|
ازمة النظام السياسي الفلسطيني الراهنة والحل
جبريل محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1685 - 2006 / 9 / 26 - 09:55
المحور:
القضية الفلسطينية
رغم كل الحديث الذي يدور عن احتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، الا ان هذه الحكومة لو شكلت على اساس وثيقة الوفاق الوطني، وبدون اشتراطات امريكا واسرائيل والرباعية لن تكون خشبة الخلاص لكل مشاكل الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. بل ربما تكون احد تجليات ازمة النظام السياسي الذي قام على اساس اتفاقات اوسلو، وما تبعه من تنقيحات امريكية اسرائيلية من ميتشيل وتينيت الى خارطة الطريق وصولا الى خطة التجميع والانطواء التي تخلت عنها حكومة اولمرت بعد فشلها الذريع في القضاء على المقاومة اللبنانية. فالنظام الفلسطيني يعاني من ازمة بنيوية لها عمقها التاريخي المتمثل في طريقة الاداء والقيادة التي سلكتها منظمة التحرير الفلسطينية حتى وصلت اوسلو ثم وضعت في الدرج لحين الحاجة، فيما جرى تدريجيا وتحت وهم تحول السلطة الى دولة، احلال سلطة مقيدة باتفاقيات وفي نطاق صلاحيات محدودة محل منظمة لها اعترافها الدولي، ومكانتها السياسية، حيث اكتفي هنا بمظاهر السيادة على السيادة نفسها، وبتضخيم ما حصل، حتى كانت اجتياحات آذار 2004، والتي اكدت الحقيقة المرة، ان السلطة كانت كالبيضة في يد حكومة الاحتلال تستطيع كسرها متى ارادت. وحتى لا نكون احاديي الجانب في هذا التقييم، فان اثنا عشر عاما من عمر السلطة، قد خلق امرا واقعا بات من المتعذر تجاوزه الا بعملية جراحية صعبة، فلا حكومة الاحتلال تريد العودة الى ادارة حياة السكان ومن هنا تكتفي بممارسة السيطرة على الارض وهو ما تبتغيه دوما، ولا الحالة الفلسطينية قادرة على تنظيم حياتها كما استطاعت في الانتفاضة الاولى عام 1987، وهنا تكمن معضلة الحركة الوطنية الفلسطينية في التعامل مع وقائع لا ترغب بها، لكن لا يمكن الفكاك منها. لقد اختار الشعب والقوى السياسية الاحتكام للعملية الديمقراطية في تكوين السلطة، بعد ان اطفيء محركها عشر سنوات، كاد المجلس التشريعي ان يتأبد، وبدأ اعضاؤه يتناقصون بفعل الوفاة الطبيعية، لا بفعل الاستقالات، هذا الخيار الذي له تبعات، ومسؤوليات اهمها الاجابة على سؤال ما هو دور السلطة التي دخلنا نظامها السياسي مجتمعين، وكيف يمكن موائمة الدور المنوط بها، مع مستجدات العملية الديمقراطية، وفي ضوء الظروف الدولية والعربية، مع الاخذ بعين الاعتبار ان انتفاضة الاقصى والاستقلال لم تخمد نارها؟ وسؤال آخر يستولد من وثيقة القاهرة التي اقرت الذهاب للانتخابات، مترافقا مع اعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، بما يجعلها الجامع الاوسع للطيف السياسي الفلسطيني، والمرجعية المعتمدة للقرار الوطني الفلسطيني بكل تجلياته الداخلية والخارجية، وهو ما هي التخوم الفاصلة بين المنظمة ودورها والسلطة ودورها، وكيف يمكن تحديد هذه التخوم، وهل يطلب من منظمة التحرير الفلسطينية ام من السلطة تلبية شوط الرباعية مثلا، ولماذا يلقى عبء الاثبات على السلطة، ولا يلقى على المتهم (بكسر الهاء)، وهو التحالف الامريكي الاسرائيلي ضد القوة التي شكلتها وليس ضد وجودها؟ لقد خلقت بنية النظام تناقضها في مؤسسة اخرى وهي وجود مؤسسة رئاسة غير متفقة ومنسجمة مع حكومة للرئاسة الحق في تحديد من يشكلها، مع وجود قرارات وقوانين مسبقة تفصل لرئيس الوزراء صلاحياته وللرئيس صلاحياته، في بلاد محتلة لا تحتاج لمثل هذا التعقيد في شكل النظام السياسي، حيث ولد التناقض بين مضمون الحكومة ومضمون الرئاسة ازمة للنظام وادائه وبدلا من حل التناقض لصالح انسجام النظام السياسي، جرى تغذية هذا التناقض، وتعميق الازمة، ليكون الشعب الفلسطيني ضحيته، ورهينته في نفس الوقت. امام هذه الصورة، واستغلالا لهذا الواقع جرى فرض الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني عقابا له على اختياره الديمقراطي، فالحصار ليس على الحكومة وحدها، بل على الشعب وهذا ما يجب ان يفكر به كل من يتوهم ان تغيير الحكومة يمكن ان يؤدي الى رفع الحصار، ان ما يرفع الحصار ويفككه هو ان تأخذ الحكومة خطا سياسيا يتوافق مع متطلبات وشروط اسرائيلية امريكية هي في تزايد، وبالتالي فان تشكيل الحكومة جاء فرصة لفرض الحصار ومن اجل فرض الاملاءات على الشعب الفلسطيني. عدا عن ذلك، فان سلطة نشأت وترعرعت على الدعم الخارجي، باتت في ظل الحصار غير قادرة على الايفاء بمتطلبات عملها وادائها، وهذا ادى الى حالة من الشلل في المجتمع وفي أي عملية تقييم جزئية لاداء الوزارات المختلفة، فيما تقيم الحكومة في نظر الناس على انها افشلت بيد خارجية، وهذا يشكل ظاهريا عذرا للحكومة لا يلبث ان يتلاشى مع استمرار الحصار، والضغوط الاقتصادية والسياسية عليها. الامر الذي يفرض على الحكومة ان تسأل نفسها، هل كان الوقت ملائما للتنطع بمسؤولية ادارة السلطة؟ ام ان القبول بغالبية تشريعية رافعة سيف حجب الثقة عن أي حكومة اخرى يشكلها الرئيس يمكن ان تشكل ضمانة لادارة اقل فسادا، واكثر نجاعة، وان يتم تعاطي القضايا السياسية في مجال وحقل سياسي اوسع واقل تأثرا بالحصار ومجرياته وهو حقل المنظمة بعد اعادة هيكلتها؟ لقد اصبحنا ازاء قوة تفاجأت باستطاعتها ان تحكم، واخرى تفاجأت بفقدانها للسلطة، قوة باتت ترى في الحكم فرصتها التاريخية وهي غير مستعدة للتنازل عنه، واخرى تسعى بكل الوسائل للعودة للحكم، بعد ان جردتها العملية الديمقراطية من مكتسبات نشأت عن الامساء به اكثر من عقد من الزمن هو استمرار لعهد الهيمنة في المنظمة. وكل قوة لها نفوذها في الشارع، وفي الاجهزة الحكومية والامنية، فاذا كان الوزير يرأس الوزارة فانه يقود جيشا من الموظفين يمحضون ولاءهم للحكم السلبق علنا، وان موقفهم السياسي هو الذي افضى الى حصولهم على الوظائف وبالتالي فان المعضلة هي في ان كل وزير يقود جيشا من المعارضين له، وليس من المهنيين الذين يفترض فيهم الحياد في عملهم والانضباط للقانون الذي ينظمه. من هنا جاء الاضراب حاملا دوافعه السياسية، رغم كل احقية وموضوعية قضيتهم الحياتية، التي تعجز الحكومة عن تلبيتها نتيجة الحصار، لقد فات المضربين ان يبرمجوا حركتهم وان يبدأوا بمواجهة الدول التي تحاصر الشعب الفلسطيني وحكومته، كما فاتت الحكومة الحصافة في التعامل مع الحركة الاضرابية حين لوحة بورقة التخوين، وحين وضعت نفسها في مواجهة المضربين بدل ان تتفاعل مع قضيتهم ويتوجهوا معا ضد المحاصرين. لهذا بدا الاضراب كأنه موظف سياسيا ضد الحكومة، وبدا التعامل المتشنج من الحكومة كأنه دفاع صاحب عمل عن مصالحه، الامر الذي خلط الاوراق، فيما اوضح بشكل لا لبس فيه صراعا على الحكم اكثر منه صراع من اجل الاهداف الوطنية. من الحق الموظف الذي لم يتسلم راتبه اكثر من نصف عام ان يحتج وان يضرب، وفي يقينه انه مضرب اصلا رغم حضوره الى العمل، لان النفقات التشغيلية للوزارات لا توفر مجالا لاحد ان يعمل بعد ان شمل الحصار كل شيء. لكن من واجب الحكومة في هذه الحالة ان لا تتمسك بوجودها المنفرد ان كان ذلك يشكل عائقا، وان تبحث في خيارات تؤمن استمرار الحكم ولو عن غير طريقها ولكن بما يصون الاهداف الوطنية، فالحكومة التي رضيت بتولي الرئاسة ادارة المفاوضات السياسية، سلمت ورقة من اوراقها دون ان تأخذ مثلا ضمانات حول مرجعية مفاوضات او حول مرجعية وطنية لادارة السياسة العليا، وهذا يشكل خطأ كبيرا للحكومة، فهي قبلت بالتخلي عن السياسة لصالح ادارة حياة الناس، لكنها لم تربط هذا التخلي بمحددات يجعل من الطرف الذي يشغل الحكومة شريكا في القرار السياسي، بل ان الحكومة تحاول ان يكون لها دورها السياسي الذي تخلت عنه من خلال رئاسة الوزراء وعملية الشد بين رئيس السلطة ورئيس الوزراء، واحتكام الحكومة الى مرجعية حزبية في ادارة عملها اكثر من احتكامها للنظم التي تجعل من الحكومة حكومة لشعب وليس حكما لحزب. حتى الان لا زالت العودة الى المربع الاول في حوار القاهرة هي المخرج، وبدون تحديد مرجعيات العمل الفلسطيني، ومهام ووظائف كل مرجعية سنبقى ندور في تنافس على الحكم، لا في عملية ادارة شاملة للصراع لها ادواتها ومرجعياتها وادوار مؤسساتها المحددة. ستقوم حكومة الوحدة الوطنية كحكومة سياسية بامتياز، بمعنى انه سيتم نقل المنظمة الى الحكومة ومعها اطراف خارج المنظمة، مع ان ذلك يمكن تلافيه باعادة احياء المنظمة حيث ميدان العمل السياسي، وحيث تشكل مرجعية تضبط فيها الحركة السياسية لمؤسسة الرئاسة، فيما لا تستطيع الحكومة التأثير حتى لو كانت موحدة على حركة الرئاسة بنفس الدرجة لانها ستكون من خارج المؤسسة وبناءا على اقتسام صلاحيات مسبق. امام هذه الشبكة من التعقيدات، لابد اولا من البحث عن السبل الكريمة، لفك الحصار المفروض على شعبنا، واذا كانت حكومة الوحدة الوطنية هي المدخل فليكن، وبناء على وثيقة التفاهم الوطني، لا على أي تعديل عليها، تفرضه الرباعية او الاشتراطات الامريكية الاسرائيلية، غير ان ذلك لا يشكل سوى المدخل، فقد كشفت الازمة الاخيرة عمق المأزق في النظام السياسي الفلسطيني، وبدون فتح ملف المرجعيات الفلسطينية كله، وتحديد تخوم صلاحيات كل مرجعية، لا يمكن ابدا ان نصل الى حالة رشيدة لصنع القرار الوطني. لماذا يصر البعض على تأجيل اعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية والتسويف والمماطلة في ذلك، لماذا يصر البعض على فرض شروط جائرة على شعبنا كي يصار الى تشكيل حكومة مرضي عنها امريكيا واسرائيليا، ولماذا يصر البعض على ان حقيقتهم هي المطلقة؟ فيما الاخرون لا يملكون من الحقيقة في شيء، فيتمسكون بالذاتي على حساب الموضوعي. ان من يجاهر باستنساخ تجربة حزب الله في فلسطين، يغمض عينيه عن الفوارق الموضوعية بين الواقعين، ولا زال يجهل الدرس الاساسي الذي افضى الى تميز هذه التجربة، عبر الدمج بين المشاركة في حكم تعددي، والانخراط في مقاومة هو فيها وحيد، بينما ينخرط اكثر من حزب وفصيل في الساحة الفلسطينية في هذه المقاومة. ان تمثل تجربة المقاومة اللبنانية يكمن في جوهرها وليس في الشكل الذي تمظهرت فيه، والبراعة هنا في استنباط الخاص الفلسطيني.
#جبريل_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسطين الديمقراطية العلمانية، المشروع الموؤود
-
في المشهد السوريالي الفلسطيني
-
قفص غزة
-
كي لا يضيع المنطق في غبار الدعاية الانتخابية الفلسطينية
-
التنفيرفي فن التكفير
-
اليسار العربي-، مشكلة التعريف، ومأساة الانعزال
-
أرض مستباحة، وأمة مخدرة
-
قمة الانهيار العربي
-
بعد عام على احتلال العراق استمرار شتم صدام تغطية على عجز الب
...
-
لو أن الدروب سالكة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|