|
عن جولة وحدة الساحات
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 15:50
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لنحرص دائما على تسمية الأمور بمُسمّياتها، إنصافا للحقيقة والتاريخ، وأملا في تدارك مكامن الخلل، ومعالجة الثغرات في أوضاعنا الداخلية، وتعزيز العوامل الإيجابية، واستنهاض عناصر القوة المتاحة والكامنة. فمعركة "وحدة الساحات" التي أسمتها إسرائيل بزوغ الفجر، كانت على الرغم من قصر مدتها (50 ساعة) هي الحرب الخامسة من نوعها على قطاع غزة، ولكونها لم تحقق أهدافها كما خطط لها المعتدون، فإنها حتما لن تكون الأخيرة طالما أن عناصر الصراع ما زالت قائمة وتتفاعل. أوّل الحقائق التي ينبغي إبرازُها والتأكيد عليها، هي أن هذه الحرب الغادرة كانت مُبيّتة ومقررة سلفا، فهي جزء لا يتجزأ من الحرب الشاملة والمفتوحة على الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وبخاصة في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تشمل تهويد القدس ومحاولة تغيير الوضع الراهن فيها، وانتهاك حرمة المقدسات، وعمليات الاغتيال والاقتحامات والاعتقالات الجماعية ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات. ويأتي كل ذلك استكمالا لصفقة القرن التي سحبت من التداول ظاهريا، ولكن يجري تطبيقها عمليا، لتصفية الحقوق الوطنية لشعبنا وإخضاعه، لإرغامه على الاستسلام وقبول حلول واقعية لا تتعدى حقه في العيش من دون حقوق سياسية وسيادية على أرضه. وفي هذا السياق يجري تطبيق سياسة "العصا والجزرة" كما أسماها بينيت، لمعاقبة كل من يتبنى المقاومة أو يؤيدها أو يحتضنها، والتلويح في المقابل بإغراءات و"تسهيلات" ليست سوى تخفيف لقيود الاحتلال كالتصاريح الممنوحة لبعض الفئات. ثمة أهداف فرعية للعدوان مثل رغبة يائير لابيد في ترصيع سجلِّه الشخصي بإنجاز عسكري ما لإثبات أهليته لقيادة إسرائيل على ابواب الانتخابات. وكذلك حرص قيادة الجيش على تصفية بعض الحسابات العالقة مع المقاومة في قطاع غزة، ولكن هذه الحسابات ثانوية، والجوهري هو تصميم المؤسسة الصهيونية الحاكمة، بمختلف اتجاهاتها وتلاوينها، على حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بقوة السلاح والنار وليس عن طريق المفاوضات والقانون الدولي. تأسيسا على حقيقة أن ما جرى هو عدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، المحاصر برّا وجوّا وبحرا، منذ أكثر من خمسة عشر عاما، والمحروم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية بما في ذلك الماء والدواء والوقود، لا ينبغي لنا أن ننجرّ إلى وهم أنها حرب متكافئة بأي شكل من الأشكال، وبالتالي فإن توقف آلة القتل الإسرائيلية بطائراتها ودباباتها وقطعها البحرية وجيشها الذي يعتبر من اقوى خمسة جيوش في العالم، ليس وقفا لإطلاق النار، بل هو وقف للعدوان بكل بساطة. وبعيدا عن المبالغة أو المزاودة والمناقصة، تتلخص معادلة الصراع بين دولة الاحتلال والشعب الفلسطيني بمقاومته وفعالياته الأخرى، في ثمة حدودا للقوة، وأن أدوات الحرب مهما بلغ تطورها وبطشها وقدرتها التدميرية، فهي قاصرة عن فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، وعن إملاء النتائج السياسية التي تريد، وفي المقابل تتلخص قوة الفلسطينيين في القدرة على استيعاب الضربات والتضحية ورفض الاستسلام أو القبول بالحلول الانهزامية المعروضة. إن قدرة المقاومة على مواصلة إطلاق الصواريخ والمقذوفات وتطويرها خلال سنوات الحصار هي مظهر من مظاهر قوة الشعب وإرادته في الصمود، فهذه الصواريخ البسيطة والمحلية الصنع هي أدوات رمزية ولا يمكن لها أن تمثل معادلا رادعا لأدوات القتل الفتاكة التي تملكها إسرائيل. بعد كل معركة تشنها إسرائيل، تعمد إلى تشكيل لجان تحقيق لدراسة وتقييم مكامن القصور والخلل، فهي شكلت نحو خمس عشرة لجنة لهذه الغاية بعد انتهاء معركة "سيف القدس" لتقييم الأداء في مختلف النواحي بما في ذلك نجاعة القبة الحديدية والتنسيق بين أذرع الجيش، وكفاءة الاستخبارات والإعلام وغيرها. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن نقطة الضعف الرئيسية في أوضاعنا كانت وما زالت تتمثل في الانقسام الذي اعتبرته إسرائيل مصلحة استراتيجية لها، وغياب التكامل بين أدوات العمل النضالي والسياسي المختلفة، ليتنا نحن أيضا نقيم لجانا لتقييم أدائنا في مختلف المجالات ومن بينها أسئلة: هل نجحت إسرائيل في تنفيذ ما خططت له بالاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي وعزلها عن باقي عناصر المجابهة؟ وهل كان أداء حركة حماس من جهة وأداء قيادة السلطة ومنظمة التحرير مع ممثلياتها السياسية والدبلوماسية في الخارج منسجما مع كون المعركة هي ضد الشعب الفلسطيني بأسره ؟ وهل ارتقى التفاعل الشعبي في الضفة والشتات إلى المستوى المطلوب؟ وهل كان خطاب المقاومة قبل العدوان وأثناءه أو بعده ملائما لمتطلبات المعركة، ومكرسا لخدمة أهداف شعبنا وليس لخدمة فصيل بعينه، وهل تراخت المقاومة في اتخذ تدابير الحيطة والحذر لحماية قادتها ومقاتليها؟ وغيرها من الأسئلة المُلحّة التي تحتاج إلى فحص شامل ووافٍ، وإلى تقارير مدققة وموثقة وليس إلى بيانات عاطفية ومقالات إنشائية. من الواضح أن إسرائيل حرصت على إنهاء العدوان مبكرا لكونها حصلت على "صورة النصر" كما يريدها لابيد وغانتس، ونالت من "الصيد الثمين" باغتيال الشهيدين تيسير الجعبري وخالد منصور وغيرهما من قادة المقاومة، وسعت إلى عدم إطالة المعركة حتى لا تتسبب بسقوط مزيد من الضحايا المدنيين وبخاصة النساء والأطفال فتستثير ضجة إعلامية على ممارساتها، ولقطع الطريق أمام التفاعلات الداخلية والخارجية، وما يمكن أن يقود ذلك إليه من "وحدة الساحات": وهو اسم ذكي اطلقته المقاومة على هذه الحرب تأكيد على واحدة من أهم نقاط القوة في وضعنا الفلسطيني، ولإحباط واحدة من أهم استرايجيات العدوان وهي الفصل بين الساحات. بقيت مسألة اخيرة ضمن المساحة المتاحة لهذا المقال، وهي ضرورة اعتماد إعلام المقاومة لغة واقعية وذات مصداقية تستند إلى الحقائق الأساسية، فتخدم معركتنا الشاملة، وتبتعد عن المبالغة والتضخيم والتهييج والتهديد الذي لا يستفيد منه أحد سوى أعدائنا في تبرير إجرامهم وعدوانهم.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استهداف الثقافة اعتداءٌ على المجتمع
-
عدوان غادر ومُبيّت
-
الأولوية لوقف الانهيار
-
اليد الإسرائيلية الخفيفة على الزناد (3 من3)
-
اليد الإسرائيلية الخفيفة على الزناد (2 من3)
-
اليد الإسرائيلية الخفيفة على الزناد (1 من3)
-
نرفض مطار رامون وكل أساليب الالتفاف على حقوقنا
-
الناتو الشرق أوسطي وصراع القوى الكبرى
-
أثر السياسات الإسرائيلية على النظام السياسي الفلسطيني (4 من4
...
-
أثر السياسات الإسرائيلية على النظام السياسي الفلسطيني (3 من4
...
-
أثر السياسات الإسرائيلية على النظام السياسي الفلسطيني (2 من4
...
-
أثر السياسات الإسرائيلية على النظام السياسي الفلسطيني (1 من4
...
-
بايدن يتجاوز ترامب في انحيازه لإسرائيل
-
المنظمة والسلطة وخلافة الرئيس عباس
-
عقدة المشاركة العربية في الانتخابات الإسرائيلية
-
دعم إسرائيل والتطبيع والناتو الشرق أوسطي في صلب زيارة بايدن
...
-
دعم إسرائيل والتطبيع والناتو الشرق أوسطي في صلب زيارة بايدن
...
-
دعم إسرائيل والتطبيع والناتو الشرق أوسطي في صلب زيارة بايدن
...
-
تطورات تمهّد لعودة نتنياهو
-
أزمة نظام سياسي لا مجرد أزمة حكومة وائتلاف
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|