|
أنا حمار لأنني صَدّقت الرئيس علي عبد الله صالح
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 12:05
المحور:
كتابات ساخرة
كنت أظن دائما أنني قادر على قراءة السطور ومابين السطور. لم أصدقه عندما قال لوفد كويتي بأنه واثق من عدم وجود حشود عراقية على حدود الدولة الجارة الصغيرة. لم أكن في حاجة شديدة لاجهاد العقل حتى أكتشف مسرحية الاتصال بصدام حسين قبيل الغزو العراقي للكويت، وبأنه تلقى تأكيدات من القائد المهيب بسكون القوات العراقية وصمتها وابتعادها كثيرا عن حدودها الجنوبية. وهل كنت في حاجة لاستخدام المنطق والاستدلال المسبق لمعرفة موقف رئيس الوفد اليمني في مجلس الأمن الذي وقف موقفا عاريا ( من العار وليس من العري ) خلال تلك الفترة السوداء التي انشق فيها العرب بين مصفقين لشيطان بغداد، وبين خائفين على الصف العربي بعد يوم الغدر .. الثاني من أغسطس 1990. كنت أجهل تماما أن القات قادر على رفع نسبة الذكاء والدهاء أضعافا مضاعفة، وأن تخزينه في فترة ما بعد الظهيرة يكسب صاحبه أسنانا صفراء، وقدرة على خداع الآخرين ولو كانت عقولهم آينشتانية. كانت أموال الكويت تتدفق بسخاء شديد على اليمن السعيد، وتلقت جامعات اليمن وسدودها وزراعاتها وهيئاتها الخيرية والاسلامية وحكومتها هبات الشعب الكويتي الذي لا يعرف شماله ما أنفقت يمينه. وكان من المفترض أن تصبح اليمن امتدادا للكويت فجر الثاني من أغسطس، وأن يعلن الرئيس مدى الحياة علي عبد الله صالح أن احتلال الكويت هو احتلال لليمن. دهاء الرئيس علي عبد الله صالح لم يشهد مثله تاريخ اليمن الحديث، فظن الجنوبيون أنهم يستطيعون بما يملكون من خبرة ماركسية وتاريخ عريق في الأزمات أنهم سيقفون على قدم المساواة مع الشماليين إثر الوحدة الكبرى. وفتح الرئيس كل الأبواب للقادة الجنوبيين، وجعلهم يحلمون بقيادة اليمن من صنعاء، وبأن كل واحد منهم سيصبح الأب الروحي للوحدة اليمنية، وربما يتنازل الرئيس علي عبد الله صالح لأحد قيادات عدن. ودخل القادة الجنوبيون عش الزواج، وتمتعوا بشهر العسل، وظنوا أنهم أصحاب البيت وليسوا ضيوفا. وجاءت مذبحة المماليك على الطريقة اليمنية، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل صنعاء من باب عدن فهو أكثر آمنا، لكنه لن يخرج منها إلا إلى المنفى. كان الرئيس قد أخفى كل اختبارات الذكاء خلف مظهر طيب وشبه ساذج فبدت الوحدة اليمنية للقادة الجنوبيين كأنها جلسة تخزين تنتهي قبل غروب الشمس، وينفض كل ضيف إلى حال سبيله. كل الذين وقفوا مع الجنوبيين في حرية اختيارهم لفض الوحدة تراجعوا، واعترفوا بعاصمة واحدة ليمن واحد وزعيم أوحد لو بُعِثَت ملكة سبأ من جديد لقدمت له ولاءها وطاعتها دون حاجة لهدهد أو هدية يفرح بها رئيس الشمال والجنوب والشرق والغرب. بدت مني ابتسامة تهكم عندما علمت بأن أعضاء حزب الغد توجهوا لسفارة اليمن في عاصمة المعز للتهنئة برفض قبول الرئيس علي عبد الله صالح تجديد الترشيح مهما كانت الظروف. لم أصدق أن زعيما عربيا يمكن أن يقلد سوار الذهب فيتنحى، ويعود إلى أهله وجيرانه وبيته القديم، ويتسوق كبقية خلق الله، ويقف في الزحام، ويدفع فاتورة الماء والكهرباء والهاتف، ويشكو من ارتفاع الأسعار، ويبيع سيارته ليشتري سيارة رخيصة. فجأة وجدت نفسي مشدودا أمام مؤتمر شعبي يجلس فيه الرئيس علي عبد الله صالح محاورا، وناهرا، وناهيا، وحاسما في كلماته بأنه لن يجدد لنفسه، ولن يترشح ولو شج كل يمني رأسه في الحائط حتى يتدفق الدم منه. أخيرا صَدّقْت الرئيس! لا يمكن أن يكذب، وكانت كلماته كأنها تنزيل من التنزيل. من المستحيل أن تكون تلك مسرحية، فذكائي الذي أثق به يؤكد لي أن في كلمات الرئيس اصرارا عجيبا على عدم الترشيح، فهو يبحث عن جيل جديد، ويعطي الفرصة لغيره، وهو رجل عهد ووعد خاصة وأن العالم كله يشهد هذا المؤتمر الذي يعطي فيه الرئيس اليمني لزعماء الدنيا درسا في اصرار سيد القصر على تسليم الحكم بعد ثمانية وعشرين عاما لآخرين لعل دماء جديدة تسري في شرايين الوطن . حدثتني نفسي مازحة بأن الرجل قد يكون ممثلا ماهرا ومحترفا في مسرحية تصغر بجانبها ( الزعيم ) لعادل إمام. أبعدت الفكرة فورا عن عن ذهني، وتسمرتُ أمام الشاشة الصغيرة كما يفعل المراهقون وهم يشاهدون مذيعات العربية والجزيرة والام بي سي خاصة إذا كان الصدر لبنانيا عاريا ( من العري وليس من العار )، ثم ألقيت بكل ثقتي على ما ظننته حتى تلك اللحظة ذكاء وخبرة ومتابعة للسياسة العربية. قلت لمحدثي وكأنني أمسك اليقين كله بين شفتي: هذه المرة سيرفض فيها الرئيس علي عبد الله صالح كل الدعوات والاستجداءات بأن يستمر رئيسا لولاية جديدة ولو جرت دموع اليمنيين ليفيض بها سد مأرب. تذكرت الرؤساء أحمد عبد الله صالح، وسيف الاسلام القذافي وجمال مبارك، لكنني واثق بأن زعيم اليمن لن يتزحزع قيد شعرة عن قراره واصراره وحسمه وحزمه. طاردتني فكرة الظن السيء بسيد اليمنين، لكنني رفضت التوقف عندما لبرهة واحدة، فأنا لست حمارا يتابع فخامته ولا يفهم الجد من الهزل. وكالات الأنباء تتناقل الخبر كأنه نقلة حضارية عربية للامساك بركب الديمقراطية ولو بعد ثمانية وعشرين عاما. آه لو عرفتْ ملكة سبأ أن الجن والإنس والنمل ما كانوا يُكَذّبون الرئيس لو حضروا هذا المؤتمر. وجاء الخبر الفصل، وأخرج الرئيس لسانه لي من الشاشة الصغيرة قائلا وهو يضحك ملء فمه: هل عرفت الآن أنك حمار؟
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستقبل مصر كما أحلم به
-
السيناريو القادم في مصر ... ماذا يخطط الرئيسان؟
-
انتحار المثقف المصري
-
معذرة ... لكنني لا أتحدث في الدين
-
بل ستسمع الموسيقى والغناء رغم أنفك
-
حرمة تحريم الموسيقى والغناء
-
نشرة الأخبار يقرأها عليكم حمار
-
الأرض بتتكلم عبري ... دعوة عربية لحماية إسرائيل
-
أيها اللبنانيون: نلطم وجوهنا دفاعا عنكم
-
الرئيس السوري يصاب بالصمم .. القيادة السورية تصاب بالشلل
-
تأجيل الانتفاضة المصرية ... حكاية لم تنته بعد
-
لماذا يعادي المسلمون العقل ؟
-
الحوار الأخير بين رئيس يحتضر و ... رئيس يرث
-
أمريكا تطبع قُبلة على جبين العقيد
-
الله يخرب بيتك يا ريس
-
حوار بين حر سجين و ... سجين حر
-
رسالة مفتوحة إلى نشطاء ( كفاية ) .. الانتفاضة أو الطوفان
-
رسالة إلى محمد الشرقاوي .. أحزانك أشرف من أفراحنا !
-
إبليس يتنازل للعراقيين عن المهمات القذرة
-
سيدي الرئيس ... أرجو أن تبصق في وجوهنا
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|