|
الأنثروبولوجيا البنيوية للقرابة
بوشعيب بن ايجا
- كاتب و باحث مغربي في الفلسفة و التربية
الحوار المتمدن-العدد: 7332 - 2022 / 8 / 6 - 09:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كل المجتمعات الانسانية و بدرجات متفاوتة محكومة بالقرابة التي تشكل مجموعة النسل ، و الإرث و الطقوس و الادوار ، و بنسب مختلفة ، سواء تلك التي يمثل فيها نظام القرابة تعقيدا أقل حضورا كما هو الحال في المجتمعات الغربية ، أو تلك المجتمعات التي تميل للاعتماد على نظام القرابة بشكل كثيف لتحديد و توزيع الادوار الإجتماعية ، و الإقتصادية لأفرادها كما هو الحال في المجتمعات الشرقية بشكل عام ، فنظام القرابة يمكننا من فهم أوسع لطبيعة المجتمع الذي تتم دراسته من خلال هذه الأنظمة الإجتماعية ، و الغريب في الأمر أن نظام القرابة هو في أساسه عملية عقلية ، و ليس تطبيقية أو منهجية تسير على أسس عالمية ثابتة ، فالناس ينظرون لنظامهم القرابي و العائلي بتداخلات فلسفية و دينية و إجتماعية ، و هذا ما يسبب اختلاف النظرات و الاعتبارات الفكرية و الإجتماعية لهذا النظام ، فبالرغم من أن أنظمة القرابة تعتمد بشكل أساسي على العلاقة البيولوجية ، فإنها ظاهرة اجتماعية و ثقافية ، و بما أن الانظمة القرابية هي خلق اجتماعي فهناك عدة طرق للنظر للمصاهرة و قرابة الدم و تصنيفها حسب المجتمعات المختلفة ، كما أن هناك اختلافات في أنواع الجماعات الاجتماعية المكونة من خلال القرابة ، و يؤكد الباحثون مدى تعقيد نظام القرابة ، و في مقدمتهم مردوك الذي درس مختلف المجتمعات البشرية متناولا عينة مكونة من 254 جماعة اجتماعية مختلفة وجد فيها جميعا مؤسسة العائلة ، و من المعروف أن هذه العائلة تشترك مع العائلة الحيوانية بقضايا أساسية مثل الجماع و الجنس و الانجاب و الموت ، فنسق القرابة ينطوي على الحياة بكل أبعادها ، مما يعقد وظيفة القرابة . فشكل الأسرة هو أهم العناصر التي تحدد علاقة الاب و الابناء ، و الأحفاد و الاخوة و الاخوات ، و كذلك يربط الزواج أشكالا اخرى من القرابة تربط الزواج بأصهاره ، و الأبناء بأسر الأب و الأم ، و لهذا يوجد نوعان أساسيان من أنواع القرابة ؛ أولهما القرابة الدموية ، سواء بالقرابة المباشرة الدموية أو الاعتبارية بالتبني ، و ثانيهما القرابة التصاهرية التي تحدد بناء على نوع الاسرة السائد من حيث خط النسب الذي يوضح التسلسل القرابي ، و قد توصل الانثروبولوجيين الى تعريف ستة أنواع من الأنظمة القرابية التي هي كالتالي : نظام الهاواي ، نظام الإسكيمو ، نظام الاوماها ، نظام الاروكيس ، نظام كرو و النظام السوداني ( النظام الإفريقي ) ، و تقوم القرابة بدورها في المجتمع باعتبارها عاملا منظما لسلوك أفراده بعضهم تجاه بعض ، و محركا للعلاقات الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية ، فقد إهتم الصينيون و اليابانيون بحفظ أنساب آبائهم و أجدادهم حتى وصل الامر بهم إلى عبادة الأسلاف ، و يصور بعض القدماء أهمية النسب بقوله " هو سبب التعارف و سلم التواصل به تتعاطف الارحام الواشجة و عليه تحافظ الاواصر القريبة " قال تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى ، و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا " ، فمن لم يعرف النسب لم يعرف الناس ، و من لم يعرف الناس لم يعد من الناس ، و لهذا جعل التشريع الإسلامي القرابة أو النسب من الضرورات الخمس التي يجب صيانتها ، لقد كانت القرابة أو النسب من أهم المكونات للثقافة العربية لارتباطها بالتنظيم الإجتماعي القبلي للمميز للجماعات العربية القديمة ولا يزال هذا المكون سائدا في المجتمعات العربية القديمة و الحديثة ، و يقول أحد الباحثين المحدثين " كان العلم بالانساب بمثابة السياج لافراد القبيلة لأن الوطن لم يكن محدودا تحت أرجلهم ، بقدر ما كانت القبيلة محدودة في حسابهم و من أجل ذلك تعلقوا بالمحدود و صرفوا شيئا عن غير المحدود".
القرابة كموضوع للأنثروبولوجيا
كل المجتمعات البشرية دون استثناء كانت و بدرجات متفاوتة محكومة بالقرابة و مجموعات النسل أو الإقامة التي تتشكل بفعل القرابة تنتج بدورها تضامنا متعدد الوظائف يحدد الزواج و الإرث و الطقوس و حل النزاعات ، و يحاول الانثروبولوجيين فهم أنساق القرابة التي تتواجد في المجتمعات و الثقافات المختلفة ، شرط أن تكون هذه المعرفة من داخل المجتمع نفسه ، و لذلك فهم يهتمون بدراسة النظم القرابية لأنها تكشف عن العلاقات الإجتماعية التي يتدرج الشخص من خلالها طوال حياته ، كما توضح طريقة انتقال المراكز و الملكية من جيل إلى الجيل التالي و تعمل القرابة في بعض المجتمعات على تكوين جماعات إجتماعية لها قوة التأثير في الحياة الإجتماعية . بعد أن قرر كلود ليفي ستراوس أن علماء اللسان و علماء الاجتماع لا يطبقون مناهج واحدة فحسب ، بل يتصدون لدراسة الموضوع نفسه يمر الى المطالبة بضرورة اعتبار قواعد الزواج و منظومات القرابة كنوع من اللغة أي مجموعة من العمليات ، فالأنثروبولوجي سيجتهد في تبيان كيف يتواصل الافراد و المجموعات مع بعضهم البعض ، و عليه سوف يكتشف حسب كلود ليفي ستراوس في التواصل و التبادل مفهوما موحدا قادرا على تقديم أجل الخدمات للأنثروبولوجيا الإجتماعية في بحثها اللاهت وراء الثوابت ، إذ يدقق ك.ل ستراوس حقول هذا التواصل يتعرف على مستويات ثلاثة للآلية ، إذ يتوفر الاول على تنظيم تبادل الخيرات و الخدمات بينما يتصدى الثاني إلى عقلنة تبادل الرسائل و المعاني ، أما الثالث فيضبط تبادل النساء و تداولهن ، و عليه يذهب ك.ل ستراوس إلى الجزم بأنه دراسة نظام القرابة أو نطام اللسان لا تخلوا من تماثل بنيوي ، فالبحث في علاقات القرابة قد بدأ منذ اليوم الذي أصدر فيه لويس هنري مورغان كتابه الموسوم بأنظمة قرابة العصبية و النسب للأسرة البشرية سنة 1871 ، و لقد تلقف كل من مارسيل موس و رادكليف براون و برونيسلاو مالينوفسكي هذا المبحث ليجعلوا منه هم الباحث الانثروبولوجي الاول و مفتاح تعقل المجتمعات المسماة بدائية ، و هو الفعل الذي أكبر كلود ليفي ستراوس، فهؤلاء حسب رأيه قلبوا أوضاع الفكر الأنثروبولوجي عندما استعاضوا عن التفكير التاريخي بآخر ذي طبيعة نفسية – سوسيولوجية قائم على مفهوم المبادلة ، فقد أدرك جميعهم أن علاقات القرابة وسائل اجتماعية معدة للقيام بوظيفة اجتماعية ألا و هي تأمين التوازن الإجتماعي و تأمين التلاحم و التماسك بين أعضاء المجموعة ، و قد تحفظ كلود ليفي ستراوس أمام هذا الموقف و رأى رادكليف براون أظهر الوظيفة فيما ظلت المنظومة مجهولة ، فنظام القرابة لا تحدده و تحكمه محددات الدم بقدر ما يتحدد بنظام المصاهرة الذي يجد جذوره في تحريم زنا المحارم ، إنه نظام يشكل فيه تبادل النساء مكانة أساسية للتحليل البنيوي الستراوسي
العلاقة بين الجنسين
العلاقات خارج الزواج
لا يمكن للإنسان الهروب من الملزمات البيولوجية التي يمليها عليه الجنس تماما مثل ملزمات بقائه التي تملي عليه الكل بانتظام ، لكن الإنسان ليس كائنا بيولوجيا فقط ، بل هو كائن حضاري أيضا ، هذه الكينونة جعلت العلاقة الجنسية شديدة التعقيد عن العلاقة الجنسية البسيطة بفعل تأثير النظم الإجتماعية و القوانين الدينية و الخلقية التي تسعى باستمرار إلى تنظيم علاقات الجنسين ، و هنا يجب التمييز بين المعاشرة و الزواج ؛ فالعلاقة الأولى بيولوجية بحثة ، بينما الزواج في مجموعة نظام حضاري بحث ، إلا أنه يقوم بإشباع العلاقة البيولوجية و من ثم فهو علاقة أعم من المعاشرة ، و الزواج كنظام هو تجمع لعدد من الأنماط و القوالب الحضارية التي تحدد و تحكم العلاقة بين الرجل و المرأة المتعاشرين و علاقتهما بالأقرباء و الأولاد و العلاقة العامة بالمجتمع.
علاقات الجنسين قبل الزواج
هناك مجتمعات تسمح بعلاقات قبل الزواج أشهرها التروبرياند ، و عند قبيلة الايفوجا و يسمح بالمعاشرة بين الفتيات و الشباب ، فإن الزواج عند بعض البدائيين لا يرتبط إطلاقا بفكرة العفة و العلاقة البيولوجية و الحب الرومانسي كشروط أساسية للزواج ، فإنه لا يوجد شعور بالذنب من المعاشرة قبل الزواج ، و قد تلعب بعض العوامل مثل العوامل الإقتصادية دورا أساسيا في فرض أشكال مختلفة من العلاقات الجنسية قبل الزواج بين الأغنياء و الفقراء و عند الحكام و أبناء الشعب ، فمن الشائع في بولينيزيا أن هناك قوى روحية معينة عند الأميرات تجعل معاشرتهن ذات تأثير خطير على حياة الشباب من عامة الشعب .
نظام المحارم
يعد نظام المحارم من الأنظمة الحضارية المرتبطة بتقنيات المجتمع ، حيث توجد نصوص في كل الحضارات تحدد المحارم و غالبية المجتمعات تحرم المعاشرة و الزواج بين أعضاء الاسرة الواحدة و عدد من الاقارب كالعم و الخال و العمة و الخالة ، و قد جاء في القرآن " حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم و أخواتكم و عماتكم و خالاتكم ، و بنات الأخ و بنات الأخت و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة و أمهات نسائكم" و نجد هذه القواعد تختلف و تتسع كثيرا عند مجتمعات نظام القرابة التصنيفي أو الطبقي ، و لهذا فإن كلمة أخت أو أم تختلف تماما في مجتمعات القرابة الوصفية و الطبقية ، ففي الوقت الذي تصبح فيه الاخت الوصفية شخصية محددة نجد الاخت الطبقية تنطبق على عدد كبير و بالتالي يشمل التحريم عدد كبير من البنات ، و في مقابل ذلك نجد بعض المجتمعات تحبذ زواج بنت العم كما هو الحال عند العرب .
دور القرابة في الحياة الإجتماعية
• علاقة الأب و الابن لا تنبني هذه العلاقة على الغريزة و الاعتياد فقط ، بل على أسس اجتماعية حضارية أيضا ، فالأبوة يمكن أن تكون بيولوجية أو اجتماعية فقط و سلطة الاب المعروفة لا تمارس عند كل مجتمع ، و يلاحظ في كثير من المجتمعات البدائية وجود وشائج ، و علاقات قوية بين الابن و الأم أو بين البنت و الأب أكثر من العلاقات المقابلة .
• علاقة الأخوة
يلاحظ وجود علاقة احترام متبادل بين الأخ و أخته خاصة بعد طقوس البلوغ ، حيث نجد تباعدا كبيرا بينهما تجنبا للمحارم ، أما العلاقة بين الاخوة من نفس الجنس فهي علاقة الرفقاء القوية مع احترام كبير للسن .
• علاقة الزوج و الزوجة
غالبا ما تكون العلاقة رسمية لأن الزواج عادة عبارة عن ترتيبات تحدث بين عائلتين ، و نادرا ما يكون نتيجة علاقة عاطفية ، و في المجتمعات التي تسودها التنظيمات العشائرية نجد الترابط القرابي أقوى أحيانا من علاقات الزواج ، و في أحيان اخرى قد تتحول العلاقة الزوجية تدريجيا الى علاقة عداء أو انفصال تام في المأكل و النوم و تقتصر العلاقة على الضروريات فقط .
• علاقة العمومة و الخؤولة
في المجتمعات الابوية نجد العم يعامل معاملة الاب و لا يصبح للخال مثل سلطة الأب ، أما في المجتمعات الأموية فإن سلطة الخال تتعاظم و تصبح أكبر من سلطة الأب على الأبناء ، و لا يصبح للعم أي سلطة على أبناء أخيه ، و لكن توقير الخال يمكن أن يوجد أيضا في المجتمعات الأموية النسب ، و في بعض المجتمعات تصبح العلاقة وثيقة بين الخال و أبناء أخته لتبلغ مرحلة الصداقة و المعاونة و تنشأ بين الطرفين علاقة أقرب ما تكون إلى التآخي تنتفي فيها العلاقة الرسمية ، و عند بعض المجتمعات تنشأ علاقة وطيدة بين العمة و أبناء أخيها .
• علاقة الأجداد و الأحفاد
في غالبية المجتمعات نجد علاقات التعاطف و الود و الحماية و المساعدة تميز الارتباطات بين الاجداد و أحفادهم و من الامثلة على وجود هذا التعاطف رغم البعد الزمني أن بعض القبائل تسمي الشمس (الجد) لأنها قديمة و بعيدة لكن أثرها الطيب محسوس في كل مكان ، و كذلك تسمي قبائل الداكوتا من الامريند الوجود الأعظم باسم الجد.
• علاقة أبناء العمومة و الخؤولة تتحدد هذه العلاقة على أساس تصنيف نمط القرابة السائدة عند المجتمع ، و في الغالب نجد أفراد القرابة المتوازية ( أبناء العم و أبناء الخالة ) يعاملون معاملة الإخوة و الأخوات ، بينما نجد علاقة متباعدة مع أفراد القرابة المتقاطعة ( أبناء العمة و الخال ) و أحيانا يمكن الزواج من هؤلاء الافراد .
• العلاقة بين الاحماء و الحموات
هذه العلاقة إلى متغيرات كثيرة تتراوح عند المجتمعات المختلفة بين الاحترام و التبجيل ، و قد قام الأنثروبولوجي الأمريكي أدامسون هويبل بدراسة تحليلية لمئة حالة في أمريكا ، و قد وجد أن 94% من النكت و الملح موجهة ضد الحماة ، و أن ثلتي الرجال يتمنون موت الحماة ، و أن ثلتي الحموات قد أعربت عن علاقة عدوانية تجاه أزواج بناتهن أو زوجات أبنائهن ، كذلك كان 20% من الحالات يرفضون وجود حماتهم معهم و لا شك أن النكت و الملح هي صمام أمان ضد علاقة العداء التي يشعر بها الشخص تجاه حماته .
الزواج يهتم الانثروبولوجيون بدراسة نظام الزواج و القرابة ، لأنه يعتبر من الموضوعات الهامة في مجال الدراسات الأنثروبولوجية و أن أي معالجة نظرية لموضوع القرابة تتطلب بالضرورة التعرض لنظام العائلة و الزواج ، و قد حاول الانثروبولوجيين في القرن التاسع أن يتعرفوا على طبيعة النظم الإجتماعية ، كيف نشأت ، و كيف تطورت ، و كيف انتشرت؟ و من أبرز النظريات التي تفسر الزواج ، نجد نظرية باخوفن التي ظهرت في كتابه حق الام ، و نظرية ماكلنان التي ظهرت في كتابه الزواج البدائي ، ثم نظرية لويس مورغان التي ظهرت في كتابه أنساق روابط الدم والمصاهرة في العائلة الإنسانية ، و قد قام مورغان بإعادة صياغة هذه النظرية في كتابه المجتمع القديم ، و قد تأثرت كل هذه النظريات بالاتجاه التطوري ، فالزواج علاقة تعاقدية أو نظام اجتماعي مشروع بين الرجال و النساء لتنظيم إشباع الغريزة الجنسية بين البالغين ، إنه كما يرى إدوارد وسترمارك يستخدم للتعبير عن وضع إجتماعي ، و يمكن تعريفه بهذا المعنى ؛ رابطة بين رجل أو أكثر بامرأة أو أكثر تعترف بها العادة و القانون ، و ينطوي على حقوق و واجبات معينة في حالتي الطرفين اللذين يدخلان في هذا الإتجاه و ذهب جون إلى أن الزواج هو علاقة اجتماعية منظمة ، و أنه يرتبط بعدد من العلاقات الإجتماعية ، و هو بمثابة وحدة جنسية مشروعة بين رجل و امرأة ، و يعرف الزواج بصيغ القران الشرعي التي يقرها المجتمع ، إذ يحدد بشكل خاص علاقات الزوج و الزوجة .
أنماط الزواج
• الزواج الإغترابي
أكثر أنواع الزواج شيوعا ، فالأفراد لا يتزوجون من داخل مجموعتهم ، بل يبحثون عن زوجة خارج هذه المجموعة ، و يرى كلود ليفي ستراوس أن هذا النظام قد نشأ مكملا لعمليات التبادل المستمرة و يرى أن الزوجات احدى السلع الاكثر تبادل بين المجموعات البدائية.
• الإضواء أو التزاوج الداخلي
هذا النوع من الزواج هو عكس الاغتراب بمعنى أن الزواج يتم داخل المجموعة ، و ليس خارجها ، و لا توجد مجتمعات تتخذ الإضواء و الاغتراب معا نمطا لنظام الزواج ، إلا في حالة إنتقال مجتمعات الإضواء إلى النظام الإغترابي . إن الإضواء أو الزواج الداخلي نشأ في ظل ظروف كانت تدعو إلى التماسك بين أعضاء المجتمع من أجل الحفاظ على كيان العشيرة في تحركاتها الرعوية و في نزعاتها الدائمة ، و قد ساعد نظام تعدد الزوجات على ممارسة الإضواء و الاغتراب معا حسب الظروف الإقتصادية السائدة.
أنواع الزواج
يرتبط هذا القالب بالزواج بين أبناء العمومة أو الخؤولة ، و نادرا ما نجد مجتمعا يمارس النوعين معا ، بل يتخذ من أحدهما قالبا مراعيا زواج أبناء العمومة أو الخؤولة حسب نوع المجتمعات أحادية النسب التي تسلسل القرابة في جانب واحد الأب أو الأم . و يمكننا أن نرى في زواج الاقارب دوافع معينة يتغلب بها المجتمع على عدد من العقبات الإجتماعية السائدة من بينها :
الزواج من أشخاص معروفين مما يوثق الروابط داخل مجموعة القرابة تجنب أو تقليل التابو ( المحرم ) على العلاقة بين الزوج و الزوجة من ناحية و الحمو و الحماة من ناحية أخرى ، ذلك لأن الحما و الحماة هما عم و عمة أو خال و خالة ، فالعلاقة القرابية أسبق من العلاقة الزواجية تأكيد بقاء الإرث و الملكية و القوة الإقتصادية داخل مجموعة القرابة زواج التقاطع ( القرابة الجزئية ) يسهل على المجتمعات الصغيرة عدم الوقوع في زواج المحارم .
الزواج بشقيقة الزوجة المتوفاة
هو عبارة عن زواج تعويضي أو امتدادي لأنه عبارة عن امتداد لزواج الشخص بزوجته المتوفاة ، و يتدخل في هذا الموضوع أيضا الصداق المدفوع من قبل إذ أن شقيقة الزوجة ستكون استيفاء للصداق الأول ، و يختلف هذا النوع من الزواج عن نظام تعدد الزوجات الشقيقات في أنه لا يتم إلا بوفاة الزوجة الأولى ، و لا يبيح الجمع بين شفيقتين على قيد الحياة ، و هناك أنظمة خاصة تنص عليها المجتمعات في حالات مختلفة هي امتداد لهذا النظام التعويضي فقد يحدث ألا يكون للزوجة المتوفاة شقيقة ، و هنا يصبح من حق الزوج أن يتزوج ابنة شقيقها ، أي أن الفتاة تضطر لأن تتزوج زوج عمتها ، و في الحالات القصوى يطلق شقيق الزوجة المتوفاة زوجته ليعطيها إلى زوج شقيقته ، و هذا أمر شائع في إفريقيا الزنجية.
زواج أرملة الشقيق مسبقا
يتم هذا النوع من الزواج دون أن يكون الزوج قد توفي بعد ، فإن الزوج يسمح بعلاقات جنسية بين زوجته و شقيقه غير المتزوج على اعتبار أنه سوف يكون له مثل هذا الحق حينما يتزوج هذا الشقيق ، و يشيع هذا النوع من العلاقة الجنسية المفتوحة بين الشقيقين و زوجة أحدهما أو كليهما بين كثير من الامريند و خاصة قبيلة الشوشوتي ، و ينادي الشخص زوجة شقيقه بلقب زوجة باعتبار أنها يمكن أن تؤول إليه بعد وفاة شقيقه
الزواج الجماعي
هو عبارة عن مجموعة من الجنسين تتزوج و تقيم معا علاقات شرعية بين الكل ، و هذا يساوي نظامي تعدد الزوجات و الازواج معا ، و يشكك كثير من الباحثين في وجود مثل هذا الزواج في الماضي أو الحاضر ، و قد ظهرت كمرحلة من مراحل الزواج بين نظريات التطوريين باسم مرحلة الشيوع .
الزواج مقابل الصداق
هذا أكثر أنواع الزواج شيوعا في العالم ، و لا يعني الصداق ثمن العروس كما هو متعارف عليه ، بل إن حقيقة الصداق عبارة عن تعويض يتقاضاه أهل العروس مقابل خسارتهم للفتاة ، ومن تنجبهم من الاولاد ، أي أنه تعويض مادي لفقدان عدد غير محدود من النسل ، كما يمكن أن يلحق بمجتمع الفتاة و يقوي هذا المجتمع عدديا و سياسيا ، فالصداق المدفوع لأهل العروس يعاد دفعه و ذلك من أجل العمل على جلب فتاة أخرى كزوجة لأحد أبناء المجموعة ، و بذلك تعوض الفتاة التي تزوجت خارج المجموعة بفتاة من الخارج تدمج في المجموعة هي و نسلها ، بالإضافة إلى هذا فزواج الاخت بزوج أختها حين تتوفى هو تعبير آخر عن مدى مفهوم الصداق و دوام فاعليته ، أي أن الصداق لا يزول مفعوله بوفاة الزوجة .
أين يقيم الزوجان الجديدان
• الإقامة العصبية ، الإقامة عند أهل الزوج و تعني إقامة أبوية المكان ، و تنقسم الإقامة العصبية إلى قسمين هما إقامة عصبية أبوية ، وتعني أن تقيم الاسرة الجديدة في بيت والد الزوج و تسمى اختصارا إقامة عصبية و إقامة عصبية أموية و تعني الإقامة عند أحد أقارب أم الزوج ، و لكن هذا القريب هو غالبا شقيق الأم ( الخال) ، لذلك تسمى مثل هذه الإقامة اختصارا و توضيحا بإقامة خؤولية .
• الإقامة الرحمية ( الإقامة عند أهل الزوجة )
يمكن أن نطلق عليها إقامة أنثوية ، و تنقسم الإقامة الرحمية إلى قسمين هما ؛ إقامة رحمية أبوية بمعنى الاقامة في بيت والد الزوجة ، و تسمى اختصارا إقامة رحمية أموية ، و تعني الإقامة عند إحدى قريبات الزوجة و تكون غالبا عمة الزوجة.
• إقامة مستقلة ، إقامة متنقلة
بمعنى أنه يسمح بالإقامة العصبية أو الرحمية ، و التنقل بينهما حسب الظروف المختلفة ، أو يظل كل من الزوجين في بيته ، و يقوم الزوج بزيارة زوجته بين الحين و الآخر ، و ليست هذه الانواع من الإقامة ثابتة على الدوام ، بل يحدث تغير في الإقامة حسب الظروف المختلفة و في الغالب نجد أن احتمال تغيير المكان يتم على النحو التالي: o إقامة رحمية o إقامة رحمية o إقامة رحمية o إقامة عصبية o إقامة مستقلة o إقامة خؤولية o إقامة خؤولية
الأسرة
الأسرة هي أهل الرجل و عشيرته و الجماعة يربطها أمر مشترك و نطلق في الاصطلاح على عدة معان ، و هي الجماعة المؤلفة من الاقارب و ذوي الرحم و الحلف و الجماعة المؤلفة من الوالدين و الأبناء و تحتوي الاسرة في أساسها على ثلاثة مواضيع متداخلة هي الرابطة التي تجمع ذكرا و أنثى برباط المعاشرة ، و نظم هذه الرابطة و مدى استمرارها و هنا تظهر كافة أشكال الزواج على نحو ما أسلفنا، و التنظيم الداخلي للأسرة بمعنى دور كل فرد فيها و وضعه الإجتماعي و الخلقي و الوظيفي ، و أخيرا الاسرة و وظيفتها داخل إطار المجتمع ككل ، و من أهم الانماط الرئيسية للأسرة نجد :
الاسرة الاحادية
وتسمى أيضا بالأسرة النووية أو الاسرة الزواجية ، و ترتبط بنظام الزواج و من الصعب البث في هذا الموضوع بنسب مئوية إحصائية ، فالمجتمعات الإسلامية تجيز تعدد الزوجات و تشتمل الاسرة الاحادية على جيلين من الآباء و الابناء و على ثماني علاقات متبادلة هي
علاقة الاب مع الزوجة ، الابن ، الابنة علاقة الام مع الابن ، الابنة علاقة الاخ الاكبر مع الاخ الاصغر ، الاخوة البنات علاقة الاخت الكبرى مع شقيقاتها
و تكون هذه العلاقة أساس نظام القرابة و البناء الاجتماعي ، و توجد بين كل فرد علاقات متبادلة اجتماعية ، اقتصادية ، عاطفية ، و أخلاقية و لكن العلاقة الاساس التي تبنى عليها الاسرة في جوهرها هي العلاقة الإقتصادية .
الاسرة الممتدة
تتكون الاسرة الممتدة من عدة أسر أحادية ترتبط معا برباط التسلسل القرابي الاموي أو الابوي ، و تعيش معا في مسكن واحد ، و تتكون هذه الاسرة من أكثر من جيلين ؛ جيل الاجداد و جيل الأباء و جيل الاحفاد ، ففي المجتمعات الابوية يمكن أن تكون الخلايا أسرا متعددة الزوجات ، بينما في مجتمعات النسب الاموي نجدها أحادية الزواج ، أما الذي يميز الاسرة الممتدة هو خضوعها إقتصاديا للجد أو الأخ الأكبر الذي يتصرف في كل دخل أو نشاط أفراد هذه الخلايا المتعددة ، ففي الاسرة الممتدة نجد أن رئيس العائلة يجمع بين يديه جميع السلطات الاقتصادية بالإضافة إلى مجموعة من السلطات الاخرى ، سواء كانت قانونية أو إجتماعية بحكم علاقات الاب أو الأخ الأكبر بالأبناء و الاخوة الاصغر .
الاسرة متعددة الزوجات
نظام تعدد الزوجات أكثر أنواع الزواج شيوعا في العالم ، و بالتالي فإن الكثير من الاسر في العالم متعددة الزوجات ، و لا توجد أسباب محددة لنشأة الاسرة متعددة الزوجات ، لكن هناك مجموعة من الأسباب التي تظهر في المجتمعات المختلفة و من بين هذه الأسباب فرض محارم على العلاقات الجنسية مع الزوجة خلال الحمل و أثناء الرضاعة ، و أثناء فترة الحيض غير أن الاسباب الاقتصادية هي سبب تفاقم هذه الظاهرة ، فنجد أن الأغنياء هم الأكثر إرتباطا بنمط الاسرة متعددة الزوجات ، بخلاف الفقراء الذين يكتفون بزوجة واحدة و ذلك نظرا للظروف المادية التي تجعل من الصعب توفير جميع الإحتياجات للزوجة لأن طاقة العمل أكبر
الاسرة متعددة الازواج
هذا النمط من الزواج يجعل للزوجة أكثر من زوج ، و يسمى هذا الشكل بتعدد الازواج و به ينتسب الفرد إلى أمه ، حيث تقع السيطرة هنا في يد الزوج الاكبر سنا ، و نجد أن الاسرة متعددة الازواج أقل ظهورا من أنواع الاسر الاخرى ، و يظهر هذا النمط من الزواج عند زراع التبت و في جنوب الهند و عند الإسكيمو و بولينيزيا و عند التودا في جنوب الهند نجد الازواج إخوة غالبا ، و ربما كان الفقر الاقتصادي هو أهم أسباب ظهور هذا النمط من الزواج ، ففي الاسرة الممتدة نجد أن رئيس العائلة يجمع بين يديه جميع السلطات الإقتصادية ، بالإضافة إلى مجموعة من السلطات الاخرى سواء كانت قانونية أو إجتماعية بحكم علاقات الأب أو الأخ الأكبر بالأبناء و الاخوة الاصغر .
نظرية القرابة عند كلود ليفي ستراوس
إن البنيوية هي تركيب لمجموعة من العناصر ، فهي تركيب لهياكل و بنيات بغض النظر عن العلاقة بالتاريخ ، و لا يعتبر البنيويون أنفسهم فلاسفة بل هم نوع من القطيعة مع الفلسفة خصوصا مع فلسفة الذات . لقد طور ليفي ستراوس بحوثه لدراسة بعض الظواهر مثل علاقات القرابة و التحالف في مختلف المجتمعات ، طبق ستراوس دراسته على نظام القرابة فهذه الأخيرة هي نظام تواصل فهي لغة تبادل للعلامات و النساء ، فالبنيوية عند ستراوس هي تطبيق للكانطية التي تقوم على تعالي الذات ، فحسب ليفي ستراوس لابد من تحليل النظام القرابي للوصول إلى البنية الكلية التي تحكم هذا النظام ، و ثم الوصول إلى القانون البنيوي فالأسرة تعد المظهر الحقيقي للنظام القرابي يفترض ستراوس بداية أن للأسرة وجودا أعمق من وجودها الظاهر ، و هذا الوجود هو التعبير المشروط لها و لولاه لما كانت الاسرة ، فحسب ستراوس كل مجتمع يقوم على أساس قاعدة تحريم سفاح المحارم ، و هي قاعدة عامة داخل المجتمع البشري. و يرى أن قانون التحريم هذا هو قانون بنيوي و يعادل البنية الخالية كما أنه قانون ذهني عقلي حاضر في اللاوعي أو الشعور إلا أن الامتيازات الإجتماعية حجبته عن الظهور ، و هذا القانون هو الاساس الحقيقي للنظام القرابي ، و وجود الاسرة
قاعدة سفاح المحارم = البنية الخالية البنية الخالية = الزوج الخارجي إذن قاعدة سفاح المحارم= الزواج الخارجي.
ختاما يمكن القول أن نظام القرابة يعد من الموضوعات الأساسية في الأنثروبولوجيا لأنه المجال الذي يتم بمقتضاه التعرف على طبيعة علاقات الإتصال ، عبر قنوات الاسرة و الزواج ، و يعد النظام القرابي من الموضوعات الاولى التي تم تناولها في السياق الأنثروبولوجي، فقد عني به لويس مورغان في كتابه أنظمة قرابة العصبية و النسب للأسرة ، كما اهتم به مارسيل موس، و رادكليف براون و كانت لإسهامات كلود ليفي ستراوس الفضل الكبير في تطوير هذا المجال ، فالقرابة عند ستراوس ترتكز على كيفية نسأة الاسرة فالعنصر الاساسي في تشكيل الاسرة عنده هو الخال ، فالبنية الخالية نسبة إلى الخال هي المتحكم الاساسي في ظهور الاسرة ، و هي بمثابة قانون ذهني و عقلي حاضر في اللاوعي الانساني و هي البنية الاساسية المتحكمة في تنظيم الاسرة .
#بوشعيب_بن_ايجا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة تحت عنوان - نساء في الذاكرة -
-
البيداغوجيا الفارقية بين الفروق الفردية و تقنيات التنشيط
-
فلسفة التربية عند الغزالي
-
طاليس بين الحقيقة الأنطولوجية و الحكمة الإستفهامية
-
نظرية العدالة عند جون راولز
المزيد.....
-
راكبة تلتقط بالفيديو لحظة اشتعال النار في جناح طائرة على الم
...
-
مع حلول موعد التفاوض للمرحلة الثانية.. هل ينتهك نتنياهو اتفا
...
-
انفصال قطعة كبيرة من أكبر جبل جليدي في العالم!
-
15 قتيلاً على الأقل خلال انفجار سيارة في مدينة منبج في سوريا
...
-
روسيا تعلّق الطيران في عدة مطارات عقب هجوم أوكراني بالطائرات
...
-
عواقب وخيمة لوقف أمريكا المساعدات الخارجية.. فمن سيعوضها؟
-
الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي أكثر قدرة على الصمود
-
انتشال رفات 55 شخصا ضحايا اصطدام طائرة الركاب بمروحية عسكرية
...
-
لبنان .. تغيير أسماء شوارع وساحات تذكر بالنظام السوري السابق
...
-
الرئيس الجزائري: أبلغنا الأسد رفضنا للمجازر بحق السوريين
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|