|
إمام أدب النفس والدرس: أ.د زهران جبر
صبري فوزي أبوحسين
الحوار المتمدن-العدد: 7339 - 2022 / 8 / 13 - 21:31
المحور:
مقابلات و حوارات
إمام أدب النفس والدرس: قراءة أولى في سيرة الدكتور زهران جبر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ منذ ثلاثين سنة تقريبًا، في سنة أربع وتسعين وتسعمائة من الألفية الأولى، وفي مقر رابطة الأدب الإسلامي بجمعية الشبان المسلمين في شارع رمسيس بالقاهرة، كنت أغشى هذا المكان الحي، الهادر الذاخر بقامات فكرية وأدبية سامية ونبيلة، حيث الشاعر الكبير محمد التهامي، والمؤرخ الكبير الفقيه القائد الدكتور عبدالحليم عويس، والمثقف المنطلق الدكتور صابر عبد الدايم، والنقاد الأصلاء: عبده زايد، وعلي صبح، وعبدالمنعم يونس، وكاظم الظواهري، وسعد أبوالرضا، إضافة إلى مجموعة من المبدعين الشباب آنذاك: وحيد الدهشان، ووجيه يعقوب، ومحمود خليل، ومصطفى قنبر، وخالد خلاوي، ومحمد عبدالشافي، ومحيي الدين صالح... وآخرين! كان يجذبني بين هؤلاء شخص جسده عجيب: ليس بالجسد الدلتاوي الأبيض المألوف، ولا بالجسد الصعيدي الصلب المعهود، إنه جسد من نوع خاص، نوع يذكرنا بأصلنا الفرعوني الخالص، جسد طويل طولاً معتدلاً، أسمرَ سمارًا جميلاً مدهشًا، كأني أرى سيدنا النجاشي أو سيدنا بلالاً، رضي الله عنهما! ابتسامته صافية، وشخصيته هادئة، لفظه قليل وصمته كثير، يتأمل أكثر مما يتكلم! وإن تكلم رأيت كنفًا مُلِيءَ علمًا، وإن فتح النقاش حول إشكالية أو قضية كان جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقها المُرَجَّب، وإن ذُكِر الأزهر، تجده ينطلق لسانه، فيسرد لنا من سيرة شيوخه وأئمته ما لا تقرؤه في كتاب ولا تجده عند غيره! يحدثنا عن العلامة الخفاجي حديث الابن الوفي والأخ البار، والزميل الشقيق والصديق الصدوق، يخبرنا بطرائف آسرة وغرائب ساحرة عنه وعن غيره من كبارنا نحن الأزهريين، ونحن عشاق الكلمة الطيبة! وتظل علاقتي بذلك النوبي العتيق علاقة عين ناظرة وأذن سامعة وعقل متدبر، يختزن معلومات بعد معلومات، وانطباعات بعد انطباعات، أنظر إليه، وأسمع له، ولم أكلمه أو أحاوره رهبة وإجلالاً، وما عرفت اسمه إلا بعد حين! ولا أدري سبب موقفي هذا مع أنني اجتماعي! لم أعرف اسمه إلا بعد سنين طوال، حين مطالعتي كتابًا عليه اسمه! بعنوان(صفحات من الفكر المعاصر)، وآخر بعنوان(مواكب الحياة) عن صحبته مع الدكتور خفاجي، وكنت مهتمًّا بشخصية هذا العلم الأزهري، الذي هضم حقه حيًّا وميتًا إلى الآن! فسألت أستاذي الدكتور عبدالحليم عويس-رحمه الله- من أ.د/زهران جبر؟ المدون اسمه على هذين الكتابين، فقال: ألا تعرفه؟ إنه يحضر معنا في مقر رابطة الأدب الإسلامي، ودومًا أراك جالسًا بجواره! فعلمت أنه ذلك النوبي الأسمري الجميل! وعلمت أنه أزهري عتيق خالص، وأنه خلاصة أنواع من التعليم الأزهري الجاد الرصين، وأنه نتاج امتزاجه بعدة مدارس وصالونات أدبية وثقافية في قاهرة المعز: مدرسة أبولو الجديدة، رابطة الأدب الحديث، أدباء العروبة، اتحاد الكتاب، ورابطة أباء النوبة، وإضافة إلى رابطتنا: رابطة الأدب الإسلامي! وأنه أستاذ للأدب والنقد بجامعة الأزهر، وأنه شاعر من طراز خاص! وأنه لم يكن من هؤلاء الأكاديميين المنغلقين في برجهم العاجي، بل كان-وما زال حفظه الله- له الحضور الفاعل في المشهد العلمي والثقافي والأدبي. هذا كل ما كان يقال لي عنه من قبل من حاورتهم وسألتهم عنه! ودارت بي الأيام، وبعد عشرين سنة تقريبًا من رؤيتي إياه، قدمت أعمالي العلمية إلى الترقية، فإذا بي أجده واحدًا من اللجنة العلمية الدائمة، مع الكبار الجهابذة بجامعتنا: علي صبح، والسعيد عبادة، وعبدالرحمن هيبة، وصابر عبدالدايم والسيد الديب، وصلاح الدين عبدالتواب، والسيد تقي الدين، وآخرين! وكان بسامًا ضحوكًا، كان سؤاله إياي سؤال الأستاذ العالم المنهجي المفكر الدقيق، وليس سؤال متربص، أو متكبر، أو مستأسد! ولم يكن ذلك منه خاصًّا بي وحدي، بل كان هذا ديدنه مع كل زملائي الذين سبقوني في هذه الجلسة الامتحانية الشاقة، والذين سألتهم عن أعضاء اللجنة، وكيف يتعاملون مع الباحثين! ثم اتصلت بأستاذنا بعد ذلك في رابطة الأدب الإسلامي، وفي صالون يونس الثقافي، وفي مناقشة رسالة أشرف عليها، ثم في مناقشة رسالة رشحني لمناقشتها، ثم في غير عمل داخل جامعتنا، فكان أن خلصت أنه حقًّا وصدقًا: إمامنا الأكبر في أدب النفس والدرس، يجمع بينهما بجلاء، حيث يُقبل على الآخرين، ويألف الآخرين ويألفه الآخرون، يخاطب الجميع-صغارًا قبل كبار- بعبارته الملازمة والخاصة: سيدي وأستاذي! وحيث يقدم الخير للجميع، ويسعى في الخير، ولا يسعى في الشر، يعتز بنفسه كل اعتزاز، لا يحرص على منصب، ولا يريد مناصب، وتأتيه المناصب! ليس من عاشقي المنصات ويشرف كل منصة، يحب أن يكون في الساقة، وتدعوه كل مقدمة، يحب أهل الميمنة ويحبونه ويحيا بهم وفيهم، وليس له مع أهل المشأمة صلة أو جلسة ولا يرضى عنهم أو بهم! وليس جامدًا ولا متكلسًا، بل إنه مرن كل مرونة، كأنه ابن العشرين، تعامل مع جيل الأجداد، وجيل الأبناء، وجيل الأحفاد تعاملاً طيبًا سمحًا، عاشق التراث العربي، ومقبل على كل جديد، مدهش، ويرفض كل ركود أو تقليد أو تحرر! وهو حقًّا-كما قال أديب المؤرخين أ.د أبووردة السعدني، زميله وقرينه في العمل بكلية اللغة العربية بأسيوط- من الكرماء المطبوعين، وما أجمله من وصف، وما أصدقه من حكم! أتذكر أنه أخذني وحبيبين:....، وسار بنا من مقر كلية اللغة العربية الأم بالقاهرة داخل حارات شارع الحسين، حارة بعد حارة، كأنه ولد في هذه المنطقة، وما زلنا وراءه حتى أدخلنا مطعمًا فخمًا، وأطعمنا طعامًا ثمينًا ما أكلت مثله من قبل! وأجلسنا على قهوة عتيقة فخمة ما جلست على مثلها من قبل! وكان يصنع ذلك بكل قيادة وسعادة وبشاشة وطلاقة، وكنا في يده أبناء مطيعين محبين إياه سعداء بما أطعمنا وسقانا، وما زالت تلك الرحلة الماتعة حاضرة في ذاكرتي، لا تنسى ولن تُنسى، إن شاء الله تعالى! ولعل قراءة سيرته الذاتية المثبتة في موقع كليته - كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة- تعطينا أدلة على إمامته في أدب النفس وأدب الدرس، إن شاء الله، تعالى! يدلنا سجله التعليمي والإداري أنه (زهران محمد جبر عبد الحميد)، وأنه بعد حفظه القرآن الكريم والتحاقه بالأزهر الشريف حصل على الإعدادية الأزهرية في العام الدراسي 1964/ 1965م، (نظام السنوات الأربع)، ثم على شهادة الثانوية الأزهرية في العام الدراسي 1969/1970م، (نظام السنوات الخمس)، ثم التحق بكلية اللغة العربية-الأمِّ- بالقاهرة، في جامعة الأزهر، فحصل على الإجازة العالية(الليسانس) سنة 1973م، ثم حصل على درجة التخصص(الماجستير)، في الأدب والنقد، من الكلية نفسها سنة 1975م، وبعد ست سنوات حصل على درجة العالمية (الدكتوراه) في الأدب والنقد، سنة 1981م. وإمامنا من أقدم المنتسبين إلى قسم الأدب والنقد بجامعة الأزهر؛ فقد عُيِّن معيدًا في قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط منذ سنة 1973م، ثم رُقِّي إلى درجة (مدرس مساعد) منذ سنة 1975م، ثم عمل مدرسًا منذ سنة 1981م إلى سنة 1984م، ثم رُقِّي إلى درجة (استاذ مساعد)، من سنة 1985م، ثم رقي إلى درجة (أستاذ) منذ1/1/1990م، في القسم ذاته، والكلية ذاتها، وامتد تأثيره إلى خارج الوطن، حيث أعير للعمل (أستاذًا مشاركًا) في كلية التربية للبنات بتبوك بالمملكة العربية السعودية، من سنة 1984م إلى سنة 1989م، ثم أعير للعمل (أستاذ الدراسات العليا في الأدب والنقد) بكلية التربية للبنات بالقصيم بالمملكة العربية السعودية من سنة 1994م إلى سنة 2000م.
#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توثيق لامية العرب للشنفرى في المعاجم العربية العتيقة
-
نقد النقد مصطلحا ومفهوما
-
سمو الأمير علاء جانب قراءة في شخصيته وسيرته
-
سلبيات البحث العلمي في المجال الإنساني
-
تردي البحث العلمي في المجال الإنساني
-
مفهوم البحث العلمي الإنساني
-
كتاب (القرآن يتحدى: دراسة) للمهندس ياسر أنور مقاربة سيميائية
...
-
دور الإبداع الأدبي في خدمة الوطن
-
لذة السرد في رواية كوتشينة للقاص نشأت المصري
-
شخصية الانتهازي في السرد القصير عبده الوزير إزازة سابقا أنمو
...
-
النسوية في القصة الشاعرة عند المؤسس محمد الشحات محمد
-
النسوية في القصة الشاعرة عند المبدعة ربيحة الرفاعي
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|