|
مسارات الابداع
محمد الأحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1686 - 2006 / 9 / 27 - 08:33
المحور:
الادب والفن
تُغلبني الفكرة دائماً، وتنثرني تعباً على موج المعنى، إذ تتلبسني تماما في كل خطوة، وكل شهقة او تنهدة. تطاردني عبر الاثير حيثما احل، اجدها امامي شاخصة، فارضة نفسها علي عنوة، كانها تتسلط علي أكثر من احتياجاتي الفسلجية. تتلبسني وكاني اريد ان اتحدث بها مع اي كان، وغالبا ما تجعلني متعبا بين كمٍّ من الكلمات التي انتظمت في الذهن، وتزاحمت مكتظة تريد النزول الى السطر، فثمة خيط واحد يجمعها؛ ما ان امسك برأسه واسحبه مرة واحدة، فكأن الافكار تريد الاندلاق مرة واحدة، فاعرف بانها اوشكت ان تنطلق على معان تحتويها، احسها تتفرع من باكثر من فرع، ككائن حي بعروق تنبض، وغالبا ما يجعلني أشعر بلذة نشية، خفية، تجتاحني. فاتمنى ساعتها ان احررها من مكمنها. تلك الكتابة بعد حين اعهدها متناثرة من فضاء الذهن، حيث تعند، تحرن، تريد ان تهطل دفق مطرها على يباب الورقة مسطرة على فضائها الأبيض، غيثها المسود لذلك المتناه؛ كغيمة ملبدة. ولكنها تشبه فرسا تعافر الارض بيمينها الرشيقة، قبل الانطلاق. تبغي التباهي برشاقتها، وسحرها. فأي ارض سوف تغير فوقها واي فراغ هذا الذي يتشعب كثيراً قبل أن امسكه، أو أفكر به بشكل نهائي لأجل أن اسطره من ذهني وخيالي وأخطه على الورقة، فما أن امسكه حتى أجدني قد أمسكت غيره و شبيهه إن لم يك قرينه. فالافكار متوالدة من الافكار ورحم الذهن يتسع أبدا للاحتضان حتى الولادة. لكنني أحس بنشوة من اقترب مناه. كلما وصلت إلى فكرة اقتربت من الفكرة التي فكرت، ولكني بعد أن اقرأ ما خططته يدي بقلمها، أحسني مرة أخرى قد تهت عما أريد قوله. تغلبني لأني أردت القول الفصل فيما يؤرقني، ورغم كل ذلك التلظي المهيب؛ أجدني باني ما استطعت أن أقول ما أردت أن أقوله، أحسني قد ابتعدت هنا في هذا المقطع المتعجل، و قد اسرفت الجهد والوقت في ذلك المقطع المبطئ. ولكني امشي حيث المعنى، الذي سيصل بي إلى تحقيق ذاتي. فكل خلاياي مستفزة، ومستنفرة؛ ولكن القول قد مسَّ وجيباً آخرا من غير ان يقول كل قوله، فقد فتح لي افقاً جديدا أخذني كموج بحر عات، أفقا فيه لذة نشيه تهطل بتتابع مكتسية لحما ودما، وقد وجدت فيه حلاوة اكتشاف آخر لم اك قد خططت به أو حلمت به. ترى هل لي ان أصل إلى ما بإمكاني الوصول إليه، بمثل ما وصل إليه الكتاب اللذين علموني كيفية الإعجاب بجملهم الذهبية التي ما زالت تبدو لي عصية على أن أجد فيها ثغرة أو أن أضف إليها إضافة ما.. كلما قرأتها وجدتها تأخذني إلى المعنى الآخر، وكأني اكتشف بأنها تشير إلى معان اشمل مما استطعت أن احصل عليه من قراءتي الأولى. أية أسرار يحملها النتاج العظيم، الذي قطع كل تلك المساحات، وعبر الأزمنة المتراكبة. دائما الاعمل الابداعي تتناقله اللغات، لايفرق بين لغة حية او لغة متية، بين لهجة محكية، اوعمومية، ولايعترف بجغرافيا محددة، يصل من الشرق او الغرب، وكانه مكتوب بلغة المكان الذي وصل اليه، وربما يحمل هويته، وعطره.. اي سحر يمتلك، واي خلود يلفه، كونه في كل مرة يتخذ معنى جديدا، ويكون حاضرا إلى أي عصر يقرأ فيه. انظر إليه بجلال مهيب، وهو يمسك بيدي قبل أن يمسك بخزيني الذهني، يصبح مسيطرا مدة طويلة لا يعبر عليها النسيان. يأخذني العمل الابداعي إلى الارتجاف من سطوته العفية، لا استطيع ان اتنكر له، ولأني قرأته احسسته جزء مني وكانه صوتي الذي لم يخرج بعد. يغمرني شعور من يدخل مكانا لم يسبق ان دخله، وعلى الرغم من ذلك يكون المكان ليس غريبا، ومعرفا بكل حيثياته على الرغم من كل الظروف. كمن أعطاني أفكارا جدية في الكتابة الناضجة، أعطاني كيفية التذوق، والاستدلال إلى خارطة الإبداع الحق. أكون قد وعيت أنني في زمن يجب أن تكون الإضافة فيه شاخصة، ويشار إليها لأننا في عام ازدحم فيه المبدعون، وتعددت فيه القنوات والمواقع، فلكل مثلي هاجس حقيقي يدفعه إلى ان يكون بصوت فريد جهور، فلكل الم صرخة، ولكل قلم فسحة فضية تجعله أن يأخذ بالقارئ الذي تزدحم أمامه الأصوات وتختلط الحروف بالمصالح والمطالح، فهو أما أن يبقى يقرا المعروض أمامه إلى النهاية، أو يبحث عن شيء يمسه في صميمه، فما عاد قراء اليوم يلتهمون المنشور من الفه الى يائه، فكل منهم في عالم التعددية الثقافية صار يبحث عمن يغني عن ليلياه. أو يكون ذلك الصوت جزء من صوته، بذلك المكتوب فيستدر التأيد، وتلك القضية شبيهة قضيته، وتغرز فيه؛ يكون الصوت مُعَبِرا أو مُعَبراً (تارة بكسر الباء، واخرى بفتحها) حسب غايات المخاطب والمخطوب، المعبر اليه، او المعبر عليه.. حيث ما من خطاب يحمل وجها واحدا، او معنى واحدا ينتهي عند الحالة المقصودة، فالأفكار النيرة تتوالد من قرائنها، او نقائضها، ويكون عطائها وفيرا بلا انتهاء.. فالبصمة هي البصمة، لانها تترك اثرها، فلن يهملها احد لانها قرينةُ واقعة، والصوت هو الصوت، لانه قرينةُ احتياج، فتتشكل قرائن الانسان المدونة مدلة عليه ومنها تشع الأفكار المتوالية، فالفاعل بفعله، والمعمول بعامله، والخالق بخلقه. فكم فكرة ولدت من فكرة، وكم إبداعا خلف إبداع، وغالبا ما يبقى مثلي غير راض عن نفسه لأنه متعامل مع إبداع حي متوالد، لا ينته.. فيرى نفسه قاصرا امام المبدعين، يرى نفسه معترفا بابداعهم، معترفا بصنعهم الراق، معترفا في مثابرتهم في اكتسابهم المعرفة، والتعبير عن وجوههم، ووجودهم، ورؤياهم. فلم يرض عن إبداعه لأنه يعطي حق الإبداع كاملا، ويرى بانه كان من الممكن ان يقدم الاداء الافضل، والافضل مبغياً في كل زمان ومكان.
#محمد_الأحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذهنيةُ (مارتن هيدغر) المتوقدة أبداً
-
نصفُ إغماضه من اجل احتمال ضجيج العالم
-
لزوميات خمسميل
-
قراءة في رواية (عباس عبد جاسم) الموسومة ب - مربع المواجهة
-
مطر (كاظم حسوني) وظمأهُ القديم
-
حلمٌ عراقي قد يتحقق
-
مساحةُ الثقافة والنشر في الصحف العراقية
-
جدلية (يورغن هابرماس) الصارمة
-
شفافيةُ السرد في قصص ضوء العشب
-
الضحك
-
ما ذنب العراقي؟
-
عبقريةُ (ماريو بارغاس يوسا) المذهلة
-
رواية تحت سماء الكلاب
-
رواية العطر لباتريك زوسكند، واقعية كضربٍ من الخيال
-
نص وقراءة
-
الحكواتي
-
الدروب التي لا تصل بطريق
-
رواية غايب لبتول الخضيري
-
الفكر العربي في محيطه الأسود
-
أجوبة الحوار المتمدن للملف
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|