|
الطرح الاجتماعي والسياسي في رواية -ذاكرة على أجنحة حلم- نزهة الرملاوي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7370 - 2022 / 9 / 13 - 10:34
المحور:
الادب والفن
الطرح الاجتماعي والسياسي في رواية "ذاكرة على أجنحة حلم" نزهة الرملاوي من الضروري أن يتطرق الكاتب/ة للمشاكل الاجتماعية، فهو جزء من المجتمع، من هنا نجد الهموم الاجتماعية والوطنية حاضرة في العديد من الأعمال الأدبية، "نزهة الرملاوي في رواتها "ذاكرة على أجنحة حلم " تبين أثر الطلاق على الأسرة كأسرة وعلى الأفراد، ولا تكتفي بهذا بل نجدها تعري المجتمع الذكوري وكيف يتعامل مع المرأة، ولا تكتفي بهذا بل تعرج على ما يفعله الاحتلال في فلسطين، جنين، القدس، الخليل. فإذا كانت مواضيع الرواية مهمة اجتماعيا ووطنيا، فإن طريقة التقديم أكثر أهمية، لأنها الحامل لهذه الأحداث، فقد أوجدت الساردة رحلة إلى البتراء ووادي رم والعقبة وعمان، تعرفت من خلالها على العديد من الشخصيات وجعلتها تروي الأحداث المتعلقة بمنطقة سكنها، من هنا أتت المواضيع الوطنية والاجتماعية عن طريق شخصيات تنتمي للمكان الذي تحدثت عنه، وهذا ما اقنع المتلقي بطريقة تقديم الأحداث، فالسارد لم تقحم نفسها فيما رواه لنا وكانت محايدة. لكن وجود "عبير" على الفيس وحديثها مع الساردة لتنقل لنا نحن القراء ما حدث معها ومع أسرتها من أحداث مؤلمة، ـ منع جدها لأمها من السفر مع زوجها إلى السعودية، ما ترتب عليه من طلاقها، وأخذ الأب ل"عبير وضحى" وبقاء الأم وحيدة ـ جعل الساردة تتعاطف معها، بحيث وجدنا لغة عبير والساردة متقاربة، حتى أن القارئ يشعر ـ أحيانا ـ أنهما يتكلمان بعين اللغة والألفاظ. وإذ علمنا أن الكاتبة تعرف نفسها بأنها من يسرد الأحداث من خلال الإشارة إلى مجموعتها القصصية: "عشاق المدينة" يمكننا القول أن هناك عملية التأثر بتلك المجموعة ما زالت مستمرة. لكن إذا ما أخذنا الأحداث "في "عشاق المدينة" أمكننا (تبرير) هذا التأثر، حيث أن المجموعة بمجملها تتحدث عن القدس وأهل القدس. المجتمع والمرأة في المجتمعات الذكورية تبقى المرأة مضطهدة، اجتماعيا وسياسيا، فهي تخضع لقمعين، القمع الأسري/المجتمع، وقمع السلطة/النظام، من هنا، من الصعب أن تتمرد، وعندما تتمرد المرأة تكون قد تجاوزت ذاتها ومجتمعا، تحدثنا الساردة عن "خالد وصبرية" اللذان أقاما علاقة غير شريعة، فكان العبء الأكبر على "صبرية" لأنها كانت الضحية، بينما "خالد" لم يلاقي عقوبة تتناسب والجريمة التي اقترفها: "...ستفقدين سيرتك العفيفة بين الناس، ويهدمون جبالا من خطاياه، فلا زال مجتمعنا الذكوري يساند جنسه، مجتمع ذكوري له الحكم والسيادة، ...ستبقيه سيدنا في كل المواقف، عبودية ورثناها من جداتنا وأمهاتنا...أرجوك لا تهربي مع رجل ستغتسل من خطيئته كما لو أنه ثوب أبيض تلطخ من دم ساقطة فغسله المجتمع" ص56و57، الجميل في هذا المشهد أنه جاء على لسان الساردة، على لسان امرأة، بمعنى أنها تتحدث بنفسها عن الظلم الواقع عليها من أهلها، من مجتمعها، وعلى المتلقي أن يأخذ بهذا الألم ويعالجه، وإلا كان شيرك في الظلم. الاحتلال بما أن الساردة تنطلق من القدس، فهذا يستدعي التوقف على الاحتلال، حتى ولو كان بصورة عابرة، فوجودهم على الأرض يؤذي السكان وينغص عليهم حياتهم: "...لم يكن للقادمين الحالمين خيار آخر عندما استقدموا إلى بلاد العسل واللبن إلا العمل والتجنيد، واحتفالهم بنشوة التسلط والتجبر على الحواجز المتناثرة على امتداد الوطن المقموع" ص46، هذا التناول يشير إلى أن هناك احتلال مهمته الأساسية قمع الناس والتضيق عليهم. لكن إذا كان الاحتلال يفعل ذلك فقط، فهذا احتلال (كريم وشهم)، فالاحتلال الاستيطاني يعمل على سرقة الأرض وقتل وتهجير السكان، لكي تبقى الأرض له خاليه، يتحدث عزوز عن جنين وما تعرضت له من إبادة جماعية وتدمير على يد المحتل: "...كانت رائحة الجثث تنبعث من بين الأحياء... ودبابات تقصف بلا رحمة... المروحيات تدور في سماء المخيم، والمصفحات تتوغل بين البيوت... من ثقب الباب روت لنا قتل أبي جندل، اقتاده الجنود وراحوا يضحكون ويحتفلون بصيدهم الثمين، أطلقوا رصاصتين اثنتين على راسه" ص73، ما يميز الرواية انها جعلت كل شخصية تتحدث عن المحتل ضمن المكان الذي تعيش فيه، فالساردة تحدثت عن كيفية تعامل المحتل مع الفلسطيني، و"عزوز" ابن جنين تحدث عما جرى من أبادة في مخيم جنين، و"حضر الخليلي" تحدث عن مجزرة الخليل التي نفذت على يد الإرهابي: " جولدشتاين": "...ظل الهمجي جولدشتاين يطلق النار بلا رحمة، كان مشهد يصعب وصفه مصيرا مروعا، ملونا بالوحشية" ص76، إذن أيجاد رفاق في الرحلة إلى البتراء، أسهم في كشف حديقة الاحتلال وما يفعله في فلسطين. احتلال القدس لا تكتفي السارد بتناول جرائم الاحتلال، بل نجدها تتحدث عن احتلال القدس، بعد أن عادت إلى عمان وقابلت عمها هناك: "...مضينا في طريقنا للدفاع عن القدس، أخر معقل العروبة، تعلقنا بحبال الأمل والنصر، ورفضنا الاستسلام، وقاتلنا بكل حزم وقوة، بعد أن تفرقت جموعنا، كنا نهاجم ونقاتل بشكل فردي حتى آخر رصاصة معنا، بقينا وحدنا نتنقل بين الأحياء ونطلق الرصاص، نفذت ذخائرنا، جنود كثيرون بقوا وحدهم، قاوموا حتى آخر نفس تنفسوه على ثرى المدينة، أعاقوا تقدم العدو لساعات وأيام، حتى ارتقوا شهداء وأبطالا نقشوا في جدار الذاكرة" ص152، هذا الحديث يكشف استبسال المقال العربي، وكيف أنه يفضل الموت على تسليم المدينة أو الاستسلام للعدو، كان المشكلة كنت في القيادة، التي لم تضع خطة للدفاع عن المدينة، ولم تزود المقاتلين بما يحتاجونه من سلاح وذخيرة، وحتى أنها طلبت من الجنود الانسحاب: "...لكن خانة رصاص فارغ وأوامر عليا تامره بالانسحاب" ص154، هذا المشهد يلخص ما جرى في القدس وفي فلسطين، إن كان في حرب 1948 أو في حرب 1967. الفلسطيني تتناول الرواية الفلسطيني في الداخل المحتل وما يتعرض له من قبل الاحتلال، وأيضا تناول الفلسطيني في الشتات، تتحدث لاجئة فلسطينية قادمة من سورية عن والدتها أثناء الأحداث الدامية التي جرت في مخيم اليرموك قائلة عنها: "لا أريد هجرة ثالثة، لن أرحل من اليرموك إلا إلى البروة" ص136، هذه الصورة تؤكد على أن الفلسطيني تعلم من تجربة الماضي، وأنه لم يعد يقبل تكرار أخطاء الماضي، من هنا وجدنا الأم العجوز ترفض الخروج من بيتها إلا إلى وطنها الذي أجبرت على تركه مكرهة. سرد الرواية عملية السرد في الرواية لم تقتصر على شخصية واحدة، بل وجدنا هناك مجموعة من الرواة، تحدثوا كلا حسب المكان الذي جاء منه، فالرحلة كانت تضمن مجموعة من الشخصيات، وهذا ما جعلت تشعب الحديث عن فلسطين وعن القدس وجنين والخليل وعمان والسورية مقبولا ومهضوما من القارئ. لكن اللغة التي تحدثت بها "عبير" والساردة، كانت قريبة من بعضها، وأحيانا نجدهما تتحدثان بعين اللغة، وهذا يحسب على الرواية، "عبير" تتحدث عن تأثرها بمجموعة "عشاق المدينة" للقاصة "نزهة الرملاوي" وهذا يشير إلى أن الساردة هي الكتابة نفسها: "...لذا استوقفتني قصتك عشاق المدينة وأعادتني إلى سنين مضت" ص18، وعندما تستمع السارة إلى حديث عمها عن معركة القدس تقول: " يا الله، ماذا فعل عشق المدينة بهؤلاء؟ العاشق الذي أمامي يذوب بأشواقه أمام أمنيات لا تخف وطأته، ولا تخبوا جذوتها" ص155، نلاحظ أن الساردة و"عبير" تستخدمان عين اللغة وحتى اللفظ، وهذا لم يخدم تحديد لغة الشخصيات في الرواية. الرواية من منشورات دار بن رشيق للنشر والتويع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاءة على كتاب -الكتابة على ضوء شمعة-
-
مناقشة ديوان على ضفاف الأيام للشاعرة نائلة أبو طاحون
-
الجنة والأرض في رواية -جنة الشهبندر- هاشم غرايبة
-
الحرب في رواية -كي ... لا تبقى وحيدا- حسن حميد
-
رواية القط الذي علمني الطيران هاشم غرايبة
-
إيجابية الفلسطيني في رواية -الحياة كما ينبغي- للروائي أحمد ر
...
-
رواية أفاعي النار حكاية العاشق علي بن محمود القصاد جلال برجس
-
الأخلاق في رواية هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي
-
مناقشة رواية الصدور العارية في دار الفاروق
-
القيمة المعرفية والتحليلية في كتاب -سميح القاسم شاعر الغضب ا
...
-
العبرة التاريخية في رواية هاني بعل الكنعاني ل صبحي فحماوي
-
اللفظ ا والمضمون في قصيدة -قرقوزات- منصور الريكان
-
الملحمة والمعاصرة في رواية -البكاء بين يدي عزرائيل- حسام الر
...
-
المطارد في رواية -العاصي- سائد سلامة
-
مناقشة رواية -هاني بعل الكنعاني- للروائي -صبحي فحماوي-
-
المثنى في -قال الناس- أحمد سعيد محمد بوكيزي
-
التنوع في مجموعة -حديقة بلا سياج- فيصل سليم التلاوي
-
رسائل من القدس وإليها جميل السلحوت وصباح بشير
-
رواية عودة ستي مدللة مصطفى عبد الفتاح
-
الفلسطيني في كتاب -ذاكرة المنفى- تيسير نصر الله
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|