|
فى الأسطورة العرقية اليهودية
سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 7780 - 2023 / 10 / 30 - 11:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ظهر اتجاه مع بدايات القرن الماضى وسط علماء الأجناس يزعم أن هناك عرقا يهودياً متميزاً ، خاصا، ومتفردا، وبينما كان هذا الاتجاه يستند الى هذة الفكرة للوصول الى مواقف معادية للسامية تتجاوز السذاجة النظرية لهذة النزعة فى الأزمنة التى سبقتها ، ميال الى الفخر بما أدعاه من روح علمية ، وتخلصة مما أسماه المستبقات الدينية ، وبينما شهد هذا الاتجاه ذاته الذبول والاضمحلال فى النصف الثانى من القرن العشرين خاصة بعد هزيمة الفاشية والنازية وسقوط نظرية الاجناس النقية ، الا أن هذه النزعة قد عاودت الظهور مع العنصرية الصهيونية ، أو على الادق تم احياؤها مرة أخرى ، ومثلت نمطا معكوسا من العنصرية . فبينما كانت فكرة عرق أو جنس أو سلالة يهودية تستخدم كأطروحة فكرية تروجها الاتجاهات المعادية للسامية ، الا أنها أصبحت تستخدم كأحد الأقسام المكونة للفكر الصهيونى ، كنظرية تهدف إلى البرهنة على تفوق العرق اليهودى ، تتشكل من خليط من الدعاوى والمزاعم غير العلمية ، مدعمة بمقاطع توراتية من أسفار العهد القديم . واذا كانت نظرية الأجناس العنصرية قديماً قد حاولت أن تقدم فكرة العرق كمفتاح يفسر أو يبرر التشكيلات السياسية والمؤسسات الاجتماعية ، فلم يكن ذلك الا انعكاسا نظرياً فى واحد من الحقول العلمية ، لنظرية استعمارية واكبت تطور الرأسماليات الأوروبية وخروجها الى النطاق العالمى .
لقد كان واحد من أهم المبررات الاستعمارية اذن القول بأن الطبيعة قد خلقت أجناساً للسادة وأجناسا للعبيد ..... والسادة فقط بالطبع هم الذين يملكون القدرات الخلاقة العبقرية ، أما الآخرين فعاطلين عن المواهب ، ووجودهم محكوم علية بأن يكون هامشياً ، وقدرهم أن ينمو فى ظلال السادة . وهكذا ظهر زعم بأن العرق النوردى هو الأكثر تفوقاً على بقية الأجناس ، وعلى أساس هذه الفكرة ظهر بناء نظرى كامل ، حاول أن يفسر التطور التاريخى والوقائع التاريخية من منظور فكرة العرق . هكذا اعتبرت مثلا الثورة الفرنسية ضد الاقطاع تمردا من العرق السلتى ضد العرق الأشقر النبيل . بل لقد حاول بعض الأنثروبولوجيين فى أواخر القرن التاسع عشر أن يبرهن فى كتاب عن الانتخاب الطبيعى ، صدر عام 1893 على أن التمييز بين الطبقات الاجتماعية فى مدينه بادن الألمانية – قائم على وجود جنسين بين السكان ، جنس أشقر تيوتونى ، وجنس أسود منغولى ، وقد أعلن أن الجنس الأخير غير كفؤ للأستقلال ، وأن قابليته العقلية متدنية ، أما ( التيوتون فهم جنس متألق من أنصاف الآلهة ، وهم يشبهون الاغريق الذين رآهم العالم ذات مرة ، وربما لن يراهم أبدا) .
مهما يكن من أمر ، فقد تبنى الفكر الصهيونى النظرية ذاتها كرد فعل على نزعة معاداه السامية ، ثم بعد ذلك كفكرة نظرية تبرر الاستعمار الاستيطانى لفلسطين . فاذا كان التيوتون قد أعلنوا عن أنفسهم ذات يوم بأنهم أنصاف آلهة ، فلماذا لا يستخدمها الصهاينة ليصبح ( الشعب المختار ) من الله ، جنسا مختارا من الطبيعة ، ينبغى أن يحمى من أى افساد أو تلويث قد تسببه العناصر الأجنبية . فإلى أى مدى تصمد مثل هذه النظرية للنقد العلمى ؟
لقد حاول أحد النظريين الألمان أن يفند هذه النظرية فى كتاب خصصه لهذا الغرض عنوانه : هل اليهود عرق ؟ ورغم أن الكتاب قد ظهرت طبعتة الأولى عام 1914 والثانية عام 1921 الا أن المفاهيم العلمية الورادة فيه مازالت تحتفظ بكامل قيمتها حتى الوقت الراهن فى تفنيد النظريات العنصرية بصفة عامة ، ونظرية العرق اليهودى النقى خاصة . ويبدأ الكتاب باستعراض للنظريات العنصرية التى ظهرت فى مطالع القرن العشرين ، ومن بينها بالطبع النظرية العنصرية الصهيونية ، ومن أجل أن يؤصل مفهوما علميا لما يسمى بالعرق أو الجنس يبدأ بطرح سؤال يتعلق بالعالم الطبيعى مفادة هل توجد أجناس نقية فى عالم الحيوان أو النبات ؟ فاذا كانت هناك أجناس نقية فما هى الشروط التى أحاطت بذلك ؟ يقول الكاتب ك. كاوتسكى : ( ان واحدا من أهم الخصائص المميزة لنظريى الأجناس والذين يسمون أنفسهم أنثروبو سوسيولوجيين أنهم لا يقدمون تعريفاً لما يعنونه بالجنس بينما يجدون من الملائم ألايتركوا مناسبة لطرح هذا المفهوم فى تفسير الظواهر الاجتماعية . ان وجود الانسان ، أفعاله ، مظهره الخارجى ، يعزى ببساطة الى جنسه ، باعتباره ميراث الأسلاف الذى تحول بحتميه قوانين الطبيعة الى خلفه ، ويبدو أن الجنس لدى هؤلاء يلعب دور القدر المعاصر ). ويزعم علماء الأجناس أننا ينبغى أن نفهم أجناس الانسان بنفس الطريقة التى نفهم بها أجناس الحيوانات . ويتجاهل هذا المفهوم مسألة ما اذا كانت ظروف حياة الانسان تغير من مفهوم الجنس أم لا . فضلا عن تجاهل مسألة أى نموذج أو نمط من جنس الحيوان يتماثل أو يتطابق مع أجناس الانسان . والواقع أن أجناس الحيوان كلها لا تنتمى الى نفس النمط أوالنموذج ، بل يمكن تقسيمها بشكل أولى الى مجموعتين متباينتين كبيرتين : أجناس الحيوانات الأليفة ، وأجناس الحيوانات البرية . وعلماء الحيوان والنبات يميزون بين هاتين المجموعتين بعناية فائقة . وكقاعدة فانهم يطبقون مفهوم ( الجنس ) على الأولى فقط . بينما يصطلح بالنسبة للأخرى على أنها تنوعات أو أنواع . الا أن الحال يختلف لدى نظريي الأجناس الأنثروبوسوسيولوجين ، فهم يطبقون ملاحظاتهم الخاصة بأجناس الحيوانات الداجنة وأنواع الحيوانات البرية ، على الأجناس الانسانية . وقد أدى تطبيق هذه الملاحظات الى تشوش خطير ، اذا أدركنا أن الكائنات الانسانية ليست بالحيوانات الداجنة كما أنها لا تنتمى الى نموذج الحيوانات البرية ، وأنها كانت فى مرحلة من مراحل تطورها قبائل تحيا فى ظل ظروف نوعية خاصة تماما .
لا شك اذن أنه من الضرورى قبل أن ندخل فى تحليل لهذه المسألة من أن نعنى بالتمييز بين ( جنس ) الحيوان الداجن ، وتنويعة الحيوان البرى ، ويمكن القول بأن ذات الملاحظات تنطبق على النبات أيضاَ . ويمكن فهم ظاهرة ما بعمق اذا تعرفنا الى أصولها . وفى حاله أجناس الحيوانات الداجنة فليس من الصعب تتبع هذا الأصل لأن مثل هذه العملية تتم يوميا أمام عيوننا . وتوليد سلالات جديدة يجرى بانتظام ، من جانب آخر يبدو عسيراً ان لم يكن مستحيلا تتبع التنويعات فى حالة الحيوانات البرية ، لأنها غير قابلة للملاحظة أو التتبع. فاذا تمعنا فى عضويات الطبيعة سنجد أنة لا شئ منها يخدم هدفا خارج ذاتة ، وأن كل منها هو هدف فى ذاتة . ووظيفة أعضاءها الفردية أن تسهم فى حفظها – أى فى حفظ الكل . ومع ذلك فليست أعضاءها فقط هى الهامة ، وأنما أيضاً الوسط الذى تحيا فيه ، الذى قد يعارض وجودها أو يسهم فيه . بعكس الانسان الذى يحول عضويته ذاتها أثناء تحويلة للطبيعة من حولة ، وقد كان ذلك هو الشرط الأولى لتجاوز أوضاعه البدائية . وقد كانت أول خطوات تحويل العالم الحيوانى ليخدم أغراض الانسان ، هو دفعة للعيش والتكاثر . وبعد ذلك ، عقب توافر كمية من الملاحظات أتت الخطوة التالية . وهى نقل بعض الصفات الخاصة لنسل حيوان معين . ولا شك أن محاولة نقل صفات وراثية معينه ، كانت النقطة التى بدأ منها الانسان فى توجيه وملائمة الحيوان لأغراض حياته الخاصة . فبدءا من هذه الخطوة أصبحت معظم الحيوانات الداجنة قابلة للتوجية والتكيف ، وتمكن الانسان من أن يجعلها تتناسل ، أو تكف عن التناسل كيفما أراد . ومن هنا فضل تلك الأنواع الأكثر ملائمة لأغراضه ، تلك التى تدر لبنا أكثر ، أو تنتج صوفاً افضل .. الخ . فاذا كانت الأنواع التى تتوالد تحمل الصفات المطلوبة أكثر فان هذا الانتقال سوف يفضى الى تغيير تدريجى يؤدى الى خلق نوع جديد من الأنواع القديمة . ولا شك أن اعادة انتاج أجناس خاصة ذات صفات سلالية معينة ليس أمرا سهلا او بسيطاً ، فهو ينطلق من تنمية بطيئة تدريجية لخصائص معينة قد لا تظهر فى الجيل الأول بوضوح ، ولا تبدو قيمة هذه الخصائص عمليا الا بعد نموها بقدر كاف على مدى أجيال .. وعادة ما يتم خلق هذه الصفات المعينة من خلال استبعاد تسافد هذا النوع من الحيوان مع الأنواع الأخرى ، وبالطبع مع استبعاد هذه الأنواع التى تظهر انحراف عن الصفة المطلوبة . والشرط الأساسى فى هذه العملية هو خضوعها لسيطرة الانسان . وقد كانت ملاحظات داروين عن الانتخاب الصناعى هى ما قاده الى نظريته عن الانتخاب الطبيعى . لقد خلص داروين الى أن تشكيل الأنواع يحدده انتخاب الأفضل من خلال الصراع من أجل البقاء ، والأخير ناجم عن أن أفراد كل نوع يتكاثرون بأكثر مما يستطيعون البقاء . وأن صراعا دائما لا رحمة فيه ينشب بينهم ، ولا يبقى منه الا الأقوى والأكثر تكيفاً . ولكن واجهت نظرية داروين انتقادات عديدة منذ البداية . فاذا كان الصراع من أجل البقاء جارياً فان تطور الأنواع يجب أن يجرى اذن بوتيرة متسارعة . ولكن الملاحظة تظهر لنا أن الأنواع تبقى كما هى ودون تغير لفترات طويلة . وربما تتغير فى المراحل الجيولوجية ، لكنها تبقى غير متغيرة خلال آلاف السنين فى حقبة جيولوجية بعينها . وفى الأزمنة التاريخية فان أغلب أنواع الحيوانات البرية قد بقى لفترة طويلة كما هو . واذا طالعنا الآثار المصرية والآشورية القديمة فسنجد أن أشكالها قد بقيت كما هى حتى اليوم . ومفاد ذلك أن التطور يحدث بشكل بطئ لا تبدو آثاره الا فى النهاية . ومن البديهى أن ذلك يختلف عن استنباط الانسان لأنواع جديدة حيث تكون العملية بكاملها تحت سيطرته كاملة . ولتفسير أصل الأنواع ينبغى أيضاً تفسير التشابة بين أفراد نوع معين مما يهئ لتصنيفه على هذا الأساس .وسبب تشابة أفراد نوع معين فى حالة الانتخاب الصناعى ناجم من انحدارهم المشترك عن نفس الأسلاف ، وشجرة النسب لها هنا أهمية خاصة ، ومغزى ذلك أنه يستحيل الحصول على جنس نقى دون تدخل منتظم من جانب المربى الذى يحرس بعناية أفراد النوع الذى يربيه من أن تتسافد مع أنواع أخرى ، فضلا عن استبعاده للأفراد الذين تظهر لديهم صفات لا تنسجم مع نموذج النوع النقى الذى يبتغيه . ولأن هذا المربى غير موجود فى الطبيعة ، فمن ثم تختلط الأنواع . أن المربى الذى ينتج نوعاً جديداً معنى فقط بالخصائص النوعية التى يستهدفها ، وانتخابه يقوم بصفة رئيسية على هذا الاعتبار . ولكن الحال غير ذلك فى الطبيعة ، لأن مختلف التغيرات واردة ، فتقييد المسافدة أمر غير وارد فى حالة الحيوانات البرية . يقول كاوتسكى : ( ان الاختلافات الجغرافية هى التى تنتج اختلافا بين تنوعات ( الحيوان) فى الحالة الطبيعية ، نعنى الاختلاف فى المناخ ، فى خصوبة التربة ، فى نوع وطبيعة الغذاء ، وطريقة الحصول عليه ، وأنواع الأعداء ...الخ). من ناحية أخرى ، ( فان نمطية ظروف الحياة فى أقليم معين هى التى تؤدى لتشابة أفراد النوع المعنى . وهذا التشابه أكثر قوة من الاختلافات ، من تنوع الأفراد ) . وهكذا فان المفهوم الموجه الأساس بهذا الصدد ينبغى أن يكون فكرة ( الوسط) ، التى يمكن أن تفسر تباين الأنواع . فالثبات النسبى ، والميل الى عدم التغير يبقى مالم تكن هناك تغيرات فى الحقب الجيولوجيه تعكس أثرها على أنواع الحيوان . لقد أدرك داروين أثر الظروف المتغيرة للحياة ، لكنه قلل من أهميتها حيث كان محكوما بوجهة نظرة حول الصراع من أجل البقاء ، التى أستلهمها من نظرية مالتوس عن السكان . وفى الواقع فان الصراع بين أفراد نفس النوع على الغذاء هو أمر محدود الأثر واستثنائى ، والصراع الحقيقى الفاعل هو صراع أفراد النوع ضد شروط الحياة الخارجية . فالصراع من أجل البقاء – كقاعدة – ليس صراعا بين أفراد نفس النوع حال تزايد عدده ، ولكنه صراع أفراد النوع أو مجموعات منه ، ضد الشروط الخارجية للحياة التى تشمل الكائنات المحيطة اللاعضوية ، فضلا عن الكائنات العضوية .والمحصلة النهائية لهذه الفكرة التى أوردناها ، أن السبب فى تشكيل وظهور أى نوع جديد يكمن فى تغير شروط الحياة الخارجية . نحن لا نعرف بعد أصل الحياة ، ولكن ينبغى اعتبارها ظاهرة ككل الظواهر ، فهى تخضع لقانون أن أسباباً معينة فى ظروف معينة سوف تؤدى لظهور تأثيرات متشابهة . فطالما كانت ظروف وأسباب الحياة العضوية مهيأة على الأرض ، فلنا أن نفترض أن العالم العضوى لم ينشأ بشكل معزول يقوم بالوظائف الحية ويتكاثر بالنمو ، وانما تكونت العضوية البدائية فى كل الأماكن التى ظهرت فيها الشروط الأولية الضرورية للوجود . وحتى الآن ليس لدينا حتى دليل واحد على أن الأنسان قد انحدر من زوج واحد من القردة – أسلاف الانسان . والأكثر احتمالا أن التطور قد جرى على أساس نوع كامل من القردة الشبيهة بالانسان الذين خضعوا لشروط معينة أثمرت تطورهم الى بشر
ومهما يكن من أمر فبعد أن انفصل الانسان عن أسلافه القرده وعاش فى ظل الجماعات البدائية ، فان تطوره التقنى والاقتصادى قد خلق عندئذ ميلين أو اتجاهين مختلفين . فمن ناحية ظهرت دوافع متزايدة نحو الهجرة أدت بأجناس متعددة تدريجياً الى أن تنتشر فى أكثر الأقاليم تنوعا ، وقد كان للخضوع للظروف الطبيعية للمحيط الجديد أثر فى احلال خصائص جنسية جديدة محل الخصائص الجنسية القديمة ، أو ابدال الجنس القديم ، أو لان يظهر بجانبه – ان لم يكن كل الجنس المعين قد هاجر – مجموعة من الأجناس الجديدة . ان التغير فى صفات الجنس يأخذ مكانه على نحو مباشر ، من خلال تأثير العناصر الطبيعية : الحرارة ، والبرودة ، النور ، الظلام ....الخ أو على نحو غير مباشر من خلال الصراع ضد هذه الشروط ، من خلال استعمال أعضاء محددة . وبالاعتماد على تطور التقنية والشروط الأجتماعية سوف يرتدى هذا الصراع أشكالا مختلفة حتى ينتج نماذج مختلفة من ذات الجنس خروجا من أكثر أنماط الانتاج تنوعا . فاذا أفترضنا ان هناك سهولا سكنتها قبائل من الرحل فسوف تظهر خصائص مختلفة لديها عن تلك القبائل المستقرة التى امتلكت تقنية متطورة ساعدتها على تحويل السهول الى مزارع مستقرة ومثمرة من خلال أدوات ووسائل الرى بحيث باتت زراعة الأرض هى الأساس الذى أوجد فلاحين مستقرين وثابتين . وهكذا فان التقدم التكنولوجى والهجرة تزيد اختلاف الأجناس وتخلق أجناسا جغرافية جديدة . والواقع أنه لا يوجد ما يدعى بالاجناس النقية على هذه الكرة الأرضية باتصالاتها السهلة ، حيث أختلطت كل الأجناس وتمازجت تدريجيا ، وبات كل جنس مكون من تقسيمات فرعية عديدة . وليست هناك مصاعب للتدليل على هذا الأمر سواء بوقائع الماضى أو الحاضر على السواء . والحال أنه كلما تعرض أحد الأجناس الى الهجرة من موطنه الأصلى ،وباتت له صلاته الواسعة ، وتجارته النامية ، فانه يكون أكثر تعرضا لفقد نقاوته العرقية .
اللغة والعرق لقد حاول بعض علماء الأنثروبولوجيا أن يصنفوا الأجناس وفقا للغة ، حيث زعم العالم الألمانى ارنست هيكل أنها ( تنتقل بين الأجيال بشكل أكثر ثباتا من شكل الجمجمة) والحال أن ما ينتقل بالفعل هو القدرة على ممارسة الكلام وليس لغة معينة . فالثابت أن لغة الآسلاف يمكن أن تنسى ، وتحل محلها لغة أجنبية بينما الشعر الأصلى ، والعيون وشكل الأنف تبقى كما هى . ان أى جنس يمكن له ودون أى تغيير فى طابعه العرقى أن يبدل لغته والعكس بالعكس ، وذلك كله اعتمادا على تغيير الوسط، وعلى الاتصال بأناس غرباء بسبب الهجرات وعلى سبيل المثال فان اللغة التى يتحدث بها اليونانيون المعاصرون ، قد جرى التحدث بها منذ قرون وحتى الآن ولكن كم جنس خلف جنسا آخر فى بلاد اليونان ، من ناحية أخرى فان الأيرلنديين قد هجروا لغتهم السلتية فى مجرى القرون القليلة الماضية دون أن يتغير بشكل ملحوظ (جنسهم) . فاذا كانت اللغة علامة على الجنس فان زنوج الولايات المتحدة كان ينبغى اعتبارهم من الأنجلوساكسون ، ولكان ينبغى اعتبار زنوج وهنود أمريكا الوسطى والجنوبية لاتينيين ، فضلا عن تصنيف بعض الزنوج كألمان . وكيفما كان الأمر فان اللغة هى علامة أقل دلالة على الجنس من الجلد ، والشعر ، أو شكل الرأس ، رغم اهميتها فى تحديد جماعات الجنس البشرى كوسيلة للاتصال والتعاون الاجتماعى . وربما كان من المبرر تقسيم البشرية الى جماعات لغوية غير أن هذا التقسيم لايتطابق مع التقسيم وفقا للجنس .فمن الناحية الأساسية يشكل كل جنس انسانى جنسا جغرافيا ، ولكن اذا سكنت المجموعات البشرية أقاليم ذات خصائص معينة لعدة آلاف من السنين وخضعت لضغوط ظروف متشابهة ، فربما طور كل جنس نمطا من اللغة خاص به ، أى لغة تنقسم الى فروع متعددة . ويشير وجود شجرة مشتركة للغة فى المقام الأول الى وطن مشترك أول ، والى شروط الحياة المشتركة فى هذا الوطن . وفيما يتعلق بالبدائيين يعين الانتماء الى نفس الجنس الجغرافى . ويمكن القول أنه لا توجد قبيلة واحدة اليوم حتى وان كانت فى مراحها البدائية تتحدث لغة نقية لا تختلط بلغة القبائل الأخرى . ان مؤدى ما سبق هو أنه لا يمكن اعتماد اللغة كعلامة على الجنس بشكل عام ، وبالأحرى لا يعتمد عليها فى حالة اليهود أكثر مما يعتمد عليها بشأن أى مجموعة انسانية أخرى ، مادام من الثابت ان اليهود الروس والبولنديين – فى كل مكان يتحدثون بلغة المحيط الذين يوجدون فيه .فاذا قيل أن اللجهة التى ينطق بها اليهود تختلف ، فيمكن القول أنها تختفى على نحو أسرع حين يبدأون فى العيش فى محيط اجتماعى مختلف . ان يهود اليوم لا يمثلون عرقا نقياً ، وأدنى معرفة بتاريخهم تبرهن على ذلك . فقد نشأت اليهودية كما هو معلوم ، على أرض فلسطين ، وهو أقليم حدودى بين منطقتين يسكن كل منها جنس محدد. ففى سفوح جبال آسيا الصغرى ( بما فيها أرمينيا) تأصل الجنس الأرمنى ، بينما شهدت السهول الواسعة للجزيرة العربية حتى الرافدين ما يسمى عامة بالنموذج السامى . وربما كان من الأفضل أن ينسب هذا الأخير الى منطقة محددة ،وليس الى مجموعة لغوية معينة ، ويمكن تسميته بالنموذج العربى . من ناحية أخرى فينبغى أن يحسب النموذج الأرمنى باعتبارة منحدرا من عائلة اللغة السامية كما هو الحال على سبيل المثال بشأن الأشوريين . ومما لاشك فيه ان هذين الجنسين الجغرافيين قد اتصلا ببعضهما البعض فى فترة مبكرة . وان كان التاريخ اليهودى مجهولا الى حد بعيد كما أن روايات التوراة لا يعتمد عليها ، فان الأمر المتيقن منه فى دوائر الباحثين أن سكان فلسطين قد أشتملوا على خليط من الأجناس فى وقت مبكر جداً . لم تكن فلسطين اقليما حدوديا بالمعنى السالف الذى أوردناه فحسب بل انها أيضاً كانت ( منطقة نفوذ) – اذا استعملنا مصطلحاً معاصراً – لكل من الدولتين الكبيرتين فى هذا العصر التاريخى أى لبابل ومصر اللتان التقتا فى فلسطين . والحال أنه قبل تطور الملاحة فى البحر المتوسط فان مجمل التبادل التجارى بين كل من هاتين الأمبراطوريتين قد جرى عبر فلسطين ، بل ان المنطقة ذاتها لم تكن معبرا للقوى العسكرية فقط ، بل غالبا ما كانت ميدان معركة . أضف الى ذلك أن قدوم التجار يرافقهم عبيدهم من بلدان بعيده ، متنوعة الأجناس ، قد أدى فى واقع الأمر الى زيادة التمازج والاختلاط .ويقول المؤرخ ( ستاد ) : ( لم يعد قوم اسرائيل ذوى دم نقى أكثر من أى شعب آخر فى الكرة الأرضية فقد جرى انصهارهم وامتصاصهم بالاختلاط مع الكنعانيين والعرب والآراميين والمصريين ).
ويضيف كاوتسكى أنه فضلا عن التزاوج الداخلى فقد كان هناك أيضا الانتشار فى البلدان المجاورة ، بسبب أن فلسطين كانت بلدا فقيرا ، قواه الانتاجية ضعيفة ، كما أن القوى الكبرى المجاورة كانت ساحقة . فقد حرمت سيطرة ونفوذ الفينيقيين فلسطين من الموانئ الجيدة ومن النشاطات البحرية ، وهكذا فقد كان الطريق الى ماوراء البحار مغلقا أمام الاسرائيليين . ولم يكن لدى فائض السكان أى بديل سوى الهجرة الى الخارج كتجار . وهكذا فقد رحلوا الى البلدان الأخرى وكونوا مستعمرات لهم ، وزاد عددهم فى البلدان التى هاجروا اليها ولم يسيطروا على التجارة فحسب بل أستخدموا حرفيين لحسابهم ، كما تزايد بالتالى عدد المثقفين فيهم .
ان مؤدى ما سبق أن عوامل الطرد الآنفة قد أدت لتزايد عدد اليهود بالخارج أكثر من عددهم بالداخل . ونتيجة لذلك فقد كف اليهود أكثر فأكثر عن أن يكونوا جنساً جغرافيا موحدا ، وتوقفوا عن ان يصبحوا أمة ، حيث اضمحلت وأختفت الشروط التى كان يمكن أن تجعلهم ، أمة ، فقدوا أرضهم المشتركة وكذلك لغتهم العامة المشتركة . وهكذا فبسبب الحياة فى الخارج لم تعد الأجيال الجديدة تذكر اللغة الأم بحيث جرى الأمر على ترجمة الكتابات اليهودية الى اليونانية حتى يمكن قراءتها . والثابت تاريخيا الآن أن اليهود قد فقدوا لغتهم المشتركة قبل هدم الرومان لآورشليم بزمان طويل . ويقول كاوتسكى بشكل قاطع : ( .... الحقيقة أن اليهود قد كفوا عن أن يكونوا أمة وأصبحوا أكثر فأكثر أقرب الى الجمعية الدولية ، وباتت رابطة اتحادهم بقية من حياتهم القومية القديمة ، أى ديانتهم ، ولكن تحديدا الديانة فى شكل أسطورة وفلسفة ، فلم يكن رمز الجماعة اليهودية فلسفة الدين بل الطقوس) . لقد حددت خصائص وضعهم التاريخى شروطهم . فقد كان اليهود خارج فلسطين مضطرين لان يتجهوا نحو التجارة بصفة رئيسية ، ولذا تجد من بينهم تجارا فى وقت مبكر ، ومن ثم فقد كان عليهم أن يطوروا هذه القدرات التى يحتاجها التجار . ولا شك أن هذه القدرات التى أرتبطت بأجيال عديدة داخل ذات العائلات قد أنتجت أخيرا خصائص معينة ، يمكن تسميتها بالخصائص العقلية ويرتبط بذلك أيضاً معيشتهم فى أحياء خاصة بهم داخل المدن كغرباء ، حيث لم يكن هؤلاء كتجار فى البداية يختزنون ويبيعون البضائع ، ولكن كانوا يكتفون بنقلها فقط . ولكن بعد استقرارهم فى المدن اتجهوا أكثر فأكثر الى العزلة والانغلاق ، كما احتفظوا فى بعض الأحيان بلغة خاصة بهم مثل لغة اليديش وهى عبارة عن ألمانية مشوشة .ويشير كاوتسكى الى واحدة من أهم الاشكاليات المتعلقة باليهود وهى عدم تمثلهم فى المجتمعات التى ارتبطوا بها . ويؤكد أن عملية التمثل كانت جارية فى المجتمعات الأوروبية التى شهدت تطورا رأسماليا عظيما وخاصة عقب الثورة الفرنسية .ولكن أعيقت هذه العملية بسبب أن الهجرات اليهودية الحديثة عقب بعض الملابسات التى جرت فى بعض البلدان مثل روسيا القيصرية قد ادت الى هجرة العناصر اليهودية ( الأرثوذكسية ) الأكثر تخلفا والتحاقها بأقطار الغرب الأكثر تطورا . وقد كان من شأن حدوث هذه الهجرات الأخيرة أثر مزدوج ، وقد تبدى الأثر الأول فى تأخير عملية التمثل فيما يتعلق بيهود الغرب ، والأثر الثانى يتعلق باحياء نزعة معاداة السامية . وقد تطورت هذه العملية فيما بعد فى وجهتين ، الوجهة الأولى بروز منافسة متزايدة من جانب المثقفين والتجار وبصفة رئيسية ضد الاستغلال الرأسمالي حيث كان اليهود يعتبرون فى البلدان المعادية للسامية من ممثليه البارزين ، والوجهة الثانية التقوقع الذى أملاه المظهر الغريب للمجتمع اليهودى .
الأنف اليهودى وطمث اليهوديات يزعم مرة بعد أخرى أن الجنس اليهودى قد إحتفظ بنقاوته كاملة منذ زمن بعيد . وأن ثبات خصائص هذا النموذج اليهودى العرقية قد أصبحت احدى الآراء الرائجة فى أوساط بعض علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا ، فقد أعلن ريتشارد أندرية أحد علماء الأنتروبولوجيا أنه :-(من الناحية الأنثروبولوجيه فان اليهود يمثلون أحد المواضيع المثيرة للاهتمام لانه لا يمكن تتبع أى نمط عرقى خلال عشرات القرون بنفس درجة اليقين التى يمكن بها تتبع اليهود ، كما لا يقدم أى نمط عرقى مثل هذه الأشكال الثابتة التى قاومت نفوذ وتأثير الزمن وأيضا مؤثرات المحيط الخارجى ) . وقد تصدى للرأى العام السابق بعض العلماء الذين لاحظوا أن انتشار اليهود فى أنحاء المعمورة لم يكن ليجعلهم يحتفظون بخصائصهم الجنسية نقية وبالأحرى نمطيه . واذا كان هؤلاء يرون أن الخاصية الأساسية لليهود هو تميز الأنف بشكل خاص فقد قام أحد العلماء ( فيشبرج ) ببحث حول هذا الموضوع وسط يهود مدينة نيويورك وفى بعض البلدان الواقعة فى شرق وغرب أوروبا ، وفى شمال أفريقيا وكذلك فى بعض البلدان الآسيوية . وجاءت نتائج أبحاثة مخالفة تماماً للفكرة الشائعة بأن الأنف المقوسة هى الأنف اليهودية . فقد اكتشف أنه من بين اليهود فان أقليه منهم فقط هى التى تتميز بهذا النوع من الأنف ، فضلا عن أنها غير قاصرة عليهم ، فهى شائعة تماما فى آسيا الغربية ، وفى حوض البحر الأبيض المتوسط ، بل وفى أوساط اليهود الأمريكيين . وقد تبين أن الأنف اليهودى شائع على وجه الخصوص فى سهول الآلب المعزولة عن كل تأثير خارجى وأن الأنف المعقوف علامة مميزة للأنسان الألبى . كما أتضح أنه بينما تبلغ نسبة الأنف المعقوف بين اليهود حوالى 13 أو 14 % فان نفس الأنف تظهر بين السكان الكاثوليك المحافظين فى بافاريا القديمة بنسبة 31% . بينما تظهر الأنوف المفلطحة العريضة فى وسط يهود شمال أفريقيا أكثر منها فى وسط أوروبا الشرقية . من ناحية أخرى يظهر الأنف الأفطس بين اليهود الذين يعيشون فى وسط سلافى . والجدير بالذكر أن السكان الأوائل فى آسيا الغربية والذين يتميزون بالأنف الضيقة الطويلة والمقوسة التى أسميت بالأنف اليهودية أو السامية ، ينتمون لا للساميين وانما للحيثيين أو الأرمن . وقد هاجر هؤلاء فى وقت مبكر جدا الى أوروبا وقد انحدر الجنس الألبى منهم حيث ظهرت عليه نفس الخصائص المتعلقة بشكل الرأس والأنف . والواقع أن ما أثير حول شكل الأنف قد أثير أيضاً بشأن خصائص أخرى مثل تفرد شكل الجمجمة لدى اليهودى . ولكن ينبغى أن يقال أنه ليس هناك نمط واحد للرأس أيضاً فيما يتعلق باليهود فهى تتمايز وتختلف من قطر الى آخر وهو ما يدل على انحدارهم من أجناس مختلفة ، حيث يتجهون عادة الى التماثل مع الأجناس التى يعيشون وسطها ، خاضعين لنفس المؤثرات الاقليمية .ويؤكد ذلك حقيقه وحدة وتماثل بل ونمطية أشكال اليهود وغير اليهود فى أوروبا الشرقية .
واذ فشل القائلون بوجود عرق يهودى متميز من خلال محاولتهم البرهنة على وجود صفات خاصة مميزة ، فقد سعوا للانتقال من ميدان الأنثربولوجيا الى ميدان الفسيولوجيا معلنين على سبيل المثال أن مقاس صدر اليهود ضيق للغاية ، وأن الطمث يظهر لدى اليهوديات مبكرا ومن ثم فخصوبتهن عالية ، كما أن قدرة اليهود على التكيف مع تغيرات المناخ عالية .
وكيفما كان الأمر فان الصفات المذكورة آنفا ليست صفات يهودية على الاطلاق . فاذا تجشمنا عناء مقارنة اليهود ليس باجمالى السكان الذين يعيشون بينهم ولكن بالطبقات التى ينتمى اليهود اليها لرأينا أن الصدور الضيقة شائعة بين غير اليهود الذين أعتادوا ، لأنهم تجار ومثقفين ، نمطا محددا من الحياة يتميز بالجلوس لمدة طويلة بدون حركة . كما أن الطمث لا يظهر مبكرا فقط بين اليهوديات بل بين معظم سكان الريف من النساء . يضاف الى ذلك أن خاصية التكيف مع المناخ يملكها أيضا الأوروبى التاجر الذى لم يترك ركنا من الكرة الأرضية لم يذهب اليه . أما أسطورة خصوبة اليهوديات فلا أساس لها من الصحة اذا لاحظنا أنها تتعلق تحديدا بالشروط الاجتماعية . ويمكن رصد أن معدل المواليد لدى السكان اليهود المقيمين فى المدن يتميز بالانخفاض ، تماما مثل باقى السكان الحضريين . وهذه الظاهرة يمكن ملاحظتها تماما فى أوروبا الغربية ، كما أنها بدأت تلاحظ فى أوروبا الشرقية أيضاً . لقد تأكدت النتائج الأساسية التى انتهى اليها كاوتسكى فى كتابه ( هل اليهود عرق؟) بعديد من الدراسات المعاصرة ، من أهمها دراسة جودت السعد عن الشخصية اليهودية عبر التاريخ ، والتى اعتمد فيها على التوراة اضافة الى مراجع علمية أخرى ، حيث خلص الى رجعية الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها فضلا عن وصولة الى نتيجة مؤداها أن ( الأمة) اليهودية هى أمة مفتعلة ، كما أنها لاتنحدر من الساميين .
ويقول جودت السعد أن الأنثروبولوجيين أنكروا وجود جنس يهودى ، ففى الكتيبات التى أصدرتها اليونسكو بعنوان ( مسالة الأجناس فى العلم الحديث ) يصل العالم جوان كوماس الى استنتاجة التالى : ( .... وهكذا فخلافا لوجهات النظر التى تقال عادة ، فان اليهود ليسوا متجانسين من الناحية السلالية ، ذلك أن هجراتهم الدائمة وعلاقاتهم الاختيارية بأوسع مجموعة من الأمم والشعوب أحدثت فيهم درجة من التهجين ، جعلت من يسمون ببنى اسرائيل قادرين على اعطاء نماذج من السمات مماثلة تماما لكل شعب ) وهذا ما يفسر لنا وجود فلاشا الحبشه السود البشرة ، ويهود ( كاي – فنج) الصينيون الذين يشبهون مواطنيهم ، واليهود اليمنيون ببشرتهم الزيتونية الداكنة ، وقبائل برابرة الصحراء اليهود الذين يشبهون الطوارق ) . وربما كان أهم ما حاول البرهنة عليه جودت السعد هو رد اليهود ، أو على الأدق معظمهم الى أصل خزرى . يقول أن الثابت أن قبائل الخزر تشكل أكبر الكتل المتهودة فى أوروبا ، بل أنها تشكل العدد الكلى تقريبا لمجمل يهود العالم اليوم ، وأفراد هذه القبائل هم من الأتراك المغول الذين كانوا يقطنون فى بلاد الخزر الواقعة جنوب روسيا ، قرب مصب نهر الفولجا على بحر قزوين . وقد حذوا حذو أميرهم الخاقان وأشراف البلاد ، وأعتنقوا اليهودية زمن الخليفة العباسى هارون الرشيد ، وظلت هذه الديانة تمارس هناك حتى أواخر القرن العاشر الميلادى وقد أعتبر الخزر قوة ثالثة فى عصرهم بين قوتين رئيسيتين هما القوة الاسلامية التى كانت تحاول السيطرة على المنطقة وبين الدولة الرومانية الشرقية فى بيزنطة التى كانت تناصبهم العداء ، ثم صارت مملكة الخزر نتيجة اضطهاد المسيحين لليهود فى بيزنطة ، ملجأ للفارين اليهود . واذا كان الغزو المغولى سببا لانتهاء امبراطورية الخزر وتشتت اليهود ، فان الهجرات الى المواطن الآمنة كانت عملية متتابعة ومتلاحقة على مر قرون توجت بالخروج من تلك الامبراطورية ، أى أن هذا الخروج سبقة تأسيس مستعمرات ومستوطنات فى أماكن كثيرة من أوكرانيا وروسيا الجنوبية ، فقد كان فى كييف تجمع يهودى واسع قبل أن ينتزعها الروس من الخزر. واعتمادا على ما جاء فى مادة ( احصائيات ) فى الموسوعة اليهودية ، فان عدد يهود العالم الاجمالى فى القرن السادس عشر الميلادى كان يقارب المليون نسمة . وكما لاحظ بولياك وكوتشيرا وغيرهما يبدو أن هذا يشير الى أن معظم من أعتنق اليهودية فى العصور الوسطى كانوا من الخزر . وقد هاجر قسم كبير منهم الى بولندا وليتوانيا والمجر والبلقان حيث أسسوا المجتمعات اليهودية الشرقية التى أصبحت تمثل الأغلبية الساحقة ليهود العالم ،وحتى لو كانت البذرة الأصلية الأولى لهذه المجتمعات قد أضيف اليها مهاجرون من مناطق أخرى، فان ثمة قرينة قوية تؤكد سيادة أصولها الخزرية . ولقد أشار باحث آخر فى موضوع الأصول العرقية لليهود وهو رافائيل باتين الى أن اكتشافات الأنثروبولوجيا الطبيعية تنفى وجود جنس يهودى خلافا للفكرة الشائعة فالمقاييس الأنتروبوبومترية للجماعات اليهودية فى أجزاء كثيرة من العالم تدل على أنهم يختلفون عن بعضهم اختلافاً كبيراً من حيث الخصائص الجسدية المهمة : طول القامة ، الوزن ، لون الجلد ، الدليل الرأس ، الدليل الوجهى ، فصائل الدم .... وبدون تبنى وجهة النظر العلمية هذه لاستحال علينا تفسير وجود هرتزل ، صاحب البشرة البيضاء والعينين الزرقاوين والوجه النحيل الى جانب اسرائيل رنجويل ، ذى البشرة السوداء والشعر الأجعد على رأس الحركة الصهيونية . وكيفما كان الأمر فان الأبحاث التاريخية ومنذ ما يزيد عن قرن مضئ تؤكد خرافة وجود عرق يهودى نقى . فالمؤرخ ارنست رينال يقول فى مؤلفة : ( اليهودية كجنس ودين ) حول نقاوة اليهود : ( لايجوز حتى الحديث عن هذا فقد تعرض هذا العنصر للتمازج مع الشعوب الأخرى بنفس القدر الذى تعرضت له الأجناس الأخرى تقريباً ). وقد أثبت واقع تطور علم السلالات منذ وقت طويل أن اليهود لا يمثلون عنصراً مستقلاً ، وجاء فى اعلان الأجناس والتباينات العرقية الذى أقرته مجموعة من علماء السلالات البشرية البارزين عام 1951 أن المسلمين واليهود لا يشكلون أجناسا شأنهم فى ذلك شأن الكاثوليك والبروتستانت وسكان أيسلندا وبريطانيا والهندوالشعوب الناطقة بالانجليزية . فهل يمكن بعد كل ما سبق الحديث عن عرق يهودى نقى ؟ ****************************************************************************
يعتمد هذا المقال بصفة أساسية على عرض كتاب كارل كاوتسكى : هل اليهود عرق ؟
Are the Jews a race? by Karl KautsKy . English translation ,Greewood press peiblishers 1972.
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نبوءة من المؤسف أنها تحققت ( من روزنامة الثورة )
-
الحزب اللينينى وفوضى التنظيم المجالسي - ضد العفيف الأخضر (ال
...
-
فى اصطناع الفتن ( من روزنامة الثورة )
-
فى أوهام الثوريين ( من روزنامة الثورة )
-
كيف نحكم على سياسة ما ( من روزنامة الثورة )
-
حول الشعارات السياسية ( من روزنامة الثورة )
-
سياسات الحكم والسلطة والقوى السياسية - من روزنامة الثورة
-
يموت الحالم ولايموت الحلم - عن أروى ، ومحمود المصرى ، وإلهام
...
-
دوافع البلشفى السيكولوجية للثورة ا . شتينبرج
-
فى ذكرى مرور 25 عاما على رحيل أروى
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
-
حول إنتخاب إبن الديكتاتور الفليبينى ف . ماركوس رئيسا - لمحة
...
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
-
البلاشفة والإسلام - جيرى بيرن ( المقال كاملا )
-
أشباح جمهورية الخوف الناصرية - الساداتية
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
-
الرأسمالية والصحة العقلية – دافيد ماتيو *
-
سياسة بلا تنظيم ؟
-
مفهوم الإمبريالية - هارى ماجدوف
-
الشرطة الروسية ونضال البلاشفة الثورى - فيكتور سيرج
المزيد.....
-
الحوثيون يصدرون بيانا عن الغارات الإسرائيلية: -لن تمر دون عق
...
-
البيت الأبيض يتألق باحتفالات عيد الميلاد لعام 2024
-
مصرع 6 أشخاص من عائلة مصرية في حريق شب بمنزلهم في الجيزة
-
المغرب.. إتلاف أكثر من 4 أطنان من المخدرات بمدينة سطات (صور)
...
-
ماسك يقرع مجددا جرس الإنذار عن احتمال إفلاس الولايات المتحدة
...
-
السجن مع وقف التنفيذ لنشطاء مغاربة مناهضين للتطبيع مع إسرائي
...
-
OnePlus تودع عام 2024 بهاتف مميز
-
70 مفقودا بينهم 25 ماليا إثر غرق قارب مهاجرين قبالة سواحل ال
...
-
ضجة في إسرائيل بسبب صدور أمر بالتحقيق مع زوجة نتنياهو
-
-هذا لا يمكن أن يستمر-.. الجنود الأوكرانيون يأملون في التوص
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|