|
الاستقلال والسيادة بين النسبية والمطلق
عادل كوركيس
الحوار المتمدن-العدد: 1685 - 2006 / 9 / 26 - 09:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتحدث البعض عن شؤون وقضايا العراق / اليوم وكأننا في حال من البطر ، بحيث نأخذ الأمور على غير ما هي عليه في واقع الحال ؛ ويتحدث آخرون وكأن العراق بلد مستقر تماما ، الحياة تجري فيه مجرى مستقرا كما لو كان الحال على ما هو عليه الآن في أوروبا أو غيرها من بقاع العالم المستقرة حاليا أكان في آسيا أم أفريقيا أم غيرهما ولو نسبيا ؛ هذا إضافة إلى من يتحدث ، من منطلقات مثالية ، عن صورة يتمثلها في ذهنه بعد انفصامه عن الواقع ؛ أو آخر يتحدث من منطلقاته الذاتية أو الفئوية أو الحزبية أو الدينية أو القومية أو ما شابه ذلك .. كل واحد من أولئك على استعداد ، بالطبع وفي الحال تماما ، للإتيان بالأمثلة والتشبيهات بل حتى باستشهادات لأقوال من هذا أو ذاك ، دون أن يتنبه إن كان هذا الاستشهاد مناسبا للوضع الآني المرحلي القائم أم غير مناسب .. يمكن القول باختصار إن هذا إن هو إلا لوك كلام ، سفسطة تعتمد مقدمات خاطئة محبوكة من وقائع قائمة .. نحن لسنا الآن في مرحلة بطر ، بل نحن في مرحلة العمل من أجل إعادة بناء ما تم تخريبه بهذا الشكل الوحشي وإقامة بناء جديد ؛ وحين نصل إلى مرحلة البطر ، عندها سيحق لنا أن نسيح بخيالنا ما طاب لنا ، حتى وإن خرجنا عن الواقع تماما . أما حينما نكون في مرحلة العمل فإن جل جهودنا لابد أن نوظفها للبناء ، مستخدمين أقصى طاقات الخيال النافع للواقع الحالي / البناء وليس للفنتازيا المريضة . من هنا نرى ضرورة الابتعاد عن التصورات المثالية والميتافيزيقية في الطروحات المقدمة من أي طرف كان وحول أي موضوع كان ، ذلك لأن شؤون الحياة جميعها مترابطة مع بعضها البعض .. لقد بات من الغريب حقا أن يتحدث البعض بلغة المطلق والشمول في عصر باتت النسبية فيه من البديهيات العامة ، والغريب أن الناطق بالمطلق والشمول يقر لك ، كلاما عسل ، بالنسبية ، بل لا يتوانى عن استخدامها بشكل سفسطائي ، محرفا مقدماتها الصحيحة لتخدم نتائج هكذا مقدمات أغراضه أو يستخدمها أنى خدمت أغراضه .. بل إن البعض يسمح لنفسه بالتحدث عن مجمل أمور الحياة كما لو كان يعيش في أزمان سحيقة في القدم بحيث لا يريد اعترافا بأي تغير ، وكأنه ولد ونمى وكبر وكهل ..الخ من بطن أمه هكذا دفعة واحدة ، وكأنه يعيش خارج هذا الوجود بكل هذا الجمود الذي ترفضه أبسط وقائع الحياة بكل متغيراتها اليومية ..
إذا كانت الحرية المسؤولة تعني منح الآخر قدرا من الحرية المسؤولة أيضا قدر طلبها للنفس ، وإذا كانت الديمقراطية المعاصرة تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ( على حد ما يدّعى ) ضمن حقوق وواجبات متبادلة يحددها قانون وضعي متفق عليه من قبل الغالبية ، على ما نقرأ ونسمع في الآونة الأخيرة .. عندها يكون من الواجب إذن التعامل مع رغباتنا بنسبية تتوائم مع الرغبة الإيجابية لأكثرية أو غالبية المجتمع ، من أجل خدمة الإنسان وليس استغلاله بالطبع . هذا هو ما يشكل تعايشا اجتماعيا مارسه العراقيون في فترات هنا وهناك بكل فئاته وبشتى تنويعاتها . وإذا يستحيل على الفرد أن يعيش بمفرده دون أن يترك مكانا للآخر ، إذ بدون ذلك لا يمكن أن يقوم اجتماع ، ومن ثم مجتمع متكافل ، بدءً من أصغر الوحدات الاجتماعية إلى وحدة المجتمع ككل .. وإذا .. وإذا .. الخ كان ذلك منطقيا وعمليا ، ولا غنى عنه لخلق جو مشترك بالاتفاق ، يصعب بعدئذ التحدث عن استقلالية مطلقة ، ليس داخل الوحدات السالفة الذكر ، بل ينعكس ذلك وينطبق على الدول نفسها . فاليوم ليس ثمة دولة تستطيع العيش بمعزل عن بقية أجزاء عالم الكرة الأرضية ، وليس ممكنا ، بالنتيجة ، أن تمتلك أية من الدول استقلالها المطلق قطعا . إن التعاون ضروري بين هذه الدول ويجب أخذ الآخر بالحسبان . بمعنى آخر ، لابد من التنازل عن جزء من الاستقلال الذاتي للآخر مقابل تنازل الآخر عن جزء من استقلاله الذاتي هـو ، في إطار المصلحة المشتركة لديمومة وتقدم الطرفين على صعيـد الاحترام المتبادل ، بعيدا عن نظام الغاب القديم والمتوسط والحديث ، في ما لو جاز مثل هذا التقسيم الافتراضي ، هذا النظام ( أو الأنظمة ) اللابس لبوسا عصريا . .
ليس هذا تنظيرا من نوع ما ، بل نراه بديهية كررها الكثير من الخيرين الذين أدركوا أهمية هذه النسبية - كواقع حال لابد منه في كل الأحوال - في العلاقات الاجتماعية داخل الوحدات الصغيرة والكبيرة على حد سواء . إن خرق هذه النسبية هو أحد أسباب الخلل القائم في العلاقات أكان العائلية أم الدولية ؛ على أن لا ننسى أن هذه النسبية تخضع لمواصفات وقوانين لابد من أخذها بنظر الاعتبار ، وإلا أدت إلى نتائج لا تختلف عن نتائج الحرية المنفلتة أو الديمقراطية الأحادية الجانب ، التي تقود إلى الاستبداد في الرأي والحكم والسلوك .
#عادل_كوركيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة بين المفهوم والمصطلح
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: هل الصين مستعدة لحرب تجارية ضد أمريكا بعد فرض ت
...
-
المتمردون يعلنون وقف إطلاق النار في الكونغو الديمقراطية -لأس
...
-
الولايات المتحدة تطالب بانتخابات في أوكرانيا
-
من سيحصل على القارة القطبية الجنوبية
-
سحب القوات الأمريكية من سورية يطلق أيدي تركيا وإسرائيل
-
خطوات باشينيان العمياء: صبر موسكو ينفد
-
مرئي بالعين المجردة.. -موكب كوكبي- نادر يزين السماء طوال فبر
...
-
مواصفات الهاتف الجديد من Asus
-
OpenAI تطلق نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي مجانا
-
ترامب يعلق الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا لمدة شهر إثر تو
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|