|
ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7345 - 2022 / 8 / 19 - 22:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقال :
ماذا بعد الحرب الروسية الأوكرانيّة ؟
مرت عصور حالكة على الإنسان ، لم تخل حياته من الصراع من أجل البقاء أو السيطرة والهيمنة أو التحرّر من العبوديّة و الاحتلال . لقد شهدت البشريّة في القرون الغابرة حروبا داميّة بين الأقوياء و الضعفاء ، و بين الأقوياء و الأقوياء ، و بين الضعفاء و الضعفاء ، و بين الدول و الدول و بين المماليك و المماليك ، و بين الجماعات القبليّة و نظيرتها . لقد قاد تلك الحروب الفظيعة الملوك و الأكاسرة و الهراقلة و الفراعنة و الكرادلة في البر و البحر ، و كانت نهايتها ملايين الضحايا الأبرياء و غير الأبرياء من المقاتلين و المدنييّن في المدن و القرى و الأرياف . لا شك ّ إنّ الحرب الروسكرانيّة الحالية ، هي امتداد لسلسلة الحروب الخاطئة ، و التي ستنتهي – لا محالة – بعمليّة إحصاء الخسائر البشريّة و الماديّة و العض على الأنامل ، أمّا الجانب الربحي منها ، فلن يتعدى حصاده أكوام من التراب على ضحاياها و باقات ورد و دموع و عويل على فقدان الأحبّة . و هي حرب ستفرز نتائج مريعة ، لم يدرك العالم مخرجاتها و مآلاتها بعد . و لم يستشرف لها صنّاع السياسة ، و رواد الاقتصاد ، و علماء الاجتماع نتائجها النفسيّة و الاجتماعيّة على الدول و الجماعات المدرجة في سلّم الضعف و التخلّف ، و المصنّفة في خانة الفقر الفكري و الاقتصادي . و سيستيقظ العالم ذات يوم – بعد فوات الأوان و خراب مالطا كما يقال - على عالم ممزّق و مشتّت الأهواء و الأطماع . لقد كشفت لنا هذه الحرب المجنونة عن حقيقة الصراع بين الأقوياء أنفسهم ، و بينهم و بين الضعفاء ، رغم أنّه ما خفي أعظم . و هو صراع مبنيّ على القوة العسكريّة و الهيمنة التكنولوجيّة تحرّكه المصالح الاقتصادية و الجيوسياسية و الدوافع الإثنيّة و الدينيّة . و لم تكن هذه لتندلع نيرانها لولا الرعونة السياسيّة و العسكريّة التي أبداها الطرف الروسي القويّ . و لولا ترسانة الأسلحة الفتّاكة التي يصنّعها و يمتلكها . لقد كان التبشير بالعولمة أول لبنة ثقافية و سياسية لولوج ايديولوجيّة الغرب ، من جديد ، إلى المجتمعات الفاقدة للمناعة الفكريّة ، و القابلة للاستسلام و الخضوع و الاتّباع . تلك المجتمعات ، التي انتقلت من مربّع الاحتلال الخارجي إلى مربّع الاستبداد الداخلي . و هي مجتمعات فاشلة سياسيا و اقتصاديا و علميّا . استولت عليها جماعات من العسكريين الإنقلابيين . ممّا أدى إلى نشوب صراعات داخليّة مدمّرة ، بل ارتقت إلى حروب أهليّة طويلة الأمد ، أحرقت الأخضر و اليابس . و السؤال الذي أن يُطرح ، و دونما حرج أو توجّس أو ادّعاء هو : هل ستختفي دول من الخارطة الجيوسياسيّة في القارات الثلاث ؟ الجواب ، في اعتقادي ، أجل . هناك دول مرشّحة للاختفاء من على الخارطة الجيوسياسيّة بعناوين عدّة ، كالاندماج في كتل جديدة طواعيّة أو قسرا ، نتيجة الإفلاس السياسي و الاقتصادي . و سيحدث لروسيا البوتينيّة ، ما حدث لألمانيا الهتلريّة النازية في أعقاب الحرب العالميّة الثانيّة . و ستتقلّص الخارطة الجغرافيّة لروسيا . و ستدفع نتائج هذه الحرب المفلِسة ، مقاطعات أخرى من روسيا الحاليّة إلى السعي نحو الانفصال و الاستقلال عن روسيا ، و خاصة في منطقة القوقاز و المناطق ذات الإثنيّات المختلفة . فقد أخطأ قادة روسيا ، السيّاسيّون و العسكريّون ، و مستشاروهم في المعاهد القوميّة للدراسات الاستراتيجية و الاشتشرافيّة ، أخطأوا الهدف و جانبهم الصواب في تقدير عواقب غزو أوكرانيا . و لعل مردّ ذلك إلى التجارب السابقة في الشيشان و سوريا ، حين غض العالم الغربي ؛ المتمثّل في الولايات المتحدة الأمريكيّة و حلفائها في أوربا و جنوب شرق آسيا ، الطرف عن الجرائم التي اقترفها زعماء الكرملين في حقّ تلك الشعوب المستضعفة ، و المنهكة بعوامل التفكّك الداخلي و الاقتتال الأهلي و التخلّف و الفقر . لقد كشفت الحرب الروسكرانيّة عن حجم النفاق السياسي و الديني و الإنساني لدى العرب الرأسمالي المتوحّش . و هو الغرب الليبرالي نفسه الذي يتغنّى بالحريّة و حقوق الإنسان عبر منصاته و منابره الإعلاميّة ، بل و يتّهم دولا مستقلّة بانتهاك حقوق الإنسان ، و يهدّدها بالغزو تارة أو الحصار الاقتصادي و السياسي تارة أخرى . لا أحد كان يجزم بما آلت إليه الأوضاع في أوكرانيا . فقد كانت معالم السلام أقرب من فظائع الحرب ، بعدما اختفى – تقريبا – قياصرة الحرب و فراعنة الاستبداد في أوربا ، و استولت السلطات الديمقراطيّة و البرلمانيّة و الأفكار الليبراليّة على مقاليد القرار السياسي . لكن ، المفاجأة الكبرى ، هي انبعاث أحلام القرون الوسطى و أطماعها ، و عودة الصراع القومي الذي تغذيه العصبيّة و الرعونة الفرديّة و الاعتداد بالقوة العسكريّة المدمّرة . أمّا بالنسبة للدول العربيّة و الإسلاميّة ، فهي واقعة بين المطرقة و السندان ؛ بين جحيمين ؛ بين براغماتية الغرب الرأسمالي المتوحش بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة و الشرق بقيادة الصين الناهضة بقوّة و روسيا التي ستنهار قريبا ، و لن تتعافى سريعا . و لكيّ لا تختفي دول عربيّة في المشرق و المغرب ، وجب على الساسة العرب تفعيل العقل و الحكمة ، و ذلك بنبذ الخلافات البينيّة و النزاعات الأهليّة ، و رصّ الجهات الداخليّة ، و التكتّل و الوحدة السياسيّة و التكامل الاقتصادي ، و الشروع في استغلال الثروات الطبيعيّة و الأراضي الصالحة للزراعة ، التخطيط لتحقيق الأمن الغذائي و الاكتفاء الذاتي ، و ذلك من خلال استصلاح ملايين الهكتارات ، و إطلاق مشاريع زراعيّة ضخمة ، و إحداث ثورة فلاحيّة شاملة في مناطق الشمال و الهضاب و الصحراء الكبرى . لقد أظهرت الحرب الروسكرانيّة ، مدى أهميّة الأمن الغذائي للشعوب المستوردة للغذاء ، و التي أهمل قادتها عنصر الاستثمار البشري ، و ألهتهم ملذّات السلطة و شهواتها و مصالحهم الشخصيّة عن خدمة شعوبهم ، و تأمينها من جوائح الجوع و المرض و الفقر . ربّما ، توقظ هذه الحرب – التي لم تكن في الحسبان و لم تخطر على بال – شعوبنا و قادتها من سباتهم الذي مازال مستمرّا منذ 1258 م 656 ه ، تاريخ سقوط بغداد . و ربّ ضارة نافعة كما قيل . و تعود روح الوحدة بين الشعوب ، و يتطهّر السيّاسيّون و الثيوقراطيّون من أدران الخلافات السياسيّة و المذهبيّة ، و تختفي الفرق و الجماعات الدينيّة المتناحرة حول الزعامة الفقهيّة و الولاءات القائمة على الأحقاد المتوارثة عن خلافات مميتة بين جماعات من السلف غير الصالح . فقد حان الوقت لإعادة الوحدة المغاربيّة السياسيّة و الثقافيّة و الاقتصاديّة – التي مزّقها الاحتلال الصليبي قبل زهاء قرنين - تحت عنوان المغرب العربيّ الكبير الممتّد من ليبيا شرقا إلى موريطانيا غربا . هذه الوحدة ستحقّق تكاملا بين شعوبه كلّها . خاصة ، و عناصر الهويّة الواحدة الجامعة متوفّرة و متجانسة ؛ كوحدة الملّة و التعايش اللغوي و التجانس العرقي و الامتزاج الجنسي . إنّ ما يجمع شعوب المغرب العربي من عناصر و حوافز أكثر ممّا يفرّقها . أما المشرق العربي ، فهو بين خيارين ، أحلاهما الوحدة ، و نبذ الفرقة . إنّ الأخطار المحدقة بدوّله عواقبها وخيمة . فالعراق تهدّده الانقسامات الجغرافيّة و المذهبيّة منذ سقوط الخلافة الإسلاميّة ، و لعلّ أخطرها على الإطلاق ، المطامع الإيرانيّة للوصول إلى شبه الجزيرة العربيّة و مقاتلة أهل السنّة و الجماعة ، و الاستيلاء على الكعبة و المقدّسات في مكّة و المدينة ، بحجة الأحقيّة التاريخيّة للشيعة في ذلك . كما أنّ اليمن مهدّد بالتقسيم المذهبي و العرقي ، و كذا سوريا و لبنان و السودان و مصر ، و بقيّة الدوّل العربيّة الأخرى . هل نحن أمام سايكس بيكو جديدة بعد نهاية الحرب الروسكرانيّة ؟ هل سيعاد تقسيم العالم من جديد ، وفق النفوذ و المصالح الاقتصاديّة ؟ هل ستختفي دول صغرى ، و تظهر تكتّلات كبرى جديدة ؟ ذلك ما سيجيبنا عنه المستقبل القريب .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجهة العالم المعاصر . إلى أين ؟
-
لماذا الحرب أيّها العقلاء ؟
المزيد.....
-
شاهد.. رئيسة المكسيك تكشف تفاصيل مكالمتها مع ترامب التي أدت
...
-
-لم يتبق لها سوى أيام معدودة للعيش-.. رضيعة نٌقلت من غزة لتل
...
-
وزير الخارجية الأمريكي يتولى إدارة وكالة التنمية الدولية، وت
...
-
شهادات مرضى تناولوا عقار باركنسون -ريكويب-: هوس جنسي وإدمان
...
-
شاهد: الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع يؤدي مناسك العمرة ف
...
-
باريس تُسلِّم آخر قاعدة عسكرية لها في تشاد.. هل ولّى عصر -إف
...
-
أول رئيس ألماني يزور السعودية: بن سلمان يستقبل شتاينماير
-
لماذا تخشى إسرائيل تسليح الجيش المصري؟
-
-فايننشال تايمز-: بريطانيا تستعد للرد على الولايات المتحدة إ
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يصدر بيانا إثر مغادرته السعودية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|