|
فْشِي شْكَلْ
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7355 - 2022 / 8 / 29 - 17:37
المحور:
الادب والفن
عبارة:(فْشي شْكَلْ)في اللسان المغربي معادل لكل ما هو غريب خارج عن جادة المألوف المتداول بين الناس في تواصلاتهم المعتادة، وغالبا ما نجد الصيغة يُقذف بها على عواهنها ضمن مقامات وسياقات مختلفة لا ضابط لها في وجه مخاطَب غير مستأنَس بخطابه أو في وجه غائب بقصد إقصاء فكرته أو طريقة مقاربته الأشياء.قد نجد للعبارة مرادفات أُخَرَ تُوازيها في العربية مثل اشتقاقات(فلسفة/سفسطة/إِبهام/إِلغاز/جدل/مُعقد...)؛ وقد تتعدى تركيبة(فْشِي شْكَلْ)المُحَوَّرَة من العبارة العربية:(في شكلٍ آخرَ)دلالةَ المغايرة والاختلاف المقترنة عادة بطريقة الكلام والتعبير وطرح الأفكار ومناقشتها، لتشمل في التداولات الاجتماعية نعتا عاما يشمل سلوك شخص ما أو وصفا لشخصيته بصفات الغرابة والشذوذ عن المألوف...
نُقل عن جون سيرل أن( ميشيل فوكو) أخبره أن(جاك ديريدا)يستخدم نوعا من"إرهاب الغموض"أثناء كتابة نصوصه وفي مقابلاته المتلفزة، لهذا فإنَّ أي محاولة لانتقاد فلسفته القابعة خلف ذلك الغموض ستؤول في نهاية المطاف إلى الفشل، لأنَّ هذا النوع من الإبهام في طرح الأفكار وصياغتها وتقديمها يُؤسس لآفاق غير مُتوقعة وغير آعتيادية وغير مُستقرة، ولهذا غالبًا ما تكون أفكار من هذا النوع غير محبذة من طرف الكثيرين من المتلقين في الواقع المعيش المشترك بين الناس.وهذا الغموض نفسه يُخَوِل ل(ديريدا)أن يقول ما يشاء وأن يتجاوز كل الانتقادات الموجهة إليه بعبارة واحدة مختزلة:"تُونَابَّا كُومْبغِيTu n as pas compris/أنت لم تفهمْ"، إنها عبارة كفيلة بأن تجعل من(دريدا)أو من يشبهه ممن يعتمد"إرهاب الغموض" في الكتابة فيلسوفًا عميقًا غريبا وعصيًّا على الفهم..ولفظة(عميق/العميقون)آنتقلت حاليا من دلالة معجمها الى دلالات أخرى في آستعمالات المراهقين، يطلقونها على مَن يتصنع الاختلاف عن المجموع العام، لتُشْحَن بمفارقة الإطراء والقدح في آن واحد..فلان عميق.. يعني فيما يعني عدم التواصل مع الآخرين والانعزال عنهم والانطواء والاختلاف مما يُدخلنا في خانة ما يمتاز به عادة هذا السن الحساس من خصائص وسمات يجب أن تقف عند حدها عند بلوغ سن من النضج معين وإلا هذا(الفشي شكل/العميق)سيتحول بالضرورة الى تجليات لوعكات صحية نفسية وآضطرابات في النمو الطبيعي لمراهق لا يريد(بوعي أو غير وعي)أن يكبر وينضج ويفقه دلالة الذكاء الاجتماعي وما يتطلبه من مهام وآنضباط وتحمل للمسؤوليات... وكم صادف مسارنا الدراسي غير الهين عبر أسلاك التعليم كلها مصادفات حوادث سير من مثل هذا القبيل لعبت دورا سلبيا في سيرورة النمو الطبيعي لدى المتعلمين، كان لها الأثر الوخيم على مستوى علاقاتهم بمُدرسيهم ومواد تدريسهم، إما لكون هؤلاء المدرسين لم يكونوا فاهمين لطبيعة منجزهم التعليمي التربوي فهما كاملا أو لمحاولتهم تقديم محاور المنهاج في صيغة العسير على الفهم ممارسين نوعا من التعالي المعرفي يحميهم من مناورة المناورين المرتقبة، ويجعلهم في معزل عن صلف"بْسَالَا"التلاميذ(1)من باب احْرصْ أن لا تضع رأسك في النخال كي لا تنقبك مناقير الدجاج الذي يجب، في كل الأحوال، تدجينه داخل خَمَمَتِه وتطويقه ومحاصرته في محابسه وممارسة العنف سلطة المعرفة المتعالية عليه اتقاء شره المفترض، مما فوت علينا، حينئذ، مناسبات عديدة كان يمكن أن نستفيد منها لتحسين علاقاتنا مع مواد علمية محضة مثل الرياضيات والفيزياء والعلوم، وأخرى إنسانية كالفلسفة واللغات وغيرها من المواعيد التي تم إفلات قنصها لبلاهة هذا النزوع المريض وقصور رؤيته..مثل هذا الانطباع، يمكن أن يستمر ترسيخه لدى متعلمينا في العصور الراهنة في علاقتهم للأسف بنزوعات تمثلات أستاذية مازالت تغرف من حوض ثقافة"الاستعصاء"درءا وخوفا وتوجسا من تعالقات ملتبسة بالمتعلمين،فتعرض نفسها وعَرْضها المعرفي(غير التربوي أكيد)أمام التلاميذ بصيغة"لو بيزاغْ فشي شكل/الغريب المستعصي على الأفهام"..وتماشيا مع سنن وطبيعة هذا السيناريو غير السوي، يجب أن يُنَوَّمَ جيش هؤلاء المحدقين المتربصين ويُغَطَّسوا في لجج غيبوبات مفتوحة الأشداق والمقل، كي تبقى الذوات الماسكة بزمام المعرفة ونواصي الفهم والإفهام في معزل عن مناوشات المناوشين..إنها بصيغة أخرى نوع من الحماية ضد الآخر/المعَلَّم(بصيغة آسم المفعول)الذي لا يفهم وإذا فهم لا يحسن الفهم،ويجب أن تظل خيوط اللعبة مستمرة كذلك لئلا يختلط الحابل بالنابل..وغير خفي أن هذا السمت المرتبك، بقدر ما عزز ويعزز السلطة المتوهمة لمدرس لبيب ذكي فطن حصيف ألمعي عارف بكل شيء، بطريقة متحذلقة(أستاذ واعر باللسان المغربي تعني مدرسا حصيفا محترفا متقنا متمكنا متميزا لا يشبه غيره)تخلق له نوعا من الحماية، كما يزعم نظرُه، بقدر ما تربك عملية سيرورة المكتسبات تجعلها معقدة مشوبة بكثير من الغبش والالتباس إلى درجة تتحول فيها عبارة ديريدا المقيدة بلحظة ما"أنت لم تفهم" الى نظيرة لها أكثر صفاقة وبشاعة في إطلاقها:"أنت لا تفهم"..
_1_..البسالة لفظة في اللسان المغربي تنزاح عن الدلالة المعجمية العربية، تعني قلة الاحترام لا الشجاعة،وبالتالي تنتقل من معنى المدح الى القدح...
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رَحِيل
-
الجوكر أو الأقنعة الموروثة
-
التتارُ الجدد
-
شَدْوُ آلْفِجَاجِ
-
سَيَمُرُّ آلْقِطَارُ بُعَيْدَ قَلِيل
-
زَنَابِقُ آلْحَيَاةِ، بخصوص قصيدة-يا صبر أيوب-للشاعر عبد الر
...
-
مُجَرَّدُ شَخيرٍ لا غير
-
سُعَال
-
دُودُ سِكَّةِ آلْحَديد
-
شَرْخ
-
سُلَالةُ قابيل تُكملُ آلمهمة
-
بخصوص شريط(حَلاق درب آلفقراء)لمحمد الرَّكاب)
-
السيد(بِيغُونْجِيهْ)في مواجهة قطيع القرون ...
-
بخصوص(Voyage au bout de la nuit)لفرديناد سيلين
-
ثُمَّ هَوَى
-
رغم الصخب والجؤار...(قراءة في رائية أبي الصعاليك)
-
تَصْفُو حِينَ تَرْتَجِزُ
-
عَدَم
-
بخصوص(كائن لا تحتمل خفته)ميلان كونديرا
-
تَرَى آلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْهَا
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|