ريتا عودة
الحوار المتمدن-العدد: 7370 - 2022 / 9 / 13 - 20:37
المحور:
الادب والفن
قصة ليست قصيرة
باغتتني ابنتي بأجمل هديّة كان من الممكن أن أحصل عليها، في عيد الأم: عصفور في قفص.
هي كانت تدري أنّني من عشّاق الطبيعة وخاصة الطّيور.
في البداية، غمرني الفرح لكوني سأتامل العصفور متى شئت. لكن، سرعان ما تحوّل فرحي إلى انزعاج:
كيف سيعيش هذا المسكين وحيدا !
ألا يكفيه كونه سجينا في قفص!
قررت أن أشتري له عصفورة تؤنس وحدته.
شعرت أنّ روحيهما تآلفتا فعاد الفرح يغمرني من جديد. لكن، نوبات الضيق عادت تخنقني. كيف أسمح لنفسي وأنا الشاعرة أن أسجن كائنا ما بين سلاسل!
هكذا، قررتُ أن أطلق سراحهما بعدما قمت باقناع ابنتي أنّ عصفورًا على الشجرة خير من عشرة في اليد.
فتحت باب القفص وتوقّعت أن يفرّا منه فورا. مرّت الساعات ولم يفعلا! حسنا، ربما في ساعات الليل سوف ينتهزان الفرصة للهرب.
نمت وبي لهفة لمعرفة ما سيحصل.
في الفجر استيقظت على تغريدهما الجميل.
اللعينان ..لم يهربا!
يقال إنّ العبيد إذا أُطلق سراحهم يعودون لقيود أسيادهم، فهل هما كذلك!!
اضطررت أن أتدخل لأحسم الأمر. مددت يدي داخل القفص وألقيت القبض على العصفور. وقفت قرب النافذة واطلقت سراحه فاختفى فورا. ثمّ، مددت يدي ثانية لاحرّر العصفورة.
وقفت قرب النافذة، وأطلقتها.
فاجأتني أنها لم تختفِ كما اختفى العصفور. وقفتْ على غصن شجرة الصنوبر القريبة من نافذتي.
بعد دقائق ، علا صوتها فبدا لي كصراخ يشوبه الأنين. ظلّت تولول بذات الوتيرة الحادّة حتّى أنّها أصابتني بالدوار!
أكانت تنادي شريك حلمها ؟!
بعد ساعة، يظهر أنّه سمع نداء الحنين في صوتها فعاد.
هكذا ... اختفى الصوت والصدى وطُويَتْ القصّة.
*
بارتياح، فتحت التلفاز لأشاهد نشرة الأخبار المسائيّة. كان الخبر الصادم: اطلاق الصواريخ على غزّة.
انتابتني موجة اختناق جديدة!
*
أنا لم أحتمل أن أرى عصفورَين مقيّدَين في قفص فأطلقت سراحهما.
كيف تحتمل الأمم أن تسمعَ أنين شعبٍ ليس له ذنب سوى كونه فلسطينيًّا!
من يطلق سراح شعب يحيا منذ النكبة في قفص بل عدّة أقفاص لا ترابط جغرافيّ بينها!
أليس هنالك مَن يسمع!
أم أنّ أهل الكهف تبنّوا فكرة القرود الثلاثة:
لا أرى لا أسمع لا أتكلم..!
*
*
بألم...ريتا
9.9.2022
_________________
أحسنت الربط بين الخاص والعام ، وبين الهم الشخصي والهم الوطني .
دمت مبدعة شعرا وسردا .
- يحيى السماوي / شاعر عراقي معاصر
#ريتا_عودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟