|
نقض علم الآلهة بالأشياء لدى الغزالي
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 7373 - 2022 / 9 / 16 - 20:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعدما إنتقدناه في مفهوم السببية ، وفي مفهوم العقل ، ودحضنا حججه في حدوث العالم ، نود أن ننتقده في أشياء أخرى وفي موضوع علم الآلهة بالأشياء . المقدمة الأولى : يؤكد الإمام الغزالي ، إن حدوث العالم كان بإرادة قديمة إقتضت حدوثه في آن ظهوره ، حيث ساد العدم مابينين ، مابين القدم ومابين ذلك الحين ، ولولا الآلهة وإرادتها ماكان حدوث العالم ، أي إن الآلهة هي العلة وإن العالم هو المعلول ، وقدم العلة لايستلزم ، من حيث الأساس ، قدم المعلول ، ولايصدر المعلول من العلة ضرورة إلا إذا كان متكافئاٌ معها ، ومن المستحيل وجود تكافؤ مابين الآلهة والعالم ، لإن الأول ثابت مطلق كلي والثاني متغير بالجوهر والأساس . المقدمة الثانية : وفي ذات التساوق ، في موضوع العلة والسبب يعتقد الإمام الغزالي إن العلة ليست إلا الإقتران مابين الأشياء في الطبيعة من جهة ، والعادة والتكرار مابينها في الوجود الإنساني من جهة ثانية . الأمر الذي يخلف إعتقاداٌ إن السابق هو علة اللاحق . لكن في الأصل يزعم أبو حامد الغزالي إن : من جانب : إن الآلهة هي العلة الفاعلة والحقيقية . ومن جانب ثاني إن الآلهة هي التي جعلت هذا يحدث عقب وبعد ذاك ، لا به ، لامن جراء طبيعة الأول ، لامن ضرورته ، أي لا من ضرورة الأول ولامن ضرورة القابلية لدى الثاني . ومن جانب ثالث إن الآلهة هي التي جعلت هذا يحدث عقب وبعد ذاك دائماٌ وأبداٌ ، أي ولا مرة تتخلف النتيجة عن حدوثها ، من هنا إعتقادنا بالسببية والعلية مابين الأشياء . ونود أن نذكر المثال المحبذ لدى الغزالي والمذكور في ثلاثة من مؤلفاته ، وهو إن النار إذا إقترنت بالقطن حدث مانطلق عليه الإحتراق ، فلا النار تحرق القطن في الفعل ، ولا القطن يحترق بالنار ، إنما هو الإقتران في الطبيعة ، والعادة والتكرار في الوجود الإنساني . أي إن الآلهة هي علة الإحتراق مابين النار والقطن ، وإن الآلهة هي التي تحدث الإحتراق عقب إقتران القطن بالنار ، وإن الآلهة تحدث الإحتراق دائماٌ وأبداٌ ، كإن ذلك قاعدة مطلقة في العالم . المقدمة الثالثة : مكرر ، وفي ذات التساوق والإرتساق ، يعتقد أبو حامد الغزالي إن الإرادة الإلهية إقتضت منذ القدم ، منذ أزل الآزلين ، حدوث مايحدث في العالم تطابقاٌ تاماٌ مع قراراتها تلك . أي منذ المنذ إتخذت الآلهة قرارات ، كافة القرارات ، بصدد منذ المنذ إلى حتى إلى حتى ، قرارات منذ الأزل الآزلين إلى أبد الآبدين . وفي الفعل فإن تلك القرارات ينبغي أن تكون قبل ذلك المنذ ، وستكون بعد ذلك الحتى ، وذلك تطابقاٌ مع مفهوم قدم الآلهة ، أي إن القرارات ينبغي بالضرورة وبالتعريف أن تكون حتى قبل ذلك القدم ، قبل ذلك الأزل ، وأن تكون حتى بعد ذلك الأبد . المقدمة الرابعة : مكرر ، وفي ذات الخاص ، يرد الإمام الغزالي على حجج قدم العالم من خلال مفهوم الزمن ، أي من خلال قدم الزمن ، زاعماٌ إن الزمن ليس قديماٌ ، إن الآلهة خلقت الزمن مع العالم ، وخلقت العالم مع الزمن ، فلا عالم بلا زمن ولازمن بلا عالم ، والآلهة ، في البدء ، كانت وماكان معها شيء ، والآلهة ، ثم ، كانت ومعها كل شيء ، العالم والزمن . المقدمة الخامسة : وفي موضوع علم الآلهة ، ومن الطرف المقابل لإطروحات أبو حامد الغزالي ، يؤكد الشيخ الرئيس إبن سينا إن علم الآلهة هو من حيث الأصل والتأصيل كلي ، كلي ثابت يمتنع عليه التغيير ، كلي خارج الزمن ، كلي قديم قدم الآلهة نفسها . وهذا العلم الكلي يتناسب مع مصدر وجوده الذي هو الآلهة حيث إن علم الآلهة كلي بالضرورة وبالتعريف وبالمفهوم ، ويتناسب مع موضوعه الذي يأتلف منه حيث يتطابق الكلي مع ماهو كلي ويتخالف مع ماهو جزئي ، ويتناسب مع طبيعته التي تحدد نوعيته فالكلي هو الكلي ولايمكن إلا أن يكون كلياٌ . وهذا يعني تحديداٌ إن العلم الإلهي لايشمل موضوع ماهو جزئي ، فالآلهة منزهة عن العلم بهذه الجزئيات لإنها تتضمن التغير لخضوعها للزمن وهذا لايناسب العلم الإلهي الكلي ، لإن هذا الأخير ثابت وخارج الزمن . سيكون ذلك موضوع حلقة قادمة . المقدمة السادسة : وأما الإمام الغزالي فيؤكد إن علم الآلهة هو كلي يحيط بالكلي ويحيط بالجزئي على درجة واحدة وبنفس المفهوم ، أي يتفق مع الشيخ الرئيس إبن سينا إن علم الآلهة هو كلي بالمطلق ، ويتخالف معه في موضوع ماهو جزئي ، فالآلهة تدرك الجزئي بنفس المبنى في إدراكها للكلي : فمن ناحية : إن النص الإلهي ، أي النص القرآني ، يؤكد على علم الآلهة بكل ماهو صغير في الكون ، وبكل نأمة في النفس البشرية ، وبكل ماتسرون وماتعلنون ، وبكل ورقة تسقط من الشجر ، وبكل وبكل . وكل من يخالف حقيقة هذه النصوص فإنه يقع في مجال الكفر ، وإنه قد كفر ، وهكذا كفر الإمام الغزالي الشيخ الرئيس إبن سينا . ومن ناحية ثانية : يبدو إن أساس الإشكالية مابين الشيخ الرئيس إبن سينا ومابين الإمام الغزالي يكمن في مضمون كيفية بدء العالم ، فإذا كانت الرؤيا السابقة أتت من خلال إعتقاد هؤلاء بنظرية فيض العقول المفارقة ونفوذ الضرورة إلى الموضوع ، فإن الرؤيا الثانية تتضمن خلق الآلهة العالم من العدم . ففي النظرة الأولى إن الكلي يتضمن الكلي ولايتضمن الجزئي ، وفي النظرة الثانية إن الكلي يتضمن كل شيء بالضرورة ، يتضمن الكلي والجزئي معاٌ . ومن ناحية ثالثة : لإن علم الآلهة هو واحد مطلق ثابت كلي لامتغير ، هو هو منذ القدم ، فلايوجد أي تعارض مابين علم الآلهة الثابت المطلق ومابين المتغير في المشخصات والأحوال ، فالمتغير يحدث في المجال الثاني ولاعلاقة له بالمجال الأول ، أي إن التغير يحدث في الجزئي ويبقى الكلي كلياٌ . ومن ناحية رابعة : لو إفترضنا صدق ماذهب إليه إبن سينا ، إن العلم الإلهي الكلي لايشمل ماهو جزئي ، لأفضى ذلك إلى نتيجة غير مرغوبة بها وهي إن ثمت أمور ، مهما كانت سخيفة وضيئلة ، تحدث خارج علم الألهة ، وماهو خارج علم الآلهة هو ، من حيث المبنى والتأصيل ، خارج إرادة الآلهة ، وطالما ثم أمر هو خارج إرادة الآلهة فهو بنفس الأصل خلل مابين موضوع الخالق والمخلوق ، وكيف يمكن أن يحدث لدى المخلوق ما يتخارج على علم وإرادة الخالق . نكتفي بهذا القدر ، ونبدي إعتراضاتنا على النحو التالي : أولاٌ : في موضوع العلة والمعلول ، لابد من ذكر أمثلة كي تتضح الصورة الفعلية أمام ناظرينا ، المثال الأول الالهة ثم وجود العالم من العدم أو إنه قديم قدم الآلهة نفسها ، المثال الثاني النار والقطن والإحتراق ، المثال الثالث الماء والإختناق ، المثال الرابع الرياح وقوة التهديم ، المثال الخامس السم والموت ، المثال السادس أرسطو والكرسي ، المثال السابع الرصاصة والقتل . والسؤال الأساسي هو : هل الآلهة تخلق العالم بطبعها وبالضرورة ، هل النار تحرق القطن بطبعها ، هل الماء يخنق بطبعه ، هل الرياح تهدم بطبعها ، هل السم يميت بطبعه ، هل أرسطو يصنع الكرسي بطبعه ، هل الرصاصة تقتل بطبعها . من المؤكد ، ومن بين الأمثلة العديدة تلك ، إن النار هي التي تحرق القطن وغيره بطبعها ، من حيث هي هي ، من حيث هي هكذا ، فالنار لايمكن إلا أن تحرق ، فالنار هي علة الإحتراق ، وهذا مايحقق الشرط الإنطولوجي مابين العلة والمعلول ، متى كانت العلة كان المعلول ، ولايجوز أن يتأخر المعلول عن شرط العلة بتاتاٌ . في حين إن كافة الأمثلة السابقة لاتقوم بعمل تلك النتيجة إلا من خلال شروط خاصة لاعلاقة لها بالعلة والمعلول ، فالعالم لايصدر من الآلهة ضرورة وبطبعها لإنه سيكون حينها جزء من الآلهة وبالتالي لاصدور ولاحدوث إفتراضي ، وإذا قامت الآلهة بخلق العالم فإن ذلك لايمكن أن يحدث إلا من خلال الإرادة ، والإرادة تعني تماماٌ إن الآلهة ليست علة وجود العالم ، إنما هي صانعة له ، أي إن الآلهة قد قامت بصنع العالم وفقاٌ لإقتضاء الإرادة ، لإن الإرادة في الصميم وفي التأصيل فعل لاعلاقة له لا بالضرورة ولابالطبع ، لإن ، مرة أخرى ، الضرورة والطبع يحققان فعلهما خارج الإرادة ، فلا إرادة مع الضرورة والطبع . وقس على ذلك ، إن الماء لايخنق بطبعه فهو مصدر الحياة ، والرياح لاتهدم بطبعها فهي هواء نتنفس من خلاله ، والسم لايقتل بطبعه فهو جزء من مؤتلفات الطبيعة ، وأرسطو لايصنع الكرسي بطبعه فهو ليس علة له إنما يصنعه من خلال أشياء أخرى ، والرصاصة لاتقتل إلا إذا تحققت شروط خاصة تتعلق بسرعة قذفها . والآن ماهي العلاقة مابين علم الآلهة ومابين إن الآلهة صانعة للعالم ، أي ماعلاقة علم الآلهة بموضوع العلة ، وفي الأساس لماذا يكون للآلهة علم ، وعلم بماذا ، هنا نحن إزاء فرضين لاثالث لهما ، الفرض الأول إن علم الآلهة يتعلق بحقيقة الآلهة ، الفرض الثاني إن علم الآلهة يتعلق بحقيقة الكون ومن ثم بحقيقتنا . في الفرض الأول يكون العلم كاذباٌ ، إذ لو كان صادقاٌ لدل على إن الآلهة بحاجة ، حاجة الضرورة ، لمعرفة ذاتها ، لإدراك خواصها ، لوعي كونها آلهة . وفي الفرض الثاني نكون إزاء إحتمالين ، الأول هو صدور الكون من الآلهة ضرورة ، والثاني هو الحدوث والخلق ، في الأول الضرورة تنفي الإرادة ، وفي الثاني الحدوث يقتضي فعل الإرادة . في الإحتمال الأول لاقيمة لعلم الآلهة ، وكيف يمكن أن يكون لها علم بأمر يصدر منها ضرورة ، وقد صدر منها في القدم وهو نفسه قديم كلي مطلق . وفي الإحتمال الثاني وطالما إن العالم من صنع الآلهة ، فيكون هذا الصنع من فعل الإرادة ، ولكي يصدق هذا الفعل ويكون حقيقياٌ لابد من أن يكون العلم من حدث الإرادة ، أي ألا يكون قديماٌ كلياٌ مطلقاٌ ، لإنه متعلق بحدث حدث فيما بعد . ثانياٌ : وفي موضوع إن الآلهة قد خلقت الزمن مع العالم ، يعني أن أصبح لدينا وجودان ، الوجود الأول هو وجود الآلهة وإرادتها وقراراتها وعلمها ، وجود كان قبل منذ ومازال حتى هذه اللحظة وسيبقى إلى حيث إلى ، والوجود الثاني وهو الوجود الموازي للأول والمنفصل عنه تماماٌ ، وهو وجود العالم والزمن ، وهذا يفضي بنا إلى إشكالين أثنين : الإشكال الأول : في الوجود الأول القدم لاقيمة لمفهومه ، ولامعنى له ، ولا أساس لتأصيله ، ولا تأصيل لأساسه ، لا من الزاوية الإنطولوجية كما هي ، ولا من زاوية العلاقة مابين العلم والإرادة والقرارات . في الوجود الأول طالما لاتوجد حركة ولازمن ولاحدوث ولاتغير ولاشيء ، ولاشيء سوى إنطولوجية جافة جامدة مستدامة بالثبات الأبدي ، فلايمكن أن توجد إرادة بصددها ، ولاقرارات نحوها ، ولاعلم يدل عليها ، لإنها هي كالإنعدام التام . وهكذا ينتفي العلم عن الآلهة ، كما تنتفي الإرادة ، كما تنتفي القرارات . الإشكال الثاني : في الوجود الأول ثمة إشكالية جسيمة وهي إن موضوع العلم الإلهي يغدو لغواٌ حقيقياٌ ، فالعلم تعريفاٌ هو العلم بالشيء ، العلم بالأمر ، العلم بالقضية ، إذ من المستحيل أن يوجد علم هكذا في الفراغ ، في المطلق ، في حيث لاشيء ، في لامعنى ، في لا فهم ، في لاوجود ، أي إن العلم كي يكون لامناص من تحقق شرط موضوعه وهو وجود هذا الشيء قبل العلم به ، وإلا ما معنى العلم بالشيء . ولاينفع هنا القول إن الشيء والعلم به يتحققان منذ القدم ، يتحققان معاٌ ، لإن ، ولإننا نتحدث عن القدم ، لايمكن أن يتحققا معاٌ ، حيث ثم شرط لمفهوم القدم وهو إن القديم الأول ينبغي بالضرورة أن يكون منفصلاٌ عن القديم الثاني أو الثالث ، وهكذا فإن الإرادة الإلهية لابد أن تكون منفصلة عن الآلهة نفسها ، ويكون العلم الإلهي منفصلاٌ عن الآلهة وعن إرادتها وعن قراراتها ، وفي الأصل لو وجد مفهوم القدم لأستلزم وجود بعدد ماهو قديم ، أي أربعة ، وكل منفصل عن الآخر تماماٌ ، الوجود الأول هو وجود الآلهة ، الوجود الثاني هو وجود إرادة الآلهة ، الوجود الثالث هو وجود قرارات الآلهة ، والوجود الرابع هو وجود علم الآلهة ، وهذا محال ويقوض كل ماذهب إليه الإمام الغزالي . ثالثاٌ : في موضوع وجود الآلهة ووجود العالم ، لدينا وجودان منفصلان ، وينبغي أن تكون بينهما علاقة ، علاقة تناسب ماسمي واجب الوجود وممكن الوجود ، وواجب الوجود هو ضرورة الوجود المطلقة وهو حسب المعتقد الإسلامي وحسب الإمام الغزالي الآلهة ، الإله ، رب العالم ، الله ، ومشتفاتها من الإرادة والقرارات والعلم ، وواجب الوجود هو الواحد الكلي المطلق الأزلي الأبدي السرمدي . وأما ممكن الوجود ، هو الوجود الذي كان وماكان من الضرورة أن يكون ، فالعالم قد كان وكان من الممكن ألا يكون ، أي كان من الطبيعي أن تكون الآلهة لوحدها دون العالم ، وحينها كيف يمكن أن يكون علم الآلهة قد شمل وجود كان من الطبيعي ألا يكون ، خاصة وإن علم الآلهة قديم قدمها . وهنا لاينفع قول الإمام الغزالي إن إرادة الآلهة إقتضت منذ القدم وجود وحدوث هذا العالم ، لإن هذه الإرادة ، بل إن هذا الإقتضاء ، إما إنه إقتضاء ضرورة أو إقتضاء إختيار : فلو كان إقتضاء ضرورة لعدنا إلى موضوع قدم العالم وهذا لايناسب إطروحات الإمام الغزالي ، وإذا كان إقتضاء إختيار ، فالمفارقة مابين القدم والحدوث لاتسمح أصلاٌ بهذا الإقتضاء . هذا بخصوص وجود الآلهة ووجود العالم ، أما بخصوص وجود الآلهة ووجود مكونات العالم ، أرسطو مثلاٌ وأكله لتفاحة مع قشرها ، فكيف يشمل علم الآلهة الكلي الكليات والجزئيات منذ القدم وأرسطو كان من الممكن ألا يكون ، وكيف علمت الآلهة قضمه للتفاحة منذ القدم وهي بقشرها أم بدون قشرها . ثم كيف أحاط هذا العلم منذ القدم بما يجري اليوم ، كالكوفيد 19 مثلاٌ . رابعاٌ : إستطراداٌ لثالثاٌ ، إذا كانت الآلهة قديمة ، والإرادة قديمة ، والقرارات قديمة ، والعلم قديم وكلي ويشمل الكلي والجزئي ، فكل شيء قد تم منذ القدم ، منذ ماقبل القدم ، ثبات مطلق ، تنفيذ مسبق ومطلق ، أرسطو نفذ ضرورة ماسبق قد تقرر ، وحتى الآلهة سوف تنقذ ضرورة ماسبقت أن قررت ، وحتى الآلهة : فمن ناحية ، ليس للحدوث أي معنى ، فحدوث العالم كما لو لم يحدث ، حدوث الأشياء في العالم لامصداقية لها ، والعلم الإلهي بهذا الخصوص ليس إلا علماٌ كاذباٌ لعدم مصداقية وقوع الحدوث . ومن ناحية ثانية ، ليس ثمة أية قيمة للمسؤولية ، سواء المسؤولية الجنائية ، سواء المسؤولية العقائدية وكل مايرتبط بها ، لإن الأمور قد تقررت منذ ماقبل القدم ، ولإن الآلهة هي العلة الحقيقية حسب الإمام الغزالي ، ولإن النار لاتحرق القطن . ومن ناحية ثالثة ، ماقيمة النص الإلهي ، النص القرآني ، إذا كان نتائجه قد تقررت منذ الأزل ، إذا كانت الآية ، تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وماكسب سيصلى ناراٌ ذات لهب ، قد حسمت أمر أبي لهب وزوجته ، إذا كان سيصلى ناراٌ ذات لهب منذ ماقبل القدم . ومن ناحية رابعة ، ليس ثم معنى للآيات ، كهذه الآية ، ومن يعمل مثقال ذرة خيراٌ يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراٌ يره ، أو هذه الآية ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . لإن فعل الخير أوالشر قد تقرر منذ المنذ ، ولإن الإيمان أوالكفر قد حسما منذ ذلك الإقتضاء القديم . خامساٌ : إستطراداٌ للرابع ، بما إن الإرادة الإلهية إقتضت ما إقتضت منذ كانت الآلهة بمفردها ، وإن العلم الإلهي قد أدرك ذلك منذها ، فإن أي تغيير لاحق هو بحكم المستحيل ، لإن التغيير هو إقتضاء جديد وعلم جديد ، والآن هل بمقدور الآلهة أن تغير في موضوع إرادتها ، في موضوع علمها ، من المستحيل أن تستطيع فعل ذلك ، فالآلهة عاجزة عن التغيير بحكم قدم قراراتها وقدم إرادتها وقدم علمها ، أي إن الآلهة نفسها ، وفي صدد العالم الحالي ، وفي الآن الحاضرة ، لاتستطيع أن تفعل أو أن تريد أو أن تقرر أو أن تعلم ماهو جديد هذه اللحظة . وهذا الأمر له تداعيات عديدة نذكر منها إن هذه الآلهة لاتستطيع أن تغفر أو أن تعفو إلا إذا كان الغفران والعفو قديمان قدمها ، حينها لايكون هذا غفراناٌ ولاعفواٌ ، إنما إرادة قديمة وقرار قديم وعلم قديم . وهذا يسدل بستاره على موضوع الخمر أيضاٌ . سادساٌ : بعد أن إقتضى القدم ما إقتضه من قرارات وإرادة وعلم ، وبعد أن ألغى كل ماهو جديد وماهو حادث ، فماهو مبرر وجود الآلهة في هذه الآن ، وطالما إنها عاجزة عن إتيان أي أمر جديد ، وتنفذ فقط ماهو قديم ، ولاتستطيع إلا أن تنفذه بالحرف والكمال ، فهي والإنعدام سواء ، فهي ولاوجودها سواء ، أي إن الآلهة ، هي الآن ، مجرد مجرد ولاشيء سوى هذا المجرد الغائب . سابعاٌ : من محتوى مفهوم واجب الوجود وممكن الوجود ، لايمكن أن يستمر أي شيء في الوجود الإنطولوجي إلا الآلهة نفسها ، وفقط هي ، ولاشيء سواها ، أي بحكم ضرورة إن ممكن الوجود لابد أن يزول ، فإن هذا العالم الحالي لابد أن يزول وإلا لكان واجب الوجود وقديماٌ مثله . وبما إنه سيزول لامحالة فحينها ستكون الآلهة بمفردها كما كانت في البدء ، حيث كانت وليس معها أي شيء . والآن ، وفي تلك الخاصية ، لامبرر لوجود علم إلهي ، ولا لوجود إرادة إلهية ، ولا لوجود قرارات إلهية ، لإنتهاء موضوع هذه الأشياء الثلاثة ، أي من جديد آلهة لا آلهة فيها ، مجرد مجرد إنها هناك ، مجرد يساوي ويوازي ويتماهى مع لاشيء . وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة والثلاثين بعد المائة .
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقض حجج الحدوث لدى الغزالي
-
نقض المسألة الأساسية في الفلسفة
-
نقض سماوية النص الإلهي
-
نقض مفهوم الوجدان المتأله لدى العرفاء
-
نقض المنطق الأرسطوي والمنطق الهيجلي
-
نقض برهان الحركة والزمن لدى أرسطو
-
نقض إرادة ومشيئة إله الكون
-
نقض قصة الإسراء والمعراج في النص الإلهي
-
النص الإلهي يبيح الزنا
-
نقض مفهوم الإله لدى إسبينوزا
-
نقض قصة آدم في النص الإلهي
-
نقض ماهية الشر في الإسلام
-
نقض مفهوم الشر لدى غوتفريد لايبنتز
-
نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي
-
نقض المرحلة الدينية لدى كيركجارد
-
نقض النسق الفكري لدى شوبنهاور
-
نقض الأحكام القبلية لدى كانط
-
نقض الروح الكلية لدى هيجل
-
نقض مفهوم الخلق الإلهي
-
نقض مفهوم التأويل في النص الإلهي
المزيد.....
-
السعودية.. شقيقة الأمير الوليد بن طلال وابنة الأميرة منى ريا
...
-
البحرية الكورية الجنوبية تجري أول مناوراتها في 2025
-
عبد العزيز آل سعود: كيف استطاع -نابليون العرب- توحيد المملكة
...
-
في ذكرى 6 يناير.. ذكريات الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي
...
-
عودة ترامب تربك حسابات أوروبا في علاقاتها بروسيا وأوكرانيا
-
عاصفة تهدد 62 مليون أمريكي
-
انهيار جسر في ولاية أوريغون أثناء مرور قطار شحن عبره (صورة)
...
-
أنقرة: نحو 40 ألف سوري عادوا من تركيا إلى وطنهم منذ الإطاحة
...
-
مشروب بثلاث مكونات قد يساعدك على -تنظيف القولون وفقدان الوزن
...
-
-آبل- تتوصل لتسوية بقيمة 95 مليون دولار في قضية التجسس على م
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|