سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1684 - 2006 / 9 / 25 - 10:57
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
حيث أن عالم اليوم الظالم يتحدث بلغة سياسية علمانية وصليبية واحدة,لغة لها مفرداتها وتعميماتها بحكم القوة العسكرية والاقتصادية,ومادون ذلك من لغات هي خروج عن النص السياسي,وتجريم لمن يتطاول على نظرية الهيمنة التي قامت على أنقاض ضعف أو إضعاف الآخرين.
فعالم اليوم المتحضر!! بثقافة العولمة الكونية مابين متبوع وتابعين,لايعير للعدل ولا للأخلاق ولا للقانون الدولي أي اهتمام عملي,فالقوة العسكرية والاقتصادية وحدها تشكل أبجديات تعريف اللاعبين الرئيسيين والتابعين والمهمشين والمطحونين,وحدها التي تشكل مفهوم معادلة الحق والباطل,متى يكون الحق باطلا,والباطل حقا,هذه هي اللغة السياسية التوراتية البرغماتية العادلة لمن ابتغي ضالة العدل بمقاييس صهيونية امبريالية, والعصا لمن عصى.
مازال في زمن الردة الشامل من يتحدثون بلغة الألفية الأولى في زمن الألفية الثالثة على اعتبار أيدلوجية القابضين على الجمر,المتمسكين بالحق كنص لايزيغ عنه الا هالك,وقد سبق وان اعتبروا المعاهدة والمهادنة مع العدو المشرك كفر,واقل توصيف لفاعليه حكم بالخيانة والتكفير,فلا عتب على من لم يتولى المسئولية السياسية والقيادة الشرعية من قبل, فأسهل مايقال ,خائن وعميل وكافر ومهدور دمه,انطلاقا من أصول القاعدة الشرعية ((لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)) !!!.
والحقيقة أن من تقع عليه مسئولية الرعية ويتعاطى مع الواقع الظالم ,ويتحدث بلغة السياسة الدولية يصطدم بحقائق أقوى من الشعارات,تلك الشعارات التي لابد لها من ترجمة عملية من صناع القرار وبأقل الخسائر,اخذين بعين الاعتبار معادلة موازين القوى الدولية رغم جورها والحنكة والدهاء بكيفية التعاطي معها,هذا من روح الوقائع الشرعية الإسلامية,فمتى يتطلب الأمر مهادنة للعدو فيها مصلحة الرعية يؤخذ بها, ومتى يتطلب الأمر إلى إعلان مبادئ لمعاهدة مع العدو فيها مصلحة الرعية واسترجاع الحق المغتصب يؤخذ بها,ومتى يتطلب الأمر غير ذلك فالجهاد له مقوماته التي تنطلق من أحوال الأمتين العربية والإسلامية,فكل خيار يوضع على كفة الميزان السياسي وعناصر المعادلة استخارة وحسم((قوة وضعف)) فقوة الإيمان المعنوي لاتغني عن قوة الفعل المادي ليس في زماننا هذا فحسب,بل في زمان جذور الشرك والكفر, والوحي والإعجاز.
وفي كل الأحوال سواء عقدت المعاهدات أو أبرمت المهادنة قصيرة الأجل أو طويلة الأجل مع العدو,فليس معنى هذا نهاية المطاف,ليس انطلاقا من غدر المسلمين لان الأصل في الإسلام ,السلام وليس الحرب ولكن من منطلق غدر الأعداء,هذا الغدر موروث ثقافي منذ منتصف الألفية الأولى الميلادية أو السنة السابعة الهجرية.
وما دفعني لكتابة هذه المثالة بهذا السياق المختصر هو التحول للعمل السياسي ومحاولة تكييفه بإطار شرعي من قبل حركة حماس,كما نقلها مستشار الأخ/ إسماعيل هنية ,ومفادها قبول الحكومة الفلسطينية وحركة حماس بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 مقابل هدنة مع العدو لمدة عشر سنوات, وهذا الطرح ليس جديدا فقد تحدث به الإمام المجاهد والزعيم الروحي لحركة حماس(الشيخ احمد ياسين) وقد اعتبر كسرا لجمود القاعدة تناغما مع الواقع السياسي وأيدلوجية((الضعف والقوة)) .
فماذا تعني الهدنة؟وما دلالات مدتها؟ وما سر توقيتها؟ وجواز شرعيتها؟وهل تتفق مع روح هدنة(صلح) الحديبية,أم تتناقض معها؟وهل يتم مباركتها أم تجريم طرحها؟
وعليه ما الفرق بين سلوك م.ت.ف من اتفاقيات مرحلية غير مكتملة لاترقى إلى معاهدة ولا تدنو إلى هدنة,فكل الخيارات مفتوحة ومحكومة بزمانها ومكانها وأحول القائمين عليها(ضعف وقوة)؟
فما الفرق بين مبادرة(هدنة) حماس محددة الشروط بسقفها الأعلى ومفتوحة التوقيت وانطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية بمرحليتها محددة البنود بسقفها الأعلى ومفتوحة التوقيت والهدف الأساسي إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 في كلتا المنطلقين؟؟؟!!!
وهنا لايسعفنا المكان للإجابة بإسهاب على كل تلك الأسئلة,إنما سنتطرق إلى الخطوط العريضة ونترك التفاصيل لذوي الألباب يقرؤون مابين السطور,لذا فأنني سأتطرق إلى مفهوم الهدنة ومقارنة الهدنة الحالية بروح هدنة الحديبية قبل 1378 بسبب ورود مدة العشر سنوات التي لم يأتي طرحها من فراغ بل من أصول الشرع,فمدة هدنة الأقوياء غير مدة هدنة حالة الضعف ولنا في رسول الله أسوة وسنة حسنة.
فالهدنة أو المصالحة: هي صلح يقع بين زعيمين في زمن معلوم بشروط مخصوصة والأصل فيها قوله تعالى((فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم)) صدق الله العظيم.
* مدة الهدنة عند الشافعية وجماعة الحنابلة والأمامية:
إذا كان بالمسلمين قوة تتراوح بين أربعة أشهر ومادون السنة لقوله تعالى((براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين, فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)) صدق الله العظيم.
ولان الرسول صلى الله عليه وسلم هادن صفوان بن أمية أربعة أشهر عام فتح مكة, ولا تبلغ المدة سنة لأنها مدة تجب فيها الجزية.
وان كان بالمسلمين ضعف فتجوز الهدنة لعشرة سنين فقط فما دونها بحسب الحاجة,لان هذا غاية مدة الهدنة,بدليل مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم قريش في الحديبية هذه المدة, فإذا لم يقو المسلمين طوال تلك المدة فلا بأس أن يحدد الإمام مدة مثلها أو دونها رجاء أن يقووا, وإذا انفضت المدة,والحاجة باقية,استؤنف العقد.
• مدة الهدنة عند الحنفية والمالكية والزبدية:
لم يحددوا للهدنة مدة معينة وإنما تركوا ذلك لاجتهاد الإمام وقدر الحاجة,لان المهادنة عقد جائز لمدة عشر سنين فيجوز الزيادة عليها كعقد الإجارة, بحسب حاجة المسلمين ومصلحتهم,فان المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب.
وان دل ذلك فإنما يدل على سقوط نظريات التحريم والتجريم والتكفير لممارسة العمل السياسي بعدة لغات مع العدو للموائمة بين حالبتي القوة والضعف.
وسؤالي الحميد للأخ الفاضل / إسماعيل هنية كأحد أفراد الرعية بحثا عن حقيقة المبادرة وتوقيتها وجدواها:
• هل الهدنة مطلب إسرائيلي كما هي مطلبا فلسطينيي؟
• هل مبادرة الصلح المؤقت هذه من منطلق ضعف أم قوة؟
•
فإذا كانت من منطلق ضعف الفلسطينيين كجزء من حالة الضعف العام للمسلمين وتهدف إلى مهلة لتقويتهم, فهل الشق الأول منها يناقض الشق الثاني؟ بمعنى أن القوي الذي يفرض شروط مسبقة بالانسحاب المرحلي خلال فترة الهدنة أو الانسحاب المسبق من اجل الحصول على هدنة!!!
وإذا كان من منطلق ضعف فمن غير المنطقي تحديد الشروط المسبقة بمعنى إذا انسحبتم بالكامل من حدود67 أعطيناكم هدنة عشر سنوات انتم بحاجة إليها؟؟!!!
وهذا لايعني أن العدو ليس بحاجة إلى هدنة من مائة عام وليس عشر سنوات ولكن طرح الانسحاب الكامل مسبقا وإقامة الدولة الفلسطينية اعتقد انه طرح غير عملي في حال الضعف ومناسب جدا في حال القوة, ولعل مرحلية تنفيذ الانسحاب وإقامة الدولة الفلسطينية حسب الاتفاقات الأولية مع م.ت.ف لها دلالات واضحة تفيد أن الصهاينة ليسوا طلاب سلام وهم بحاجة لهدنة أكثر من حاجتهم لأي اتفاقيات نهائية ينتج عنها انسحاب كامل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
فلو افترضنا جدلا أن العدو وافق على دراسة المبادرة الفلسطينية,رغم أنهم رفضوها على الفور,فقبل أي افتراض يجب قياس الأمور بواقعيتها طالما بدئنا التعاطي مع الأمور بشكل سياسي دون انغلاق,فالسؤال الذي يطرح نفسه,هل العدو بحاجة لهذه الهدنة القابلة للتجديد؟ وما دافعه لقبول هدنة طويلة المدى وبشروط انسحاب مسبقة طالما أن مدة الهدنة تفيد ضعف الخصم والهدنة مطلبهم وليس مطلب العدو,وفي هذه الحالة فالعدو الذي يشترط كما حصل في صلح الحديبية بشروطها المجحفة من وجهة نظر قيادة الاجتهاد وليس قيادةيوحى إليها.
خارطة الحديبية (صلح محدد بعشر سنوات) :
أراد المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم أداء العمرة في البيت الحرام في أخر السنة السادسة من الهجرة(نحو628م) فصدهم المشركون عن البيت ورضوا بعقد صلح معهم فيه شروط مجحفة بالمسلمين,إيثار للسلام على الحرب,وقال صلى الله عليه وسلم حينئذ((والذي نفسي بيده لايسالوني خُطة يعظمون فيها حرمات الله الا أعطيتهم إياها)).
وكان من شروطها((إن من جاء منكم – أي من المسلمين- لانرده عليكم ومن جاءكم منا رددتموه إلينا,فقال الصحابة يارسول الله أنكتب هذا؟ قال: نعم, انه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاء منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا.
حتى أن عمر أنكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: يارسول الله,الست برسول الله؟ قال:بلى,قال:اولسنا بالمسلمين؟ قال:بلى, قال: اوليسوا بالمشركين؟ قال:بلى ,فقال: فعلام نعطي الدنية في دنيانا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله, لن أخالف امره,ولن يضيعني.
وقد التزم المسلمون بتنفيذ بنود المعاهدة تماما , حتى أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو كاتب الصلح عن المشركين جاء مسلما وتم رده إلى مكة رغم مالقي من عذاب ,ورد النبي أيضا رجل أخر من قريش هو أبو بصير جاء مسلما.
وطالما أن تلك الشروط المجحفة انبثقت من ضعف أحوال المسلمين فان انطلاقة سياسة المرحلية التي انتهجتها م.ت.ف هي اقرب إلى روح تلك المهادنة أو الصلح الذي هدف إلى انسحاب مرحلي وكامل من حدود الرابع من حزيران 67 وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بمرجعية القرارات الدولية 242,338 لولا تلكؤ العدو الصهيوني ونكوصه عن تنفيذ الاتفاق, وهل منع الاعتراف المبدئي من قتال العدو بضراوة طالما رجع عن تنفيذ شق الانسحاب؟
فلماذا تطرح حركة حماس مبادرة لها نفس أهداف أوسلو مع فارق عدم الاعتراف؟ وما دافع العدو حسب اعتقاد حماس لقبول املاءات مسبقة وقبول هدنة مع طرف لايعترف بهم؟ فمع من ستعقد الهدنة أصلا؟ وهل كان من المقدر للهدنة أسلوبا شفهيا أم بالمكاتبة؟
ومن جهة أخرى لو افترضنا جدلا أن العدو وافق من حيث المبدأ على هدنة الضعفاء لان هدنة الأقوياء لاتزيد عن سنة في الشرع الإسلامي!! فهل من المتصور حسب المعطيات الميدانية والإقليمية والدولية أن ينفذ العدو الانسحاب من حدود 67 في عشية وضحاها؟ أم كان المقصود أن ينفذ الانسحاب على مدار العشر سنوات القابلة لان تكون عشرون أو ثلاثون عاما حسب مصلحة الرعية وإجازة الشرع بذلك؟؟؟!!!
ثم في هذه الحالة التي تقدمت بها حركة حماس بمبادرة الصلح أو الهدنة لافرق ولمدة عشر سنوات,وطرحها واضح من منطلق سياسي وتحديدا من منطلق الحكومة الفلسطينية طالما طالبت بدولة فلسطينية,فهل تضمن الحركة بقائها في سدة المسئولية لولايتين تشريعيتين أو أكثر (مدة الهدنة)؟؟؟ومن جهة ثانية تستطيع حماس كحركة مقاومة وليس كحكومة لان الأول ثابت والثاني متغير,ان تسيطر وتضبط عناصرها وتنال تأييد مناصريها وتعلق الجهاد إلى اجل غير معلوم, فهل تضمن امتثال وطاعة باقي التنظيمات والحركات الفلسطينية وفي مقدمتها حركتي فتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية؟؟؟طالما أن المشروع السياسي بمبادرة الهدنة هو طرح حركة حماس دون استشارة اخرين قبل أن تطلق مبادرتها؟؟؟ أم ستستخدم القوة لوقف ولجم المقاومة التي ربما تعتبر المشروع يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي؟؟؟
وطالما وجدت خطة سياسية تطلبتها المرحلة الحالية وما يحيط بها من ضعف أحوال المسلمين فهل طرحت المبادرة للاستفتاء الشعبي قبل طرحها؟؟طالما لم تطرح في البرلمان السياسي الفلسطيني؟؟
وختاما لابد من الإشارة إلى أن مبادرة الهدنة طويلة المدى غير عملية وان شروط الانسحاب الكامل والمسبق رغم عدالته فلا ينسجم مع ومعطيات الميدان ولامع الواقع الإقليمي والدولي ورغم ذلك فلن يتحقق سلام حقيقي دون أن تتوفر شروط القوة العربية والإسلامية وما دون ذلك فلا فرق بين مشروع الهدنة ومشروع اوسلوا.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟