نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (١_٤)

وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 7344 - 2022 / 8 / 18 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نقد الدولة _ دولة النقد

البحث عن دولة حديثة ناقدة (١_٤)


طه حسين .. الطريق الأدبي للنقد


ومع طه حسين يفتتح للنقد طريقا ادبيا قائما على مذهب الشك الديكارتي ضمن تجرده الشامل من كل مقتضيات المعرفة الشخصية تجردا موضوعيا من اجل إعطاء معرفة او حقيقة جديدة من خلال استخدام الشك في ممتلكاتنا ومصادرنا المعرفية ومن ثم إعادة طرح الأسئلة عليها ومناقشتها بعيدا عن العواطف الشخصية والطائفية والقومية ، .. الخ ، هكذا فعل طه حسين مع الادب الجاهلي ، فكان ضمن تصوره ان مرآة الحياة الجاهلية كانت موجودة في القرآن لا في الادب الجاهلي ، وان الاخير وجد من الاساس بعد الاسلام اي انه ادبا منحولا ولا يمكن ان يكون صادرا عن عرب الجاهلية ذات اللهجات المتعددة والتي كان العرب يتحدثون فيها ، وكل ما فعله الاسلام هو انه وحد هذه اللهجات في لغة واحدة او لهجة واحدة عندما تم جمع القرآن في زمن الخليفة عثمان بن عفان ، في حين ان الشعر الجاهلي مكون من لغة واحدة او لهجة واحدة ولا توجد فيه هذه الفوارق التي تحدث عنها طه حسين تلك الماثلة في تعدد اللهجات العربيّة قبل الاسلام .

وهكذا هو عميد الادب العربي يقود معركته مع الماضي الشعري التي هي في الوقت نفسه معركته مع الماضي الفكري حيث يقول " أليس من الممكن ان تكون قصة ابن عباس ونافع الازرق قد وضعت في تكلف وتصنع لغرض يدعو الى اثبات ان الفاظ القرآن كلها مطابقة للفصيح من لغة العرب " (٨)

او " ابن عباس كان الاقدر في تأويل القرآن وتفسيره ومن احفظهم لكلام العرب من الجاهليين " (٩)

وهنا مضرب ابن عباس كمثال على الحفظ والقدرة لا يعني بذاته إلا وجود تدخلات الدولة العباسية او الزمن العباسي في تكوين الشعر الجاهلي او من خلال تعظيم ابن عباس نفسه باعتباره رمزا مقدسا للدولة العباسية من خلاله يتم تثبيت الدولة سياسة ولغة وفكرا وتبعية اجتماعية من خلال ربط الماضي بالحاضر ويبدو ان هذا الاسلوب ما يزال متبعا لدى اكثر الانظمة خصوصا تلك التي تريد ان تؤبد شرعيتها ووجودها السياسي .

ان طه حسين يكشف في كتابه اثر السياسة والدين على الشعر وانتحاله وذلك لما كانا يمتلكان دورا كبيرا في تثبيت الحكم والنظام المعرفي ، حيث استخدمت السياسة للشعر في الإسلام منذ البداية اي بداية الصراع بين الاسلام ( محمد ) وقريش ، اذ انقسم الشعراء العرب بين الفريقين واحد يقف مع قريش ويمدح بهم ويعدد صفاتهم وخصالهم ، والثاني يقف مع المسلمين ومحمد ودعوته وانتصاراته .. الخ

وبالتالي هناك وجود مكونات الصراع الايديولوجي بين الطرفين تحول الصراع الى شكله الحربي المسلح خصوصا بعد تكوين الوحدة السياسية الاولى للنبي محمد في مدينة يثرب ، كل ذلك قد حول الجهاد نفسه من جدلي الى عسكري واقتصادي يرافقه الشعر في الحث والتشجيع وتعبئة المقاتلين ، فضلاً عن خلق حالة من الانقسام داخل المجتمع العربي القبائلي ، وذلك باعتبار ان الشعر وحده من يؤثر على الشخصية العربية ، فبعد الود والتصالح بين القبائل اصبحت هنالك العداوة والدم خصوصا بعد معركة بدر اكثر فاكثر ، ولم تنتهي هذه العداوة إلا بعد دخول النبي الى مكة واستسلام ابو سفيان من اجل المحافظة على ما تبقى من ملكيات اقتصادية والدخول في الدين الجديد لعله يقلب المعادلة فيما بعد وتعود الأرستقراطيّة القرشية الى اول عهدها ( وبالفعل تمكنت بعد ذلك مع حكم الامويين) ، ومع ذلك لم تنتهي العصبيات القبلية بل توسعت اكثر فاكثر وكان الشعر سيدها للتفاخر والتخاصم والمجادلة .

كذلك الحال مع الدين واستخدام العاطفة الدينية في تثبيت نظام الحكم من خلال الكثير من القصص والحكايات التي تدعم الخطاب الديني نفسه ، واستخدام الشعر يتم ليس من قبل السلطة ونظامها العقائدي فحسب بل من قبل الكثير من المدارس والفرق الدينية والفلسفية من اجل دعم التصور الفكري لها .

وهكذا يباشر طه حسين نقده للادب الجاهلي معددا أسباب الانتحال تلك التي تتجاوز الدين والسياسة لتصل الى عوامل اخرى مثل رواية القصص واثر الشعوبية والرواة الذين يجمعون اشعار القبائل وانسابها ولغاتها فضلاً عن دور الشعراء انفسهم خلال العصور الاموية والعباسية ، نقول يباشر نقده الأدبي التاريخي ، ولكن اين هو نقده السياسي للدولة وتاريخ الاستبداد وانعدام الحريات في المجتمع العربي ؟!
لا نقول انه غير موجود ولكنه محصور ضمن نطاق ضيق يتجاوز الدراسة والبحث والكتابة التاريخية حيث لطه حسين بعض الآراء النقدية السياسية خصوصا عندما كان وزيرا للمعارف في زمن النظام الملكي في مصر ، ضمن حكومة الوفد قبيل ثورة تموز ( يوليو) ١٩٥٢ ، حيث كانت له بعض الآراء عن الديمقراطية والحرية السياسية والفكرية في ترابطهما الذي لا ينفصل عن اي ابداع وتطور اجتماعي وجودي ، نقول ذلك النقد كان محدودا ولم يتطور مثلما تطورت آراؤه الفكرية الادبية رغم نكوصه التراثي فيما بعد خصوصا ضمن كتبه التراثية التي تعيد اثر السيرة النبوية وتلك التي تتحدث عن المجتمع الاسلامي وانقسامه الفكري والسياسي بعد النبي محمد ، اذ بحاول تقديم صورة تاريخيّة للحدث الاسلامي يخلو من اي اثر نقدي على عكس ما عرف به في كتابه الشهير في الشعر الجاهلي ، وهكذا يتحول طه حسين من تبني الفكر الاوربي ضمن فهم عربي حديث الى محاولته لاحياء وفهم التراث بشكل عقلاني اصلاحي وذو نزعة غارقة في المثالية وفقدان اي تجاوز نهضوي حقيقي ذلك الذي يؤكد تاريخيّة الحدث والزمن الاسلامي وعدم انفصاله عن بنية التأسيس والمؤسس في الازمنة المكونة له .

ان طه حسين هو ابن الدولة الليبرالية الملكية المنفتحة على الاخر الغربي ومثلما تراجعت هذه الدولة ، فان كل قيمها ايضا تتراجع خصوصا مع صعود الاحزاب " الوطنية " التي لم تحدث اي اثر ديمقراطيّ وانساني تحرري حديث بل ما عملت عليه يتمثل بتعبئة الفضاء العام ضمن قيمها الشمولية وبالتالي لا مجال لانصار سلامة موسى وطه حسين والعقاد وغيرهم الكثير في الزمن المسجون عقائديا والذي يتحمل المسؤولية " مع عوامل واسباب اخرى " في عودة الاصوليات اكثر فاكثر مع جمود الانساق الاجتماعية وثباتها وتخلفها طيلة عقود من الزمن .

المصادر :-

٨_ حسين ، طه / في الشعر الجاهلي / ص ١١٠

٩_ المصدر ، نفسه / ص ١١١ .

#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات