أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي العطار - التوحّش الممكنن















المزيد.....

التوحّش الممكنن


علي العطار
باحث اجتماعي

(Ali Alattar)


الحوار المتمدن-العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 01:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين رؤية الماضي من منظورالواقع المعاش والواقعية المطلوبة، من خلال الاهتمام بالحاضر والمشاركة في صناعة المستقبل والتحكم به بما يتناسب مع التطوّر الإنساني المُنجز، تبدو الخرافات التي تُقدَّم بغلاف اسطوري كوحش يلتهم كل ما حققته البشرية من تقدم وترقٍّ في وسائل الحياة، تاركا الجماعات اسيرة واقع مشدودٍ الى الوراء، منضغط بقوة، ومصفح بمتانة هائلة لا يستطيع الفرد الفكاك منها والنظر بواقعية تتلاءم مع ما حققه علم الاجتماع البشري من تطور في تاريخه المدون. هذا ما يؤكّده الاعلان العالمي لحقوق الانسان حيث ان كل مجتمع لا تُضمن فيه الحقوق ولا تُحدّد فيه السلطات، لا يمكن ان يكون له دستور. وتأتي هذه المقالة في اطار البحث عن الاسباب التي تتحكم برؤى البعض ودوافعهم وليست لتحديد موقف منهم.

بالرغم من المستوى المتقدم الذي وصلت اليه التكنولوجيا، ما زال الانسان المشرقي خصوصا، اسيرًا خاضعًا لذهنية ذات قعر مزدوج، ثنائية البنية، تعطل عقله قبل ان تفسد واقعه، وتدمر امكانياته. هذه المثنوية المزدوجة والمقعرة تتأتى من ضغط النظرة الثانية على النظرة الاولى، التي تُنتج بدورها وعيا اجتماعيا مأزوما، واداءا سياسيا مقلوبا، تغيب معه، بالضرورة، العقلانية المطلوبة لانشاء علاقات سوية بين الافراد والمجموعات البشرية واستمراريتها. وفي لحظة العماء المسيطرة والمعمَّمة، تصنع بعض الجماعات ذاكرة لماضيها بشكل يتناسب مع حاضرها، تمارسها استنسابيا، لاغية اصول السياسة، التي هي بمعناها العام، شأن من شؤون عامة الناس، ومتجاوزة علم الاجتماع، حيث تفرض رؤيتها الخاصة، التي تتحكم فيها تعسفيا انتماءات ما قبل الدولة، كالمعتقد الديني بطقوسه، والانتماء المناطقي بخصوصياته، ويتعطل معها العقد الاجتماعي الناظم للعلاقات البينية بين الافراد. يقول واصل بن عطاء؛ "الخبر خبران، خاص وعام، ولو جاز ان يكون العام خاصا، والخاص عاما، لجاز ان يكون الخبر امرًا، والامر خبرًا، ولتحول الخبر الى امر والامر الى خبر".

والسياسة مجال من المجالات الاساسية للوجود البشري، وتفترض مفهوما للتاريخ لا يكون الحاضر فيه محددا تماما، لكن من خلالها نمنح قيمة لوجودنا الانساني، وهي مسؤولية كبيرة تظهر في التقاط الفرص التي توفرها الظروف القائمة في حاضر ليس محددا تماما، لكنه يترك فرصا، كبيرة او صغيرة، يمكن استغلالها لانشاء مبادرة سياسية ضمن الامكان للانتقال الى واقع متجدد. وقد مرت البشرية بعصور قديمة، سادت فيها اوضاع سليمة متقدمة مثل عصر الانوار والثورات الليبرالية والاشتراكية، حيث تجلت السياسة في بعدها الحقيقي فأعلت من شأن الحوار والتواصل بين مختلف الاتجاهات. وما التفاهمات السياسية التي تنشأ بين بعض الدول، دوليّة كانت مثل: اميركا ـ السعودية، او اقليمية، ايران ـ سوريا، او بين مجموعات محلية؛ طرفا تفاهم مار مخايل، فهي تجمع اطرافا تحمل مفاهيم متناقضة، ومتضاربة، وما تفاهماتها الا نماذج وادلة على السقوط الاخلاقي الفظيع، والتحالفات التي تقام على حوافي هذه التفاهمات في بعض الانحاء من هذا العالم، وتجري كحفلات مجون وعربدة بين هواة عراة، وليست علاقة بين نظراء بل بين تابع ومتبوع ، وتضيف دليلا آخر الى نهر النفاق الذي يخرج من انفاق مظلمة يجرف بتدفقه اي اتفاق. هذا السقوط المريع للسياسة، احد اسبابه التراجع الكبير للايديولوجيا، والتقدم الهائل للتكنولوجيا المتفلتة من الضوابط والمعايير التي تدخلنا في غربة شديدة عن الوجود الانساني، بالرغم من ان السياسة كثيرا ما تقترن بالسيطرة والتفوق والغلبة والعنف، يعزز هذا المنحى الوضع المأزوم للانسانية، الذي يبدو وكأنه قدر محتوم مما يزيدنا غربة.

ان غزو روسيا لاوكرانيا عزز فكرة التخلي عن قوة القانون، في طريق الوصول الى الهيمنة التي تحمل في مضمونها ابعادا غير انسانية، وتتوسل قوة التكنولوجيا وسطوتها، وهذا يرجعنا الى المربع البدائي الذي كان سائدا في عصور ما قبل التدوين وما قبل تشكل مفهوم الدولة، حيث كان قانون القوّة هو السائد.

ان التكنولوجيا التي جردت الانسان من المشاعر وشيّئت احاسيسه، نزعت عن البشر في ذات الوقت صفة انسانية ميزته عن باقي الكائنات، وأسقطت تعريف المعلم الاول ارسطو؛ الانسان كائن اجتماعي، فاذا اسقطنا الاجتماعي، ماذا يبقى؟

وما حالات العنف المجتمعي التي تحدث في انحاء شتى من العالم؛ اطلاق النار من افراد من وقت لاخر في اميركا، طالبة جامعة المنصورة في مصر، الطالبة الاردنية، الام وبناتها الأربع في جنوب لبنان... الا تاكيدا على حالة التخثر التي ارتدّت اليها البشرية، وسيل التحليلات والمقولات التي تنهمر وتغرقنا لا تغني ولا تجيب عن سؤال مباشر؛ من المسؤول؟ وما هو الدافع لهذه التفاهمات والتحالفات؟

إنّ محاولات الاجابة، التي تُنقل مجتزئة او محرفة او مبالغا بها، تتحول اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى طبق يومي يقدم بوحشية نادرة وفعلية تدفع القردة الى اعلان البراءة من نظرية داروين عن اصل الانسان ونسبه، وتفرض اعادة البحث مجددا عن اصل ما للانسان لا تفوح منه رائحة الانانية والعدوانية المفرطة تجاه الغير بلا خجل ولا وجل.

تمظهرات هذه المثنوية في التفكير تتجلى عند الكثير ممن يعتقدون انهم على مستوى التصور الواعي انسانيون الى حد يجعل منهم منتهكين رئيسيين لحقوق الانسان، فلا يرون في سلوكياتهم اي مؤشرات على انتهاكاتهم لحقوق الانسان من حيث كونه فردا او جماعة. يشير شتراوس الى "ان الافكار لدى البشر ليست هي التي تولد الافعال، بل الافعال هي التي تولد الافكار". وفي المنهج الاجتماعي يتم التعامل مع الظواهر الاجتماعية بكونها اشياء، وحقيقة مستقلة عن جهاز الادراك، والمفاهيم التي يتم فهمها به او اختبارها من قبل الافراد. فالافكار لا تظهر فجأة من تلقاءها خارج سياقها التفاعلي الاجتماعي، انما ينتج الفردُ ثقافته في سياق تفاعله مع محيطه، وهو بدوره نتاج ثقافة اوجدت قبله، وهكذا يكون منتِجًا لثقافته ومنتَجًا بها. والفهم اساس لاي معرفة، والمعرفة تاتي في سياق الفهم، والفهم لا بد ان يتجاوز المعرفة ليحول المعرفة الى معنى مفيد للبشرية يخرجها من هذا التوحش الممكنن.



#علي_العطار (هاشتاغ)       Ali_Alattar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد مفقود
- اللاوعي في الوعي
- التهديد النووي


المزيد.....




- جين من فرقة -BTS- شارك في حمل شعلة أولمبياد باريس 2024
- العثور على أندر سلالات الحيتان في العالم
- الجمهوريون يرشحون ترامب رسميا لخوض الانتخابات والأخير يختار ...
- ليبرمان: نتنياهو يعتزم حل الكنيست في وقت مبكر من نوفمبر
- هل تنهي أوروبا أزمة أوكرانيا دون واشنطن؟
- موسكو: لا يوجد أي تهديد كيميائي لأوكرانيا من قبل روسيا
- الولايات المتحدة تؤيد دعوة روسيا لحضور -قمة السلام المقبلة- ...
- غروزني.. منتدى القوقاز الاستثماري
- شاهد.. احتفالات زفاف العام الفاخرة لابن أغنى رجل في آسيا تتو ...
- انتعاش الموسم السياحي في تونس


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي العطار - التوحّش الممكنن