|
السؤال الجديد
فريدة النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 1689 - 2006 / 9 / 30 - 09:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان الإخفاق المتكرر للنهضة في مصر والعالم العربي قد جعل المنطقة هشة أمام التدخل الخارجي حتى أصبح سدسها محتلا وهو السؤال الذي ينشغل به قطاع من المثقفين التنويريين والاشتراكيين الذين لا يبحثون فقط عن إجابات نظرية وإنما أيضا عن مخرج من الأزمة العميقة التي تعيش فيها المنطقة ويعيشون فيها هم كأفراد وتنتج عنه ثقافة مأزومة عاجزة عن التجدد.. وإذا كان السؤال المركزي الجديد متعلقا بالعولمة وموقفنا منها، ودورنا فيها، ومدى فعاليتنا فى إنتاجها وعلاقتنا بها، فإن السؤال المركزي القديم الذي انحدر إلينا منذ قرنين من الزمان دون أن نتوصل لإجابة شافية له أن على الصعد النظرية أو العملية هو: لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا نحن حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من هوان ننتج أقل كثيرا مما نستهلك، ونصدّر أقل كثيرا مما نستورد. وتمسك الخرافة بتلابيب ملايين الناس، وتتحول أسئلة الهوية إلى مسائل شكلية تكاد تكون عقابا جماعيا للذات التي تشعر بدونيتها أمام الغرب المتقدم.. وليس أدل على هذا الشعور بالتدني كعلامة من علامات الإخفاق من تلك الاستجابات الهيستيرية سواء للرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها جريدة دنماركية وأساءت إلى الرسول (صلعم) أو لمحاضرة بابا الفاتيكان التي اتهم فيها الدين الإسلامي باللاعقلانية.. فلو أن حالة صحية عنوانها الثقة بالنفس والاطمئنان لتقدمنا المتواصل سواء بالمقارنة مع ما كنا فيه، أو مع الآخرين والتواءم مع مكونات الهوية لو أن هذه الحالة كانت سائدة لجاءت ردودنا عقلانية هادئة وجرى تسوية القضيتين.. لكننا مجروحون فاقدو الثقة والشعور بالأمان، غير مطمئنين للمستقبل في عالم يتقدم بسرعة الضوء ونتخلـّـف نحن. يرتب السؤال الجديد عن العولمة نتائج معقدة على مسيرة الفكر العربي ورؤيته لذاته، كما أنه امتداد للسؤال القديم - الجديد لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا والذي رد عليه البعض بمشروع اللحاق وما سمى في سياقات متباينة بحرق المراحل، وبقيت ردودنا على امتداد التاريخ مجزأة تتعامل بالقطعة مع مشروع النهضة، وهي تقفز على واقع الركود والتخلف والبؤس، واقع الاستعمار والتجزئة القومية والقبيلة والعشيرة، والعلاقات الإقطاعية والتي ظلت جميعها ثاوية خلف المظهر البراق لحداثة ولدت برّانية وبقيت كذلك لأن البنى الذهنية لم تتغير، فلم يدخل العالم العربي إلى الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية، وإن مكنته فورة النفط من التعامل الخارجي كزبون فقط مع النتائج الهائلة للثورة المعلوماتية والإعلامية دون إنتاج أو إبداع، وهو الوضع الذي أنتج سؤالنا عن العولمة الآن، ونحن ندخل إليها من موقع ضعيف سياسيا، واقتصاديا، وفكريا. ولعل الرد الذي قدمه حزب "التجمع" [الوطني التقدمي الوحدوي المصري – المحرر] حول الموقف من العولمة حين دعا إلى ما أسماه بالاندماج الانتقائي فيها بما يعنى تأمين حقنا في اختيار ما نقبله وما نرفضه أن يكون ردا منطقيا يحتاج إلى نقاش، وتلزمه شروط مادية وروحية، صناعية وفكرية أي تلزمه قيادة سياسية جديدة ذات مشروع ورؤية مغايرة للعالم تتأسس على وعى عميق بحقيقة أن الإنسان هو أثمن رأس مال، وأن ثروتنا البشرية من المنتجين والمتعلمين وأصحاب الخبرات في مصر وفى كل بلدان الوطن العربي هي كنز حقيقي لو اكتشفناه وعرفنا إمكاناته الفعلية والكامنة لاجترحنا المعجزات. إن الحرية هي شرط ضروري شأنها شأن العدالة الاجتماعية بعد أن كانت المقايضة في تاريخنا المعاصر سببا من أسباب الإخفاق ومولدا له، وذلك حين شهدت المرحلة الوطنية الناصرية تطويرا منظما للحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين مثل التعليم والعمل والصحة بينما جرى إهدار الحقوق السياسية والحريات العامة ونشأت الدولة البوليسية كجنين أخذ يكبر وينمو في العهود التالية لتصبح هذه الدولة نفسها حارسا قويا لعملية الخصخصة والنهب المنظم لثروات البلاد والانقسام الطبقي غير المسبوق. يخطئ بعض المفكرين خطأ كبيرا حين يفصلون فصلا تعسفيا بين المسألة السياسية والمسألة الثقافية في محاولة للرد على السؤال الجديد ثقافيا فقط وكأن السياسة غير مدعوة.. فلإخفاق مشروع النهضة ولعملية إلحاقنا بالعولمة دون إبداع جذور عميقة في جدل المسألتين الثقافية والسياسية نحن مدعوون كمثقفين للتفكير به على هذا النحو.
#فريدة_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العَلمانية ليست كفرًا
-
ألمجد لمن قال لا
-
ألمعركة القادمة
-
الهولوكست والعنصرية
-
تحرر المرأة العربية ذلك اللحن الذي لم يتم
-
الدمقراطية والعلمانية
-
قضية للمناقشة في عيد العمال
المزيد.....
-
ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
-
سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال
...
-
السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل
...
-
تونس تُطلق مبادرة لدعم دخول شركاتها إلى أسواق موريتانيا والس
...
-
مسؤولون أوكرانيون لـCNN: قوات كورية الشمالية انسحبت من الخطو
...
-
عاجل| نيويورك تايمز: إدارة ترامب تخطط لمراجعة دقيقة لعملاء ف
...
-
ماسك يبدأ تنفيذ تكليف ترامب.. وهذا ما فعله بموظفي الحكومة
-
ترامب يعاقب عناصر -إف بي آي- المشاركين في التحقيقات بشأنه
-
من بينهم مصريون.. محكمة تحدد مصير -المحتجزين في ألبانيا-
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|