|
الشعر النثري، لأحمد جابر دراسة أسلوبية نقدية
ابراهيم محمد جبريل
الشاعر والكاتب والباحث
(Ibrahim Mahmat)
الحوار المتمدن-العدد: 7375 - 2022 / 9 / 18 - 22:57
المحور:
الادب والفن
رئيس منظمة الشباب للعلوم والثقافة الاسلامية في الكاميرون رقم الواتساب:00237696839527 انتقل الأدب العربي من الجزيرة العربية مرورا بالشام ومصر، ثم الأندلس والسودان حاملا في أشعارها غير يسر عن الغزل والغرام وتميز هذا الأدب العربي بالفصاحة والارتجال عند شعراء الجاهلين وجعلوا النسيب في شعرهم كنقطة الانطلاق منهم من غزل المرأة وأحبها وذكر محاسنها حتى صار مجنونا ومازال يعرف بمجنون ليلى ولهم صور خيالية طريفة عن المرأة كالنابغة ابن ربيعة ، و توسَّع هذا الأدب مع روائعه وآفاقه وخلق أدبا عربيا إفريقيا في بيئة افريقية خصبة بما أنه خارج إطارات العربية ثم حدث التأثر في ميدان الأدب العربي الإفريقي في إفريقيا الوسطى جعل شعرهم يكثر فيه الزهد والمدح حسب ما وقفنا عليه ويندر فيه الغزل والمقال الذي سأتناوله بعنوان عولمة الغزل في أعمال احمد جابر من ديوانه بعنوان حرق الأقنعة الذي يتكون من ثلاث مجموعات شعرية القناع الأول والقناع الثاني والقناع الثالث وهي عبارة عن مخطوطة ولقلة عولمة الغزل في الأدب العرب الإفريقي في وسط إفريقيا ما أهمني الاعتناء بموضوع عولمة الغزل في شعره وينتمي الشاعر إلى المدرسة الرمزية الذي كانت رد فعل أرستقراطي لانتشار الأفكار الديمقراطية1 والجدير بالذكر يأبى الشاعر أن يعرف نفسه ويقول ليس هناك شيء يدل عليه انه هو فقد وجدت في شعره قصيدة بعنوان البطاقة كرمز لتعريفه من جهة واعترافه بوحدة الأديان من جهة الأخرى يقول أنا وثني الميلاد مسلم اللسان مسيحي القلب هكذا خلقت لأحمل كل هذه الصلبان2
أسلوبه قال كاتب وعالم طبيعة فرنسي (بوفون) "إن الأسلوب هو الرجل نفسه" وكذلك عرف (فلوبير) الأسلوب بأنه: "طريقة الكاتب الخاصة في رؤية الأشياء"، ويستطيع فلوبير أن يستبدل بالرؤية الشعور أو التفكير فيقول: إن الأسلوب هو طريقة الكاتب الخاصة في التفكير أو الشعور. "والطريقة الخاصة في الشعور والرؤية تفرض طريقة خاصة في استخدام اللغة، فالأسلوب الصادق إذن يجب أن يكون فريدًا إذا كنا نفهم من عبارة "الأسلوب الصادق" تعبيرًا لغويًّا كافيًا كل الكفاية عن طريقة الكاتب في الشعور" 3 أسلوب الشاعر رقيق سهل مليء بالصور وحاول أن يؤثر في جماعته بتلك الصور الحساسة قد يقع الأسلوب من كاتب أسلوب ضعيف واه، فلا تجد الصورة مكانها منه، وتخلو على ذلك من النظم وحينما يتحدث ابن خلدون عن سلوك الأسلوب عند أهل صناعة الشعر: "إنما يرجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص، وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها، ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال، ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبيان فيرصها رصًّا، كما يفعله البناء في القلب أو النساج في المنوال، حتى القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام ويقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي"4 الفرق بين الأسلوب والصورة ويفرق الزيات بين الأسلوب والصورة، فيرى أن الأسلوب كل لا يتجزأ، يضم الفكرة والصورة معًا، بحيث لو تغيرت الصورة تتغير الفكرة، وإن تغيرت الفكرة تتغير الصورة، فالأسلوب عنده هو "الهندسة الروحية لملكة البلاغة". والبلاغة عنده هي التي لا تفصل بين "الفكرة والكلمة ولا بين الموضوع والشكل إذ الكلام كائن حي روحة المعنى وجسمه اللفظ، فإذا فصلت بينهما أصبحت الروح نفسًا لا تتمثل، والجسم جمادًا لا يحس"5 وفي النقد الحديث يقرر البعض أن الأسلوب هو الصورة اللفظية التي بعر بها عن المعاني، أو نظم الكلام وتأليفه لتأدية الأفكار وعرض الخيال، ولا ينبغي أن يتصور الأسلوب من غير العناصر الأدبية وهي الأفكار، والصور الجزئية، والعبارة، والإيقاع، والعاطفة، وبهذه المقومات تكون وحدة النص في العمل الأدبي، بحيث لا يتأتى الفصل بين عناصره، ولا يسقط جزء من أجزائه. والصورة الأدبية هنا فرع الأسلوب، بل هي نتيجة للبراعة فيه والدقة في بناء التركيب، والعمق في رصانة الأسلوب، والإحكام في نظمه6 وينص على الفرق بين الأسلوب والصورة فيقول: "فالأسلوب إذًا هو طريقة خلق الفكرة وتوليدها، وإبرازها في الصورة اللفظية المناسبة، هو ذلك الجهد العظيم الذي يبذله الفنان من ذكائه ومن خياله في إيحاء الدقائق والعلائق والعبارات والصور في الأفكار والألفاظ ... ولهذا الجهد جهتان جهة موضوعية تتصل بالنظام وهو حسن الترتيب وصحة التقسيم، وإحكام وضع القطع في رقعة الشطرنج، التي نسميها جملة أو فقرة أو فصلًا، أو مقالة، وجهة أخرى شكلية تتصل بالحركة، وهي خلق الكلمات والصور، والتأليف بينهما على نمط يحدث الحياة والقوة والحرارة والصور والبروز والأثر ... وإنما هو "الأسلوب" مركب فني من عناصر مختلفة يستمدها الفنان من ذهنه ومن نفسه، ومن ذوقه، تلك العناصر هي الأفكار والصور والعواطف، ثم الألفاظ المركبة والمحسنات المختلفة. فالأسلوب هو الوسيلة التي يخلق بها الشاعر الفكرة في تشكيل من الألفاظ والصور، بحيث يصير بنية حية وتركيبًا فنيًّا، ويفهم من هذا أن الصورة ليست الشكل الذي يقابل المضمون، بل هي جزء من الأسلوب، فقد يخل منها وقد يشتمل عليها، ولذلك جعلت الصورة من عناصر الأسلوب، بالإضافة إلى اللإكار والعواطف والألفاظ المركبة والمحسنات المختلفة. وعلى ذلك فلا تصلح العناصر السابقة للأسلوب أن تكون عناصر للصورة وإنما هي مصادر لها، وروافد تنميها، ومنابع تغذيها، وللصورة عناصر أخرى تخالف عناصر الأسلوب سنوضحها فيما بعد إن شاء الله تعالى. أما الفرق بين الأسلوب والصورة عند أنصار الشعر للشعر حديثًا، فهم يحددونه على هذا الوجه: وهو أن العمل الفني يضم القصيدة التي تنتج موضوعًا معينًا قد لا يقصده الشاعر في البداية عن طريق وسيلتين هما: المادة أو المحتوى؛ والصورة. وتأسيسًا على ما تقدم، فالأسلوب عندهم هو نظام القصيدة، والصورة هي كسوة المعنى: "المادة أو المحتوى أو المضمون" الداخلة في الأسلوب، ومن هنا قد يكون الأسلوب صالحًا للصورة، أو لا يكون، فأنصاره لا يفصلون بين المادة والصورة. فهما كل لا يتجزأ، والموضوع عندهم غير الصورة؛ لأنه ينبع من القصيدة التي عمادها المادة والصورة وعندي أن الأسلوب في القصيدة مثلًا يتركب من معاني الألفاظ مفردة، ومن دلالات النظم والتركيب على هيئة معينة، ثم من النغم الذي يحدثه اللفظ لانسجام حروفه، أو من الإيقاع الذي تتجاوب أصداؤه من أجزاء النظم بعضها مع بعض، ومن تلك الصور والإيحاءات والظلال التي تشعها الألفاظ، وهي في رباط قوي وتلاحم بين معانيها؛ من كل ما تقدم يتركب الأسلوب، فإن فقد حلقة من هذه الحلقات نقص وزنه بقدر ثقلها، وأصابه الضعف والتفكك بقدر مكانها. فلو تفككت عرى الصورة ووحيها في الأسلوب، ولم تجد سبيلها إليه أصابه هزال النظم الرديء، وضاعت وسائل العلم الدقيق المحكم في تركيز الأسلوب الذي لا يمت إلى الأدب والشعر إلا بأدنى صلة. فاللغة والأسلوب هما جوهر الصورة، وإن استعملا في شتى ألوان الفكر والنشاط الإنساني الآخر، والصورة تتخذ اللفظ وسيلة للتخيل والتجسيم والتشخيص والتلوين، والإيحاء والحركة والأضواء والظلال والإيقاع الرتيب 7
عولمة الغزلية في شعره تعريف الغزل يقول ابن قدامة بان الغزل إنما هو الرقة واللطافة والشكل والدماثة، كان ما يحتاج فيه أن تكون الألفاظ لطيفة مستعذبة مقبولة، غير مستكرهة، فإذا كانت جاسية مستوخمة كان ذلك عيباً، إلا أنه لما يكن عيباً على الإطلاق، وأمكن أن يكون حسناً، إذ كان قد يحتاج إلى الخشونة في مواضع مثل ذكر البسالة والنجدة واليأس8 قد اختلف المؤرخين والنقاد في تعريف الغزل والنسيب والتشبيب منهم من يقال بأنها شيء واحد ومنهم من قال بالعكس لان الغزل ذكر يخص ذكر أعضاء الظاهرة في المحبوب والنسيب هو بث الشوق وتذكر ماضي الأيام وأما التشبيب هو ذكر أيام الشباب واللهو يقول صاحب البديع في نقد الشعر يخلط البعض بين النسيب والتشبيب والتغزل كلها بمعنى واحد.. وأما الغزل فهو إلف النساء، والتخلق بما يوافقهن، فمن جعله بمعنى التغزل فقد أخطأ، وقد نبه على ذلك قدامة وأوضحه في كتابه نقد الشعر9 يقول ابن قدامة قد يذهب قوم أيضاً موضع الفرق ما بين النسيب والغزل، والفرق بينهما أن الغزل هو المعنى الذي إذا اعتقده الإنسان في الصبوة إلى النساء نسب بهن من أجله، فكأن النسيب ذكر الغزل، والغزل المعنى نفسه، والغزل إنما هو التصابي والاستهتار بمودات النساء، ويقال في الإنسان: إنه غزل، إذا كان متشكلاً بالصورة التي تليق بالنساء، وتجانس موافقاتهن لحاجته إلى الوجه الذي يجذبهن إلى أن يملن إليه، والذي يميلهن إليه هو الشمائل الخلوة، والمعاطف الظريفة، والحركات اللطيفة، والكلام المستعذب، والمزاح المستغرب، ويقال لمن يتعاطى هذا المذهب من الرجال والنساء: متشاج، وإنما هو متفاعل من الشجا، أي متشبه بمن قد شجاه الحب. وإذ قد بان أن الذي قلناه على ما قلنا، فيجب أن يكون النسيب الذي يتم به الغرض هو ما كثرت فيه الأدلة على التهالك في الصبابة، وتظاهرت فيه الشواهد على إفراط الوجد واللوعة، وما كان فيه من التصابي والرقة، أكثر مما يكون فيه من الخشن والجلادة، ومن الخشوع والذلة، أكثر مما يكون فيه من الإباء والعز، وأن يكون جماع الأمر ما ضاد التحفظ والعزيمة، ووافق الانحلال والرخاوة، فإذا كان النسيب كذلك فهو المصاب به الغرض. وقد يدخل في النسيب التشوق والتذكر لمعاهد الأحبة بالرياح الهابة، والبروق اللامعة، والحمائم الهاتفة، والخيالات الطائفة، وآثار الديار العافية، وأشخاص الأطلال الداثرة10
يقول الشاعر في قصيدته لا تتقلصي إلى حدالشعر القصيدة لا تتقلصي إلى حد الشعر الحقيقة في عينيك تلال تتهادى ظلالها في موج كموج شعرك الذي يشدني كما أحيانا تشدني رغبة العدم اقتربي ولا تتقلصي إلى حد الشعر فكل يضمر القبح وكل إنسان يثير الضجر وأنشودة الحياة والموت ألوان في لوحتي الأخيرة إني امقت التفاؤل والألوان البراقة وتمقت نفسي نفسها وترفض الحياة والموت قبل أن تصعد تلال الحقيقة وتجلب الصنوبر لأجسامها السقيمة اقتربي ولا تتقلصي إلى حد الشعر إني اعشق التأمل في عينيك وأمل كتابة القصيدة أنت لست جميلة كلوحتي الأخيرة فكل جميل يضمر القبح وكل إنسان يثير الضجر أنت فكرة جديدة محرض عداوتي تجاه الحياة والموت يبهرني نور عينيك ترهبني خصل شعرك اقتربي ولا تتقلصي حد الشعر والشعر لا يخلو من قبح ومن ضجر 11 دمشق اذار 1991 وصف الشاعر المرأة وذكر صفات الأظهر فيها عذب تروق الأسماع اختار الشاعر كلمات لها الوقعة في الأذن تشتمل على حروف انفجارية مثل حرف القاف في قوله (اقتربي) والضاد في(الضجر) والغاء في(رغبة) ويعقبها حروف خفيفة في النطق كالحاء في (قبح) والباء في كلمة (اقتربي) والراء في (الضجر) فيحدث في تلك الكلمات الذبذبة بين الارتفاع والانخفاض ويعتبر ذلك الجرس الموسيقي الداخلية التي تتكون من اللفظ الرشيق،المنسجم الذي خفت حروفه على الأسماع يقول صاحب الأدب وفنونه و الموسيقى الداخلية من دأب الرمزيين يتأثرون يحسون في عظمتها وقوة دفعها حيث يستمعون إليها كشيئ جديد، ولها مثيرات موسيقية الداخلية تبث الإثارة والإيحاء, وكان "مالارميه"( يرى أن الشعر يجب ألا يعلم فقط بل يوحي ويثير، ألا يسمي الأشياء بل يخلق أجواءها)12
ومن رديئه في المعاني والألفاظ جمعه بين حرفين ثقيلتين في كلمة واحدة وبدا بها في قوله الحقيقة في عينيك تلال وتكررت الكلمة (الحقيقة) مرتين في القصيدة الواحدة الأولى في قوله (قبل أن تصعد تلال الحقيقة) والثانية في قوله( الحقيقة في عينيك تلال) يقول الامدي وينبغي أن تعلم أن سوء التأليف وردئ اللفظ يذهب بطلاوة المعنى الدقيق ويفسده ويعميه حتى يحتاج مستمعه إلى طول تأمل،13
ومن حسن اللفظ اختيار الشاعر الكلمات الخيالية البصرية الجذابة نحو (الألوان البراقة) وهاتان الكلمتان تبثان في نفس القارئ السرور والمتعة لأن اللون والبراق تلاقت وتآخت ولم تتنافر وجمع بين الحياة والموت وتكونت أنغام من المقابلة إيجاب وسلب في قوله (فكل جميل يضمر القبح) ويعد من منابع الصور الأدبية من حسن الإبداع وقول الشاعر يبهرني نور عينيك دلالة جمال الوصف في شعره لان من المواصفات التي توصف به المرأة في الشعر القديم والمعاصر الوسائط في قصيدته في قوله إني اعشق التأمل في عينيك وقوله أنت لست جميلة حيث جمع بين النعت والعيب وحجم الصورة في القصيدة منكمش والشكل منطبق على قانون الفن الرمزي وموقع القصيدة هو شعورعميق تجاه المحبوبة .
قصيدة عشتار في أبيات القصيدة حاولت ارسم لك صورة تبعث المتعة واللذة فقدت في اللحظة الإحساس وأضعت ملامح وجهك وفكرة القصيدة واحتلت الفراغ أنثى عيناها مدينة الأندلس وقرطبة وصدرها ساحة قتال وطرفي المعركة احتوتني الدهشة واحتوتك الحسرة والناس العابرون للشوارع مسرعون يسالون عنك عشتار عشتار عشتار عشتار احتلت مكانها أنثى واهدتكم رائحة الطمي والوردة الذابلة واهدتني عيناها وصدرها صورة وحجبت بجدائلها فرسي عين مدينتي الأندلس وقرطبة14 دمشق تموز 1991 تغزل الشاعر بعشتار وذكر محاسنها حتى تجاوز الحدود الجغرافية لبلاده إلى مدينة أندلس وقرطبة طلبا لجمال الوصف والتصوير بخيال بلون خلاب وهو التشبيه وأجاد وأحسن في الوصف وأندلس من المعالم العربية القديمة وفيها بلغ الموشحات والأزجال ذروتها وأحسن التصوير في قوله الوردة الذابلة والوصف لموضع الثغر بساحة قتال ذكر الشاعر كلمة تبدأ بفعل المضارع وهي (ارسم)وهي كلمة لا يتعثر اللسان في النطق بها لأنها تتكون من حروف خفيفة على في النطق وهي ا.ر.س.م. لو تتبعت قراءة هذه القصيدة لوجدتها تتكون من الألفاظ التي تصلح للغناء لان فيها نغمات موسيقية واليكم تلكم الكلمات التي تبعث الحركة تعزف الكلمات والحروف حركة رائعة بعزف موسيقي عذب، المكون من التراكيب ملتئمة وملتحمة (الإحساس) و (رائحة ) و (عيناها) و(احتوتك) و(ملامح) و(الفراغ) وقد نعت الشاعر في المعاني الدالة على اللفظ لأنها موجهة للغرض المقصود يقول ابن قدامة في كتابه نقد الشعر عن نعوت المعاني الدال عليها الشعر أن يكون المعنى مواجهاً للغرض المقصود نقد الشعر15
ولم أر في هذه القصيدة إلا حسن اختيار الشاعر للألفاظ الإيحائية والمعاني الغامضة عذب اللفظ وخلاب وجزل المعاني حلو المقاطع يتلذذ السمع بحسن معانيه ويضع الأشياء في مواضعها وذلك دلالة تمكنه في فن الرمز وتوسعه في علم اللغة التوليدية والشعر لا تجود إلا بأربعة أشياء، وهي: جودة الآلة، وإصابة الغرض المقصود، وصحة التأليف، والانتهاء إلى نهاية الصنعة من غير نقص منها ولا زيادة عليها16 426
وفي قصيدة التالية ينشد الشاعر عن المرأة الخلاسية المخلوطة الدم
الماتيس
سألتها فأجابتني تفضل تفضل تفضل عرب أينما كنا اتخذت مجلسي واتتني بخمر صببت الكأس فجارتني ثم تماثلت أنها سكرى فجاورت كأسها لكاسي ملا الكاسين وغازلتن بحديث إلى جارتها أزرت الشرق مرة قالت اسألي الماتيس قلت عربي عربي عربي في يده مسبحة وانفه مصبوغة برائحة الصندل وان شئت إفريقي إفريقي إفريقي في جيده سلاسل نحاس وعلى صدره يتدلى عقد من صدف انصل أم نرقص قالت أما زال في الشرق شمس قمر وخمر قلت بلى قالت تعال نرقص 17 ذكر الشاعر حواره مع المرأة الخلاسية الماتيس، واستعمل الألفاظ الوصف المركبة بعبارات سهلة فصيحة يتناسب مع الغرض والعاطفة وهي (اتخذت مجلسي) توحي العبارة بالشوق حيث يجلسان جنب إلى جنب وقوله (فجاورت كأسها لكاسي) فهذه العبارة تدل حسن تصوير الشاعر للثقافة الغربية اللائقة لهذا المقام فلكل مقام مقال فصور المرأة الخلاسية المخلوطة الدم فقد أحسن الشاعر في نعوت المعاني والألفاظ المناسبة سمحة، سهل مخارج الحروف من مواضعها، عليه رونق الفصاحة، مع الخلو من البشاعة منها (فجارتني) قالت تعال (نرقص) وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التأتى، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها، وأن يورد المعنى باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله، وأن تمون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له وغير منافرة لمعناه؛18
وفي القصيدة التالية ينشد الشاعر قصيدته عن امرأة من باريس امرأة من باريس في وجهك ما يذكرني بديقول الأمس واليوم وبين نهديك طرق سلمها أجدادي الرقيق رحماك يا بنت زيوس ويقول الشاعر احمد جابر في نفس القصيدة مرة في وضح النهار حسبت شعرك ليلا فوقفت كالسكران وبلت بولتين ومرة في ظلمة الليل حسبت عينيك قمرين شرح القصيدة النغمة الموسيقية في الكلمات التالية ليلا عينيك ظلمة الليل وضح النهار تكمن جمال الوصف في قوله وبين نهديك طرق وقوله حسبت عينيك قمرين حسن التصوير وقوله حسبت شعرك ليلا ومما جاء في الحسن من الشعر: قال عبد الله بن المعتز: أنشدني أبو سهل إسماعيل بن علي، لأبي الصواعق ومريض طرفٍ ليس يصرف طرفه ... نحو المدى إلّا رماه بحتفه ظبي له نظرٌ ضعيفٌ كلما ... قصد القوي أتى عليه بضعفه20
الكلمتان الليل والنهار في قوله مرة في ظلمة الليل وقوله مرة في وضح النهار من حسن الإبداع وكذلك الأمس واليوم في قوله في وجهك ما يذكرني بديقول الأمس واليوم وبالغ الشاعر في قوله فوقفت كالسكران وبلت بولتين
والقصيدة التالية بعنوان إلى جانيت وعندما تتأمل تجد أن الشاعر يؤمن بحرية الأديان
تعالي فانا دائما موجود في المعبد الوثني انتظر قدومه موشح بجلد ثعبان مرصع بصدف على رسم أسد وطيور وحيتان ناهرة النهدين مكحلة بدم أضحيتنا الأخيرة تعالي فالإله ارحم حين تاتين من أي وقت تعالي نصل معا لاوجن الاله الإفريقي تعالي نرقص العصافير مرة على خفقات قلبينا تعالي نقيم قداسا جديدا ونرقص رقصة الحزن قبل غروب الشمس فالهنا اسود غاضب هذه المرة من شعراء حنطوا لغة الاجداد واستنطقوا الصور بلغات أخرى تعالي وان لم تأت تمت الصور ولم تعد إفريقيا تعالي فأي وقت لا من اجل إفريقيا تعالي قبل غروب الشمس أنجمينا 1996
يقول في قصيدته بعنوان المنبوذ يتحدث فيها عن المرأة السوداء افريقية سوداء تدارى غنجها بجلد ثعبان مكحلة بدم أضحية الحصاد تمشي الهوينا وللنهدين إيقاع والردفان يرقصان خفق لها قلبي ومن فمي سال اللعاب استوقفتها فعيرتني بسمرة الوجه وعروبة اللسان فتنكرت للمئذنة والمحراب وصليت للشمس يا شمس احرقيني أحيليني إلى فحم اسود ولا ترحميني لكن من حرير اليمن درع على جسدي حجب أشعتها ومن ماء بردى شيئ في دمي اطفا جذوتها 22 وصف احمد جابر المرأة صورة رائعة وتأليف دقيق يقوم على الخيال الذي يحلق بها إلى آفاق بعيدة، وتعتبر هذه القصيدة من أبرع قصائده الغزلية من حيث التصوير ووصف المرأة السوداء وتناول في وصفها ذكر محاسنها بألفاظ حسن ومعان غامضة دقيقة واختار الصفات المثلى يقول صاحب كتاب في النقد الأدبي عن المعنى (أن يقصد الشاعر فيه إلى الإغراب، واختيار الصفات المثلى إذا وصف أو مدح، لا يبالي في ذلك بالواقع، فإذا وصف فرسًا يجب أن يكون الفرس كريمًا، وإذا تغزَّل ذكر من أحوال محبوبه ما يمتدحه ذو الوجه، الذي برح له الحبّ. وإذا مدح فعليه أن يذكر ما يدلُّ على شرف المقام إبداعًا وإغرابًا لا مراعاة لصدق ولصفات ممدوحه كما يراه 23
وقيل لأعرابي: «أتحسن صفة النساء» ؟ قال: «نعم، إذا عذب ثناياها وسهل خداها، ونهد ثدياها، ونعم ساعداها، والتف فخذاها، وعرض وركاها، وجدل ساقاها، فتلك24 أوصاف المرأة في هذا العصر عصر العولمة الشعر الطويل حالك السواد الوجه الأبيض النقي الصافي الخدّ الأملس العيون الواسعة الأنف الثغر العنق والنحر هذه الصفات يحبه الرجل في المرأة وهي صفات المرأة المعاصرة ، وفي القصيدة التالية ينشد الشاعر عن الجنية رايتها ذات ليلة ربما في حلم منام ربما في حكاية تناقلتها الأجيال جنية من عمق البحار بددت الصمت الصوفي عطرت المكان أرعد قلبي أمطرت السماء إنا راقصة ملهى ليلى وأنا روح ميت وثني أثناء الليل العب دور الجان وآناء النهار ساحر دجال ماذا تطلبين أعرفك على مر الأزمان مالا يسعه المكان كن ما شئت وعلميني رقصة النار اغتلتك في ليلة الميلاد واستقبلت الفجر الجديد لوحة بالألوان المائية بال عليها أبطال سارتر عفوا إنا أجيد الضحك وممارسة العادة السرية كل النساء عندي قصائد إلا أنت وكي لا أحطنك في تابوت المفردات مارست فيك الدم 25 فقد ظهرت النغمة الموسيقية والسجع في الكلمات والحروف المنسجمة الملتئمة الآتية الجان والنهار ودجال والمكان والأجيال والبحار في قوله أثناء الليل العب دور الجان وقوله وآناء النهار ساحر دجال , أعرفك على مر الأزمان , مالا يسعه المكان ,في حكاية تناقلتها الأجيال , جنية من عمق البحار ومن ناحية الأخرى أحسن الشاعر, التصوير في قوله واستقبلت الفجر الجديد , وكذلك في قوله لوحة بالألوان المائية حيث يعد اللون من منابع الصور الأدبية انتقل الأدب العربي من الجزيرة العربية مرورا بالشام ومصر، ثم الأندلس والسودان حاملا في أشعارها غير يسر عن الغزل والغرام ثم حدث التأثر في ميدان الأدب العربي الإفريقي في إفريقيا الوسطى جعل شعرهم يكثر فيه الزهد والمدح حسب ما وقفنا عليه ويندر فيه الغزل قد اختلف المؤرخين والنقاد في تعريف الغزل والنسيب والتشبيب منهم من يقال بأنها شيء واحد ومنهم من قال بالعكس لان الغزل ذكر يخص ذكر أعضاء الظاهرة في المحبوب والنسيب هو بث الشوق وتذكر ماضي الأيام وأما التشبيب هو ذكر أيام الشباب واللهو وصف الشاعر احمد جابر المرأة وذكر صفات الأظهر فيها باسلوب عذب تروق الأسماع واختار الشاعر كلمات لها الوقعة في الأذن تشتمل على حروف انفجارية مثل حرف القاف والضاد والغاء و الحروف الخفيفة في النطق كالحاء والباء والراء فيحدث في تلك الكلمات الذبذبة بين الارتفاع والانخفاض ويعتبر ذلك الجرس الموسيقي الداخلية التي تتكون من اللفظ الرشيق،المنسجم الملتئم المحتويات 1عز الدين إسماعيل الأدب وفنونه - دراسة ونقد الناشر: دار الفكر العربي ص 32 2حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الثاني ص41 3عز الدين إسماعيل الأدب وفنونه - دراسة ونقد الناشر: دار الفكر العربي ص 21 4 أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الموازنة بين أبي تمام والبحتري المجلد الأول والثاني: تحقيق / السيد أحمد صقر دار المعارف - الطبعة الرابعة المجلد الثالث: تحقيق / د. عبد الله المحارب (رسالة دكتوراة مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى، 1994 م الجزء 3 ص 425 5علي علي صبح الصورة الأدبية تاريخ ونقد دار إحياء الكتب العربية ص 161 6علي علي صبح الصورة الأدبية تاريخ ونقد دار إحياء الكتب العربية ص 161 7علي علي صبح الصورة الأدبية تاريخ ونقد دار إحياء الكتب العربية ص 163 8قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج نقد الشعر مطبعة الجوائب – قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص75 9أبو المظفر مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري البديع في نقد الشعر بتحقيق: الدكتور أحمد أحمد بدوي، الدكتور حامد عبد المجيد مراجعة: الأستاذ إبراهيم مصطفى الجمهورية العربية المتحدة - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - الإقليم الجنوبي - الإدارة العامة للثقافة ص 117
10قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج نقد الشعر مطبعة الجوائب - قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص42 43 11حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الأول ص3 12عز الدين إسماعيل الأدب وفنونه - دراسة ونقد الناشر: دار الفكر العربي ص 32 13أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الموازنة بين أبي تمام والبحتري المجلد الأول والثاني: تحقيق / السيد أحمد صقر دار المعارف - الطبعة الرابعة المجلد الثالث: تحقيق / د. عبد الله المحارب (رسالة دكتوراة مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى، 1994 م الجزء 3 ص 425 14حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الأول ص5 15قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج مطبعة الجوائب - قسطنطينية الطبعة: الأولى، 1302 ص 17 أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الموازنة بين أبي تمام والبحتري 16المجلد الأول والثاني: تحقيق / السيد أحمد صقر دار المعارف - الطبعة الرابعة المجلد الثالث: تحقيق / د. عبد الله المحارب (رسالة دكتوراة مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى، 1994 م الجزء 3 ص 42 17حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الأول ص30 18 أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي الموازنة بين أبي تمام والبحتري المجلد الأول والثاني: تحقيق / السيد أحمد صقر دار المعارف - الطبعة الرابعة المجلد الثالث: تحقيق / د. عبد الله المحارب (رسالة دكتوراة مكتبة الخانجي - الطبعة الأولى، 1994 م الجزء 3 ص 423 19حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الثاني ص 58 20عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ المحاسن والأضداد دار ومكتبة الهلال، بيروت 1423 هـ ص193 21حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الأول ص 37 38 22حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الثاني ص42 23في النقد الأدبي علي علي مصطفى صبح ص43 24عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ المحاسن والأضداد دار ومكتبة الهلال، بيروت 1423 ص193 25حرق الأقنعة ثلاث مجموعات شعرية القناع الثالث ص71
#ابراهيم_محمد_جبريل (هاشتاغ)
Ibrahim_Mahmat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر عبد الله الدرامي
-
التعايش والحوار الوطني في إفريقيا
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|