|
مقاهي الحرافيش
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 22:32
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
للمقهي مكانة خاصى في حياة المصريين في العصر الحديث ، بما له من أهمية اجتماعية وثقافية، وبما يعنيه من قيم إنسانية قائمة علي التلاقي والحوار، ويحمل المصريون عشقًا خاصًا للمقاهي،فعلي حد تعبير نجيب محفوظ متحدثًا عن نفسه" طول عمري أعشق المقاهي وندواتها حتي أن قصصًا لا تخلو منها فالحياة هنا..ومن هنا يبدأ التاريخ" بالفعل فعلي المقاهي بدأت علاقات أدبية وفنية وسياسية واجتماعية وفكرية شهدت طاولاته مولد أعمال شاركت في تطور فنون الإبداع المختلفة، كما انعكست التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية علي أشكالها. فمن المقهي بكراسيه وطاولته إلي " الكوفي شوب" و"مقاهي الإنترنت" التي اجتذبت فئات مخالفة عمريًا واجتماعيًا ، ومن كونه مشاركًا فاعلًا من خلالها، إلي مكان التسلية وقتل الفراغ، ومن مكان به عناصر التشويق من خلال الطرز المعمارية المميزة إلي طاولات تمتد علي جانبي الشوارع المجاورة له. وقد ورد وصف المقهي في كتاب"وصف مصر" بأنه مكان رحب متسع،مبني عادة من طابق واحد يتميز بالهندسة المعمارية الإسلامية في الزخرفة،تنعكس آثارها علي صناعة أبواب ونوافذ وسقوف وأعمدة المقاهي، يجلس الناس فيه علي مساطب مفروشة بالحصر،وكانت تكعيبات العنب ونباتات الزينة تحيط دائمًا بالواجهة". ورغم أن هذه الصورة التي قدمها علماء الحملة الفرنسية لشكل المقهي المصري في نهاية القرن التاسع عشر ، إلا أنها تعطي لنا صورة واضحة عن اهتمام المصريين بالمقاهي،والتي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر حتي وصل عدد المقاهي بالقاهرة فقط- وفق إحدي الدراسات عام(2011) إلي ما يقرب من(42) ألف مقهي،ويبلغ عدد المترددين يوميًا المليون ونصف المليون مواطن؛حيث تحولت المقاهي إلي مشاريع تجارية تدر أرباحًا علي أصحابها. والهوس بالمقاهي يكاد يشترك فيه معظم سكان العالم، فهناك"المقاهي الباريسية" ذات الطابع الكلاسيكي خاصة "مقاهي الحي اللاتيني"،وهناك مقهي أقيم فوق وسط كنيسة القديس بطرس في مدينة الفاتيكان، والذي يقع فوق سطح الكاتدرائية عند قاعدة البقبة التي صممها الفنان مايكل أنجلو، ويطل المقهي علي مشهد جميل ورائع لميدان القديس بطرس. وفي بكين"هناك آلاف المقاهي لعل أشهرها مقهي"لاوشا" في أحد شوارع العاصمة الصينية حيث يجلس الزبائن وأمامهم طاولات مربعة يأكلون بذور عباد الشمس وبعض الأطعمة الخفيفة ويشاهدون عروض الفنون الشعبية علي أحد المسارح المقامة أمام المقهي، وربما الصورة تذكرنا بالمقاهي المصرية في مطلع القرن العشرين مثل"ريش"و"الفيشاوي"و"أوبرا" و"متاتيا"وغيرررها التي كانت تقدم أمامها عروض الحواتي"و"المحباظتية" و"الغناء الشعبي" و"الأراجوز". وقد تطور الأمر إلي أن تحولت أرصفة هذه المقاهي إلي مسارح قدمت عليها الأوبريتات الغنائية،وكانت البداية الحقيقية لأشهر مطربي وملحني وممثلي النهضة الفنية أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب وعبده الحامولي ويوسف وهبي ونجيب الريحاني وفاطمة رشدي. وكانت هذه المقاهي بالإضافة إلي المسارح التي أقيمت علي"حديقة الأزبكية" نافذة جديدة لتقديم الأصوات والوجوه الجديدة في الفن. وبالمثل حفل الوطن العربي بمجموعة من المقاهي الأدبية الشهيرة ومنها "مقهي تحت السور " في تونس، ومقهي"الكمال" في سوريا،ومقهي" القصيد " الذي كان يجلس عليه الطاهر حداد، وفي الأردن مقاهي" إربد"و" الزرقا"و" شهرزاد"و"عمان"و" اليرموك ". وفي لبنان مقاهي"النجار"و"الفتوح"و"الجنوب"و"متري" ،وفي بغاد وجدت مجموعة من المقاهي في شارع المتنبي مثل مقهي" أم كلثوم" و"الشابندر"و" حسن عجمي"و" الزهاوي" والذي سُمي بذلك نسبة إلي الشاعر العراقي الشهير جميل صدقي الزهاوي وكان من رواده "معروف الرصافي و"محمد مهدي الجواهري"،وكذلك مقهي "النعمان" الذي ضم النخبة المثقفة التي آمنت بالفكر الناصري وغيرها. وعلي الرغم من التغيرات الشكلية والجوهرية في بنية وشكل المقهي إلا أنه سيبقي أحد الظواهر المكانية المهمة في تاريخ ومستقبل الشعوب، حتي وإن بدا تأثيره هامشيًا مع دخول عناصر ترفيهية تنتمي إلي ثقافة العولمة. وقد ظهر المقهي كبطل درامي في عدد كبير من الروايات والأعمال السينمائية والتلفزيونيى بداية من أعمال نجيب محفوظ التي ارتبطت معظمها بالمكان مثل "زقاق المدق"و" الثلاثية الشهيرة التي تضمنت بين القصرين وقصر الشوق والسكري" و"قشتمر" والكرنك". وكانت مقهي"الكرنك" هو البطل الرئيسي في رواية "الكرنك" ،حيث كانت ملتقي لمجموعة من الطلبة الثوريين الذين يتعرضون لممارسات أمنية عنيفة ،حيث يرصد الفيلم مرحلة شديدة القسوة في تاريخ مصر الحديث،ويقدم نقدًا لاذعًا للمرحلة الناصرية خاصة استغلال بعض رجالها لنفوذهم الأمني والعسكري. وفي الدراما التلفزيونية جاءت المقهي كعنصر محوري في عدد من المسلسلات نذكر منها "شارع المواردي"الماخوذ عن رواية بنفس الاسم حيث تدور الاحداث حول "مقهي المواردي" الذي شهد تحولات اجتماعية عاصفة ومن أشهر المقاهي التلفزيونية أيضًا "مقهي السماحي" في مسلسل "ليالي الحلمية" تألف أسامة أنور عكاشة، فقد شكل المقهي عنصرًا دراميًا فاعلًا حيث شهد عددًا من الصراعات السياسية والاجتماعية بين أبطال المسلسل بين بطلي المسلسل"سليم البدري"و" العمدة سليمان غانم" وعلي مستوي السرد شكل المقهي فضاءات مختلفة في بنية بعض الروايات المصرية بالإضافة إلي روايات نجيب محفوظ ،ومنها الزيني بركات " لجمال الغيطاني، و"ألعاب الهوي" و"أحمر خفيق" لوحيد الطويلة ،و"فوق الحياة قليلًا" لسيد الوكيل، و" المقهي الزجاجي"محمد البساطي،و"النوم مع الغرباء" بهاء عبد المجيد،و" تغريدة البجعة" مكاوي سعيد،وغيرها من الأعمال التي استفادت من المقهي والأجواء المحيطة به من حكايات وشخصيات وتواريخ. وظهرت صورة المقهي بتجليات مختلفة في الشعر المصري الحديث بداية من صلاح عبد الصبور ،وأحمد عبد المعطي حجازي مرورًا بأمل دنقل ونجيب سرور- الذي كتب ديوانًا كاملًا تحت عنوان"بروتوكولات حكماء ريش" وصولًا إلي الجيل الجديد من شعراء قصيدة النثر. رحلة ممتعة يأخذنا فيها عيد عبد الحليم في كتبه الرائع(حكاية مقاهي الحرافيش) الذي يتناول تطور المقهي في مصر والوطن العربي،وتتبع تاريخ ظهورة القهوة في عمق الحضارة العربية وكذا الحضارة الغربية. وتناول أشهر المقاهي في مصر)مقهي ريش- مقهي الفيشاوي- مقهي عرابي- مقهياوبرا-مقهي بترو-مقهي إيزافيتش-مقهي عبد الله- مقهي بترو—مقهي إنديانا- مقهي الحرية- وغيرها)ومقاهي الفن) مقهي بعرة- مقهي أم كلثوم- مقهي المختلط- مقهي إسترا-)
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية كوبري عباس
-
حكاية غزو مصر في العصور القديمة-الدكتورة صدقة موسي علي
-
حكاية حي مصر القديمة لخالد أبو الروس
-
حكاية جلاد دنشواي
-
حكاية الصحافة والحركة الوطنية ( 1925- 1952)
-
حكاية حسن طوبار: صفحة من النضال الوطني
-
حكاية مصرع مأمور البداري
-
حكاية ركوع لويس التاسع علي أبواب المنصورة
-
تاريخ السودان الحديث
-
السخرية في أدب المازني
-
الأصول الفكرية للحملة الفرنسية علي مصر: الاستشراق المتأسلم ف
...
-
الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة
-
الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية وبعدها
-
إسكندرية من تاني
-
أثر المقامة في نشأة القصة المصرية الحديثة
-
حرية الفكر في الإسلام
-
جذور الأصولية الإسلامية في مصرالمعاصرة: رشيد رضا ومجلة المنا
...
-
الشعر العراقي الحديث
-
مع الباحثة والمؤرخة الأرمنية السورية ..دكتورة هوري عزازيان
-
نظرية البنائية في النقد الأدبي
المزيد.....
-
دراجون يرتدون زي -سانتا كلوز- يجوبون شوارع الأرجنتين.. لماذا
...
-
فيديو: افتتاح مراكز لتسوية وضع عناصر -جيش الأسد- في دمشق
-
الدفاع الروسية: تحرير بلدتين في خاركوف ودونيتسك والقضاء على
...
-
صحة غزة: الجيش الإسرائيلي ارتكب 4 مجازر جديدة بالقطاع
-
تقرير المكتب السياسي أمام الدورة الخامسة للجنة المركزية
-
رغم الخسارة التاريخية أمام أتلتيكو.. فليك راضِِ عن أداء برشل
...
-
خامنئي: أمريكا والكيان الصهيوني يتوهمان أنهما انتصرا في سوري
...
-
يسرائيل كاتس: لن نسمح لـ-حزب الله- بالعودة إلى قرى جنوب لبنا
...
-
الشرع: لبنان عمق استراتيجي وخاصرة لسوريا ونأمل ببناء علاقة ا
...
-
-حزب الله- يكشف عن -المعادلة الوحيدة- التي ستحمي لبنان
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|