أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - لن أنسى














المزيد.....

لن أنسى


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 7337 - 2022 / 8 / 11 - 17:29
المحور: الادب والفن
    


من كتاب " ما دوّنه الغبار" دينا سليم حنحن
ما راح أنسى

شهادة رئيفة داود صليبا أبو مَنّه - كركر.
ولدت في مدينة اللد في 7/3/1934، شاهدة على الأحداث التي حصلت عند سقوط المدينة، عندما دخلت الفرق المسلحة إليها، كانت غارة مفاجئة للجميع أتت على أرواح لا ذنب لها سوى أنها خلقت لكي تحيا.
قالت رئيفة: ما راح أقدر أنسى ما دمت على قيد الحياة ماذا حصل، أصبحتُ في عمر متقدم، وكلما أردت النسيان، وجدتُ نفسي أستذكر الأحداث مجددًا.
لقد رزقني الله بزوج كريم ومحبوب من أهل البلدة يدعى فائق أبو مَنّة، وكان شاهدًا على النكبة أيضا، نحن أولاد بلد واحد، وحّدت بيننا الأحداث وصرنا كلما اختلينا ببعضنا، نتحدث عما جرى في النكبة، لم نستطع إخراج المَشاهد من حياتنا، وأصبحت الذكريات من أهم يومياتنا.
لي أربعة أبناء وابنة واحدة، جميعهم درسوا، وتزوجوا، وكوّنوا عائلات جميلة، ولي أحفاد وأولاد أحفاد، جميعهم حولي ولم يتركوا فلسطين.
أبي داود كركر، ووالدتي نايفة البرو، وبيتنا القديم ما يزال قائما في اللد، أكلتهُ الأعشاب الضّارة، وعاثت فيه السنين خرابًا، تهجّرنا منه ولم نستطع العودة إليه، ولم تسمح لنا السلطات الإسرائيلية باستعادته بحجة أنه لا يصلح للبناء.
لي اثنان من الأعمام، أحدهما في يافا، والثاني قتل في القدس في ثورة 1936، برصاص اليهود، كان في السادسة والثلاثين من عمره، ويدعى حنا كركر.
في النكبة، كنتُ في الصف السابع، يعني في عمر ناضج وأتذكر كل شيء، اُقتيد أخوتي إلى الأسر، وتبدّلت الأحوال وبدأت الفوضى تعمّ البلد، لم نرَ ولا يهوديًا واحدًا في اللد قبل النكبة، خشية من العرب، اللهم، سوى طبيب يدعى (بنيت)، كان يحضر كل يوم ليؤدي عمله في عيادته، ويغادر بعد الدوام سريعا عائدا إلى بيته.
أقام اليهود في أماكن أخرى بعيدة، ولم نعرف شيئا عن تفاصيل حياتهم، لكن فجأة، وجدنا أنفسنا داخل كمّاشتهم عندما هجموا علينا من بيت شيمن، خيّب الأمر آمالنا كثيرا، بما أنه عقد اتفاق صلح، وتعهّد القيمون على اتخاذ موقف الحياد للحفاظ على الصداقة التي كانت تربط بيننا وبينهم.
كان ذلك يوم أحد، والوقت كان نهارا، لم تكن هناك حراسة للمدينة من قبل شبابها، وقد اعتادوا أن يفعلوا، ربما انتهى الشباب من دورهم في الحراسة ليلا، وأَوَوْا إلى مخادعهم نهارا حتى يستريحوا، أو ربما ذهبوا إلى أعمالهم، للأسف، نستطيع أن نقول إنه لم تكن الحراسة مجدية بسبب قلة الأسلحة.
لقد سُلبت منا المدينة سلبا وبالخديعة، ارتدى اليهود الزّيّ الأردني الشعبي وتحدثوا العربية، كُنا في البيت حينها، انشغلت والدتي بتحضير الطعام والعجين، وإذ بشقيقتي التي تعمل ممرضة في المشفى، تدّق علينا الباب مذعورة، وصرخت لاهثة، وطلبت منا الذهاب معها إلى المشفى في سيارة الإسعاف التي جاءت فيها، شاهدت شقيقتي الجيش الذي انطلق من بين شيمن، والذي بدأ يتحضر للهجوم على المدينة، من نافذة المشفى المشرفة على المنطقة، كانت المنطقة فارغة جدا، وبالإمكان رؤية ماذا يحصل في الأنحاء، وبالعين المجردة.
تركنا البيت، وذهبنا معها دون أن نأخذ معنا أي شيء، أتذكر شقيقي، بعد ساعات، عاد إلى البيت وجاء بالطعام لأن الجوع بدأ يدبّ فينا، جرأة كبيرة أن يذهب بالعجين إلى الفرن لخبزه أيضا، ذهب إلى بيتنا، حمل الأرغفة المصفوفة وذهب بها إلى الخباز وخبزها، ثم جاء بها إلى المشفى يتقاسمها كل من كان هناك، فعلَ كل ذلك دون أن يعترضه أي يهودي، ربما تكون قد تمركزت قواتهم في مناطق معينة بعيدة عن المنطقة التي فيها الفرن والمشفى! لكنهم، مساءً وصلوا إلى المشفى ودقّوا الأبواب بشراسة لتخويفنا، أو لربما أرادوا أن يوصلوا لنا رسالة التسليم كما وصلت للآخرين، رسالة الرحيل إلى برفيليا أو إلى رام الله، كما فعلوا مع جميع أصحاب البيوت التي تركها أصحابها، وهربوا خائفين.
هرب أخي إلى خارج المشفى خوفًا من أن يؤسَر، كان في الخامسة عشر من عمره، شاعَ خبر اقتياد الشباب إلى الأسر في المدينة، فضاعف من الخوف الذي كبّل أقدامنا، لم نعرف كيف نتصرّف، وماذا نفعل حتى ننجو بأنفسنا، كل شيء حصل بسرعة وكأن اليهود خططوا إلى حشرنا ليس فقط في الكنيسة والجامع جسديا فقط، بل خنقوا أفكارنا حتى لا نستهدي إلى فكرة تقودنا إلى الطريق الصحيحة، وأظن أننا اتخذنا قرارًا صائبا في بقائنا في المدينة ولم نلحق بالنازحين، يوجد منهم من قضى على الطريق، هربَ شقيقي وسلكَ المسلك ذاته الذي سلكه المطرودون، وعندما انتهت الحرب عاد، وروى لنا ما شاهده من مشاهد يندى لها الجبين.

" ما دونه الغبار" اصدار مكتبة كل شيء - حيفا 2021



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طردتها العجوز من كوخها
- الاعلان عن اصدار جديد
- ريشة الغراب
- النمل نديمي
- طوقتني العقارب
- نهر توود - أستراليا
- البحث عن مفقودين
- مسرح الخيالة - الفرسان في بئر السبع
- استفزاز
- أكيد الديك أخرس
- الهزهزة الخالدة وفيضانات بريزبن / أستراليا 2022
- مداخلة الشاعرة راغدة عساف زين الدين كتاب - جدار الصّمت - دين ...
- الهومليس يعرفون العشق أيضا
- - ربيع المسافات- ودينا سليم حنحن
- أمات شجرة ممتلئة حياة
- أشجار أسترالية مُدرجة في قائمة التراث الوطني.
- تأسيس أفقي للبحث عن هوية دينا سليم حنحن في سادينا
- للصمت جدار من ذكريات
- الكاسرولا
- صورة اليهود في رواية -قلوب لمدن قلقة- دينا سليم حنحن


المزيد.....




- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا
- -بيت مال القدس- تقارب موضوع ترسيخ المعرفة بعناصر الثقافة الم ...
- الكوميدي الأميركي نيت بارغاتزي يقدم حفل توزيع جوائز إيمي
- نقابة الفنانين السوريين تشطب سلاف فواخرجي بسبب بشار الاسد!! ...
- -قصص تروى وتروى-.. مهرجان -أفلام السعودية- بدورته الـ11
- مناظرة افتراضية تكشف ما يحرّك حياتنا... الطباعة أم GPS؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - لن أنسى