أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - ليس فصاماً -أنت كما تحلم أن تكون 4-














المزيد.....


ليس فصاماً -أنت كما تحلم أن تكون 4-


لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)


الحوار المتمدن-العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 23:35
المحور: الادب والفن
    


هناك قوانين كثيرة في هذه الحياة، لكن القانون الأساس هو: كما تدين تدان.

هو يشمل قانون الجذب وقوانين أخرى لا تعد ولا تحصى، اعمل خيراً تراه، اعمل شراً يلاحقك وأحبابك.. اشكر تزداد النعم، ابطرْ تتقلص الفرص..
اذهب شرقاً يكبر القلب، هاجم غرباً يفترسك سم نكران الجميل…
قانون كما تدين تدان، ذهب بنا إلى الطب النفسي، واسمعوا ما حصل…
********

في ثمانينيات القرن الماضي قررت أمي الفرار مع أبي خارج الشرق الحزين الجميل.. كانا من ديانتين مختلفتين، ولست هنا بصدد فتح صنابير الطوائف والأديان، المهم أنهما رحلا إلى أوروبا، تزوجا وكنت أنا…

اسمي قرنفل، هي وردة أمي المفضلة.. تربيت في دلال وحرية.. لم أدرس يوماً على ضوء الكاز كأهلي، ولم تقرصني معدتي جوعاً في ليالٍ باردة…
امتلأ بيتنا بالقرنفل من كل الألوان، عزفت البيانو وغنيت في أوركسترا المدينة.. ربيت القطط كعادة أمي عندما كانت طفلة…

أنتم مثلي تعلمون أن الحياة تقرض من أمانينا مع كل قضمة أحلام استحصلناها…
في يوم لا يشبه ما قبله رأيت أمي تغلق النوافذ والستائر.. ثم رأيتها في يوم بعده تفتش تحت السرير وخلف الأبواب، وتشابهت الأيام…
صارت أمي تتحدث مع نفسها، كبر شكها وزادت غيرتها.. أكلت التوهمات وقتها كما يأكل النمل جثة ميت طازجة…
حاول أبي اقناعها بمراجعة الطبيب:
-ربما هذا فصام..
فهاجمته، وفي اليوم التالي لم نجدها…

أجل رحلت أمي، لا نعرف إلى أين ولا لماذا.. لكنها رحلت.. تركت لنا رسالة تقول فيها أنهم يلاحقونها، وأنها رحلت من أجل حمايتنا…

وتحوّلت حياتي، دارت دوائر شفقة الناس أو استغلالهم حولي.. أما أبي فقد أصبح ضعيفاً، هزيلاً، منهكاً، وكأنما أمي ضخت الدم إلى روحه وعندما رحلت مات في الروح قلبها…
*********

في صباح يوم تشريني حانٍ، تلقيت حبل النجاة..
وصلتني مكالمة تلفونية من مستشفى للطب النفسي، بعد التأكد من هويتي قالت لي الدكتورة:

-سعيدة بسماع صوتك يا قرنفل، أمك عندنا في المستشفى، طلبت مني أن أكلمك…

بدأت بالبكاء، وصمتت الدكتورة، خيّل إليّ أنها تبكي أيضاً…

-شكراً دكتورة، ما حصل؟

-وجدتها الشرطة حافية وجائعة في محطة القطار في مدينتنا، وأحضرتها هنا.. يبدو أنها سافرت منذ زمن، أليس كذلك؟

-أجل رحلت من دون سابق إنذار منذ حوالي سبعة أشهر…

-احكِ لي ما حدث بالتفصيل…

حكيت للدكتورة تفاصيل دقيقة عمّا حدث..

-فهمت، دعيني أراجع الحكاية والتحاليل والصور الشعاعية، ثم أخابرك.. أجل بالطبع تستطيعين زيارتها…

وضعت الهاتف وقلبي على الأريكة.. تنفست بعمق، ثم بدأت بحمد الله.. الحمد لله الحمد لك يا رب.. تابعت البكاء.. لبرهة، اتصلت بأبي، فرن جواله في المطبخ.. دخلت المطبخ وجدته يبكي..
-سمعتك، ثم لم تحملني قدماي.. احجزي لنا لنذهب اليوم إليها..

حجزت تذاكر طائرة لصباح بعد الغد، لم أجد قبلها حجزاً لاثنين.. ولم أرده أن يذهب أو يبقى لوحده في حالته هذه..
أرسلت للطبيبة بالبريد السريع الصندوق الأزرق الذي جمعت فيه كثيراً من ذكرياتي مع أمي وصورها قبل أن تمرض.. سيصل الصندوق قبلنا، وسيشرح لها أكثر…
*********


في الساعة الثانية من يوم الخميس، دخلنا أنا وأبي مكان الزيارة في مستشفى الأمراض النفسية الهادئ…
-قرنفل، ابنتي أنا آسفة.. آسفة…
ضمتني وأبي وبدأت بالبكاء…
كانت أحسن بكثير، نحيلة جداً، لكنها هي، هي كما أعرفها.. نظراتها لا ترتعد، وعضلات وجهها لا تتقلص بشكل مخيف.. صوتها ثابت ودافئ…

قلت في نفسي: ربما هذا هو الفصام، وأصبحت أفضل بعد الأدوية، لكن كان للطبيبة الهادئة رأي آخر…

-أهلاً وسهلاً بكما، الحالة ليست فصام، ولا ثنائي قطب، السيدة أم قرنفل عندها تكلسات في الدماغ، ناتجة عن تربية القطط.. المرض يسمى المقوسة الغوندية ( التوكسوبلاسموز)
هو طفيلي تنقله أي قطة مصابة لم تعالج…

-القطط هي السبب؟

ابتسمت الطبيبة بهدوء:

-أجل القطط، وبسبب وجود الطفيلي في الدماغ، اختلت النواقل الكيميائية وتم الضغط على مناطق في الدماغ مسؤولة عن الشخصية، المزاج وسماع الأصوات، وهذا كان سبب الذهان -أو ما اعتقدتم بكونه فصام.. سنجري بعض التحاليل لكما أيضاً…

لم أعرف كيف أشكر الدكتورة، نظرت إليها، ثم ضممتها وبكيت.. أما أبي فقبل يدها، فاضت كلمات الشكر، وبكت الطبيبة من جديد…

بعد أسبوع أخرجنا أمي من المستشفى.. كان من بين أغراضها الصندوق الأزرق، وقد زاد ذكرى.. فيه الان صورتنا مع الطبيبة النفسية النبيلة.. إيمان بعلم الطب النفسي مع أمل “كثير” …


يتبع…



#لمى_محمد (هاشتاغ)       Lama_Muhammad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحل يكمن في التفاصيل قبل الدواء -أنت كما تحلم أن تكون 3-
- لا تقتل شغفك -أنت كما تحلم أن تكون 2-
- الخطايا العشرة المميتة -أنتَ كما تحلم أن تكون 1-
- غادروا وهاجروا -اسمها محمد 45-
- غيّر القبعة، لا تضع قناعاً -اسمها محمد 44-
- تجديد الخطاب الديني: سحر دبيّ مثالاً -اسمها محمد 43-
- اقرؤوا الفاتحة على قسم أبقراط - اسمها محمد 42-
- “لا يجب أن نتحدث عن برونو “*: هل يتلف نظام الرعاية الصحية حو ...
- ثوابت نحتاجها -اسمها محمد 41-
- مفاتيح الحياة - اسمها محمد 40-
- تعريف المرض النفسي كما لم تسمعه من قبل - اسمها محمد 39-
- عملية قلب مفتوح في الطب النفسي - اسمها محمد 38-
- - يابختك- هل تحتاج طبيباً نفسياً؟ -اسمها محمد 37-
- الديانة_الابراهيمية -اسمها محمد 36-
- كيف تصبح جاسوساً -اسمها محمد 35-
- ما رسالتك على هذه الأرض؟ -اسمها محمد34-
- أين ستر الكعبة؟ -اسمها محمد 33-
- القضية الحقيقية هي عدم وجودنا -اسمها محمد 32-
- رعاة البقر العرب -اسمها محمد 31-
- دكتور محمد هل تحملين قنبلة؟ -اسمها محمد 30-


المزيد.....




- مسلسل ليلى الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- فنانة مصرية تصدم الجمهور بعد عمليات تجميل غيرت ملامحها
- شاهد.. جولة في منزل شارلي شابلن في ذكرى وفاة عبقري السينما ا ...
- منعها الاحتلال من السفر لليبيا.. فلسطينية تتوّج بجائزة صحفية ...
- ليلة رأس السنة.. التلفزيون الروسي يعرض نسخة مرممة للفيلم الك ...
- حكاية امرأة عصفت بها الحياة
- زكريا تامر.. حداد سوري صهر الكلمات بنار الثورة
- أكتبُ إليكِ -قصيدة نثر-
- تجنيد قهري
- المنتدى الثقافي العربي ضيف الفنانة بان الحلي


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - ليس فصاماً -أنت كما تحلم أن تكون 4-