كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي
الحوار المتمدن-العدد: 7338 - 2022 / 8 / 12 - 00:13
المحور:
الادب والفن
(التعليم في العراق الهبوط بمظلات التخلف)
مقدمة
الاسباب وراء وضع هذا الكتاب عدة , لكن آفة التأجيل شملته ,لقد مارست التعليم هاويا فمحترفا فمبتكرا,لكني قلما اسجل ملاحظاتي في تجربة التعليم .مرة جمعت مادة كثيرة من رسوم الاطفال وكنت أأمل ان ياتي يوم وادرسها دراسة سيكولوجية , لكني اهملت تلك الرسومات وضاعت ,وحاولت محاولات اخرى واهملتها ايضا,وليس هذا الكتاب الا تجربة حياة في حقل التعليم وليس دراسة علمية .
(درس الرسم )
ليس الغاية من درس الرسم ان ننشيء فنانين محترفين بل لتطويرالذائقة الفنية التي تنمو عند الفرد عبر سلسلة من التجارب والتوجيه والمران ,وكان الكثير من المعلمين يمتازون بخط انيق ..او لهم خبرة بانواع الخطوط ..فهذا المدرس (ل ) كان يدرسنا الجغرافية ولم يكن له مزاج بالتعليم فكان يختصر الدرس باقل من ربع ساعة ثم يسرح في عالمه تاركا الطلاب ينشغلون او يتسلون بانضباط , لكنه يملك قلم حبر حرفه ليصلح للخط.. كنا في الاول متوسط وكل يتمنى ان يكتب له اسمه بذلك الخط الساحر .. واذكر مرة كتب اسمي على دفتري وجواري الطالب قاسم يحثني ان اشكر المدرس لكن الخجل تغلب علي فلم اقدم شكري وأسفت سنوات لذلك ,اما مدرس اللغة العربية الاستاذ علي فكان لا يتقن الرسم وهو كاتب وشاعر ومترجم ويعزف العود .. دخل الينا مرة في درس الرسم ونظر الينا ثم استدار للسبورة ورسم بالطبشور فتاة اشبه بدمية وخطوطا متعرجة حولها كاعشاب ... وقال ارسموها .. قالها وفي صوته نبرة تعكس عدم الرضا عن رسمته . لكن احد الطلاب رسمها باتقان مضيفا لها بعض اللمسات ولونها بتناسق فظهرت لوحة جميلة فلما نظرها المعلم شجع الطالب ووضعها على السبورة امام الطلاب .بمرور السنوات اهمل درس الرسم واصبح حصة للرياضيات او الانكليزي وصرنا نتندر على الكسالى في الابتدائية (انه ناجح بالرياضة والرسم ).
في الصف الثاني المتوسط دخل علينا مدرس ممتليء الجسم انيق وكان يرتدي قاطا بلون براق فقال (الناس لا تهتم بالجمال فان ارتدى احد زيا جاذبا احتجوا عليه وقالوا انه عيب ).. فيما بعد علمنا بان هذا المدرس كان رساما, وقد شاهد بعضنا (محله للرسم ـ كاليري ) في قلب العشار . ذات يوم رسم ـ وهو يشرح ـ امرأة حزينة مطرقة وهي واقفة , خلفها يضع رجل يده على كتفها وأخذ يشرح اللوحة وكيف ان المرأة فاغرة فاها كطفل لحظة البكاء وان يد الرجل تمتد لتآزرها .. وشرح مرة كيف ان رساما تمكن من وضع البعد الثالث.. مضت اعوام قبل ان نكتشف بان اللوحة لبيكاسو مبتكر التكعيبية ومن هنا بدأت رحلة البحث عن انجازاته ومعرفة عظمته متذكرين لوحة مدرسنا . ومن تجربة شخصية علّمت عددا كبيرا من الاطفال كيف يرسمون جسم الانسان بطريقة مبسطة .. كنت احثهم على رسم دويرة ـ دائرة ـ ومستطيلين الاسفل يكون اطول .. وبعد ان يتمكنا من ذلك تأتي التفاصيل من ملامح واذرع وسيقان وانحرافات بالمستطيل تتحول لتنورة فتاة مثلا او لانحناء بدن . وقد رايت الصغار يتعلمون سريعا رسم الانسان وفي ايام معدودة عبر تكرار متواصل بحجوم صغيرة . .وان كان التلميذ يجهل الالوان فضلا عن الوان مزجها فالسبب يعود الى اهمال المدارس ...وارى ان معرفة مبسطة لمدارس الرسم والرسامين تتنامى مع تقدم البحث افضل من بعض دروس في الجغرافية وغيرها من امثال معرفة بعض التضاريس المعقدة .
تفتقر اغلب المدارس الابتدائية والمتوسطة الى غرف خاصة للرسم , رغم ما فيها من متعة وتخفيف من ضغط الدروس وتطوير الذائقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الاطروحات الجامعية )
كنت اتابع برنامج يبث من اذاعة بغداد لمناقشة الاطروحات التي يقدمها الباحثون لنيل الشهادات العليا .. وسأل المشرف طالباعن اصل مادة فاجابه الطالب هي من (قرأ ) .. فصرخ الاستاذ محتدما وهو يقول (( متى نتمكن من كتابة الاطروحة .)) ... وللمقارنة اذكر ما قصه علينا في اتحاد الادباء بالبصرة الدكتور قاسم البريسم المختص بالاصوات .. ( ذهبت الى بريطانيا فطلبوا مني ان ادرس سنة لان التعليم في العراق قاصر وتمكنت بعد عام من النجاح رغم ما كنت اعانيه من صعوبة اللغة .. بعدها طلبوا مني ان ان امضي الى مشفى الامراض النفسية واستغربت من هذا الطلب (هناك علاقة بين العي او الخلل بالصوت والحالة النفسية ), وبعد شهرين قلت سادرس الصوت واذا يرسلوني لدراسة آلات تختص بالصوت وتقويمه .. وبعد دورات عدة استغرقت اشهرا تمكنت من البدء بدراسة مادة الصوت .
حين يقصد طالب عراقي الدول الغربية يرفضون عددا كبيرا من كتاباته حتى يتعلم التكثيف والتبسيط
لقد ظهر يوما الرئيس السابق وفضح الغرف المظلمة قائلا : (علمت بان بعض الاساتذة يكتبون الاطروحات لطلابهم )... وعليك ان تتخيل ما جرى بعد ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الانشاء ـ التعبير)
غاية اللغة ان تكون وسيلة للتعبير وربما يكون وسيلة لترسيخها واستيعابها بصورة سليمة ..وبدءا احب انقل رسالة مدرس لي وهي تهميش منه على ابيات كتبتها في الصف الاول المتوسط , فقد كتب لي مهمشا (ان القصيدة من بحر الوافر لكن بعض ابياتها تخرج من نظام الوزن الى جمال النثر , فأقرا دواوين القدماء والمحدثين لتكتمل لديك سليقة الشعر وملكته واعلم بان كبار الشعراء قد قرأ العديد من الدواوين قبل ان تنضج شاعريتهم)... ان مثل هذا التوجيه كان كافيا ليحثني بقوة ويدفعني للاطلاع على مساحة واسعة من الشعر العربي وان اقتني كتب العروض الذي اتقنته بوقت مبكر .بعدها تمكنت من الارتجال في القريض ...وقد لاحظت ان كثيرا من المدرسين اما ان يطلبوا من طلابهم ان يكتبوا عن امور اخلاقية او مناسبات وطنية ..وغالبا ما يستعين الطالب بشخص ليكتب له ...وهو ما جمد الخيال لدى الطلاب وصحر اقلامهم .. وكنت احث الطلاب والصغار ان يكونوا احرارا بالكتابة .. فقط احدد لهم اطرا واسعة المساحة مثلا (اكتب عما شاهدته في الشارع ) او( اكتب موضوعا عن بيتك او غرفتك او زقاقك ). فيحاول الطلاب بمفرداتهم البسيطة ان يعبروا وكانت النتائج مرضية وتطور لديهم الاسلوب بتسارع , ولم اعترض على مفردات شعبية يكتبونها بل اهمش ما يقابلها بالفصحى .. واستذكر حينما كنت في الثانية عشرة من عمري راقدا في المشفى لمدة شهر لاجراء عملية بسيطة ...وكان رجل حوذي ثلاثيني يرقد جوار سريري واتى محقق برتبة عقيد ومعه شرطي يسجل ما يملى عليه فسأله (كيف اصبت ؟ ) . اجاب كنت (لزم نفسه بنظام وعادات صارمة حيث كان يستيقظ في العاشرة صباحا ويبدأ بمطالعة الصحف والرسائل الواردة إليه، ثم يتناول غداءا خفيفا في الحادية عشرة، ويقضي الساعتين التاليتين متكاسلا في الشرفة أو جالسا في جناحه يقرأ، وفي الساعة الواحدة ينكب على الكتابة حتى الساعة السابعة مساءا، ثم يتناول عشاءه ويقوم بجولة في الحديقة ثم يعود بعدها ليستأنف الكتابة حتى ساعة متأخرة من الليل.
ممكن ان يكتب الطالب مذكراته او رسائل لاصدقائه او عشيقاته ان يكتب عن اي شيء يشاهده, لابد بقوة الاصرار ان يتمكن من تطوير اسلوبه عبر المران وقد يصبح كاتبا ان وجدت فيه موهبة ...وهناك طريقة انصح بها هي ان يكتب الشخص ذات الفكرة مرات عدة ويقارن وسيرى كيف يستقيم لديه التعبير ويتمكن من الاختزال والتبسيط .ان منهج القراءة مؤخرا اعتاد ان يبدأ بموضوع ثم يحوله الى جمل متفرقة ويطلب من الطالب ان يكتب انشاء بذلك الموضوع وهي فكرة ناجحة شرط ان تتوقف في الثالث الابتدائي ويترك للطالب حرية التحليق بعدها .
ان قراءة الكتب والروايات لا تؤهل الفرد ان يجيد التعبير حتى يمرن قلمه عبر جهد متواصل ..لقد تمكن نجيب محفوظ ان يتفوق على الكاميرا احيانا برسم الوجوه في روايته < زقاق المدق >عبر مران طويل.فقد ذكر انه كان يسجل الملامح في دفتر حتى تلك اللحظة التي يودعها في رواياته.
(لا تستخدم أي كتاب عن تعليم الكتابة بديلاً من ممارسة الكتابة/ هيفرون ).
(النجاح في الكتابة يأتي لأولئك الذين لديهم القليل من الموهبة والكثير من الصبر./ آن مانهيمر )
(يحتاج الكاتب إلى أن يكون جريئاً في كسر القواعد الاجتماعية لتوفير الوقت. / ستيفن كنج ).
(الحذف شجاعة مهمة، وقليل من الكتاب من يقوى عليها).
(إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرً أشبه بصبّ الإسمنت المسلح. أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر. وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الاولى فالأفضل عدم الاصرار على كتابتها. بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك: إذ من الممكن العودة للبدء فيها من جديد.
ماركيز).
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟