|
الاوضاع السياسية في العراق ... وإلى أين سيفضي احتقان الشارع؟
عصام الياسري
الحوار المتمدن-العدد: 7349 - 2022 / 8 / 23 - 14:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مضي ما يقرب عشرة أشهر على الانتخابات العامة التي جرت في العام المنصرم، والأوضاع في العراق الدولة الغنية بالنفط لاتزال تتجه نحو المجهول. اقتحام الصدريين للبرلمان وتعطيل جميع الجلسات، أشعل بين الطبقة السياسية شرارة صراع على السلطة. وكان هدف المتظاهرين في "الخضراء" الضغط على السياسيين وبالأساس الإطار التنسيقي الذي عرقل تشكيل حكومة أغلبية وطنية. الكتلة الصدرية في ذلك الوقت كانت المنتصر، لكنها، فشلت في تأمين النسبة المطلوبة "أغلبية الثلثين" نظرا (لتفسير المحكمة تحت ضغط قوى الإطار التنسيقي) لانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم رئيسا للوزراء. وكان قادة الإطار يشككون في نتائج الانتخابات ولا يريدون الاعتراف بالهزيمة ومجيء حكومة تحارب الفساد وتصلح النظام السياسي برمته. وكان للصدر رغم تخلي مجموعة ما يسمى "بالمستقلين" عن تعهداتهم. وانتهازية حلفاء الصدر، البرزاني والحلبوسي، تحت تأثير وإغراءات الاطاريين بعد استقالة الصدريين، أن يصمد بوجه التداعيات وأن لا يدعو نوابه كأكبر كتلة برلمانية للاستقالة لتضييق الخناق على الاطاريين وصد مناوراتهم.
إنه من المؤكد أن تشكيل حكومة جديدة متمثلة بقوى "الائتلاف الثلاثي" الصدر الشيعي، والحلبوسي السني، والبرزاني الكردي، سوف لن تفضي إلى تحقيق نوع من الإصلاح المضمون، بمعنى، التغيير الشامل للنظام السياسي ومحاربة الفساد وبالنهاية القطيعة مع التقاليد السياسية "التوافقية" الدارجة، وفقا لنظام المحاصصة الطائفية الذي أسس له المحتل منذ 2003 حتى الآن. قوبل مشروع الصدر "حكومة الأغلبية الوطنية" من جميع أطراف "الإطار التنسيقي" بالمقاومة على الرغم من تعدد التناقضات السياسية بين أعضائه، لخشيتهم ضياع السلطة والنفوذ، والأخطر والأهم، خوفهم مواجهة القانون وعدم إمكانية الهروب من العقاب. انتهى الأمر بالصدر دعوة أعضاء تياره إلى الاستقالة من مجلس النواب. ربما كان الانسحاب خطوة مدروسة ومستهدفة لوضع الأحزاب والسياسيين المناوئين تحت الضغط، لكنها كانت بالتأكيد خطوة غير متوقعة، نظرا لما نتج عنها من تجاذبات خطيرة بعد نزول التيار ومقابله التنسيقي إلى الشارع بعد ترشيح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.
في رسالة موجهة للمتظاهرين، وصف الصدر الاحتجاجات بأنها "ثورة عفوية وسلمية". ودعا إلى دعم جماهيري، مجتمعي ووطني واسع، لا سيما العشائر العراقية. مرددا (هذه فرصة عظيمة لإحداث تغيير جذري في النظام السياسي). وهي المرة الاولى التي يتحدث فيها عن "التغيير الجذري" بشكل واضح، دون أن يشير بالضبط إلى نوع التغيير الذي يريده وكيف؟. والأهم لم يعط ضمانات للقوى القريبة من أهدافه، سيما المتمثلة بالتشرينيين، ليحسموا أمرهم في اختيار الموقف!.
إن كلا المعسكران الشيعيان- الصدر والمالكي- يعتبرون أنفسهم، كل على طريقته، الأَوْلَى بالحكم. فالمالكي البالغ من العمر 72 عاما، كان بعد سقوط الدكتاتور صدام حسين رئيسا للحكومة من 2006 إلى 2014. إلا أن منتقديه يتهمونه بسبب سوء إدارة الحكم وتجاوزه حدود صلاحياته كمسؤول دولة، من بين أمور أخرى، بالمسؤولية عن نجاح ميليشيا الدولة الإسلامية الإرهابية (داعش) وسقوط الموصل وغيرها من المدن العراقية، وكان يفترض أن يصون البلد ويحفظ أمنه وأمن شعبه كما يتطلب الدستور والقانون ذلك. بالإضافة إلى هدر المال العام وتفشي الفساد الإداري وعدم احترام سيادة الدولة. فيما يعتبر الصدر البالغ من العمر 47 عاما، شخصية مثيرة للجدل. بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، أسس جيش المهدي لمحاربة القوات الأمريكية. اليوم هو أكثر اعتدالا ويبدو مزيجا من، القوميين والشعبويين. أتباعه يعيشون في المناطق الأكثر فقراً في بغداد ومدن أخرى. وتكمن قوة الصدر في قدرته على حشد الجماهير وضبط إيقاعها السياسي والمجتمعي. لذلك فسر انسحاب أنصاره من البرلمان على أنه مناورة لمواصلة وضع الأحزاب تحت "ضغط الشارع" ومنع "التحالف السابق" من الالتفاف حول المالكي.
المثير للدهشة، احتجاج "المالكي الإطار التنسيقي" على اعتصام الصدريين ووصفه اعتداءً (على الشرعية والدولة ومؤسساتها الدستورية) ووضع (السلم الأهلي على المحك). متجاهلا حجم الخروقات الدستورية والقانونية والإدارية التي ارتكبوها على مدى تسعة عشر عاما ومنها:. انتهاك حرمة الدستور والقانون، تعريض السلم الأهلي للخطر بسبب الضغط على المؤسسة القضائية لفرض الإرادات والاستهتار بالسلطة، تعريض الدولة العراقية ومؤسساتها الشرعية للابتزاز والدفع بها نحو حافة الإفلاس، الانتهاكات الاقتصادية ونهب الثروات الوطنية. وعلى ما يبدو أن الصراع بين الطرفين، سيبقى مستعرا، والوضع لكلا المعسكرين "الشيعيين" خطيرا، بسبب انتشار سلاح ميليشيات الأحزاب بكثافة، يحرق الأخضر واليابس. فيما البلاد غارقة بالمشاكل وحكومة "تصريف الأعمال" الحالية، عاجزة عن كسر الجمود السياسي وفك تشابك الأطراف المتصارعة على السلطة.
كان لذلك تداعيات انعكست مظاهرها بعدم ثقة ملايين العراقيين بالطبقة السياسية بعد الآن، والاعتصام المفتوح في "مجلس الشعب" للتعبير عن غضبهم من الجمود السياسي وأساليب المماطلة والتسويف. مع نقص في وجود نخبة سياسية مسؤولة قادرة لتسوية الخلافات والبحث عن مخارج تبعد الشعب من الويلات والدمار. لكن على ما يبدو، أن الطبقة السياسية (الشيعية والسنية والكردية) الماسكة بالسلطة، غير مستعدة لمنع ما يحمل المستقبل من مفاجآت خطيرة، ولم تستوعب لحد الآن، أن عاصفة التغيير الحتمي مقبلة لا محال. بيد انها لازالت تبحث عن مخارج لا قيمة لها كالدعوة إلى "حوار" بين أطراف الأزمة ذاتها، وكأن البلد "شركة تمتلكها" وتتصرف بها كما تشاء، خاليا من الناس والنخب والأحزاب، تتمرد عليه وتتحكم بمقدرات مجتمعاته وحقوقها.
للخروج من الأزمة من الناحية الموضوعية، لتجنب صراع مدمر، الذهاب إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تعمل على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ينتج عنها تشكيل حكومة وطنية عدالة، تسعى لتصحيح ما أخفقت في تحقيقه الحكومات المتعاقبة في أوقات كانت عصيبة على المجتمعات العراقية.
#عصام_الياسري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن عقد اجتماعي جديد ضرورة ملحة
-
من يتحمل حقا مسؤولية ما حدث للابرياء في منتجع سياحي في شمال
...
-
ألا من حسيب لقتل الأبرياء في العراق؟..
-
مظفرْ النوابِ.. خاتمةُ شاعرٍ.. تنذرَ بثورةِ غضبٍ!
-
مفهوم الوطن والوطنية.. بين المنظور القيمي ومواقف احزاب السلط
...
-
الدولة العراقية نحو المجهول.. فما العمل؟
-
بسبب شحة المياه.. الاراضي الزراعية في العراق تتحول الى اراضٍ
...
-
رواية -الطوفان الثاني-.. أزمنة وأماكن لم تغادر حتى تبدأ من ج
...
-
السياسة والحروب تطرق مضاجع الثقافة من ابوابها الواسعة.
-
على حافة الرصيف التمييز المفرط في مفردات الحياة اليومية
-
على حافة الرصيف الغزاة من هيأ لنهب العراق وشعبه!
-
الصراعات الطائفية وأزمة الانتخابات الرئاسية؟
-
مع الذكرى التاسعة عشر لغزو العراق .. هل يستطيع الشباب ان ينه
...
-
على حافة الرصيف 15
-
النظام السياسي في العراق واعادة مفاهيم صدام الخطيرة إلى الأذ
...
-
فيلم فاطمة -سيدة الجنة- دراما تاريخية مثيرة تحاكي عصرين مختل
...
-
لماذا يمارس الاعلام دور الوسيط غير النزيه اثناء الازمات الدو
...
-
أوجه التشابه والإختلاف في روايتي هيرمان هيسه وجميل الساعدي
-
التضليل الإعلامي في السلم والحرب
-
مهرجان برلين السينمائي -برليناله 72- الدولي 2022 ثقافة سينما
...
المزيد.....
-
السعودية.. مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في تصادم 20 مركبة والمرو
...
-
شاهد.. مروحية عسكرية تشتعل بعد هبوط اضطراري في كاليفورنيا
-
هل الطقوس التي نتشاركها سر العلاقات الدائمة؟
-
السعودية: حذرنا ألمانيا من المشتبه به في هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. البرادعي يعلق على زيارة الوفد الأمريكي لسوريا
-
اعتراض ثلاث طائرات أوكرانية مسيرة فوق شبه جزيرة القرم
-
RT تعلن نتائج -جائزة خالد الخطيب- الدولية لعام 2024
-
الدفاع الصينية: الولايات المتحدة تشجع على الثورات الملونة وت
...
-
البابا بعد انتقادات وزير إسرائيلي: الغارات الجوية على غزة وح
...
-
-اشتكي لوالدك جو-.. مستخدمو منصة -إكس- يهاجمون زيلينسكي بعد
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|