أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - عن فقه التعايش














المزيد.....

عن فقه التعايش


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7364 - 2022 / 9 / 7 - 13:36
المحور: الادب والفن
    


تعاني الكثير من المجتمعات من التمييز والإقصاء والتهميش إزاء الهويّات الفرعيّة بزعم "الأغلبية" أو "الادعاء بامتلاك الحقيقة" أو "الأفضليات"، تارة باسم الدين وأخرى باسم الطائفة أو المذهب أو الاتجاه السياسي أو التوجه الأيديولوجي أو الأصل الاجتماعي أو اللغة أو الجنس أو اللون، وهي ظواهر ما تزال تعيشها العديد من المجتمعات، الأمر الذي يؤدي إلى الانتقاص من مبادئ المواطنة المتساوية والمتكافئة التي تستلزمها الدولة العصرية.
ويقود ذلك إلى احترابات ونزاعات بعضها مسلّحًا ويدوم لعقود أو حتى لقرون، حيث شهدنا حروب إبادة وجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب وتهديد للسلم والأمن الدوليين. والمسألة لا تتعلّق بكل مجتمع فحسب، بل أنها تمتد إلى العلاقات الدولية، فبسبب غياب "التعايش" شهدت أوروبا حروبًا دينية وطائفية كان أكثرها دموية حرب المئة عام وأعقبتها حرب الثلاثين عامًا، التي انتهت بصلح ويستفاليا 1648، لكن دورة الحروب وإن توقّفت لحين، إلّا أنها كانت أكثر ضراوةً وقسوة راح ضحيّتها عشرات الملايين من البشر خلال القرن العشرين، أبرزها الحربين العالميتين.
فما المقصود بفقه التعايش والمشترك الإنساني؟ وما هي الجوامع التي يمكن أن يلتقي عندها بنو البشر بغضّ النظر عن هويّاتهم الفرعيّة وخصوصياتهم الثقافية؟
وإذا كان الإنسان حيوان اجتماعي بطبيعته حسب أرسطو وعاقل وناطق في الآن، أي أنه لا يستطيع العيش منعزلًا أو معزولًا عن المجتمع، فهذا يعني أن المشترك الإنساني ينبع من حاجات الإنسان الفطرية ويمثّل قيمًا فاضلة ومبادئ سامية تعبّر عن جوهر النفس البشرية وتتجاوز الحضارات والثقافات والمجتمعات، وبقدر ما تكون الخصوصية حاجة ماسّة إنما ليست انغلاقًا أو انعزالًا بقدر كونها إضافةً وتواصليّةً وتفاعليّةً مع الهويّات الأخرى في إطار المشترك الإنساني الذي يتلاقى عنده البشر.
فالحريّة والعدل ورفع الظلم عن المظلوم والمساواة والشراكة والمشاركة هي قيم إنسانية سامية، وهي تمثّل اليوم الأساس في المواطنة الفاعلة والمتكافئة ، وهذه ليست حكرًا على أحد أو مجموعة بشرية أو أمّة أو شعب أو مجتمع أو دولة، بل هي قيم جامعة وموحِّدة، وهي تحمل في ثناياها مراعاة الخصوصية تساوقًا مع التطوّر التاريخي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، مع الأخذ بنظر الاعتبار التواصل والتعارف والتآزر والتواصي والتسامح بين البشر.
وقد جاء الإسلام على حفظ الضرورات الخمس للتعايش السلمي للمشترك الإنساني، وهذه الضرورات تمثّل الكرامة الإنسانية، يتم التعبير عنها فقهيًا، والأمر يتطلّب إعمالها، لا حفظها كمعلّقات، بقدر ما يتم تجسيدها على أرض الواقع.
وأول ضرورات الاجتماع الإنساني المشترك هي حفظ النفس، وهو يعني "حق الحياة والعيش بسلام ودون خوف" وهو المبدأ الأول للحقوق الإنسانية وفقًا للشرائع الدولية المعتمدة، والمقصود بذلك تحريم القتل أو الاعتداء على سلامة الجسد وحفظ الكرامة الإنسانية والحق في الحريّة. وحسب سورة المائدة – الآية 32 "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
أما الضرورة الثانية فهي حفظ العقل، والعقل هبة ربّانية منحها الخالق للإنسان وعليه استخدامها وتنميتها بالحكمة وبُعد النظر والتروي على قاعدة تفعيل المشترك في حياة البشر، أممًا وشعوبًا وقبائل على أساس التواصل الإنساني خارج أي اعتبار ديني أو عنصري أو استعلائي، وذلك بتعزيز الروابط الإنسانية التي ترتقي بالمجتمع الإنساني لما فيه الخير والنفع والعدل والمساواة والسلام. والضرورة الثالثة فهي حفظ الدين أي العقيدة والإيمان، إنما تقوم على أساس احترام عقيدة وإيمان الآخر. في حين أن حفظ العرض هو الضرورة الرابعة، أما حفظ المال هو الضرورة الخامسة، أي عدم التجاوز عليه تعسّفًا وبما يلحق ضررًا بالإنسان.
وهذه الضرورات جميعها وردت في إطار الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وهي تلتقي بثلاث حقول في النفس البشرية، وهي الجسد والعقل والروح، وهناك علاقة عضوية بين هذه المكونات الثلاث، وهي لدى البشر جميعًا في مشرقهم وفي مغربهم وحيثما يكونون، لأنها تمثّل مشتركات جامعة، وسواء أكانت المجتمعات متقدّمة أم متأخّرة، موحّدة أم غير موحّدة، مؤمنة أم غير مؤمنة، لكنها تمثّل قاسمًا مشتركًا أعظم للبشر.
وحين يتم الحفاظ على سلامة الجسد وتهذيب العقل تتسامى الروح وتتطهّر النفس البشرية، بما يجمعها من مثل وقيم إنسانية، لاسيّما تلك التي تعتمد العدل والإنصاف، فالأساس هو جلب المصالح ودرء المفاسد، وهكذا تتكامل النفس البشرية بتكامل الجسد والعقل والروح، بما يحفظ كرامة الإنسان المادية والمعنوية.
وإذا كان الإنسان كائن اجتماعي بطبعه كما ورد ذكره، فقد جاءت رسالة الأديان، ولاسيّما الإسلام، تدعو إلى التواصل والتفاعل والتعاون والتسامح، تلك التي تؤسس للكليات الجامعة، وذلك ما يمثل فقه التعايش وهو يمثّل ضابط مسيرة الفرد والمجتمع في شؤونه لا تستقيم حياة البشر بدونها.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرابطة العربية للقانون الدولي
- كلمة خالد علي السعدي في حفل تكريم المناضل والمفكر د. عبد الح ...
- الرسالة القبرصية والصورة النمطية للإسلام
- إدوارد سعيد: الإستشراق وفيض الذاكرة
- عن أي إصلاح نتحدّث
- حسين شحادة الركن الثاني - التعدّدية وأزمة الخطاب الديني المع ...
- حسين شحادة ثلاثة أركان في مشروعه الفكري
- عن فقه العدل
- المدرسة والمواطنة
- دين العقل وفقه الواقع: مشروع لم يُنجز بعد...!
- الرابطة العربية للقانون الدولي تدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤ ...
- تحسين معلّة : ربع قرن في -سبيل البعث- وربع قرن ضدّ سلطة البع ...
- شعبان ضيفًا على مجلس بلدية فينيسيا
- إملاء الدستور
- السيّد بحر العلوم ومشروعه الدستوري
- -طائر العاصفة- الذي ما يزال يحلّق في سماء الشعر
- العنف في الهويّة
- ناهدة الرمّاح: الأيقونة التي أعطت للمسرح عيونها
- المتوسّط بين الوصل والفصل
- الشيخ حسين شحادة فقيه التغيير (2)


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - عن فقه التعايش