|
العمياء
سلوى لإدريسي
الحوار المتمدن-العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 23:35
المحور:
الادب والفن
ظل الحاج "بن عيسى" ،عمرا يعيش وحده في بيت صفيحي في أطراف المدينة العتيقة" بفاس "، قبل أشهر جاءت امرأة عمياء ، سكنت في المنزل المجاور له ،.. كان كثير التنقل بين بيته وبيت "مي فاطمة "جارته العمياء ، يتردد عليها ليساعدها في بعض أعمال البيت.... في إحدى الصباحات المكتظة بضجيج السيارات القادمة من قلب فاس والمتجهة إلى المدن المجاورة ، خرج الحاج بن عيسى للتبول خارجا ، فلمح بعض الرجال يخرجون من بيت جارته ترافقهم نحو الباب الصفيحي المتهالك امرأة شابة فاتنة، تودعهم بابتسامة ساحرة، رفع الحاج سرواله بسرعة مخافة ان تلمحه الشابة ، أصابه الفضول ، توجه نحو بيت العمياء ، دخل كعادته دون طرق الباب ، وجدها تجلس في مكانها المعتاد، وتراقب السقف بعينيها المنطفئتين ، بدأ يحرك رأسه يمينا وشمالا ،عله يلمح تلك الفاتنة ، نادته مي فاطمة ،" هل أنت هنا ...وااا الحاج..؟؟؟!! ارتبك من سؤالها ، وأجابها نعم ...نعم...أحضرت لك بعض الشاي الساخن.. خرج الحاج من المنزل حيران أسفا ، والعمياء تنتظر أن يصب لها الشاي ... لم ينم ليلته وهو يراقب منزلها ، وكله شوق لرؤية تلك الفتنة التي تمشي على الأرض ، بدأ النوم يتسلل إلى عينيه المتعبتين من قلة النوم وأيضا من جور الزمان...قبل أن يغط في نومه العميق ، سمع ضحكات رقيقة! ، تنتشر في ذاك الهدوء القاتل ، صفع وجهه ليستفيق ، ويركز على مصدر الصوت .. بدأ يتجسس ويتحسس ذاك الصوت الذي لم يحلم يوما بسماعه بعد مرور كل هذا العمر ، كان الضوء المنبعث من منزل العمياء يوضح كل شيء ، تسلل باتجاه المنزل ، ليراقب ذاك الملاك الساحر الذي سلب عقله، كان الباب مواربا على غير عادته ، حاول إدخال رأسه فيما تبقى من الفراغ الذي بين الحائط والباب ، فأتته ضربة مباغتة على رأسه ، فخر على الأرض كالصريع، بعد مرور بعض الوقت أفاق الحاج "بن عيسى" على صوت الزغاريد ، كان يلبس ثيابا ناصعة البياض و"بلغة فاسية "من الطراز الرفيع ، وطربوشا أحمر ، فتح عينيه و اغلقهما بسرعة ،كانت الفاتنة ترقص بثياب شفافة ، لم يستطع تصديق رؤياه، أو ربما ظن أنه يحلم ، فتح عينين مرة أخرى ، وجد العمياء فوق رأسه تبتسم له ، وتقلب عينيها نحو الأعلى ، صرخ الحاج في وجهها ، وهو يقول :أين هي الحسناء ، ردت عليه في ذهول " ارجع إلى لله آ الحاج" ، حاول النهوض من مكانه ،لكنه لم يستطع ، أحس بوخز أسفل بطنه ، كأن أحدهم استأصل شيئا من أعضائه... خطابها : ماذا فعلتم بي "؟؟ ضحكت ضحكة تشبه تلك التي سمعها قبل أن يضرب على رأسه ....بدأت العمياء تنزع ملابسها الرثة ،...و دقات قلب "الحاج بن عيسى" تتسارع ، وهي تنزع ذاك القبح وترتدي ثياب الصبى والجمال ، حتى بدت له كما رآها أول مرة وهي تودع الرجال ... خاطبته بكلمات لم يستوعبها ، او ربما لم يمهله الوقت لسماعها جيدا ....ودخل "الحاج " منزله الأبدي ، بالقرب من منزله الصفيحي ، تزوره كلاب الخلاء ، تتبول على قبره كما كان يفعل هو في نفس المكان...
أشرقت شمس يوم جديد على فاس والنواحي ، تعالت أصوات الباعة ، وطرقات النحاسين ، وأصوات حوافر البغال داخل الحواري الضيقة. ...كل هذه الأصوات والألوان طمست حكاية "الحاج بن عيسى" ، وجعلته في الغابرين ، كأنه لم يكن يوما
#سلوى_لإدريسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدب الرسائل
-
امرأة من مطر
-
رجل ينقصه الطمع
المزيد.....
-
مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
-
الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال
...
-
بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد
...
-
مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
-
إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
-
-قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا
...
-
وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا
...
-
مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال
...
-
-قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز
...
-
اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|