حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)
الحوار المتمدن-العدد: 7335 - 2022 / 8 / 9 - 14:08
المحور:
الادب والفن
تبارك مجد الطاقة.
لقد توقف جسدي عن العمل.
تباطأ لثوانٍ ، ثم انطفأ كآلة.
توقف تنفسي ،
توقف قلبي عن الخفقان،
كأرنب دائم الذعر من الحياة.
أحظى بالموت السريري.
وبعد دقائق تتوقف خلايا دماغي
يطلق القطار الحيوي دخانه الأخير،
دفقاً من "ثنائي ميثيل التربتامين"
المخدر الحاثّ على الأحلام.
وهكذا أحلم حلماً عظيماً لم أحلم به من قبل.
لأنه يضمّ كل وردة شممتها،
وكل امرأة أحببتها،
وكل هزيمة تلقيتها،
وكل كتاب نشرته،
وكل خبز ساخن صنعته،
وكل وطن غادرته.
تشتعل عصبوناتي دفعة واحدة
بعد إطلاق أخير لثنائي ميثيل التربتامين ،
وأرى تشكيلة قوس قزح جديدة.
أحظى بوقت رائع للغاية ،
ثم يسدل الستارُ- الحلمُ الذي ينهي كل الأحلام.
الحلم العظيم الأخير الذي يحدث مع لفظ دماغي لأنفاسه الأخيرة.
لا ألم لا ذكريات،
ولا وعي بأنني كنت موجوداً يوماً.
لا وعي لدي أنني قدت يوماً شاحنة المرسيدس ،
في طريق النزهة الريفية،
لا وعي لدي أنني وقفت بباب المنزل،
مانعاً أمي من المغادرة وهي حزينة.
لا وعي أنني كنت طفلاً ألاحق في شوارع الظهيرة الحارة،
طيف فتاة أحببتها في المدرسة.
لا وعي أنني كنت أساعد أمي في تقشير الجوز الأخضر
وحين كبرت ساعدتها في أن تصبح شجرةً
جذورها في أعماقي .
لا وعي أنني سرقت بعض النقود من جيب والدي
لشراء المجلات والكتب.
لا وعي أنني ثملت كثيراً،
وأحببت كثيراً،
وتألمت كثيراً ،
لا وعي أنني كنت موجوداً يوماً ،
لا وعي بأن كل شيء سيكون كما كان قبل أن أوجد.
ثم تتلاشى الكهرباء من دماغي،
تفصل القابس يد الكيمياء الخفية،
إلى أن يصبح نسيجاً ميتاً، لحم نسيان.
وكل الأمور الصغيرة الأخرى التي تكونني ،
الميكروبات والجراثيم والكائنات الكثيرة الأخرى.
التي تعيش على رموشي وشعري،
وفي فمي وعلى بشرتي وفي أمعائي،
كلها تواصل الحياة،
أنا أخدم بذلك غرضاً في الحياة.
أصبح غذاءً وأتحلل لأجزاء،
يعاد تدويرها وأصبح مليار قطعة أخرى،
وتصل ذراتي إلى النباتات والحشرات والحيوانات،
وأصبح كالنجوم في السماء،
حياتي تمر بلحظة ثم أتبعثر في الكون،
تراباً أو قصيدة.
#حسان_الجودي (هاشتاغ)
Hassan_Al_Joudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟