أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالرزاق دحنون - فيلسوف المعرَّة المعبِّر الأمثل عن منحى التنوير في الإسلام















المزيد.....

فيلسوف المعرَّة المعبِّر الأمثل عن منحى التنوير في الإسلام


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7341 - 2022 / 8 / 15 - 20:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يقول الباحث والمفكر العراقي هادي العلوي: اجتمعت في فيلسوف المعرَّة المقوّمات النموذجية لمفكر حر، ألمَّ بفكر العرب وثقافتهم، واستمدَّ من تلك الثقافة رموزها الفلسفية، فأنضجها في أتون العقل، وصنع منها مشروعاً حضارياً عملاقاً نستطيع القول إنه ما زال حياً إلى يومنا هذا.

وفيلسوف المعرَّة بهذا القيد المعبّر الأمثل عن منحى التنوير في الإسلام. وبفضل طه حسين وعائشة عبد الرحمن عاد فيلسوف المعرَّة رمزاً من رموز الاستنارة وحرية الفكر وشجاعة العقل في العصر الحديث.

تنصبُّ في فيلسوف المعرَّة خلاصات حضارة عملاقة، كان هو جزءاً متميزاً منها، وعنصر تمرد أساسي ضدها؛ فهو نتاجها، الذي تُوجتْ فيه حتى بلغت النقطة الحرجة التي تؤذن بالانعطاف في مجراها الرئيسي لكي تستحيل إلى شيء آخر ينفيها في مجرى جديد، تنحل فيه تناقضاتها المدمرة لتبني كياناً آخر ينطلق منها دون أن يتعثر بأشلائها. ولعلها لو استجابت له حين بلغت الذروة لما سقطت شهيدة العجز عن التفتح والتجدد والديمومة.

استطاع فيلسوف المعرَّة بفكره الفلسفي المبثوث في مؤلفاته تجاوز زمانه ومكانه ليكون حاضراً في أي مسعى منشود لفيلسوف حرّ يريد أن يوحد بين الذات والنص لتوطيد سلطته الثقافية والفكرية. وقد استعملت لقب فيلسوف المعرَّة في أكثر من مقال منشور في الصحافة العربية، وأحببت أن يشيع هذا اللقب بين الناس، وهنا أعيد تأكيده ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وقد شجعني على هذا الأمر ابن العديم صاحب كتاب "الإنصاف والتحرّي في دفع الظلم والتجرّي عن أبي العلاء المعرّي" وهو كتاب وضعه في الدفاع عن فيلسوف المعرَّة.

في حادثة تؤكد أن ارهاصات التفكير الفلسفي بدأت مذ كان أبو العلاء المعري صبياً يتعثر في طرقات معرَّة النعمان المتربة. قال ابن العديم:
خرجت جماعة من أهل العلم في حلب الشهباء إلى ناحية معرة النعمان، وقصدت أن تشاهد أبا العلاء، وتنظر ما يحكى عنه من الفطنة والذكاء، فوصلت إلى المعرَّة، وسألت عنه، فقيل لها هو يلعب مع الصبيان، فجأت إليه وسلمت عليه، فرد عليها السلام. فقيل له: إن هؤلاء جماعة من علماء حلب جاؤوا لينظروك ويمتحنوك، فترك لعب الصبيان، وقال لهم: هل لكم في المقافاة بالشعر؟ فقالوا نعم. فجعل كل واحد منهم ينشد بيتاً وهو ينشد على قافيته، حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم، وقهرهم. فقال لهم: أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتاً عند الحاجة إليه على القافية التي يريد؟ فقالوا له: فافعل أنت، فجعل كلما أنشده واحد منهم بيتاً أجابه من نظمه على قافيته، حتى قطعهم كلهم، فعجبوا من فطنته وانصرفوا.

حين نمعن الفكر في كلمة فيلسوف ودلالاتها في الثقافة العربية نجدها مبهمة غامضة الحدود، يمكن إيجازها بمن درس العلوم الطبيعية والإلهية والخلقية درساً متقناً وكانت حياته موافقة لنتائج بحثه، ونطلق عليه اسم فيلسوف أو حكيم. وغالباً ما يكون المنهج المتسق والقدرة على الإبداع شرطين لا غنى عنهما لتفرقة الفيلسوف عن غيره.

قال محمد مهدي الجواهري شاعر العراق الأكبر مخاطباً فيلسوف المعرَّة في قصيدة مشهورة جاءت في واحد وتسعين بيتاً أنشدها أول مرة في المهرجان الألفي لأبي العلاء المعري في ذكرى مرور ألف سنة على مولده وذلك في حفل الافتتاح المهيب يوم الاثنين الخامس والعشرين من أيلول سنة 1944 على مدرج جامعة دمشق في العاصمة السورية. حضر الحفل رئيس الجمهورية السورية السيد شكري القوتلي وكان طه حسين حاضراً في تلك الأمسية:
أحللت فيك من الميزات خالدة
حرية الفكر والحرمان والغضبا
ويعلق هادي العلوي على هذا البيت قائلاً: مع مراعاة قيود التعبير الشعري لا أود أن ينحصر الذهن في أن فيلسوف المعرَّة لم يتميز إلا بهذه الخصال الثلاث العظيمة، حرية الفكر، الحرمان الطوعي، الغضب، النقد، نزعة التمرد، حالة العصيان ضد الثوابت المترسخة في مجتمع متمدن.

هذا ما جعل عسكرياً يفك الحصار عن بلدة المعرة، ويتراجع عن خطة لاجتياحها واستباحتها بمناشدة منه. وهي حالة نادرة، أن يتراجع عسكري أمام فيلسوف، فقد كانت جيوش أسد الدولة صالح بن مرداس، صاحب حلب، تحاصر أسوار معرَّة النعمان وتتأهب لاقتحامها. فهرع أهلها إلى فيلسوفهم، الذي سفه أخلاقهم وعاداتهم ومعتقداتهم وخرافاتهم، فتوسلوا به إلى صالح، فخرج إلى ظاهر البلدة. وقيل لصالح: إن باب المدينة قد فتح وخرج منه أعمى يتوكأ على قائد له، فقال صالح: هو أبو العلاء، فدعوا القتال للنظر ماذا يريد؟ وكان قد أعد لهذه اللحظة لزومية قال فيها:

تغيبت في منزلي برهة
ستير العيوب فقيد الحسد
فلما مضى العمر إلا الأقل
وحُمَّ لروحي فراق الجسد
بُعثتُ شفيعاً إلى صالح
وذاك من القوم رأي فسد
فيسمع مني سجع الحمام
واسمع منه زئير الأسد

ورد عليه القائد: «بل نحن الذين تسمع منا سجع الحمام وأنت الذي نسمع منك زئير الأسد». ثم سأله عن حاجته فأخبره بها، فأصدر أمراً فورياً بالانسحاب، وترك المعرَّة لأهلها.

فيلسوف المعرَّة، رهين المحبسين، وبصير زمانه. درس على أبيه حسب ما ورد في كتاب «أبو العلاء المعري» لعائشة عبد الرحمن. رحل إلى حلب حيث كانت الحركة الثقافية لا تزال نشيطة. وزار أنطاكية وطرابلس الشام ومرَّ باللاذقيَّة وأخذ من علوم اليونان وآرائهم الفلسفية.

في أواخر العقد الثالث من حياته رحل إلى بغداد ومكث فيها بحدود العامين عاد بعدها إلى معرَّة النعمان ليجد أمه قد لحقت بأبيه، فاعتزل الناس إلا خاصة طلابه وخادمه، حتى وفاته. ترك فيلسوف المعرََة أكثر من خمسين كتاباً، فُقدت معظمها في اجتياح البيزنطيين لمعرَّة النعمان بعد وفاته بزمن، وإحراقهم مكتبتها، ومنها مكتبته الشخصية التي كانت في منزله وتضم مخطوطات فريدة لمؤلفاته.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلاديمير بوتين والرقص مع الذئاب
- مشاعيَّة الماركسيَّة
- رأيٌ يصبُ في أهوار العراق
- هل كان رحيل بوريس جونسون دستورياً؟
- هل يستطيع بوتين البقاء على قيد الحياة؟
- وما الحَربُ إِلاَّ ما علمتم وذقتم
- رسالة إلى الموت لم تكتبها شيرين أبو عاقلة
- حديث مع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن
- في فن الحكم
- القس ديزموند توتو: المُحايد في زمن الظلم مؤيد للظالم
- لقاء مع ستيفن كوتكين عن روسيا وأوكرانيا
- أدونيس وقد ناهز من العمر التسعين
- الروس يفرون من بلادهم بأعداد كبيرة
- عن الحوّامات التي أسقطت حواجز اسمنتيّة على مدينة إدلب
- التحقيق الكامل في مجزرة حيِّ التضامن في مدينة دمشق
- هوس بوتين البرتقالي
- الأرنب الذي أصاب العصا
- مأساة في كلّ بلدة أوكرانية
- عن اليسار وسؤال الحرية
- شيوعيون يُحاربون الشيوعيَّة


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالرزاق دحنون - فيلسوف المعرَّة المعبِّر الأمثل عن منحى التنوير في الإسلام