أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي














المزيد.....

المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7375 - 2022 / 9 / 18 - 22:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من مظاهر تزييف الوعي التي تمارسها المدرسة على المتعلّم هي قدرتها على اختراق وعيه وجعله يستبطن معايير المنظومة حتّى تصير فيما بعد "قناعة" و "معتقداً" يتمثّل من خلالها المتعلّم نفسه. ومن بين هذه المعايير التي تذوّتها (=صارت جزءاً من الذات) معياري "الناجح/المتفوق" و"الفاشل/الراسب"، وصار يقيس بها نفسه وعلاقته مع الآخرين، مُنزلاً إيّاها منزلة الجواهر لا الأعراض.
خطورة هذا التنميط تزداد حدّة مع تدرج المتعلّم في أسلاك المنظومة التعليمية، ويزيد من قدح زندها المدرّسون المدجّجون بأسلحة الفاقة المعرفية والغباء العاطفي، الشيء الذي ينعكس سلباً على سيكولوجية المتعلّم وعلى ثقته بنفسه، وبذلك يستسلم لهذه المعايير الفاقدة للأصالة، وقد يستدمج كُرهاً/ عُنفاً رمزياً تجاه ذاته.
لننظر في معيار "الناجح" و"الفاشل" عندنا وندقق في أصالته، وهل هو جوهر أم عرض، سنجد أن أساسه مبني على بعد واحد من أبعاد الكائن الإنساني هو البعد المعرفي، على اعتبار أن التقويم الفصلي الذي تسنّه المؤسسة لا يقيس إلا جانب التعلّمات التي تلقّاها داخل الفصل، ولا يمتد إلى بقية الأبعاد الأخرى. ثم إذا دققنا النّظر أكثر في طبيعة هذه التعلّمات نجدها تطرح الكثير من الإشكالات، بدءاً من مدى ملاءمتها لسنّ المتعلم وذهنيته، وانتهاءً بآليات تنزيلها (ديداكتيك المدرس) للمتعلّم. "ثقافة الأزمة" هاته، شبيهة بكرة النّار، سُرعان ما تمرّر إلى يد المتعلّم، وعوض ما يصوبها نحو جهة ما، نجد المسكين يوجهها اتجاه نفسه، ويبتلعها ظاناً في عملية الابتلاع السبيل الوحيد لإطفاء جذوتها، والحال أنها تعتمل في داخله اعتمالاً رهيباً، تكون معه حجم التشوهات النفسية بليغاً.
ومن مفارقات هذه المنظومة التعليمية الوحيدة البعد (وحالها كحال وحيد القرن المهدد بالانقراض)، أن المتعلم "الناجح" بمعيار المدرسة، قد يكون فاشلاً بالمعيار الاجتماعي، وعاجزاً أن يلبي أبسط احتياجاته؛ ذلك أن انضباطه الصفي، والحرص على انجاز تمارينه، وحفظ (وليس بناء) دروسه، وقلة تفاعلاته الاجتماعية، من شأنه أن يورث نظرة "مثالية" لذاته ولواقعه، وبذلك قد "يفشل/يرسب" في أدنى اختبار له خارج أسوار المؤسسة، ما دام التعليم عندنا يقيس رد البضاعة إلى أهلها، ولا يملك الجسور العابرة بينه وبين المجتمع. أما المتعلّم "الفاشل/الراسب" في منظور المدرسة، الذي لا ينجز ما يطلب منه، ولا يأخذ علامات عالية داخل الفصل، قد يكون "ناجحاً" على المستوى الاجتماعي، ذلك أنه حسم أمره مع المدرسة ومع معاييرها، واتجه صوب المجتمع وانخرط في مألوفه وسائده، وتكوّنت لديه نظرة "واقعية" تجعل تعاملاته مطبوعة بطابع براغماتي، وحتى وإن "فشل" في مسألة من المسائل الحياتية، فإن أثرها النفسي لا يكون بنفس الحدّة عند ذلك "المتفوق".
وهكذا، قد نجني على أطفالنا/متعلمينا الويلات، إن نحن تركنا المعايير التي يتلقونها من المدرسة تسيطر على ذواتهم وتشوههم من حيث يُخيل إليهم أنها تنفعهم، ويزهق بذلك "الإنسان المرتقب" في تغيير السائد من الأوضاع.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدرسة سجن كبير
- مجتمع الهمزة... نحو نموذج تفسيري جديد
- الدين والطقسنة القاتلة
- مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد
- فصل المقال في تقرير ما بين العلم والعوام من انفصال
- مجتمع الحشية.. نحو نموذج تفسيري جديد
- في رحاب الزاوية
- رمضانُ في الذّاكرة (ج2)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج3)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج4)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج1)
- حُبٌّ فِي زَمَنِ التُّيُوسِ
- Jean-François Dortier, «Dieu et les sciences humaines»: بين ...
- مَقَاهِي المِلْحِ
- فيروس كورونا في مواجهة الإنسان السائل
- سِيرةُ دُكتورٍ خَدِيجٍ
- حُبٌ فِي زَمنِ التّفاهَةِ


المزيد.....




- باع معلومات عسكرية للصين.. محلل في الجيش الأمريكي يعترف بـ-خ ...
- تونس: مظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح نساء اعتقلن بعد انتقادهن ل ...
- غزة بعيون RT
- الكويت.. القبض على -الغول المصري-
- بعد جدل في الكونغرس.... إدارة بايدن توافق على صفقة أسلحة بقي ...
- بايدن: اتفاق هدنة في غزة قد يمنع هجوما إيرانيا على إسرائيل
- شحنة قنابل أمريكية بقيمة 750 مليون دولار في طريقها إلى السعو ...
- سفير روسي يوضح سبب إصرار حكومة بريطانيا على الاستعداد للحرب ...
- -بيت الرعب-.. العثور على 5 جثث داخل منزل في لبنان (فيديو + ص ...
- روسيا تكشف عن مركبة -بيك آب- مدرعة خفيفة في منتدى -الجيش – 2 ...


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي