التغيير و المجتمع الريفي العراقي (1921-2005) - 2

سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 7371 - 2022 / 9 / 14 - 10:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

3 . التغييرات الاجتماعية
التغييرات الاجتماعية هي التعديلات و التحولات التي طرأت على المكانة و الأدوار و الوظائف و العلاقات و النظم و القيم و الاتجاهات و المواقف الاجتماعية و الحضارية للأفراد أو الجماعات أو المجتمعات ( 11 ) .
لقد كان البناء الاجتماعي للمجتمع الريفي العراقي تكون من وحدات قبلية و عشائرية صغيرة و كبيرة متجانسة و قد مارس النظام العشائري القوة و الضغط على أبنائه من اجل إخضاع الأحكام و العادات و التقاليد و الأعراف التي اعتادوا عليها و انعكست آثارها بشكل مباشر في تحديد السمات و السلوك و تصرفات أبنائها و جعلهم ذوي ملامح اجتماعية قوامها العطف و التضحية عن هذا الكيان الاجتماعي المسؤول عن بناء الشخصية الريفية بالتفاعل مع غيرها من العوامل البيئية و التاريخية و الثقافية و لكن نتيجة للتغيرات السياسية و الاقتصادية بدأ التغيير يسير بطيئا في الحالة الاجتماعية و ذلك لان الإنسان بغض النظر عن قوميته أو جنسه يحمل قيم و تقاليد مجتمعه و يتمسك بها بشكل أو بآخر فان ذلك يجعل عملية التغيير تسير على نحو غالبا ما يتخذ صيغة الصراع بين القديم و الجديد ( 12 ) .
إن التغييرات التي شهدها المجتمع العراقي منذ منتصف القرن الماضي تركت آثارها الواضحة و الدائمة في التركيب الاجتماعي بصورة عامة و مؤسساته البنائية كالأسرة و القرابة و الزواج بصورة خاصة ( 13 ) .
و يبدو إن أوضح أدلة التغيير الذي حصل في المجتمع الريفي هو تفكك الأسر الكبيرة التي كانت تؤلف العلامة الحضارية الفارقة فيها فقد اتصف هذا المجتمع قبل التصنيع و بناء المدن بانتشار نوع الأسرة المركبة ( 14 ) .
غير إن نتيجة لتبدل الظروف الاجتماعية و بتأثير من غزو الروح الحضرية و الهجرة من الأرياف إلى المدن أخذت الأسرة المركبة تتناقص في العدد و الأهمية و بدأت تنافسها في الانتشار الأسرة النووية.
و تشير الإحصائيات الاجتماعية بان الأسرة المركبة ( الممتدة) في المجتمع العراقي كانت 82% في عام 1940 في حين إن نسبة الأسرة النووية في ذلك الوقت كانت 18% أما في عام 1980 فقد انخفضت نسبة الأسر الممتدة إلى 34% و ارتفعت نسبة الأسرة النووية إلى 66% و السبب الأساسي لانخفاض عدد الأسر الممتدة و ازدياد عدد الأسر النووية يرجع إلى التنمية الاقتصادية و شيوع معالم التصنيع في المجتمع منذ حقبة الخمسينات من القرن الماضي ( 15 ) .
و نحن نعتقد انه في الوقت الحاضر أخذت الأسرة المركبة( الممتدة) بالتزايد في الريف و المدينة على حد سواء و ذلك لانخفاض مستوى الدخل مقارنة مع حالة ارتفاع الاسعار بالسوق و أسعار البيوت أو متطلبات الحياة الأخرى حيث نرى انه في البيت الواحد توجد أكثر من أسرة نووية.
و من التغييرات الاجتماعية الأخرى الزعامة الأبوية التقليدية التي كانت تسيطر على جميع أفراد الأسرة الممتدة التي تقلصت و أصبحت محصورة في دائرة الأسرة النواة حيث إنها أخذت باتجاه السلطة الديمقراطية حيث يشارك الزوج الزوجة و الأولاد في اخذ القرارات التي تهم العائلة و على ما يبدو فان المستوى الثقافي للزوجين و دخول المرأة العمل ذو تأثير كبير على إسهام الزوجة في إدارة شؤون العائلة .
و من التغييرات الأخرى الزواج من غير الأقارب حيث إن الزواج بأبناء العمومة كان في طليعة القواعد التي تمسك بها أهالي الأرياف بقوة و لعل احد الأسباب التي تؤدي إلى زيادة نسبة الزواج من الأقارب في الريف هو تقليد النهوة و الذي بموجبه يكون ابن العم هو الشخص المفضل لزواج بنت عمه و له الحق وفقا للعرف العشائري أن يمنعها من الزواج من أي شخص آخر ( 16 ) .
إلاّ أن نسبا متزايدة من الزيجات بدأت تحصل من غير الأقارب و ذلك لأسباب منها اختلاط الشباب و الشابات في الجامعات و ميادين العمل و تحسن فرص التعارف و اتساع الأفق الفكرية و تبدل مفهوم الزواج من كونه تقليدا يؤديه الإنسان لإرضاء الأهل و الأقارب ( 17 ) .
4- التغييرات الثقافية
لقد كان المجتمع الريفي العراقي يعاني بدرجة كبيرة من ضعف التعليم و انتشار الجهل و الأمية حتى منتصف القرن العشرين و هذا يدل على إن هناك كثير من الطاقات و الموارد البشرية المعطلة و إن هذا التخلف قد ترك بصماته في إعاقة التغيير الاجتماعي و الثقافي و هذا بدوره قد اثر بشكل أو بآخر في الشخصية الريفية العراقية و مما يؤكد ذلك هو إن 95% من العراقيين كانوا حتى عام 1958 يعانون من الأمية و إن القسم القليل منهم الذي ينهي دراسته المتوسطة او الثانوية ( 18 ) .
و قد ساعده ذلك على ظهور كثير من الخرافات و كثير من الدجالين و المشعوذين و أصبح الفرد الريفي في كثير من تصرفاته خاضع لمجموعة من الأفكار و مما لا شك فيه إن هذه الحالة من الأمية و الجهل لها الأثر الكبير في انخفاض مستوى معيشتهم و يبدو ذلك واضحا في أساليب عملهم الزراعي و طرق استغلالهم للأراضي الزراعية و كيفية الاستفادة من الوسائل و الآلات الحديثة ( 19 ) .
و لكن بعد عملية التغيير الاقتصادي و السياسي ازدادت أهمية الثقافة و التربية و التعليم و اندفع المواطنون نحو اكتساب التعليم الأساسي و العالي بعدما تقدم المجتمع في الميادين الاقتصادية و المادية و سيطرة ظواهر التصنيع و التحضر على مرافق الحياة كافة و لهذا تأسست الآلاف من المدارس على اختلاف أنواعها و شيدت الجامعات في العديد من المدن العراقية.
و بسبب الأهمية الاجتماعية المتزايدة للتعليم العالي نرى الأغنياء في الريف يعدّون حصول أبنائهم على الشهادة الجامعية مصدر قوة هام يعزز من مكانتهم المشرفة في المجتمع و فضلا عن ذلك فان أفراد القبائل المتمدنين يوظفون تعليم أبنائهم الجامعي بوصفه وسيلة للتفوق و التباهي على الأقرباء و الآخرين ممن يفتقرون لتلك الصفة و تلعب الشهادات الجامعية أيضا دورا كبيرا حتى في صفقات الزواج .
و من التغييرات الثقافية الأخرى التي حصلت في الريف العراقي دخول أجهزة الحاسوب إلى البيوت و استخدامها من أفراد هذا المجتمع لان كثيراً منهم حصل على التعليم العالي في العديد من الاختصاصات، إضافة إلى ذلك فأن بعضاً منهم أخذ بالاشتراك في شبكة الانترنيت التي تعدّ من أهم وسائل الغزو الثقافي، حيث أدت هذه التغييرات إلى تقارب الفرد الريفي مع الحضري من الناحية الثقافية.
المصادر
1 . البرازي ، نوري خليل( الدكتور)، البدو و الاستقرار في العراق، مصدر سابق، ص96.
2 . النوري، قيس ، طبيعة المجتمع البشري، مصدر سابق، ص188.
3 . النوري، قيس ، افاق التغيير الاجتماعي، مصدر سابق، ص345.
4 . النوري، قيس(الدكتور)، آفاق التغيير الاجتماعي، مصدر سابق، ص304.
5 . الحسن، احسان محمد(الدكتور)، التصنيع و تغير المجتمع، مصدر سابق، ص45.
6 . النوري، قيس(الدكتور)، آفاق التغيير الاجتماعي، مصدر سابق، ص311.
7 . البياتي، علاء الدين(الدكتور)، جرائم الثأر، مصدر سابق، ص28.
8 . النوري، قيس(الدكتور) ، مصدر سابق، ص306.
9 . فرج، محمد سعيد ، الشخصية القومية، مصدر سابق، ص295.
10 . الخولي، سناء ، الزواج و الأسرة في عالم متغير، دار المعارف الجامعية، الإسكندرية دون سنة طبع، ص90.
11 . اليونسكو، معجم العلوم الاجتماعية، ترجمة و إعداد مجموعة من الأساتذة، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1975، ص165.
12 . النوري، قيس ، أفاق التغيير الاجتماعي، مصدر سابق، ص29.
13 . الحسن، احسان محمد ، التصنيع و تغيير المجتمع، مصدر سابق، ص93.
14 . النوري، قيس ، طبيعة المجتمع البشري، مصدر سابق، ص188.
15 . الحسن، احسان محمد( الدكتور)، التصنيع و تغيير المجتمع، مصدر سابق، ص52.
16 . دكله محمد عبد الهادي واخرون، المجتمع الريفي، مصدر سابق ، ص196.
17 . النوري، قيس(الدكتور)، افاق التغييرالاجتماعي، مصدر سابق، ص338.
18 . الظاهر، عبد الرزاق، الاقطاع و الديوان في العراق، القاهرة، مطبعة السعادة، 1946، ص125.
19 . شكارة، عادل عبد الحسين(الدكتور)، نظرية هوبهاوس، مصدر سابق، ص495.

#سعد_سوسه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات