|
55 ساعة
عائد زقوت
الحوار المتمدن-العدد: 7338 - 2022 / 8 / 12 - 06:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خمس وخمسون ساعة انصبت كالحميم على أهل غزة، انسفكت فيها الدماء، وانسحّت الأرواح، وانسلخت الأبدان، ولا غرابة في هذا فالوحشية والسادية ديدن الاحتلال، ولكنّه في هذا العدوان زاد عليها وقاحًة واستعلاءً وغطرسًة مستغلًا حالة الاندماج الاسرائيلي العربي في المنطقة، وتأثيرها المباشر على حركتي حماس والجهاد، فعمل على تحقيق بعضًا من الأهداف الجانبية مثل استعادة قوة الردع، وهيبة الدولة التي افتقدها، والامعان في بث الفرقة وتأجيج الاختلافات الفصائلية البينية، من خلال تكريس حالة الانفصال السياسي والجغرافي والاداري في الضفة الغربية وغزة والقدس، وبتعبير آخر الحفاظ على حالة الاستفراد بالكنتونات الفلسطينية . خمس وخمسون ساعة هي الزمن الذي استغرقه العدوان على غزة، خمس وخمسون ساعة من الجنون والعبث السياسي، وازدواجية المعايير في محور المقاومة أو محور القدس كما يحلو للبعض تسميته، فالمتابع لردود أفعال أطراف المحور وقع في دهشة واستغراب شديدين من أدوات دعم أحد أطرافه في معركة غير متكافئة بكل عناصرها مع آلة الحرب الصهيونية، حيث اكتفت إيران بتعظيم الحالة الدعائية لحركة الجهاد، وأنّ المنظمة تَعد للضربة القاصمة للاحتلال، وكذلك اكتفى حزب الله بالمتابعة والتواصل والمراقبة، أما المتحدث باسم الحوثي فلم يسعفه الوقت لتعداد شروط مشاركته في المعركة وعلى رأسها أنْ تكون المعركة محسوم فيها النصر، وفي سياق مواقف مكونات محور القدس من العدوان كان موقف حركة حماس الأكثر اهتمامًا عند المتابعين والمحللين حيث نقلت الحركة نفسها نقلة نوعية من تقدم صفوف المقاومين، إلى الوسيط لإتمام التهدئة بين طرفي المواجهة، الشيء الذي استدعى وقوف الكثيرين عند هذا التحول الدراماتيكي، ومما زاد الأمر دهشة الشكر الذي صدر عن حكومة الاحتلال، والإدارة الأميركية الموجه لحركة حماس على موقفها السياسي والعسكري من العدوان، والذي لم يلق أي تعليق من الحركة. على الرغم من البراغماتية التي تتصف بها حركات الإسلام السياسي كجزء أصيل في تحديد مواقفها وسياساتها، إلا أنّ مجمل التداعيات الناجمة عن العدوان تشي أنّ هناك تحولًا مهمًا في العلاقات بين دول المنطقة العربية، أو ما اصطلح على تسميتها بدول الاعتدال العربي مع حركة حماس، وهذا يشير إلى أنّ هناك قبولًا لحركة حماس كسلطة سياسية، وإذا ما صحت هذه القراءة فإننا سنكون أمام أمرين الأول التغيير الذي طرأ على أدبيات الحركة وأدى إلى قبولها كسلطة سياسية، هل هو تغييرًا مرحليًا أم استراتيجيًا، والثاني النتائج المترتبة على هذا القبول الاقليمي لحماس، وفي مقدمتها الترسيخ الحقيقي للانقسام، وبمعنى أشمل فرض الرؤية الأميركية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية على أساس الدمج الاقتصادي ضمن نطاق الشراكة بين دول المنطقة، وتحسين الأحوال المعيشية للسكان حسب التعبير الاسرائيلي، وعدم التعرض للحل السياسي، وهذا ببساطة يعني العودة بالقضية الفلسطينية للنكبة الأولى عام 1948 بمفهومها الإنساني تحت شعار الطحين والسردين، مع تحسين المفردات اللغوية عام 2022. باختصار نحن كشعب لا يهمنا ألوان الرايات، ولا نُقَيِّم النجاحات والإخفاقات وفق المسميات الحزبية، أو مرجعيتها الفكريّة أو مفاهيمها، أو خططها المرحليّة والاستراتيجية، سواءً كانت كاملة أو منقوصة في فهمها لطبيعة الصراع مع الاحتلال، وإنّما وفق التقدم نحو حسم الصراع، وكما هي الحقيقة الساطعة فإنّ أيًا من برامج الفصائل سواءً تلك التي انتهجت المقاومة كسبيل للتحرير، أو التي تبنت المفاوضات سبيلًا لذلك، فكلاهما لم يحسم النتائج، ولم يُراكم خطوات ايجابية لتحسين المواقف، ولا لتحرير الأرض، ولا لتحقيق السلام وفق الشرعية الدولية. وفي نهاية المطاف استطاعت اسرائيل في خمسٍ وخمسين ساعة استعادة زمام المبادرة، وفرضت رؤيتها على فريقي المفاوضات والمقاومة، ورسخت أركان الانقسام، وأفرغت مضمون وحدة الساحات من معناها، أما فصائلنا وقادتنا استغرقوا أنفسهم خلال خمسة عشر عامًا في الجدل ومحاولة اقصاء الآخر، وجندوا لذلك خلايا الذباب الالكتروني التي لم تألُ جهدًا في إغراق الشعب في بحر لجي من التخوين، وتبرير القتل، وتحبيب الفقر إلى الناس، وتزيين العوز، وأداروا دفة السفينة بعيدًا عن أهدافها . الشعب الفلسطيني ليس بحاجة لخمس وخمسين ساعة لإعادة الدفة لمسارها، بل يحتاج لسويعات قليلة يقضيها أمام صناديق الاقتراع للخروج من لي عنق الحقيقة، ومن النفق الذي سجى ليله ألوان الرايات، فإسرائيل بلد مصنوع ماركة غربية ستبقى تحت طائل تهديد الزمن، والجغرافيا، والديموغرافيا، مهما فعلت من الأفاعيل، وستبقى أرض فلسطين العربية في مكانها، وسيزداد الصراع ويكبر وسيحررها العرب شاء من شاء وأبى من أبى .
#عائد_زقوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى أين تمضي غزة
-
بايدن عاد بقرني حمار
-
فلسطين ساعتان وحزمة رشىً
-
أُم اللوز
-
جواز دبلوماسي
-
صراع العروش
-
باريس الشّرق
-
أيّها القادة اخلعوا الأقنعة
-
يوم التوحيد انتصار للحقيقة والجماهير
-
عاش الوطن والشّعب
-
في ذكرى النّكبة سأسكن اسدود
-
رصاصُ الغدرِ لن يُسكتَ شيرين
-
جَعْجَعَةُ كَلَام
-
أردوغان ... التراجع القصري للطموحات
-
عظيمة يا مصر
-
صفقات ابليسيّة
-
الرئيس عبّاس في لهيب السلام
-
اسرائيل وتحويل الصراع
-
شعبٌ حرٌ وفصائلُ مأزومة
-
قمة جنين تعلو قمة النّقب
المزيد.....
-
مقتل 10 أشخاص في هجوم مسلحين على قرية علوية بريف حماة وفتح ت
...
-
ماذا دار بأول اتصال بين ترامب والسيسي بعد إعلان مقترحه لنقل
...
-
اجتماع عربي يرفض -تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم-، وإسرائيل تف
...
-
النرويج تفرج عن سفينة يقودها طاقم روسي بعد الاشتباه بدورها ف
...
-
السودان: مقتل العشرات في هجوم للدعم السريع على سوق بأم درمان
...
-
من أصحاب الأحكام العالية.. من هو المصري الذي أفرجت عنه إسرائ
...
-
بحرية الحرس الثوري الإيراني تكشف عن -مدينة صاروخية- جديدة
-
راجمات الصواريخ تدك القوات الأوكرانية
-
ترامب يقيل روهيت تشوبرا مدير مكتب الحماية المالية للمستهلك ا
...
-
السفير الإيراني يوضح مستقبل العلاقات بين موسكو وطهران في عهد
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|