كاتب فلسطيني ـ دمشق
الهجمات "الإرهابية" الانتحارية التي ضربت العاصمة السعودية(الرياض) والعاصمة المغربية (الدار البيضاء)، أعادت للسطح مسألة "الإرهاب العالمي"، والحرب الأمريكية والدولية عليه، حيث سارعت الإدارة الأمريكية وحكومات هذه الدول إلى تحميل تنظيم القاعدة وتنظيمات أخرى مرتبطة به المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن هذه التفجيرات، أي بمعنى أو بآخر فشلاً ذريعاً تمخضت عنه الحرب الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب، وبذات المسار العودة الأمريكية للحرب عليه.
غير أن ما يعنينا نحن الفلسطينيين من هذه المسألة هو الربط بين هذه الأعمال "الإرهابية"، وبين أشكال من المقاومة تقوم بعض الفصائل الفلسطينية بتنفيذها، أي العمليات الاستشهادية كما نطلق عليها. وكالعادة فإن الولايات المتحدة قد وجدت سبباً جديداً لاستمرار "عولمة السلاح" وفتحت لها آفاقاً جديدة لاستخدام القوة العسكرية بين حربين شنتهما خلال عامين من الزمن، الأولى في أفغانستان والأخرى في العراق الشقيق، وكذلك الإسرائيليون كان لهم فائدة، بأن أظهروا أنفسهم مجدداً حملاً وديعاً يقوم (الذئب) الفلسطيني بذات الأعمال التفجيرية ضدهم. وأن "الإرهاب الفلسطيني" حلقة من حلقات مسلسل الإرهاب العالمي، ومن ذلك المنطلق دعت حكومة الإرهاب في تل أبيب الجالية اليهودية في المغرب بالهجرة من المغرب باتجاه (أرض الميعاد) أرض (المن والسلوى). لنجد أنفسنا أمام استغلال إسرائيلي واضح لهذه الهجمات الإرهابية، وذلك بإظهار مسؤوليتهم عن مجمل يهود المغرب، أي مسؤولية إسرائيل عن أتباع الطائفة اليهودية في العالم، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا سيترك يهود المغرب أوطانهم ويهاجروا باتجاه شرق المتوسط طالما أن "الإرهاب الفلسطيني" يفتك بالمدنيين اليهود الموجودين بين نهر الأردن والبحر المتوسط، كما هو حال الإرهاب العالمي ؟ هذه الحملة التي تتعرض لها المقاومة الفلسطينية تأتي في أوقات حرجة، بات يعرفها الجميع، فالإدارة الأمريكية طرحت خطة "خارطة الطريق" لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفي رأس أولويات هذه الخطة ضرب المقاومة وإيقافها ونزع سلاحها، كمقدمة لأي حل سياسي. وبذات الوقت الضغط الأمريكي المشدد على العاصمة السورية دمشق للتضييق على فصائل المقاومة الموجودة فوق ترابها، مع أن الإدارة الأمريكية تعلم جيداً أن هذه الفصائل لا تمارس أي عمل مسلح انطلاقاً من الأراضي السورية، فمجمل عملها يقتصر على الإعلام وتقديم خدمات للاجئين الفلسطينيين المقتلعين منذ 55 عاماً من أرضهم، ويقيمون كلاجئين فوق الأراضي السورية، والإدارة الأمريكية تعلم أن حل هذا الموضوع كله يكمن في حل سياسي شامل تحل فيه قضية اللاجئين، لتنتهي عندئذ مسألة مكاتب فصائل المقاومة.
الإدارة الأمريكية نطقت بالهوى الإسرائيلي في مسألة إغلاق المكاتب، ومرة أخرى تمارس الإدارة الأمريكية سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير فحين تحشد الجيوش والجحافل للحرب على العراق بحجة "تحريره" من "الاستبداد"، والآن تقوم باحتلاله وتدمير كل أعمدة الدولة العراقية بحل الجيش العراقي، وأجهزة الأمن، ومؤسسات وزارات الدفاع والإعلام والداخلية، والحبل على الجرار لشطب العراق من أي دور في الخليج ومن قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي الصهيوني، نراها في الملف الفلسطيني ترفض حتى وجود مكتب إعلامي يعبر عن ملايين اللاجئين من البشر، وتدعو أيضاً في كل العالم العربي إلى تعزيز مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية الغير حكومية، لكن في الملف الفلسطيني تحارب وجود مؤسسات اجتماعية خدمية تعالج أوجاع البشر.
على كل فإن الحرب الأمريكية على "الإرهاب" قبل هجمات الرياض والدار البيضاء طالت بعض الفصائل الفلسطينية التي تنفذ العمليات "الاستشهادية" التفجيرية ضد التجمعات المدنية، وبعد هذه الهجمات حتماً الإدارة الأمريكية ستشدد في موضوع المقاومة الفلسطينية، ليس فقط بسبب هجمات الرياض والدار البيضاء، بل لأن مشروعاً سياسياً بات يلوح في الأفق. وهنا يجب الإشارة إلى التالي: طالما أن الإدارة الأمريكية تتعاطى بمنطق آخر مع الملف الفلسطيني، وطالما أنها مستمرة بسياسة الكيل بمكيالين فليس هناك أمامنا نحن الفلسطينيون إلا الوقوف بجدية أمام الخيارات المتاحة أمامنا، آخذين بعين الاعتبار حقنا الطبيعي بمقاومة الاحتلال، والوضع الحياتي اليومي للمواطن البسيط العادي، وتفحص ما يعرض علينا بجدية دون التطير بالرفض العدمي بحجة التمسك "بالحقوق التاريخية" أو التطير في "العقلانية"، والخلاص من هذا المأزق لن يتم إلا برص الصف الفلسطيني الداخلي وتحديد أولوياتنا في هذه المرحلة وأهمها الوحدة الوطنية الفلسطينية السياسية القائمة على برنامج سياسي موحد يحظى بالإجماع الوطني، ومقاومة وطنية واعية لكل التغيرات والتطورات التي تعصف بما حولنا، والتي نالت رياحها جزءاً من أعمدة بيتنا الداخلي. لأن بعض الفصائل لم تستوعب تجارب حركات التحرر الوطني في القرن العشرين بما فيها تجربة حزب الله التي ابتعدت عن أي عمل ضد المدنيين على جانبي خط الحدود مع "إسرائيل"، ومارست المقاومة حصراً ضد جنود وقوات الاحتلال في جنوب لبنان.
إن أمام المتحاورين في القاهرة في الأيام القادمة، مهمة صعبة وحساسة تتطلب تغليب الوطني على ما هو حزبي وفئوي وضيق، ووقف عملية التفرد والانفراد في القرار الوطني التي "سئم" منه حتى أصحابها على حد تعبير الوزير المستقيل د. صائب عريقات إذ بدون هذه الوحدة لا يمكننا قبول أو رفض أي مبادرة أو خطة وتحشيد جماهير الشعب صاحبة القرار الأول والأخير خلف هذا القبول أو الرفض. والحوار الثنائي الذي دار ويدور بين السيد رئيس وزراء السلطة محمود عباس وبين قادة الفصائل في غزة قد أفضى إلى موافقة المتحاورين على النقطة التي توقف عندها الحوار السابق وهي "هدنة العام مقابل ضمانات لوقف الاستيطان، ووقف الاغتيالات، والإخراج عن بعض الأسرى، ورفع حالة الإغلاق … الخ " حسب ما ورد في التصريحات العلنية بين المتحاورين.
إن استكمال عمليات الحوار على أسس وثيقة 5/8/2002 في غزة وحوارات القاهرة السابقة ضرورة ملحة بحيث تنهي حالة التخبط الوطني السياسي بين عدد كبير من البرامج والطروحات، وتضع حداً للتهرب من الوحدة الوطنية تحت شعارات ومواقف فئوية لا تعبر عن حال كل الشعب الفلسطيني، بالعكس تماماً إنها تتيح أمامنا مخاطبة شعبنا والدول العربية ودول العالم بخطاب سياسي موحد يقول هذا ما يريده الفلسطينيون كل الفلسطينيين.
وبات مطلوباً على الصعيد العربي تشجيع الحوار الداخلي الفلسطيني، والتعاون لإنجاحه وصد الهجمات الأمريكية ـ الإسرائيلية التي ما انفكت تحاول لصق تهمة "الإرهاب" بكل المقاومة الفلسطينية، وبات مطلوباً على الصعيد الدولي "بمبادرة عربية موحدة" وضع تعريف محدد "للإرهاب" مع التمييز بين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال وبين عمليات إرهابية دولية، تستهدف المدنيين هنا وهناك تحت شعارات دينية فكرية/ وسياسية، دون توجيه ضربة موجعة لقوات الاحتلال العسكرية في فلسطين والعراق.