أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - تفتت الذات














المزيد.....

تفتت الذات


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7342 - 2022 / 8 / 16 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


كان واقفا كالعادة في وسط الغرفة الصغيرة، بعد أن أقفل الباب وراءه يلف المكان بنظراته وكأنه ينتظر أن يكتشف شيئا جديدا في كل مرة، غير أن كل شيء باق في مكانه كما هو ، الكرسي والطاولة والسرير والكتب على الأرض وكأس القهوة، باقية كما هي عند خروجه في الصباح، الزمن لم يمر من هنا هذا اليوم، قال ذلك في نفسه وهو يخلع معطفه ويعلقه في مسمار على الجدار، ثم كالعادة يستلقي على السرير ويغمض عينيه. وينتابه الشك، ربما تغيرت الأشياء دون أن يتمكن من ملاحظتها، أو تحركت أو حتى اختفت من الحجرة ثم عادت إلى وضعها قبل أن يفتح الباب، كيف يتأكد بأن السرير ما زال في وضعه كما كان بالأمس. اللوح الزجاجي المغطى ببقع الذباب السوداء، وبطبقة صفراء شفافة من الدخان اللزج تفصله عن ضجة الشارع وأصوات الآخرين، وتفصله عن نفسه وعن إحساسه بجسده. "أنا" في الجانب الآخر، يمد يده، يحاول يائسا أن يتحدث معه ويقنعه بأن كل شيء باق كما هو وأن جسده لم يترك السرير منذ وقت طويل. هذا اللوح الزجاجي الداكن هذا الحاجز الهش يفصلني ويبعدني عني وعنكم وعن كل الآخرين، يبدون من بعيد كالأشباح التائهة تتحرك في جميع الاتجاهات، يمسكون عشرات الأشياء الغريبة في أيديهم، وفوق رؤوسهم، وفي أفواههم، وفوق جباههم ترتسم رموز وإشارات العبودية. يتحركون بسرعة وببطء، يتوقفون، ينحنون وينبطحون على الأرض، يتمرغون في التراب والوحل، ثم ينهضون، ويواصلون رحلتهم اليومية. حركة مستمرة بلا هدف، لا أسمعهم، ولا أراهم، فقط أميز ظلالهم خلف اللوح الزجاجي الداكن. طعم البيرة، أو القهوة، لا أتذكر جيدا هذه التفاصيل، يحملني بعيدا عنهم، يحملني إلى جغرافية أخرى، وتاريخ آخر، مررت بهما ذات يوم، وسأعودإليهما حتما بعد غد، أو بعد اسبوع. سأركب البحر، سأجوب العالم في صندوق خشبي صغير، سأقايض هذه الأراضي السوداء التي سئمت مني وسئمت منها، ببحار غريبة، الأسود والأبيض والأحمر والأصفر، وعشرات الألوان الأخرى. سأغرق في مثلث برمودا ومربع ماليفيتش، وقد اجد ذلك اللون الذي لا أسم له ذا العينين المشتعلتين، والتي تغوي كل من يمر بتلك البقعة من السماء، وتقوده إلى أعماق البحر، حيث ينتهي وسط قبر في إحدى ساحات الجنة، محاطا بحدائق لم تطأها سوى أقدام الضائعين. زجاجة أخرى على الطاولة الخضراء، وسألتقي بسندباد، يقول ذلك وهو يضحك ويملأ الكأسين .. لا .. لا .. أنا لست سندباد، ولم أحب في حياتي ألف ليلة وليلة، لا .. ذلك الجو العابق بالبخور والجلابيب والعمائم، إن ذلك يثير خيال البعض أما أنا فلست من هؤلاء، وأكره المثقفين أكثر حتى من الجنرالات والعسكر ورجال السياسة. لا .. أنا لست سندباد، ولست أوليس، ولست ديدالوس. أنا مجرد كرنافة ملقاة على قارعة الطريق، وفي وسط الكرنافة شريط، لا يتوقف، كلمات تلهث الواحدة تلو الأخرى، دون أي منطق صوري أو لوني أو صوتي، مجرد صرير القلم على الورقة، أو صوت اللون السائل يسقط على القماش الأبيض المتوتر، قطرات وخطوط وظلال. مجرد كلمات، كل الكلمات، كل الكلمات، الكلمات التي ابتلعتها حينما كنت طفلا، هذا إذا كنت طفلا في يوم ما، أو حينما كنت سجينا، هذا إذا ما كنت سجينا في يوم من الأيام. الكلمات التي هربت وأظل ألاحقها من شارع لشارع ومن مدينة لمدينة ومن زمن لآخر. الكلمات التي ذابت في لون عيون الليل وتبخرت دخانا يتصاعد من بين ألأصابع ومن بين الأوراق. لست سندباد، ولست جلجامش، ولست أوليس او ديدالوس، لست شيئا من هذا النوع، "أنا" فقط شيء يتكون.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة التكوين الهومرية
- عن الحرية والرأسمالية
- الحرب الأمريكية الروسية في أوكرانيا
- قصة الخلق اليونانية
- أوريفيوس والمثلية
- أي شيء
- عذاب اوريفيوس
- أورفيوس والنزول إلى الجحيم
- عروس البحر
- عودة الدين
- إنبعاث الأسطورة
- أناكسيمين وبداية العقل العلمي
- ورع الذئاب الإلهية
- أناكسيماندر وتحرر العقل
- وخلقنا من الماء كل شيء حي ؟
- طاليس وإختراع الفلسفة
- الخوف من الخوف
- ماهي الفلسفة ؟
- هزيود، الشاعر النبي
- في البداية، كان الشعر


المزيد.....




- -روائع الأوركسترا السعودية- تشدو بألحانها في قلب لندن
- التمثيل السياسي للشباب في كردستان.. طموح يصطدم بعقبات مختلفة ...
- رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا ...
- فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - تفتت الذات