغر. هناك الكثير من المنظّرين والباحثين الغربيين الذين يساعدون صانع القرار، كانوا قد روّجوا منذ انتهاء عهد الحرب الباردة الى ان الليبرالية السياسية والاقتصادية انتصرت على الصعيد العالمي وما على العالم الان ان يسلم بهذا النظام السياسي الوحيد والسائد على النطاق العالمي. ولمن يريد ان يدخل العالم "الما بعد تاريخي" حسب فوكاياما عليه ان يسلك هذا السبيل – حرية السوق ونظام ليبرالي على المستوى الدولي وخضوع كامل لمنظومة القيم الفكرية والسياسية والرأسمالية العالمية والاّ سيكون عقبة أمام عالم ما بعد التاريخ الذي وضع "تحدي النفط" و "خطر الارهاب" و "خطر اللاجئين" أمامه. وبخصوص اللاجئين فالمقصود هو الهجرة من الجنوب الى الشمال ومن البلدان الفقيرة الى البلدان الغنية، والنفط هذه السلعة الناضبة فكيف يمكن التحكم بها؟ اما الارهاب الدولي فهو الخطر المستمر والمنبعث حسب وجهة النظر هذه من حركات التحرير والمقاومة التي تنتشر في اغلب بلدان العالم والتي تستخدم الاساليب العنيفة في الوصول الى تحقيق اهدافها، وتؤدي الى سيادة الارهاب والعنف خصوصاً وان الشرق الاوسط وبيروت تحديداً كانت مرتعاً لتفريخ الارهاب وتصديره، وهي جزء من شبكة دولية كانت ترتبط بموسكو امبراطورية الشر حسب الوصف الغربي في حينها وبخاصة في عهد الرئيس ريغان. واستكملت هذه المفاهيم بنظريات اخرى جاء بها صموئيل هنتنغتون بعد ما كان فوكاياما قد تحدث عن نهاية التاريخ، فهنتنغتون تحدث عن صراع الحضارات وصدامها وان الاسلام يشكل خطراً حقيقياً لابد من استئصال شأفته، تلك الارضية المساعدة على نشر فيروس او جرثومة الارهاب، وعلى الغرب ان يبقى شاحذاً جميع اسلحته الاقتصادية والفكرية والثقافية والعسكرية والنفسية بهدف استئصال الاسلام والقضاء عليه باعتباره يشكل بيئة مشجعة لوجود تيارات اصولية متزمته ومتطرفة تستهدف الحضارة البشرية.
في دائرة ذلك هل كشفت احداث11 ايلول (سبتمبر) عن حقيقة هذا النزاع أم هي غيرت من شكله؟
صحيح إن ما جرى في 11 ايلول (سبتمبر) هو خطير واجرامي وجاء في سياق استعادة هذه النظريات الاستئصالية الالغائية وعودة الى اجواء الحرب الباردة بشكل جديد وبخط جديد ولكن الغريب واللافت للنظر ان هذه النظريات استهدفت الاسلام تحت يافطات التيارات الاسلامية أو الاسلاموية أو الاصولية المتعصبة في العالمين العربي والاسلامي، في حين ان التطرف والتعصب والارهاب ليس حكراً على المنطقة العربية والاسلامية وان هذه التيارات المتشددة موجودة في الغرب والشرق على حد سواء، بل ان جذورها وامتدادها في الغرب أعمق بكثير وربما اقدم بكثير. إذ ان هناك تيارات مسيحية اصولية وتيارات يهودية اصولية منغلقة وبمنتهى الرثائة الفكرية لا علاقة لها بالعالم العربي والاسلامي بل انها بالضد من كل توجهات وتطلعات شعوب المنطقة وبخاصة حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره. وهي تدعو الى استئصال الآخر وإلغائه. إن التيارات المتعصبة والعنفية، مثلما هي موجودة في الغرب موجودة ايضا في اسرائيل، واعتقد ان العديد من الحركات التي استخدمت الارهاب وسيلة لتحقيق اهدافها السياسية كانت قد انطلقت من الغرب، سواء من الجيش الايرلندي أو الالوية الحمراء او منظمة بايدرماينهوف او الباسك او الجيش الاحمر الياباني او غيرها. ان واحداً من ابرز رموز هذه التيارات المتعصبة والارهابية في اسرائيل هو حركة كاخ التي يقودها المتطرف (هاكانا) وهي حركة ارهابية بكل معنى الكلمة. لا اريد ان اتحدث عن عصابات شتيرين /اموسين/ الهجانا/ وما فعله شارون وبيغن وبيريز الذين بدأوا حياتهم ارهابيين. كما ان نتنياهو بدأ حياته بتشكيل معهد لمكافحة الارهاب، والمقصود هو القضاء على المقاومة، أي ممارسة الارهاب فعلياً واعداد الخطط والوسائل لتنفيذه. وهناك معهد على المستوى الدولي لعبت فيه القوى الغربية وبخاصة في الولايات المتحدة والصهيونية دوراً كبيراً يسمى معهد (جاناثان) وقد عقد مؤتمرين دوليين أحدهما في القدس في السبعينات 1979 والاخر في الولايات المتحدة عام 1984 بدعوى مكافحة الارهاب والمقصود هنا القضاء على المقاومة الفلسطينية التي تناضل من اجل حقها في تقرير مصيرها واقامة دولة مستقلة وحق الشعب الفلسطيني في العودة الى اراضيه وتمكينه من اقامة كيان خاص به. اقول: ان هذه الاحداث كشفت حقيقة ازمة كانت تختمر وتتعمق لكنها تختفي تحت الرماد. وكانت محطة 11 ايلول (سبتمبر) عاملاً مهماً في تحويل الولايات المتحدة، البندقية من كتف الى كتف. وباشرت بالاطلاق فعلاً، وما زال الحديث يدور حول مستقبل العدالة الدولية، وخصوصاً بعد الحرب في افغانستان، فرغم حق الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها، الاّ ان الهجوم الذي حدث على افغانستان بحجة القضاء على تنظيمات القاعدة، لم يكن يستند الى ارضية قانونية كافية، خصوصاً وان العمل الارهابي على الولايات المتحدة كان قد وقع فعلاً وانتهى.اريد ان اقول شيئاً آخر: ان الولايات المتحدة لم تستنفذ القواعد القانونية المعروفة في متابعة المتهمين والتحقيق معهم بارتكاب مثل هذه الجرائم . فلايوجد حتى الان حكم قضائي دولي، ولم تكشف الولايات المتحدة جميع نتائج التحقيق ولم تُطلع حتى حلفاءها على هذه النتائج. وكان لسان حالها يقول أن على الجميع ان يساهموا تحت "رايتي" في القضاء على معسكر الشر، الذي يمثل محور الارهاب!.
لكن الاعتراف قد تم من قبل الاطراف المتهمة؟ هل لذلك تاثير في السياق القانوني؟
الاعتراف سيد الادلة كما يقال في القانون، ولكن الامر يتجاوز حدود الاعتراف بالتداخل الحاصل سواء لجهة الاتهام أو الادعاء أو التحقيق أو القضاء أو التنفيذ، دعني اقل: ان الذي جرى هو مخالف لقيم العدالة. على سبيل المثال القصف العشوائي لافغانستان الذي طال السكان المدنيين ثم ما جرى في قلعة (جانكي) هو شيء خطير باعتراف العالم كلّه، خصوصاً مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الانسان، اذ تم قتل عشرات من الاسرى بشكل عشوائي وانتقامي تحت حجة محاولتهم الهروب. ما يجري الان في سجن (غوانتنامو) هو بالضد من مستلزمات العدالة الدولية ومن حقوق الاسرى، تلك المنصوص عليها باتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 سواء في السلم او الحرب حيث يحتجز وفي ظروف لا انسانية نحو 600 أسير، دون أي اعتبار لحقوق الاسرى المنصوص عليها في القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ولوائح حقوق الانسان. فدولة مثل امريكا هي مستودع للحضارة البشرية، وكل ما امتلكه العالم من تقدم يعود الفضل فيه الى الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، لذلك لا ينبغي أن تتصرف بهذه الطريقة الانتقامية الخالية من كل ضابط أو ناظم للحقوق والحريات التي اصبحت جزءاً لا يتجزءأ من حياة المجتمع الامريكي. واذا كان بلد الحليب والعسل والرخاء يتصرف بهذه الطريقة التي لا تقل بشاعة عن بعض انظمة الاستبداد في العالم، فلماذا اذن نلوم الآخرين خصوصاً في موضوع هدر حقوق الانسان؟ اعتقد ان الولايات المتحدة بسلوكها هذا اعطت الذريعة للحكام المستبدين في العالم الثالث او البلدان النامية لكي يقولوا: اذا كانت الولايات المتحدة قد تعرضت لمخاطر (كارثة) فغيرت من سياستها ومن احترامها لحقوق الانسان وطالت الاتهامات ابرياء كثر. وتمت اجراءات قاسية وغيّب معتقلون لم يُعرف مصيرهم في الولايات المتحدة حيث لم يسمح بمقابلتهم أو ارسال محامين للدفاع عنهم، ولوحق أشخاص على الهوية واللون. فما بالك بانظمة ما تزال بدائية وتعاني من تحديات خارجية وظروف خاصة. لقد كان الصراع العربي - الاسرائيلي عاملاً معيقاً وكابحاً لقضية الديمقراطية والتنمية، وهو مبرر أو ذريعة لبعض الحكومات العربية كي تتعكز عليه. فما بالك بعمل ارهابي دفع بامريكا لاتخاذ اجراءات شديدة القسوة مناقضة لحقوق الانسان على المستوى الداخلي وضد الاجانب بخاصة مع من هم من اصول عربية واسلامية، وذلك من خلال تمييز واضح سواء على المستوى الدولي، او الداخلي فقد اقترب الامر من اعلان الاحكام العرفية (من ليس معنا فهو مع الارهاب ) وهذه الاجراءات ستطال بحدود 40 بلداً وتمتد الى 60 حركة وتيارا سياسيا موضوعا ضمن قائمة الارهاب . وكان انفعال الولايات المتحدة شديداً من خلال فرضها لقرارات دولية بشأن مكافحة الارهاب وهي القرارات 1368 و 1373 و 1390 وفرض عقوبات لمن لا يتعاون لتحقيق خطتها لمكافحة الارهاب.
إذا ما اعتبرنا ان هذا تحصيل حاصل وهو امرٌ قد وقع فعلا، فهل المطلوب من التيارات العربية السياسية والفكرية والدينية إعادة حساباتها ومنهجة سبلها في مخاطبة الاخر وفي الدعوة لحقوقها، لاسيما وان حياتنا العربية والاسلامية هي حياة ملتسبة لا يمكن ان نبررها بالكامل، خصوصاً سيادة النهج الاحادي وسياسة التحريم والتجريم وهدر الحقوق والحريات والانفراد بالسلطة.
لا ينبغي ان نعلق كل شيء على شماعة الاخر، نحن لدينا اخطاؤنا ونواقصنا وعيوبنا وثغراتنا وهدرنا السافر والصارخ لحقوق الانسان وعلينا أن نعترف بذلك ونسعى لتصحيح أوضاعنا بما ينسجم مع ركب التطور وليس كل ما يقال عنا في الغرب أو غيره هو مجرد دعاية او محاولة للاساءة. علينا ان نقر حقيقة اصبحت باهرة وهي ان التسامح بين بعضنا البعض مازال منعدماً وان محاولات الالغاء ما تزال مستمرة في معالجة اوضاعنا الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وباعادة النظر بمناهجنا يمكننا مواجهة التحديات الخارجية. لكن الحملة الجديدة لمكافحة الارهاب وضعت الجميع في سلة واحدة، وربما في قارب واحد، حكاماً ومحكومين، دول المنطقة بكاملها وليس المقصود الاسلاميين حسب، بل التيارات الدينية بشرائحها المختلفة المتطرفة والمتنورة.وكذلك الحركة القومية واليسارية وشمل الامر الجميع المتدينين وغير المتدينين، المسلمين وغير المسلمين، فالجميع اعتبروا تحت خيمة واحدة، ولذلك قلت: علينا إعادة حساباتنا. اولاً : بالتأكيد على احترام حقوق الانسان، وإعادة النظر في المناهج لجعلها منسجمة مع حقوق الانسان. ثانياً : التوقيع على الاتفاقيات الدولية اذا كنا غير موقعين عليها. وتكييف القوانين والانظمة النافذة لجعلها منسجمة مع المعايير الدولية. ثالثاً : تطبيق هذه القوانين واحترامها. رابعاً : تعزيز قيم وثقافة التسامح والحواروالرأي. خامساً: اقرار التعددية وفسح المجال لها في مجتمعاتنا التي هي اصلاً تتسم بالتعددية ومن تراكيب وتلاوين واشكال مختلفة. إن هذا يساعدنا على التحصن من الداخل ويحررنا من تدخل الآخر واملاء الارادة الخارجية، غير ان عملية تغيير المناهج الدراسية والانظمة التربوية والتعليمية، وان كان ضرورة وحاجة داخلية، الاّ ان القوى الدولية تريده يتناسب مع مصالحها وليس مع حاجتنا الداخلية. إن حاجتنا الى التغيير في البيئة السياسية في بلداننا العربية هي مسالة ضرورية ولكن ليس لحساب الاخر بل لحسابنا ولحاجتنا.
هل ترى ان مستقبل المواجهة الحالية سيكون بين الدول الكبرى ومنظومة حقوق الانسان العالمية؟
في حوار لي مع مسؤول عربي رفيع المستوى قال : الآن دوركم دور حقوق الانسان. قلت له : ان دور حقوق الانسان كان دائماً موجوداً والدعوة لاحترام حقوق الانسان ستزداد اكثر فأكثر، ولابّد من ممارسة ضعط داخلي عقلاني لاحترام حقوق الانسان مع التنبيه الى امكانية القوى المتنفذة على المستوى العالمي من استغلال هذه الثغرات للنفاذ اليها.. ودعني اقول : ان هناك نظرتين خاطئتين: الاولى : هي أن الغرب يعامل العرب بالجملة ككل متكامل، لا يميز بينهم احياناً، عربي او مسلم، ودون ان يلاحظ التمايزات والاختلافات والانقسامات والتكتلات والتكوينات السياسية والقومية والاجتماعية والدينية والمذهبية والطائفية. وان لنا حاجاتنا كبشر اذ تنقصنا حاجات اساسية كحق الحياة وحرية التعبير ثم الحق في التنظيم والاعتقاد والمشاركة السياسية وحاجات للتعليم وللصحة وللضمان الاجتماعي. ان حاجتنا كبيرة الى حياة طبيعية سلمية وسلام وتعايش اجتماعي وقومي. لقد دعوت في كتاباتي الى المشترك الانساني والبحث عن سبل التلاقي والتعايش بين الفرقاء على اساس التسامح وقيم التضامن . الثانية : لدى الكثير من الاوساط العربية والاسلامية، نظرة شمولية للغرب ككل واحد، حيث يبدو الغرب عنصريا واستعماريا يريد ان يفرض الهيمنة وان الغرب ضد الاسلام. لكنني اقول ان في الغرب هناك تيارات. الغرب المنتج الاساسي للحضارة البشرية في السنوات الاخيرة. ما انتجته الحضارة في القرن العشرين هو اهم ما انتج في تاريخ البشرية. المنتج الغربي من العلوم والتكنولوجيا في النصف الثاني من القرن العشرين فاق مئات السنين من التقدم، ونحن نتعاطى معها كجزء من المنتج الانساني. ضمن هذا اقول لا يمكن ان نأخذ الغرب ككل. هناك الغرب السياسي له مصالح فهو يساند اسرائيل ويريد ان يملي على العرب اساليبه وطرقه. الغرب يفرض حصارات على بلداننا مثل العراق… وهناك الكثير من التساؤل… لكن في الغرب تيارات تحترم حقوق الانسان وتقف مع الشعوب ومع قضايانا. علينا انه نميّز إذن. اعود الى العالم العربي والعالم الاسلامي حيث تجد فيه المتدين وغير المتدين، فيه المسلم الليبرالي وفيه المسلم المحافظ، وفيه المسلم المتسامح الذي يريد ان يتعاطى مع الغرب والحياة الانسانية والحضارة البشرية وما وصلت اليه، وهناك الاصولي والمنغلق والمتخلف. لكننا نجتمع تحت سقف واحد جميعا اسمه "الهوية الاسلامية". اقصد اننا جزء من حضارة عربية اسلامية، كلنّا نطلق الأسماء الاسلامية على أبنائنا وأحفادنا ونحتفل بالاعياد والمناسبات الاسلامية ونقيم مراسم العزاء على الطريقة الاسلامية، وقسم كبير منا لا يأكلون اللحوم الاّ اذا كانت مذبوحة على الطريقة الاسلامية. الاسلام حضارة وثقافة وهوية وليس تعاليم دينية حسب. ولهذا يخطيء من يتعامل مع العرب والمسلمين ككل متكامل دون تمايزات، مثلما نخطيء اذا تعاملنا مع الغرب بالجملة، باعتباره استعلائياً وعنصرياً دون تمايزات واختلاف ووجود تيارات ثقافية وفكرية ضد العنصرية والامبريالية.
هل يعني ذلك ان التيارات الاخرى التي كانت تناهض المنهج الاسلامي الاجتماعي لم تستطع ان ترسخ مفاهيمها في المجتمع؟ كلا.أعتقد أن المناخ الاسلامي مفاهيم وسلوكاً ومزاجاً ليس جزءا من تيار اسلامي او اسلاموي. فهذه هوية وهي جزء من حضارة وامتداد لتاريخ. ولنذهب أبعد من ذلك فنحن امتداد لحضارات وثقافات عاشت على أرضيات ولعل أهمها وأرسخها هو الثقافة العربية الاسلامية. خذ أي مواطن عراقي لا يشعر انه ابن اليوم او البارحة. هو ابن حضارة بشرية على مدى (7) سبعة الاف سنة. وهو دون ان يدري تتسرب هذه اليه. وهذا الامر ليس خاصاً بنا. كذلك المصري يشعر هذا الشعور ولديه مثل هذا التراكم غير المنظور وكل أبناء الحضارات التاريخية يعيشون هذه الحالة.
أن ايام الجمعة مثلاً هي ايام العطل، فحتى البلدان التي اخذت بايام اخرى بأن جعلت العطلة ليومين، الجمعة والسبت على سبيل المثال .فان العامة ظلّوا يعتبرون العطلة الشعبية هي يوم الجمعة.اما في البلدان المسيحية فان العطل ايام الاحد، وبالنسبة لليهودية فان العطلة هي يوم السبت، هذا جزء من التكوين الحضاري، انا اقول : نحن كحضارة جزء من حضارة أوسع وأكبر هي الحضارة البشرية والانسانية في ذلك اتفاق واختلاف، تناقض وتوحد مع الحفاظ على الخصوصية. هذه الكينونة يتعكز عليها الاصولي فيجعلها في تناقض مع الحضارات الاخرى ويستفيد منها المتنور فيعتبرها جزءا من الحضارة الانسانية ويتعكز عليها الغرب السياسي، فيعتبرها في تناقض وتعارض واختلاف لا يمكن اللقاء حوله. ويستند اليها المثقف ذو النزعة الانسانية في الغرب، فيعتبرها جسراً لحوار الحضارات والتواصل الثقافي الانساني.
في ظل كل ازمة تاريخية لاسيما اذا كانت مباشرة تتصل بالوضع السياسي والاداري للدول. تظهر حركات اساسية للتغيير. مثل عصر التنوير في مصر ولبنان والعراق. هل ترى بان الظروف مهيأة لانبثاق عصر تنوير جديد تحركه جرأة مفكرين ومصلحين. لا سيما ان الهوية التي تحدثت عنها تجري محاولات لطمسها. وان هناك بعض الدول التي تنتهك ابسط حقوق الانسان ليس على الجانب السياسي المعروف والاضطهاد الشائع، بل ايضا عن انتهاكات منتظمة. مثل انتهاك حقوق المرأة والطفل والضمان الاجتماعي وغير ذلك. يمكنني القول نحن في حالة انكسار فكري وعملي… لقد كان هناك مصلحون كبار امثال جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وما لعباه من دور كبير عبر مجلة " العروة الوثقى" ورفاعة الطهطاوي واستخداماته المهمة للمصطلحات الحديثة من الامة الى القومية الى الوطن. وكتابه الشهير " تخليص الابريز في تلخيص باريز" … اذا كان هؤلاء وقبلهم وبعدهم. شبلي شميل وفرح انطوان وسلامة موسى واحمد امين من رواد المدرسة الحديثة، لعبو دورا في حركة التنوير والانفتاح وكانو اشبه بقنوات وجسور مع الغرب.فان مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي شهدت انحساراً للجدل الفكري وتضيقياً على الحريات الفكرية وسيادة أنماط من الاستبداد. ولهذا قلت فإنه رغم التقدم الذي حصل فاننا نعيش انكساراً واضحاً لاسباب عديدة، السبب الرئيس هو ان الغرب وهذا التحدي الخارجي ساهم مساهمة كبيرة في ابقاء شعوب المنطقة خاضعة للاستتباع والسيطرة على مواردها. وثانيا هو محاولة خلق اسرائيل للتضحية بالتنمية والديمقراطية والاصلاح، مع وجود تحد خارجي تعكزت عليه انظمة الاستبداد التي تقول.. انها امام تحديات. الشي الآخر: ان نمط الاستبداد بركنيه ، الانظمة التقليدية التي حالفت الغرب ولم تأخذ من نظامه السياسي الانفتاح والحرية واحترام حقوق الانسان والانظمة الثورية التي ادعت انها انظمة حداثوية الاّ انها سلكت ذات المنهج السياسي واحتكرت العمل السياسي واستأصلت الارهاصات الاولى لوجود تعددية داخل المجتمع وبالتالي فان الانظمة التقليدية والانظمة الثورية عطلت من قضية التقدم والتنمية والديمقراطية تحت حجج مختلفة.المثقف الذي كان له دور ريادي انكفأ واصبح مثقفاً تابعاً للسياسي وهناك نزعة انتهازية لدى اوساط واسعة من المثقفين، فإما انهم روضّوا من خلال السلطات ودجنوا وعلبوا بطريقة تستطيع ان تستخدمهم رأس حاجة وان تستأصلهم اذا لم يسيروا مع الركب الهادر، او انهم اصبحوا جزءاً من حركات شمولية هي الوجه الآخر للاستبداد. خصوصاً بادعاء الافضليات وعدم قبول الرأي الآخر. وقد انقلب جزء من هؤلاء بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، الى مروجين للغرب واطروحاته وسياساته.
يرى بعض علماء الاجتماع ان السياسة بمجمل اتجاهاتها لم تكن سوى ذرائع لسيطرة الاعراق، هنتنغتون يرى ان الثورة الروسية انما في حقيقتها نزوع المجتمعات السلافية للسيطرة. وان الثورة في الصين ليست سوى نزعة سيادة الكونفيشيوسية .هل ان العالم يشهد حاليا وهم الايديولوجيا… فضيحة الايديولوجيا؟
ان الايديولوجيا باعتبارها علم الافكار وليس الوعي الزائف على حد تعبير ماركس، كانت وما تزال رغم ان تأثيرها قد ذبل، موجودة وفاعلة ،لكن نمط الصراع الايديولوجي قد تغير… السياسة بهذا المعنى ليست هيمنة أعراق، كما يقول هنتنغتون بل هي صراع واتفاق مصالح على مدى التاريخ منذ أن وجدت البشرية. السياسة بتعريفها العلمي صراع واتفاق مصالح.
ربما يقصد هنتغتون الايديولوجيا من خلال مرجعيات معتنقيها وتطبيقاتها ضمن انظمة الادارة في الدولة. الصراع قد يكون واحداً من تجلياته الهيمنة العرقية او الهيمنة الدينية او هيمنة اقتصادية وعسكرية او هذه جميعاً لكنها لا تخرج عن الصراع واتفاق المصالح. لكن سيادة العرق ايضا هو هدف و مصلحة. في السابق في فترة القانون الدولي التقليدي قبل الحرب العالمية الاولى وفي القرن التاسع عشر، كان من حق الدولة ان تشن الحرب. وكان هناك قاعدة قانونية معترف بها تسمى بـ "الحق في الحرب" أي حق الدولة في شن الحرب لتحقيق مآربها ومصالحها حتى بدون مبررات مقبولة احياناً، وانما اخذ مصلحة الدولة القومية عند شن الحرب. وهكذا كانت الدول القوية تشن الحرب لاهداف قومية واقتصادية. تدريجياً بدأ العالم يقلص من حق الدول في شن الحرب الى تحريم استخدامها لاحقاً. والى منع استخدام القوة في العلاقات الدولية أو التهديد بها وتطور الامر ليصبح "الحق في استخدام القوة لاغراض انسانية" امرا مبررا فيما اذا تعرضت دولة ما او مجتمع ما الى انتهاكات خطيرة وجسيمة لحقوق الانسان. وهكذا كانت قواعد شن الحرب تتغير مع تطور قواعد القانون الدولي وأصبح اليوم المعيار الاساسي من الناحية الفقهية هو "الانسان". مقياس كل شيء. كل ما تصنعه البلدان والدول والتيارات والاديان والفلسفات اما أن يكون لصالح الانسان او ضد الانسان فالانسان هو المقياس. ولذلك تدريجياً اصبح الانسان قيمة عليا. قال مفكر عظيم: ان الانسان أثمن رأسمال وبهذا المعنى نقترب الان من كون الانسان هو القيمة العليا. ولذلك حتى القانون الدولي الان اصبح من قواعده الملزمة Jus Cogens هو احترام حقوق الانسان. وحتى احترام حقوق الانسان اعتراه صراع بين الشرق والغرب حول مفهوم حقوق الانسان. المدرسة الاشتراكية كانت تتبنى الحقوق الجماعية وحق تقرير المصير والحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مثل الحق في العمل والتطبيب والصحة والضمان الاجتماعي ، وتحديد ساعات العمل ، ورعاية الطفولة ، ومساواة المرأة، لكن المدرسة الغربية كانت تركز على الحقوق المدنية والسياسية، حق الانسان في التعبير والاعتقاد والتنظيم، والمشاركة السياسية، والمحاكمة العادلة، وعدم التعرض للتعذيب او الاذى النفسي او إلحاق أي شي حاط بالكرامة. لكننا اكتشفنا بعد حين ان المدرسة الاشتراكية لم يكن رأيها صحيحاً ازاء المنظومة الشاملة لحقوق الانسان. ولا المدرسة الغربية رأيها صحيح أيضاً للمنظومة الشاملة لحقوق الانسان. لابد من وجود جسر للتلاقح بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لذلك برز الان جيل جديد ثالث يؤمن بالحقوق العامة والخاصة، الجماعية والفردية واضيف الى الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الحق في السلام، والحق في التنمية، والحق في بيئة نظيفة، والحق في الافادة من منجزات الثورة العلمية- التقنية لاسيما ثورة الاتصالات اذ لا يمكن لأي فرد ولأي مجتمع أن يتطور بدون سلام وتنمية، وبهذا المعنى فالسلام والتنمية والبيئة هي حقوق فردية وجماعية في آن واحد. العالم يتجه في هذا المضمار الى ان يكون اكثر شمولية وعدالة وانسانية لجهة فهم وانسجام مع المنظومة الشاملة لحقوق الانسان والاقتراب من العدالة الدولية. هناك مفارقات حدثت مؤخراً : الولايات المتحدة رفضت ان توقّع على اتفاقية محمكة روما عام 1998. حول انشاء المحكمة الجنائية الدولية. وهي لم ترفض فقط، بل حاولت ان تحرّض على عدم التوقيع. ولكنها حين لم تفلح في ذلك وقعت بعد ذلك في اللحظات الاخيرة 2000-12-31. والهدف هو التأثير على النظام الذي سينجز لتأسيس محكمة روما. وفعلاً اثرت في تحجيم وتبهيت بعض مواد نظام روما الاساسي. وعندما اقتربت مرحلة التصديق على الاتفاقية لتدخل حيز التنفيذ (تموز/ يوليو/ 2002) . بعد الموافقة عليها من جانب 60 دولة حسبما نصت عليه الاتفاقية (نيسان / ابريل/ 2002). اعلنت الولايات المتحدة انسحابها من نظام محكمة روما وهي سابقة دولية، لم تحدث من قبل من جانب الولايات المتحدة. ولعبت اسرائيل ايضا الدور نفسه، مما يجعلك امام مفارقة حقيقية. كيف تتصرف اذن دولة عظمى متقدمة تدعو لاحترام الحقوق الانسانية على المستوى العالمي، لكنها ترفض التوقيع على نظام محكمة روما الذي هو انجاز دولي مهم لجهة ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية وضد حقوق الانسان وانه اول نظام قضائي دولي له طابع الديمومة وولايته القضائية تشمل العالم كله. وترفض التوقيع على حقوق الطفل 1989 … لغاية وقت قريب وعلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حتى عام 1992 بعد ان وقع العالم كله؟. كيف تريدني انا العربي والمسلم ابن هذه المنطقة واتابع بألم ما تفعله الولايات المتحدة في فلسطين عبر حليفتها اسرائيل ان اصدق ان الولايات المتحدة تريد الاتيان بنظام ديمقراطي تعددي فيدرالي في العراق. كيف تريدني ان اصدق. بالطبع لن تأتي بما نخطط له او نفكربه و عملنا من أجله لسنوات طويلة.
شغلنا كثيراً بجدلية التراث والمعاصرة. قيل ان هذه الجدلية مازالت صالحة للبحث وبجدية في انتاج مراجعات مثمرة في تاريخنا السياسي والثقافي. انت كمفكر عربي وعراقي عملت خلال قنوات مختلفة سواء في السياسة او المجال الثقافي والحقوقي. هل يمكن ان تدعو الى آلية اخرى في جدلية التراث والمعاصرة في مؤسساتنا التعليمية؟
أولاً: نحن امتداد للماضي ونحن جزء من التراث لكننا نعيش في عالم معاصر فنطل عبر نوافذ وبوابات على هذا العالم. نستلهم من قيمه ضمن مجرى المحمول الفكري والثقافي، الذي لدينا لا بد وان يساهم في تخصيب ما هو قائم وفي تعزيز ما هو موجود حقيقة. ثانياً: لا يمكن لاي عاقل ان يضع نفسه خارج المنجز الثقافي والفكري والتكنولوجي القائم في العالم المعاصر. ثالثاً: اذا اردنا ان نكون خارج هذا الاطار فنحن نحكم على انفسنا بالعزلة والهامشية. رابعاً: هناك تواصل بين التراث والمعاصرة ولكن البعض بحجة التمسك بالخصوصية يريد ان يعيدنا الى عالم قبل 1400 سنة سواء في الفكر والممارسة وفي اللباس والهندام والاكل والشكل واللغة وطريقة العيش. في وقت نحن نعيش في عالم منفتح، عالم متسارع، لا يمكن الاّ اللحاق بركبه، ولعل هذا واحد من فوائد العولمة ونحن نتحدث عن مساوئها باستمرار . اقول: حتى لو اردنا ان نتشبث بالمثل والقيم والتعاليم الدينية فهذا ليس خاطئاً، خصوصاً اذا استلهمنا روحها ومواءمتها مع روح العصر. يقول الامام علي : " لا تعلموا اولادكم عاداتكم لانهم خلقوا لزمان غير زمانكم" نحن ابناء هذا العصر علينا ان نتعامل وفق موروثنا الحضاري التنويري. وبمحمولنا الفكري والثقافي وان نأخذ مكاننا تحت الشمس. علينا ان نستثمر مواردنا وطاقاتنا لكي نسهم في الحياة البشرية للانسانية جمعاء. وافضل مساهمة في الحياة البشرية الآن ان نحترم حقوق الانسان. هذا المعيار الذي تتباهى به الامم الان.
فهل يمكن القول : ان مشروع العولمة انتج مشروعاً مقابلاً يمكن الاشارة اليه على انه دفاع الثقافات عن ذاتها. كانها نبهت الى ثقافات لم نبد عناية كافية للانتباه لها. ونقلتها من مرحلة الخمول الى مرحلة الفاعلية.
الان كل شيء يتضح وسيتدقق. لغات امم صغيرة، شعوب محدودة، ثقافات يجري اجلاء الغبار عنها. العولمة عممت العلم … عممت الثقافة، وما الانترنت، والكومبيوتر… الاّ تعميم ونتاج للعولمة التي لابد ان تساهم وتغني التراث العالمي، لذلك نحن ندعو لعولمة المفاهيم والقيم الصحيحة، ندعو لعولمة حقوق الانسان.
لكن توجد هناك ثقافات لا تتفق مع ذلك وترى فيه مسخا لهويتها التقليدية. هذه انغلاقية. هي حكمت على نفسها بالعزلة. هي تريد ان تحكم على نفسها بالفناء التدريجي. على أي ثقافة كي تكون واثقة ومؤثرة وتنبض بالحياة ان تكون منفتحة.علينا ان نقبل الجديد وان نغّير ونبني ونتفاعل مع الاخر، هذا هو السبيل الى الحضارة البشرية. الحضارة العربية - الاسلامية ترجمت فلسفة اليونان وكانت هذه الترجمة فتحا كبيرا للثقافة العربية والاسلامية. لم يكن الفارابي وابن سينا والكندي وابن رشد بمعزولين على العالم. هم اطلوا وقارنوا وقاربوا ولذلك اجتهدوا وانتجوا للبشرية خيراً وفيراً.نحن علينا ان نستفيد مما انتجه العقل البشري لتلقيح حضارتنا وقيمنا ومفاهيمنا وكلما تمسكنا بخصوصياتنا من جهة وانفتحنا على العالم والتقدم الانساني من جهة اخرى، فهذا يعني اننا انخرطنا في الركب العالمي، ولابّد ان نتأثر ونؤثر بما يجرى حولنا دون ان نستخدم الخصوصية الثقافية والقومية والدينية وسيلة للتنصل من المعايير الدولية والاستحقاقات العالمية بل لابد ان تكون عامل رفد واضافة وتخصيب، لا عامل انعزال وتقوقع وجدب.
هل يمكن القول ان احداث 11 ايلول اعادت عجلة التفكير لمراجعة بعض الثقافات لسبلها في تحدي الاخر ومواجهته؟
ان الحرج الكبير الذي تعرضت له الولايات المتحدة كان بليغاً حقاً . الولايات المتحدة لم تتعرض لاية ضربة كالذي حدث في 11 ايلول منذ 140 سنة. وهذا ما جاء على لسان الرئيس بوش في تعزيته الامة الامريكية. حدث كبير حصل في الولايات المتحدة منذ العام 1941 وهو مهاجمة اليابانيين ميناء (بيرل هاربر) وقضوا فيه على 2300 جندي بحار وعسكري.لكن ذلك حدث خارج عمق الولايات المتحدة، ولم يحدث ان هوجمت واشنطن او نيويورك او بنسلفانيا او غيرها، علماً بان مهاجمة ميناء (بيرل هاربر) كان في اطار حرب كونية شاملة. وقامت الدنيا ولم تقعد. والذي حصل لاول مرة ان هذه الحرب جاءت الى عقر دار الولايات المتحدة ولم تستخدم اسلحة متطورة كما في الحروب بل كانت بسكاكين وأمواس حلاقة، ادت الى ما ادت اليه. لقد ضربت احداث 11 ايلول (سبتمبر) نظرية الامن الاستراتيجي الامريكي. كل الذي قرأناه وسمعناه عن نظرية الامن الاستراتيجي والدوائر المغلقة أصبح محط تساؤل جديد بما فيها نظريات توازن الرعب والردع النووي وغيرها. واذا ببضعة مدنيين ملتحين يحملون سكاكين ينـزلون هذه الضربة الموجعة بالامن الاستراتيجي الامريكي.وفي هذه المرة لم يكن العدو واضحاً دولة أو جيشاً او سلاحاً تدميرياً يمكن نزعه، بل افراد متوزعون على مساحة جغرافية واسعة وليس هناك مايّدل عليهم. إن هذه القوى الخفية كانت موجودة، لكنها كامنة، وفجأة ظهرت خصوصاً بعد انتهاء الغزو السوفيتي لافغانستان، حين ساعدت الولايات المتحدة القوى الاسلامية ضد الغزو، تلك التي اتهمتها بالتطرف والتشدد والارهاب لاحقاً. ووجدت الولايات المتحدة نفسها فريسة لقوى وهمية ولبضعة اشخاص كانت تقف حتى وقت قريب وراء صناعة مثل هذا التيار او تشجيع بعض قياداته على اقل تقدير. فاعادت تغيير طائفة من المفاهيم واعلنت الحرب بلا حدود ضد الجميع، ولا احد يدري متى وكيف ستنتهي حملة مكافحة الارهاب الدولي !؟. اعلنت الحرب ضد افغانستان اولاً، ثم ستعمل على انهاء محور الشر. وعلى رأسه العراق وايران وكوريا الشمالية . ثم الحقت سوريا وادخلت حركات سياسية من حماس الى الجهاد الى حزب الله الى الجبهة الشعبية – القيادة العامة الى تنظيمات اخرى. حتى انها اعتبرت قيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ضالعة في الارهاب.
ركزت في كتاباتك على الاشكاليات التقليدية داخل الفكر الديني دون ان تسميها بالاسم، كيف تراها اجمالاً ؟
السؤال الذي يواجهنا هو: كيف نستطيع ان نكيّف الفكر الديني لمفاهيم الحداثة؟ لا يمكن باي حال ان يعيش الانسان بفهم وقيم لا تنسجم مع مفاهيم العصر… انا اشعر باستمرار ان الايقاع الديني يمكن ان يتكيف مع العصر ومستجداته مع الابقاء على روحه التي هي بلا شك تعبر عن قيم ومفاهيم انسانية. هناك خمسة مفاهيم يمكن ان أصنفها تتصدى لهذه الظاهرة: اولاً - المفهوم الانكاري : ينكر كل شيء خارج اطار الشريعة ويعتبر كل ما يقال عن التحديث والتنمية وحقوق الانسان انما هو بدعة غربية وكل بدعة ضلال. ان هذا المفهوم لا يريد ولا يرغب في تأكيد دور الحضارة العربية- الاسلامية في مقاربتها التاريخية للفكر الانساني، الذي هو نتاج تفاعل الحضارات والثقافات. لقد ساهمت الحضارة العربية الاسلامية في تطوير الفكر الانساني، وهي الاخرى تأثرت بالتطور العالمي ولهذا لا يمكن انكار هذا التفاعل والتأثر لا من الناحية التاريخية ولا في الوقت الحاضر. ثانياً - المفهوم الريادي: وهو الذي يدعي الريادة… ان كل شيء حسب وجهة النظر هذه موجود في الشريعة. ولا يمكن ان تتحدث عن حقوق الانسان لدرجة اعتقادهم بان كل شيء موجود في الشريعة وأن "بضاعتنا ردّت الينا" ويجري الاستشهاد بآيات قرآنية واحاديث نبوية تؤكد ذلك. مما يجعلهم يستخفون بما انجزه العقل البشري وبالتالي رفض التعاطي مع الآخر بحجة الريادة والافضليات.. ولا شك ان كلا المفهومين يقودان الى الانعزالية والتحجر. ثالثاً- المفهوم الانتقائي: وهو يحاول تكييف أو توليف مفاهيم المعاصرة بالتراث وذلك باهمال النقاط الحساسة والساخنة، من خلال البحث عما هو مقنع عبر اجابات عامة وتوفيقية، رغم التعارضات والتناقضات الصارخة. مثل هذه المحاولات التوليفية او التوفيقية لم يُكتب لها النجاح وقد جرت في الخمسينيات والستينات بين الاسلام والقومية والاسلام والاشتراكية. ولذلك استطيع القول ان هذه التوليفات فشلت ومعها كل المحاولات التي ارادت ان تزيل نقاط الاختلاف بين الاشتراكية والاسلام والقومية والاسلام وغير ذلك من كلا الاتجاهين. بين الاتجاه الديني التنويري او العلماني المنفتح. ويمكن ذكر تجربة حسين مروه او هادي العلوي (محاولة التفسير المادي للتاريخ) ومحاولة تكييف التعاليم الاسلامية بما يتناسب مع هذه القضية. هادي العلوي دعا الى اسلمة الماركسية أوالى أقلمه الماركسية باعتبار ان هناك مناطق وشعوباً مختلفة كالاكراد والبربر (الامازيغيين) وكذلك المسيحيين والاشوريين، لذلك دعا العلوي الى اقلمة الماركسية وليس اسلمتها مثلما ما جرى "تصيينها"وبالطبع لا الماركسية تأسلمت أو تاقلمت ولا الاسلام تمركس. ورجعنا الى نفس الدائرة.والان : هناك من يقول ان الاسلام لا يتعارض مع حقوق الانسان وان كل شيء في حقوق الانسان موجود في الاسلام انما هو محاولة للتكييف. وباعتقادي فان هذه النظرية ستفشل ايضا لان هناك نقاط إلتقاء ونقاط اختلاف… نقاط وصل وفصل بين المفاهيم الاسلامية المعاصرة وبين المفاهيم الحديثة لحقوق الانسان. من نقاط الاختلاف مثلاً هناك موضوع المرأة. وهي نقطة احتكاك بين التعاليم الاسلامية التاريخية وبين قضية حقوق الانسان. هناك الموقف من "اهل الذمة" هل نستطع الحديث عن" اهل الذمة" الآن خصوصاً ونحن نعيش في الغرب او نتعاطى معه، والموقف من الجزية في ظل الدولة الحديثة حيث المساواة بين المواطنين بغض النظر عن دينهم ومعتقدهم وقوميتهم ولونهم… الخ، هذه نقطة اختلاف أيضا وهناك موضوع "اقامة الحد"، وهي نقطة اختلاف كبيرة ايضاً. لكن ذلك لايمكن ان يكون المنفاخ الذي ننفخ فيه لتكبير الهوّة او توسيعها ولابد من التوافق على المعايير الانسانية في كلا الاتجاهين، والبحث عن المشترك الانساني، دون محاولة عبور النقاط الساخنة بشكل مصطنع او ارادوي. رابعاً - المفهوم الاغترابي: بعض النخب المتغربة تقول ان كل ما له علاقة بحقوق الانسان والحداثة يختلف اختلافاً جوهرياً مع الاسلام ، ولكي تسير المنطقة في ركاب الحداثة والتطور العالمي عليها ان تترك الاسلام وان تلتحق بالحضارة الغربية بوصفها خلاصة للحضارة البشرية. وينظر اصحاب هذا الاتجاه نظرة عدمية الى التراث ولا يقيمون أي اعتبار للوصل بين التراث والحداثة وبين الاصالة والمعاصرة ولا للجسور الحضارية والثقافية بين الامم والشعوب التي هي الاساس في المشترك الانساني. ان هذا المفهوم غير متعمق بالتراث و ينظر اليه بازدراء عبر افكار مسبقة ومن خلال عدمية قومية او دينية (كسموبوليتية). انا ادعو الى التوافق. وهناك فرق بين التوافق والتكييف المصطنع او التعسفي، ولا بدّ من مد الجسور من خلال المشترك الانساني، بين الثقافات، بين الحضارات، بين الامم، والشعوب، انطلاقاً من ذلك المشترك، وهذا جزء من التطور البشري التكاملي، ولهذا اقول ان الموضوع، بحاجة الى تحديد نقاط التلاقي والاختلاف والبحث عن المشترك الانساني . خامساً- المفهوم الحضاري: وهو يختلف عن الدعوات الانكارية من جهة والتغريبية من جهة اخرى، ويعتقد هذا المشروع ان الاسلام يمثل حضارة كاملة ولا يمكن تجاهل تأثيره السابق والحالي والمستقبلي على الحضارة الانسانية والفكر البشري. وهذا المفهوم هو ما ادعو له. اعتقد ان الاسلام الحضاري لا يجد غضاضة رغم الخصوصيات الثقافية والدينية، من اعتماد المعايير العالمية المشتركة التي تمثل المشتركات الانسانية، من خلال التلاقي الحضاري والتفاعل الانساني والتطور التاريخي في محاولة لمزاوجة وتطور طويل الامد يمّد جذوره عميقاً في التراث الانساني ويجد صورته في الحداثة ويستجيب لما بعدها في ظل العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات وغيرها. اجمالاً هنالك تيارات دينية منغلقة لا تريد ان تستجيب للتطور، وهذه الاصولية او السلفية او دعني أسميها الجمود العقائدي موجودة في التيارات القومية والتيارات الماركسية ايضا. وهي تيارات منغلقة ترفض أي تطور وتعيش في قوانين القرن التاسع عشر. او على بدايات او منتصف القرن العشرين. الولايات المتحدة تعمل على توسعة تدخلها في عالمنا العربي عبر مشروع تغيير الانظمة وفرض مناهج محددة في التكوين العلمي والثقافي وقد حصل ذلك لان الواقع العربي حالياً هو في حالة تردي خصوصاً في موضوع احترام حقوق الانسان.
اولاً ليس من حق الولايات المتحدة قانوناً ان تفعل بانفراد ماتريده وان تطالب باجراء تغييرات في العالم العربي والاسلامي لحسابها. ورغم اني مع اجراء اصلاحات ضرورية في المناهج التربوية والتعليمية والثقافية والدينية ايضا وتغيير شامل في البنى القانونية والسياسية في بلداننا العربية لكن ليس من الزاوية التي تريدها الولايات المتحدة . فالولايات المتحدة صمتت عن انظمة في منتهى الاستبداد والتخلف والعداء لحقوق الانسان، بل صادقتها. يكفي القول ان امريكا تحمي اسرائيل، وهي بؤرة حرب ومركز من مراكز التحدي للسلام وللعالمين العربي والاسلامي ولحقوق الشعب الفلسطيني. ويجري الحديث عن "ديمقراطية" اسرائيل في الوقت الذي لا تعترف فيه بحقوق مواطنيها بما في ذلك الاقلية العربية التي تشكل مايقارب 20% من سكانها. فالتمييز العنصري (الابارتايد) موجود داخل اسرائيل. واسرائيل دولة لا يوجد لديها دستور لانها لا تريد ان تضع مبدأ المساواة ولا تريد ان تحدد حدودها، فهي دولة عنصرية وهي شكل من اشكال الاستعمار الاستيطاني في المنطقة. ولذلك فالولايات المتحدة تريد التغيير لحماية مصالحها وليس من اجل مصالح شعوب وبلدان المنطقة وقضية حقوق الانسان. هنالك مبدأ رئيسي صحيح انطلق في العلاقات الدولية وهو "مبدأ التدخل لاغراض انسانية". هذا المبدأ إعتمد بشكله الجديد في نهاية القرن العشرين، عندما صدر القرار 688 الخاص بكفالة احترام حقوق الانسان والحقوق السياسية لجميع المواطنين بعد حرب الخليج الثانية (5 نيسان / ابريل/ 1991) ودعا فيما يدعو لوقف القمع الذي يتعرض له السكان الاكراد في المنطقة الكردية وبقية المناطق العراقية، وطلب من الامين العام للامم المتحدة ان يُبقي هذه القضية مفتوحة وان يتم كفالة الحقوق السياسية لجميع المواطنين وهذا يعني فيما يعنيه اجراء انتخابات حرة لاختيار ممثلين للشعب، ولكن للاسف فان هذا المبدأ يتم استخدامه أحياناً بشكل وعبر ازدواجية في المعايير.
نتحدث في السياق القانوني، غير ان هذا السياق القانوني تعرض للاختراق منذ البدء، فهناك جهات ممكن ان تستغل هذا الاختراق في العراق أو غيره ،مثلاً، الشعب العراقي يتعرض لانتهاكات عديدة، دولياً من خلال الانتهاكات المتمثلة بالحصار وداخلياً بسبب الانتهاكات التي تحدث على يد النظام الذي يحكمه. هل يمكن ان تتوفر فرصة للخلاص من النظام في ظل الاختراق الذي حدث في القانون الدولي والعلاقات الدولية التي تاثرت بسببها؟
دعنا نناقش المعطيات اولاً، فالولايات المتحدة لا تريد ان تقول انها تريد تغيير النظام العراقي لانه ينتهك حقوق الانسان، هي تقول: انها تريد تغيير النظام لانه يمتلك اسلحة فتاكة يمكن ان يهدد بها جيرانه. وثانياً إن الولايات المتحدة لا تقول ماذا تريد بعد تغيير نظام الحكم في العراق، لا تقول انها تريد نظاما ديمقراطياً، لا تقول موقفها بشأن العقوبات المفروضة على العراق ولا تقول موقفها من التعويضات. ولا تقول موقفها بعد الحرب والهجوم العسكري الذي قد يؤدي الى تدمير العراق، فقد سبق لها ان دمرت البنية التحتية عام 1991 ويمكن ان تدمّرها مرة ثانية، ولكن لا تقول بمسؤولياتها لاحقاً. لا تخبرنا الولايات المتحدة بمسؤولياتها ازاء اعادة اعمار البلاد وتعويضها عما لحق من غبن واضرار. ولا تقول بموقفها من الحقوق الكردية وصيغتها المطروحة " الفيدرالية" وهي تدعي انها جاءت لتتدخل انسانياً لمصلحة الشعب العراقي وبأسمه احياناً . انا اشك بكل نوايا الولايات المتحدة وهي حامية اسرائيل في المنطقة بأنها، تريد قيام أنظمة ديمقراطية انطلاقاً من مصالحها اذ ليس من مصلحتها ان يأتي نظام ديمقراطي في العراق. النظام الديمقراطي في العراق سيكون ضد اسرائيل. سوف لا يرضى بالتسوية المذلة والمشينة المفروضة على العالم العربي، سوف يقول لا لجميع العقود والاتفاقيات التي وقعها العراق مرغماً وباذلال. الديمقراطية تعني خيارات الناس وانا اعتقد ان الشعب العراقي لن يستكين بعد ازاحة النظام الحالي واذا كان حالياً مكمم الافواه، فانه بعد التخلص من حكم الاستبداد سيقول كلمته، وهو لن يقبل بادارة محتلة او حاكم عسكري أمريكي أو ادارة دولية مؤقتة، لكي يتم تأهيله. ولهذا اقول: اشك بنيّة تغيير النظام الحالي الى نظام ديمقراطي خصوصاً وانها لها حججاً ومزاعماً اخرى من الحرب على العراق.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التسامح والاسلام
-
حرية التعبير
-
بول بريمر العراقي في الميزان
-
العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق
-
العالم العربي ما بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان
-
هل تستطيع حلّ العقدة العراقية والسورية اللبنانية ؟!! جامعة ا
...
-
بيئة العنصرية وكراهية الآخر هل نحن في مواجهة مع الغرب!؟
-
مفارقات - الالتباس- الحضاري مسيحيو العراق والاساءة الى النبي
...
-
حوار مع الناقد والمفكر العراقي عبدالحسين شعبان
-
رؤية في مشروع الدستور العراقي الدائم
-
هل هو فعل إكراه أم فعل ارادة ؟
-
الفيدراليات العراقية بين التأطير والتشطير
-
تقرير متخصص يسلط أضواء جديدة علي الوضع الانساني (2-2) أكثر م
...
-
العقوبات أسهمت في تفاقم انتهاك حقوق الانسان
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|