عمر إدلبي
الحوار المتمدن-العدد: 1683 - 2006 / 9 / 24 - 10:24
المحور:
الادب والفن
(1)
كُنْ أنتَ
يَبْزغ من ظلالكَ سِنديانٌ
طاعنٌ بالضّوءِ
يُنْبِتهُ هَواكــا .
وتأمَّل الجنَّاتِ فيكَ
فإنَّها أطيافُ نورٍ من سَـماكـا .
بِيَدَينِ داليَتَينِ
تَجترحُ البدايةَ
والخواتيمَ المُضيئةَ ,
كلّها كلماتُ بحرِ الرّوحِ ,
تكتبُها أصابعُ وَجْدِكَ المكنونِ
كيما تُبصرَ الأكوانُ صورتَها
وتحفظَ جوهرَ الأشكالِ
كالأمطارِ, والأشجارِ ,
والدُّرَرِ البهيّةِ في النُّقوشِ السُّكريَّةِ
تحتَ أثوابِ الحبيبةِ ,
كلُّ هذا الفيضِ مُنوجدٌ بذاكــا .
هو وقتُ صوتِكَ ,
فالبلادُ على أصابعِ صمتِها تخطو
وترقبُها الذّئابُ ،
فَكُنْ شَفيفاً
كلّما غطّى الظلام ُ الدَّربَ
عن عرباتِ فجركَ ,
كي تصيرَ خُطاكَ أنساماً
لأجراسِ الجهاتِ ,
فسوف تتَّسعُ السماءُ
لكلِّ أسماءِ الذُّرى .
هل جالسٌ هذا الهواءُ
على يَدٍ بيضاءَ
إلا لُطف كعبةِ أمنياتكَ ،
والقصائدُ حولَها طوّافةٌ
بصلاتها
في حَمْدِ مصباحِ القُرى ؟
نهرٌ من الأسرارِ يجري
في سريرِ ضيائِكَ الشَّجريِّ
كُنْ ما أنتَ ,
يَتبعكَ الهدى
ليقيمَ بيتَ ضيائهِ بجوارِ نورِكَ ،
كُنْ كَمَا تَهوى ،
يداكَ تُرتِّبَانِ جدائلَ الأزهارِ ,
ما الأقدارُ غير جدائلِ الأزهارِ ,
ذاكَ الكشفُ
من أنوارِكَ الحُسنى
وسِـرُّكَ لا يُرى .
كُنْ أنتَ
لو مرَّتْ عليكَ الرّيحُ ،
أو نادَتْكَ عاصفةٌ
لتخلعَ نخلةً ربَّيتَها
بنذورِ دمعِكَ ،
لونُ كفيكَ انهمارُ القمحِ ,
فاحفظْ أبجديّةَ رحلةِ الأشجارِ ،
لا تهوي ،
ولا تهوي ،
ولا تهوى سوى عصفورةٍ
قَرَأتْ بجنحيها أناشيدَ السماءِ ،
يداكَ سوسنتان ِ
يُشرقُ باكتمالهما أميرُ الليلِ ،
تنهمرانِ باليخضورِ
كالغيماتِ حين تَمُرُّ يانعةً
على أمدائِكَ الزَّرقاءِ ،
والزَّرقاءِ ،
والأشهى بهاءً من ثريَّاتِ السُرى .
كُنْ حلمَكَ الأغلى
لِيَنتبهَ الزمانُ إلى خطاكَ ،
وتبدأَ النّجماتُ في كفَّيكَ رقصتَها
على مرأى الظلامْ .
وامنَحْ رؤاكَ جناحَ تَوْقٍ
للسماواتِ العُلى
إن رمت َسدرةَ ما يُرامْ .
* * *
(2)
العمرُ ماءٌ
في أصابعِ ريشةٍ في الرّيحِ ،
فارْمِ الحزنَ من أعلى سماكَ ،
وَسَاهِرِ البسماتِ
تحتَ ظلالِ أغنيةٍ
يراقِصُهَا الكمانُ .
هل كلُّ شيءٍ مُزْهِرٌ
إلاّ يُسبّحُ للصباحِ
إذا توارى الليلُ ؟
أنتَ الزهرُ
والضّوءُ المخبَّأ في جِرارِ الصّبحِ ،
فاصعدْ سلَّمِ الأفراحِ
يتبعكَ الزمانُ .
لم تأتِ روحُكَ من جهاتِ الحزنِ
كاشفةً له منديلَها ,
هي دمعةٌ وتَمُرُّ
مثل الأصدقاءِ الخائبينَ ,
وربّما كان انتظارُ الوَعدِ
أجملَ منهُ ،
لن يأتي الصباحُ
إذا تدثَّرَ عمرُنا
بأنينِ ليلتنا ،
فإنَّ الشمسَ
لا تغفو وراءَ عَمَاءِ هذا الليلِ
إلا نُدبةً
وكواكباً فليَّةً بيضاً
تُلَوِّنُ بوحَها النَّاياتُ ،
لم تَنْشجْ سماءٌ
غيرَ فصلٍ واحدٍ
في مسرحيّةِ وقتها السنويّ ،
ثم تقومُ من رجفاتها
ويفوحُ بالدِّفءِ المكانُ .
ستنامُ ليلكةُ البكاءِ ،
فلا تنمْ إلا على حلمٍ
تسلّمُهُ السماءُ سلالَ أعنابِ السّكينةِ
فوقَ ريشِ سحابِها ,
فَلَكَ الغيومُ
تسوقُ نجوى طلِّها
لتبرِّدَ الأحزانَ فيكَ
إذا حلمتَ بعطرها
وتسابقتْ شفتاكَ للثَّغرِ النَّديِّ
مع الورودِ ,
أليسَ يُغريكَ الرّهانُ ؟
وتأمَّلِ الكَونَ المُسِنَّ ,
هنا جبالٌ
كلَّما شابَتْ
تَطَاولَ من مآذنها غزالٌ
حاملاً للشمسِ عنبرَهُ هدايا
كي تذوِّبَ ثلجَ فصلِ البردِ ,
حتّى هذه العريانةُ
الصّحراءُ
تخطفُ واحةً خضراءَ
من حلمِ الظّلالِ
إذا يَمُرُّ ببالِها،
وتنامُ حالمةً بفكرةِ غيمةٍ
حتّى تُبَرِّدَ بالرّذاذِ
حريقَ وجنتِها ،
فهل يكفيكَ في الآمالِ سـَرْدُ ؟
حسنٌ ,
يُغطّي النّبعُ بالماءِ المبرَّدِ وجهَهُ
من بَعدِ دَلوٍ
طامعٍ ببناتِ عينيهِ ,
الهواءُ يَلُمُّ بُردَتَهُ
ويرفو جُرحَ جبهتهِ
وآلافَ الثقوبِ على قميصِ مَداهُ
مرّاتٍ ،
ومرّاتٍ ،
وفي كلِّ انهمارٍ للعواصفِ
حينَ تعبُرُ صدرَهُ الشّفافَ
لا يُبكيه بَرْدُ .
فاحملْ من الدمعاتِ ذكراها ،
ولا تحمل أنينَكَ فوقَ ظهركَ
حين ترمي ليلةً
من فوقِ سطحِ الفجرِ ،
وارمِ الحزنَ من أعلى
ذُرى العُمرِ القصيرِ ،
ودُرْ سريعاً
باتّجاهِ ضفيرةٍ بيضاءَ
تبحثُ عن يَدَينِ
تُرتِّبَانِ هطولَها العالي ،
وَسَمِّ الليلَ دفترَ
دمعكَ القدسيِّ ،
لا تَنْسَ الكتابةَ عن بنفسجةٍ
تَحَدَّرَ لونُها من دمعةِ الحزنِ
الرَّشيقِِ
ولا تُفَسَّرُ بالرّؤى الزّرقاءِ
للسُّحُبِ الكحيلةِ ،
لا تُفَسَّرُ
باختلاقِ النّهرِ شلاّلاً
ليُدرِكَ لذَّةَ الطّيرانِ
عن زنزانةٍ تحتزُّهُ بضفافها
الحجريَّةِ الخرساءِ ،
فسِّرْهَا برِقَّةِ عاشقٍ
فالدَّمعَ وَجْـدُ .
هي دمعـةٌ وتَمُرُّ
كي تندى جذورُ الرّوحِ
في بريَّةِ الأيَّامِ ،
فالأحزانُ وَعْـدُ .
علِّمْ صباحَكَ كيف يرقُصُ
فاتحاً للنّورِ صدرَ الأمنياتِ ،
وَدَعْ لحبرِ الدَّمعِ سطراً
بينَ أوراقِ المَسَاءِ
لكي تقولَ الحزنَ
وَمْضَاً خاطفاً ،
من ثمَّ تغفو في سلامٍ وابتسامْ .
للحزنِ أنْ يهمي رذاذاً ،
لا يَفيضُ ،
ولا يَزيدُ على نُدوبٍ في الختـامْ .
* * *
(3)
من مَوْجَةٍ
كَتَبَتْ بريشةِ رملِهَا
في الصَّخرِ أَسْطَعَ قصّةٍ
خُلِقَتْ يداكَ ،
فكيفُ يُرديكَ البكاءُ .
قُلْ للهواءِ ,
يَكُنْ ,
فلا مَسرى لهُ إلاّ جهاتكَ ،
وانتظرْ أَوبَاتِهِ ،
سيكونُ بين يديكَ ريحاناً ،
يهبُّ كما تشاءُ .
ولربّما انتصفَ انتظارُكَ
دونما برقٍ يلوّحُ ,
فالتمسْ لِتَأَخُّرِ الأمطارِ عُذراً
والتمسْ وَعداً جديداً لانتظاركَ ،
كلَّما اتّسعَ الحصارُ الليلكيُّ
تَشبُّ أحصنةٌ من الطّفلِ المُخَبَّأِ
تحتَ جلدِكَ ,
سَمِّهَا جُزُراً تُعاندُ بحرَها
وتَضُجُّ فوقَ الرَّاكدِ البَشريِّ فيكَ ,
وسَمِّهَا خَيلَ النَّيازكِ
حين تغترفُ الهدوءَ
وتُفلِتُ الخيطَ المُضيءَ
على قماشِ الليلِ
إِنْ عَـزَّ الضّـياءُ .
للنُورِ منطقُهُ ,
سيَلزَمُكَ اكتمالُ الصبرِ
حتّى تُثمرَ الأوقاتُ صبحاً كاملاً
وسلالتينِ من النَّوافذِ ،
ثمَّ كُنْ قَصَبَاً يَحِنُّ ،
ولا يَئِنُّ ،
ودُرْ سريعاً
باتّجاهِ نَبيّةِ الأنوارِ ،
عانِقْها على بابِ الغُروبِ ،
ولا تودّعْها
إذا نَسيَتْ يداكَ الكأسَ مُقفرةً
بلا نورٍ
لِيَأْنَسَ من نَدامَاهُ المساءُ .
لِمَدَاكَ هذا البحرُ ،
فاقرَأْ
باسمِ من خَلَقَ الشّواطئَ
واستوى فيروزةً في تاجِها الذّهبيِّ ،
واقرَأْ قصَّةَ الموجاتِ ،
لا تَنْهَدُّ من خطواتها في الرّملِ ,
توقظُ من يفكّرُ بالتّردُّدِ من مراكبها ,
وتقرؤها سلامَ رحيلِها البَحريِّ
خلجاناً
وصخراً لامعاً كالماس ِ،
واقرَأْ صبرَها
في رِحلتين ِ
مَرَارَتَينِ
حريقُها في الصيفِ ,
والرّجفاتُ إِنْ عَصَفَ الشّتاءُ .
نُورٌ ظلالُكَ ,
إِنْ مَسَحْتَ بِسِرِّ مائِكَ
وجهَ مصباحِ الرّؤى ,
لمَداكَ ما في الكونِ من ضوءٍ ،
فِأَطلِقْ راحَتَيكَ بصبرِ هذا الموجِ
حتّى شُرفةِ النَّوارةِ الأولى ،
وَخَلِّقْ من ضفائرِهَا خواتمَ
للحبيبةِ ,
قوسَ ألوانٍ لرسَّامِ الزّهورِ ,
ولمسةً ذهبيَّةً
لرموشِ عينِ القَمحِ ,
نخلاً هادئاً
أعلى كثيراً من خدودِ الأرضِ ،
أو أدنى قليلاً من سريرِ الغيمِ ,
علِّمْ نَهرَكَ الخطواتِ
فوقَ خُشونةِ الزّمنِ العَصيِّ
على الصّغارِ ،
وَضُمَّ قامتَهُ إلى أفياءِ روحكَ
مثلَ طفلٍ غارقٍ في خوفهِ ،
ولأنَّ روحَكَ
- لا أقلَّ –
يَدانِ من نورٍ ونارٍ
إِنْ رَمَيتَ , رَمَيتَ ,
لا السّرُّ الخَفيُّ , ولا القضاءُ .
ولأنَّ جسرَكَ من خُطاكَ
وَمِنْ رُؤَاكَ
لَكَ الأمامُ … أو الوراءُ .
هِيَ رحلةٌ ..
وكفى ،
فعلِّمْهَا التّوجّهَ للسماءِ
ورقصةَ النّسمات ِ
حينَ تهزُّ غرّتَها ملائكةُ الحمـامْ .
وأَضِئ شموعَ الصبرِ
بدراً ساطعاً
ليُحيطَ حلمَك وهجُ أجنحةِ الغمـامْ .
* * *
(4)
وأقـولُ قـوليَ
في الوصـايا ،
والسّــلامْ .
#عمر_إدلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟