عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 11:03
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ أن بدأت الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية الفلسطينية التي اجريت في وقت متقدم من العام الجاري , رأينا نشاطا منقطع النظير وربما غير مسبوق لمراكز فحص الرأي العام واستطلاع مواقفه المختلفة , جميل جدا أن تكون لدينا العديد من مراكز ومؤسسات البحث واستطلاع الرأي فهذا إن دل في العموم فإنه يدل على حالة سياسية واجتماعية صحية , لكن المأساة الكبرى ومن خلال مراقبة العديد من أوساط المجتمع الفلسطيني لآداء هذه المراكز يجد المرء المراقب أو القارىء لنشراتها الاستطلاعية أن تلك الاستطلاعات الفاحصة لاتجاهات الرأي العام الفلسطيني تنقصها الموضوعية في الانصاف المتجه نحو معرفة الحقيقة , فمن صفات أي مركز بحثي سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أنه دوما يحاول مراعاة التوصل إلى ما هو حقيقي وموجود على أرض الواقع , وفي سبيل ذلك يتم استخدام الادوات البحثية المختلفة وكذلك تحديد الضوابط والمحددات المطلوبة في اختيار العينة البحثية من حيث مراعاة على سبيل المثال عشوائية اختيار العينة الديمغرافية بطريقة تحاول التقليل أو قدر الامكان الابتعاد عن استهداف عينة بذاتها معروفة أنها تؤيد هذا الخط السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو غيره .
على أية حال , أنا لست خبيرا احصائيا أو استطلاعيا في مثل هذه الجوانب البحثية المهمة , لكنني كقارىء ومتابع في كثير من جوانب الحياة الفلسطينية العامة رأيت وغيري أن الاستطلاعات التي تجريها مراكزنا البحثية العديدة قد جاءت وللاسف الشديد مناقضة تماما لما جرى على أرض الواقع من نتائج حقيقية وليس أدل على ذلك تلك المفارقة الغريبة بين ما توقعته معظم استطلاعات الرأي حول فوز حركة فتح في الانتخابات التشريعية وتفوقها- والتي يبدو أن كثيرا منها يعمل لصالح حركة فتح بشكل خاص ولفصائل منظمة التحرير التي تتنفع وتتكسب من وراء المنظمة والسلطة التي تسيطر عليهما حركة فتح – وبين ما حدث وبات حقيقة ملموسة على أرض الواقع من فوز حركة حماس الساحق في الانتخابات الاخيرة حيث أنها حصدت أكثر من ثلثي مقاعد المجلس التشريعي , وفي تلك الاثناء أصبح كثيرون من الناس يتندرون على مراكز الاستطلاع التي ذهبت في توقعاتها حول فوز هذه الجهة أو تلك , وعقب كتاب كثر على أداء هذه المراكز وحول تحيزها الحزبي وذلك في أكثر من مقالة , ورغم محاولة بعض هذه المراكز اختلاق المبررات لهكذا توقعات من حيث تردد الناخب المراد استطلاعه وخوفه ووجله من هذه الجهة أو تلك وبالتالي عدم إدلائه برأيه الحقيقي , إلا أن هذا التبرير وغيره لايدخل عقل المواطن الفلسطيني العادي فضلا عن تقبله من المراقب أو الخبير الحقيقي والموضوعي في موضوعات قراءة وفحص الرأي العام , ذلك لأن الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله وضمن ظروفه الموضوعية بكونه أولا شعب يحيا تحت الاحتلال وفي ظل سلطة حكم ذاتي لاتمتلك من الادوات والقدرات لقمع رأيه وحريته كما هو الحال في انظمة الحكم العربية الاقطاعية , وبالتالي فإنه من غير المقبول عقليا ومنطقيا ومن ماهو موجود فعلا أن المواطن الفلسطيني يتوجل ويخاف من إبداء رأيه أو موقفه أو صوته , أنا شخصيا ضمن المحيط الذي أعيش وضمن ما أعرف من الناس استطيع أن أحدد الاتجاه السياسي لهذا المواطن أو ذاك , ولذلك فإن ما بررته تلك المراكز والمؤسسات في حينها لا تستقيم في ميزان الحقيقة والمعرفة الموضوعية .
مع ذلك كله , يبدو أن تلك المؤسسات لم تتعلم أو لم تعتبر من تجارب ما مضى من سالف الايام , ولازلنا نراها حتى اليوم تطالعنا باستطلاعاتها الحزبية لصالح فصيل بعينه وأقصد هنا بشكل واضح حركة فتح ورئيس سلطتها عباس , فمعظم الاستطلاعات المسيسة بهذا الاتجاه - وهي بالمناسبة كثيرة- نراها بأرقامها الاحصائية غير المستندة إلى الموضوعية العلمية تخص الجانب السلبي منها حركة حماس والحكومة الفلسطينية التي تستند إلى الشرعية الانتخابية , بينما كل ماهو ايجابي ويتحدث عن ازدياد في الشعبية وتأييد للخط السياسي والبرامجي نجده بحول الله من نصيب فتح والرئيس عباس.
ففي استطلاعين للرأي تم نشرهما في جريدة القدس المحلية الاول بتاريخ 19 - 9 - 2006 وقد أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة , حيث جاء في هذا الاستطلاع أن 55 % يؤيدون الرئيس عباس بينما أن 54 % غير راضين عن أداء الحكومة , وأنه فيما يتعلق بأداء الحكومة بمعالجة الملف الاقتصادي مثل الرواتب والفقر فإن نسبة عدم الرضا عنه وصلت إلى 69 % ونسبة الرضا 26 % .
يتحدث الاستطلاع أيضا حول أن نسبة الذين سيصوتون لحماس لو جرت انتخابات جديدة اليوم ستبقى ثابته على ما كانت عليه قبل ثلاثة اشهر 38 % مقابل 39 % في حزيران السابق أما شعبية حركة فتح فسترتفع بشكل ضئيل من 39 % الى 41 % خلال نفس الفترة , وتحصل الفصائل والمجموعات السياسية الاخرى مجتمعة على 9% .
المفارقة العجيبة في هذا الاستطلاع انه يتحدث عن أن نسبة 67 % لا تعتقد ان على حماس القبول بشرط الاعتراف بإسرائيل الذي تفرضه الدول المانحة فيما ترى نسبة من 30% فقط ان عليها القبول بذلك في مقابل أن الاستطلاع نفسه يتحدث عن أن 54 % من العينات المستطلعة لا ترضى عن اداء الحكومة الاقتصادي , فكيف بربكم يسمح إنسان لنفسه اخلاقيا أن يكيل الاتهام لآخر حول وضع معين سببه هو موقف اتخذه هذا الانسان المتهم وفي الوقت ذاته يطلب منه عدم تغيير الموقف الذي يستند إليه ؟!
فالحكومة الفلسطينية كما يعرف الجميع أنها محاصرة اقتصاديا وسياسيا بسبب عدم قبولها بالشروط الامريكية والاسرائيلية التي تتعلق بالاعتراف بالاخيرة وبتجريم المقاومة والاعتراف باتفاقيات التنازلات والانبطاحات , إذن سبب الحصار هو التمسك بالثوابت فإما أن يتم التنازل عنها وبالتالي تأتي الاموال الامريكية والغربية وما لنا عند الصهاينة من أموال محجوزة , أوأن نبقى عند ثوابتنا مهما كان الثمن , ولذلك أرى أن في هذا الاستطلاع نوعا فاضحا من التناقض هذا بالاضافة إلى الكثير من المعطيات التي تشي بأن هذا الاستطلاع فتحاوي ومن زلم الرئيس عباس .
أما الاستطلاع الآخر الذي أجرته جامعة بيرزيت والمنشور في جريدة القديسأيضا بتاريخ 21 - 9 - 2006 , فهو أيضا- بحول الله- يتحدث عن أن نسبة 60% من المستطلعين مع حل المجلس التشريعي و66 % مع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية , 57 % يؤيدون الاضراب 43 لايؤيدون الاضراب , 31ر% يؤيدون حماس 35 % يؤيدون فتح .
44% من المستطلعين الشباب بأن لديهم الرغبة في الهجرة في حال توفر فرصة لذلك , كما عبر 55% من الشباب الذكور عن رغبتهم بالهجرة , أي احباط هذا الذي يزرعون , أين ارادة الصمود والصبر أم أننا متسولون لا نصبر كثيرا عن انقطاع اموال الابتزاز الغربي والامريكي, هل يعقل أن دماء آلاف الشهداء والجرحى كانت من اجل الحصول على لقمة العيش المرهونة بيد امريكا واسرائيل والغرب والتي كرسها ابطال السلام في اتفاقياتهم المذلة .
مرة اخرى مع بعض معطيات هذا الاستطلاع لنرى مدى فئويته وتحزبه لفريق أوسلو المفرط .
يذكر الاستطلاع أن 55% من المستطلعين يرون بان دور الاحزاب السياسية والمجلس التشريعي والحكومة سلبي , ووجه نحو 44 % من المستطلعين نقدهم لحماس إزاء الازمة الحالية , في حين أن 40 % وجهوا نقدهم لحركة فتح لذات السبب ,أنا لا أريد هنا أن أدخل في ذكر من يشارك في الحصار الامريكي والاسرائيلي على حكومة الشعب الفلسطيني , ولكن معي هذه المفارقة العجيبة حيث يقول الاستطلاع أن اغلبية ساحقة من المستطلعين 95 % وجهت انتقادها لكل من اسرائيل والولايات المتحدة إزاء الازمة الحالية , فيما وصلت نسبة المنتقدين للامم المتحدة نحو 68 % , فإذا كان المستطلعون يرون أن سبب المشكلة هو الحصار الصهيو – امريكي , وموقف الامم المتحدة المتماهي مع هذا الحلف , وهذا الانتقاد يعني أن الحصار باطل وأن الذين يقومون به هم على باطل وبالتالي هم من يتحملون المسؤولية , فكيف جئتم بهذه النسب العالية التي تدين حماس وحكومتها ونهجها ؟!!
يتحدث الاستطلاع بأن 60 % من المستطلعين يرون بأن تطبيق حماس لبرنامجها بالضعيف, 57 % لا يقدرون على شرح برنامج حماس الانتخابي, 57 % اضراب الموظفين والمعلمين, 54 % من المستطلعين يرون ان اداء الحكومة سلبي, 55 % من المستطلعين يرون انه لابد ان يكون اعضاء الحكومة الجديدة من خارج المجلس التشريعي , 62 % يدعمون عباس في اختيار رئيس وزراء مستقل , 55 % يدعمون عباس في حال تشكيله لحكومة من المستقلين , نسبة ثبات شعبية فتح استقرت عند 42 % بينما انخفض الدعم لحركة حماس بالتأكيد استنادا للاستطلاع الى 37% , أما بالنسبة للاعتراف بإسرائيل فيتحدث الاستطلاع عن دعم المستطلعين لاعتراف حركة حماس بنسبة تصل إلى 52 %, وكذلك الأمر عن معارضة المستطلعين لاعتراف حماس بإسرائيل في الوقت الحالي بنسبة 69 % .
وهكذا نجد أن الاستطلاعين اللذين أمامنا يتحدان في عرض الصورة السلبية لواقع حركة حماس وشعبيتها في الشارع الفلسطيني, فهذه الاستطلاعات تعكس بشكل واضح موقف قيادات فتح وتيار الحل الفلسطيني وكأن ما ورد فيها يمثل ما يريده السيد نبيل عمرو حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من التكنوقراط أو الخبراء المستقلين وكذلك الموقف من إعطاء عباس صلاحية تشكيل الحكومة وجعل رئيسها مستقل فهذا الموقف يريده وبشدة زعماء وأمراء الفساد الفلسطيني للالتفاف على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وأيضا هو ما تريده نظم العار والتآمر العربية التي لا اعرف لماذا لا يعجبها السيد إسماعيل هنية وكذلك بالنسبة للموقف من حل الحكومة الفلسطينية وإجراء انتخابات مبكرة حيث أن هذا الاستطلاع يزعم أن العينة المستطلعة تدعمه بنسبة 60% وطبعا هذا الأمر الأخير يتشوق إليه السيد عزام الأحمد ووكيل وزارة المالية المعين من قبل عباس السيد زياد أبو العين حيث إن هذين يريان أن الحكومة الفلسطينية إرهابية وبالتالي لا بد من إسقاطها, هذا بالضبط هو واقع حال مراكز فحص الراي لدينا وكذلك ما يسمى بوسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية, ليت هذه المراكز والوسائل تعمل لصالح حركة فتح من المنظور الوطني الفلسطيني, فعندها يمكن للمرء أن يتغاضى عن الأمور الحزبية والفئوية, ولكنها وللأسف تعمل من حيث تدري أو لا تدري لصالح العدو الصهيوني ولصالح راعية الإرهاب الدولي الولايات المتحدة, لان الذي تروج له هذه المراكز والمؤسسات ليس لقاؤه سوى مصالح زعران ومراهقي اوسلو التافهة والوضيعة, أفلا تتقي هذه المؤسسات الله وحرمة الوطن وحرمة انتهاك الموضوعية العلمية التي تتشدق باسمها وبصيتها.
لان المقام لايتسع لذكر كل معطيات هذا الاستطلاع المتناقض نكتفي بهذا القدر منه, وبإمكان القارىء الكريم ان يعود اليه ولغيره ليعلم ان هذه الاستطلاعات وللاسف هي جزء من المؤامرة على الجهة التي انتخبها الشعب الفلسطيني ديمقراطيا, فكل المعطيات المذكورة يظهر منها رائحة ان هذا الاستطلاع وغيره مكرس لخدمة جهة بعينها.
أنا لا استغرب ان تطل علينا استطلاعاتنا المتناهية الدقة في المستقبل لتقول ان السيد ياسر عبد ربه قد ارتفعت شعبيته وازداد الذين يؤيدون خطه نحو المزيد من التفريط والتنازل, أو أن يطل علينا استطلاع في قادم الايام ليقول إن الذين يؤيدون حجب الثقة عن وزير الداخلية سعيد صيام تجاوزت أل 70% وان الذين يرون أن الفلتان الأمني ازداد في عهده قد وصلوا إلى نسبة 90 %, بينما كانت في عهد الاغر دحلان اقل من ذلك بكثير وعلى ذلك اكد عدد كبير من المستطلعين.
ماذا بامكان المرء ان يقول في هذه الايام سوى ان الباطل يحشد اذنابه, وأن هؤلاء لم يعد يعملون سرا, بل إن الخيانة أصبحت وجهة نظر تنظيرا وعملا.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟