|
رؤية أولية فى تخلفنا العربى وافاق تجاوزه
فتحى سيد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 1687 - 2006 / 9 / 28 - 10:16
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تمتلك البلدان العربية مجموعة من العوامل كان من المفترض أن تكون دافعة للنمو والتقدم الاقتصادى والحضارى ،حيث تتوفر الموارد الطبيعية بكثرة وتنوع عن مناطق عديدة فى العالم ، والنمو السكانى فى تزايد والنسبة الغالبة للسكان من صغار السن ، وهذا يمثل أضافه لقوة العمل فى المستقبل ، والموقع الجغرافى فى وسط العالم يعطيها دورا مميزا فى التجارة الدولية ، والمناخ المعتدل وسطوع الشمس يناسب إمكانيات تنوع الإنتاج ، ويمكن لمن يريد إضافة عوامل أخرى . ووفقا للتصور النسبى وعدم الركون إلى النظرة الأحادية ، فان لكل عامل من هذه العوامل منتج ايجابى ، كما من الممكن أن يكون له جانب سلبى ، أو على الأقل تضافر بين الجوانب السلبية والإيجابية ، ولكن أن تعطى جميع هذه العوامل محصلة سلبية فقط ، فهذا يثير التساؤل ويستدعى التفسير ، خاصة وأن مناطق وبلدان عديدة من العالم التى لا تمتلك مثل هذه العوامل قد تجاوزت تخلفها فى العقود الماضية بعد أن كانت أكثر تخلفا من عالمنا العربى . ولمن يريد تبين مقدار تخلفنا عليه الإطلاع على التقارير الدولية التى ترصد مؤشرات ما يحدث فى مناطق وبلدان العالم المختلفة ، ومقارنة معدلات التقدم التى تمت فى العديد من هذه البلدان مع حالة الركود الاقتصادى والجمود السياسى والانهيار الثقافى فى عالمنا العربى ، وإذا كان البعض يشكك فى هذه التقارير الدولية بحجة التحيز أو من منطلق التآمر على العرب والمسلمين وأزهارهم فى صورة غير حقيقة تخالف واقعهم ، فعليه الإطلاع على تقارير التنمية البشرية والإنسانية الصادرة عن مراكز الأبحاث العربية ، أو استبصار الواقع من خلال ما تظهره وسائل الإعلام أو المشاهدة العيانية لما يجرى فى بلدان العالم من حراك سياسى وتقدم اقتصادى . فقط سوف اعرض لبعض هذه المؤشرات بتلخيص شديد لاستيضاح حقيقة وضعنا مقارنة ببعض بلدان العالم . · يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 إلى أن الناتج المحلى الإجمالي لكل البلدان العربية فى عام 1999 كان أقل من دخل دولة أوروبية واحدة وهى إسبانيا . · خلال العقود الثلاثة من القرن الماضى تذبذب النمو الاقتصادى مابين ارتفاع فى منتصف السبعينيات ، إلى انخفاض حاد فى الثمانينات وصل إلى حد الركود خلال التسعينيات ، وكل ذلك يعود إلى ارتباط الاقتصاديات العربية فى مجملها بسعر برميل النفط . · هذا يؤكد أن المنطقة العربية تعتمد على النفط بشكل كبير يصل 70% من الصادرات ، ومعظم دخل النفط يعاد استثماره خارج المنطقة ، ورغم الدور الذى تلعبه الدولارات النفطية فى السوق المالية الدولية ، يبقى العالم العربى بعيدا عن الاستفادة من هذه الأموال ، وتبلغ حصة المنطقة من أجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر1% من الإجمالي العالمى . · ارتبط بالانخفاض فى النمو الاقتصادى تدنى معدلات الاستثمار الاجمالى ، وضعف إنتاجية رأس المال المادى ، وانخفاض إنتاجية الفرد العربى ، فالناتج القومى الاجمالى للعامل العربى اقل من نصف مثيله فى كوريا الجنوبية والأرجنتين . · أدى كل ذلك إلى إنخفاض مستويات التنمية الإنسانية ، وعلى الأخص فى التعليم والصحة والمعرفة وتدنى نوعية الحياة خاصة فى البلدان غير النفطية . · تشهد معدلات البطالة فى البلدان العربية ارتفاعا يفوق المعدلات العالمية ، وهى فى تزايد مستمر، وهناك علاقة وثيقة بين تفاقم البطالة وتزايد الفقر خاصة فى ظل ارتفاع معدلات الأمية ، فالفقر يمثل عجز الأفراد عن امتلاك القدرات البشرية اللازمة لضمان أحقيات الرفاه الإنسانى . · يتسم نوزيع الدخل فى المنطقة العربية بتفاوت كبير بين البلدان المصدرة للنفط والبلدان الأخرى غير المصدرة له ، كما أنه يتسم بعدم المساواة داخل كل البلدان العربية مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم . · تقع مجمل البلدان العربية فى زيل التصنيف العالمى للنمو الاقتصادى ، ولا يقل عنها سوى بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء وهكذا يظهر أن البلدان العربية لم تتطور بالسرعة التى تطورت بها مناطق أخرى من العالم فى العقود الأخيرة من القرن الماضى ، هذا بالإضافة إلى التدهور الحضارى خلال قرون عديدة سابقة ، مما حدى بعض الكتاب والمفكرين للبحث عن أسباب هذا التخلف والتدهور الحضارى ، وسوف اعرض ملخصات سريعة لبعض هذه التفسيرات من مداخل مختلفة . يرى سمير أمين أن أسباب ازدهار الحضارة العربية يعود إلى التجارة البعيدة المدى خاصة بعد توحد طبقتى التجار والمحاربين منذ ظهور الإسلام ، والتوسع فى القيام بدور الوسيط التجارى بين الحضارات الزراعية القديمة فى الشرق من جهة ، وبين أوروبا قبل ظهور الرأسمالية من جهة أخرى ، فقد تحقق للعالم العربى فائض كبير مما كان يجنيه التجار من فوائد ريعية مصدرها الاختلاف فى القيمة المنفعية لمنتجات يصدرها مجتمع باعتبارها سلع عادية زهيدة الثمن ، ومجتمع أخر يستوردها باعتبارها سلعا نادرة ، وهكذا كان هذا الفائض الاقتصادى الكبير يأتى من خارج المجتمع العربى وبدون عمل اجتماعى منتج ، وبتحول طرق التجارة تدهورت الحضارة العربية . ويرى مهدى بندق أن الفائض الأساسى الذى أدى إلى ازدهار الحضارة العربية تحقق من خلال الفئ والخراج والجزية فى عصر الفتوحات الإسلامية الكبرى ، وبانتهاء هذه الفتوحات توقف هذا الفائض الكبير مما أدى إلى انحطاط الحضارة العربية . وفى رأى عدد أخر من المفكرين منهم محمود اسماعيل الذى يرى أن الصراع بين البورجوازية والإقطاع منذ ما قبل الإسلام هو السبب فى تذبذب الحضارة العربية فخلال الصحوة البورجوازية حول منتصف القرن الثالث الهجرى ، كان الازدهار الحضارى وبعودة المد الإقطاعى حدث الانحسار الحضارى ، وقد تكرر ذلك خلال مراحل التاريخ العربى فعادت الصحوة البورجوازية التى استمرت حتى منتصف القرن الخامس الهجرى ، وأخيرا حدثت الانتكاسة النهائية للبورجوازية وسيادة الإقطاع العسكرى طوال القرون التالية ، يتفق مع وجود نمط إقطاعى فى العالم العربى كلا من الطيب تزينى وحسين مروة وانه السبب الرئيسة للتخلف العربى . يرى آخرون وخاصة بعض علماء الاجتماع والاقتصاد أن سيادة النمط الزراعى وعدم الدخول إلى عصر الصناعة و التحديث هو سبب الجمود الحضارى ، كما أن ظاهرة الاستعمار أيضا كانت سببا فى تخلف العالم العربى . هناك مداخل أخرى ترجع ظواهر التخلف لأسباب دينية ، فجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وكل التيارات والحركات ذات التوجه الاصلاحى الدينى ترى أن عدم تمسكنا بالدين الإسلامى هو سبب تخلفنا ، وعلى النقيض من ذلك يرى آخرون أن سيطرة ظاهرة التدين وخلط الدين بالسياسة هو سبب تخلفنا ، وهناك من ينظر إلى الأمر من مداخل تقنية أو علمية ويرى أن عدم تمكننا من امتلاك التكنولوجيا المتقدمة ، أو أن رفضنا للنظريات العلمية والتطورات الحديثة هو السبب فى تخلفنا . هذا ليس حصرا لكل الآراء والأفكار التى فسرت أسباب التخلف ، ولكن مجرد أمثلة قد يكون بعضها لمس سببا حقيقيا ، وبعضها الأخر جانبه الصواب ، ولكن يبقى الأمر المحير وهو استمرار حالة التخلف العربى دون الوصول إلى تفسير مقنع ، وهذا ما سنحاول عرضه فى المقالة التالية .
#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءات ورؤى حول مشروع سمير أمين - رؤية نقدية
-
الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الرابعة - التجارة الب
...
-
الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الثالثة. سوسيولوجيا ا
...
-
الحضارة المصرية القديمة 00استمرارية آم انقطاع المقالة الأخير
...
-
الحضارة المصرية القديمة ...استمرارية آم انقطاع المقالة الراب
...
-
الحضارة المصرية القديمة 00استمرارية ام انقطاع المقالة الثالث
...
-
اسكندرية مدينتى (1) بيروت الإسكندرية 00 التنوع يصنع الازدهار
-
الحضارة المصرية القديمة 0اسمرارية 00أم انقطاع- المقالة الثان
...
-
الحضارة المصرية القديمة ..استمرارية أم انقطاع- المقالة الأول
...
-
لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الأخيرة )0
-
لماذا سؤال الهوية ؟! ( المقالة الرابعة )0
-
لماذا سؤال الهوية ؟! المقالة الثالثة
-
لماذا سؤال الهوية ؟ المقالة الأولى
-
الفكر الغربى وسوسيولوجيا الفشل المقالة الثانية النهضة المست
...
-
التنوع الثقافى الخلاق
-
الفكر العربى وسوسيولوجيا الفشل - المقالة الأولى
-
المسرح فى مصر الفرعونية المقالة الأولى
-
علوم جديدة... وتعليم مغاير
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 8 من 8
-
لماذا توقف العلم فى الحضارة العربية الإسلامية ؟ 7 من 8
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|