|
ضرورة آلثقافة
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7319 - 2022 / 7 / 24 - 15:28
المحور:
الادب والفن
في الفصل الخامس الموسوم ب(إضاعة الوقت واكتشافه)وفي فقرة: الفن والجماهير ، من كتاب أرنست فيشر (ضرورة الفن)،يشير الكاتب الى وجوب إيجاد وسائل جديدة للتعبير عن واقع جديد من أجل مصداقية أكبر وأمانة في رسم معالم الحياة كما يعيشها أهل حياة ما في ظروفهم الزمانية والمكانية واللسانية الخاصة.فهل قواعد بلاغة العرب من وجهة نظر الموروث الاستعاري والكنائي يمكن الاستئناس بها وآعتمادها في مقاربتنا للسان الأمازيغي في المغرب وشمال إفريقيا أو حتى الدارج بيننا في تداولاتنا المعيشية إن شئت..بلاغة العرب آنطلقتْ في تصنيفاتها وتقعيدها من نصوص ومتون تنتمي لعصور سابقة أنتجها أصحابها قبل مجيئ الاسلام وأثناء ذروة الدعوة الجديدة وبُعيدها في عصور الاستشهاد إبان بداوة عصر الحكم الأموي الذي رفع شعار:(الدولة العربية الأعرابية)ضد المد الشعوبي الصاعد آنذاك..لقد ارتبطت القاعدة البلاغية بنص عربي محض قرآني مقدس وشعري محكم في بنائه وخصائصه الشكلية والفكرية(عمود الشعر العربي)؛ وكان مُمثل السلطة الحاكمة في عهد الخلفاء ينصح سائليه بالعودة إلى نصوص أبنية الطلل والغزل والفخر بالعصبيات لفهم المتن القرآني.. فأمسى مما جرت به الأعراف سماع علية القوم يقولون:"إن من الشعر حكمة وإذا التبس عليكم شيء من القرآن فالتمسوه من الشعر فإنه عربي"، أو ما يضارعه من:"إذا أشكل عليكم شيء من الشعر فآرجعوا إلى أشعار العرب فإنه ديوانهم" وكم ظلت أذواق الأفهام وقتئذ عالقة بأشعار قفا نبك لخولة أطلال وودعْ هريرة وسئمتُ تكاليف الحياة من أجل بيان إعجاز النص الجديد ومقارنته بغيره(أبوبكر الباقلاني مثالا)، الشيء الذي أنتج تقعيدا نحويا وبلاغيا ونقديا معياريا لتفسير الوحي وبيان خصوصيته البيانية والمعنوية التي ظلت عربية أعرابية محضة من خلال مرجعيتها اللسانية تاريخا وحضارة... إن واقعًا ما، كيفما كان هذا الواقع، ينتج لسانه الخاص بمفاهيم ووظائف ودلالات وإيحاءات مشروطة في فهمها بظروف إنتاجها في بيئتها؛ لذا، فإن التواصل وإياها يتطلب في نظري مقاربة من الداخل بأدوات إجرائية من عمق هذا الداخل كي لا نسقط في رؤية متعالمة متعالية على واقع إنتاج نصوص ليست بالضرورة تشبه نظيرتها العربية التي أنتجت ما وراء نصها المعروف لدينا من معجم ونحو وإعراب وصرف ورسم حرف وأسلوب وبلاغة وعروض وو... غيرها من علوم الآلة آنطلاقا من آستقراء آستقصائي للسان العربي المستعمل في بادية القبائل العربية قبل مجيء الدين الجديد شفاهة وتوثيقا... على المقاربة التحليلية لموروثنا اللساني الأمازيغي مثلا أن تظل متشبتة متصلة بواقع إنتاج هذا الموروث وأن لا تُسْقِطَ نفسها في النظرة الستندارية التي تخيط ألبسة الواحد بما يحاك به نسيج الجماعة للخصوصية المحلية حميميتها التي يجب الوعي بها والانتباه لها كي لا نسقط في شرك الإسقاطات التي لا تقدم ولا تؤخر...حتى الكتابة الإبداعية من فنون سرد وحوار وشعر عليها أن تعبر عن مكنوناتها من داخل جماعتها إنْ هي رامت خدمة هذه الجماعة.إنتاج هذه الكتابة ببَصْمة الجذور سيلعب دورا أهم وأبلغ وأعمق مما يمكن أن يلعبه غيرها كالتعليم المدرسي الرسمي الذي يعيد إنتاج ثقافة أخرى غير ثقافة الموروثات التي نعيشها.ما نتعلمه في مدارس الجبل مفروض من عًلٍ ومن بعيد بموجب قوة ثقافة حاكم يفرض سلطة حكمه عن طريق أدوات إجرائية بطريقته وضمن شروط تَضْمن له مزيدا من السلطة والتحكم..هي سياسة إذن..نعم، إنه مُعْطى بديهي..لكن علينا أن لا نخضع ونلين.يجب بذل مجهود في مقاومة مد اللغة المعيارية المتعالية، ليس لأننا نروم معادتها، بل بحثًا عن آسترجاع صفاء ورواء منطوقنا الهارب من ألسنتنا وفهمنا وإدراكاتنا الغاطسة المغمورة بألسن ولغات من شتى أنحاء المعمور.والطامة وداهية الدواهي، أننا لا نمتلك مناعة لسنية تُقَوي مواجهتنا وحفاظنا على جينات جذورنا في تداولاتنا الكلامية، فبمجرد أن يلج البدوي المازيغي منا مهمة تجنيد السربيسْ أو يباشر مدرسة الدوار ومستوصف البلدة وتجمعات المدينة أو يختلط بأسواق الجوار حتى يبدأ في الرطانة والجمجمة والغمغمة يُقلد غيره في سلخ لسني ماسخ لطبيعته التي جُبِلَ عليها منذ ميلاده.إنها مسألة نفسية صرفة.نحن كدَأب كل مُحس بالقهر مولع بتقليد مَنْ يرى أنه أقوى منه، ليصبح اللسان الأمازيغي في كثير من مناطق أريافنا وبلداتنا كمشية غراب أرعن لا حظ له مع بقية الكائنات كمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"لا حمار لا سبعة فرنك"..إنْ نحن رُمْنا التعببر بأمانة عن واقعنا الجبلي الورايني(قبيلة أمازيغية بآلأطلس المتوسط المغربي) مثلا، علينا أن نتكلم لغة القُرى لغة التراب والعمران والشجر والحجر والأمواه والبشر وتشكيلات الأوشام في الأبدان وتجاعيد الأبواب الموصدة والمفتوحة وآلألوان المستعملة في طلائها ومسام الجدران الطينية وهمهمات الجداول وصئي جنادب ورجيج الزيزان وهمسات كائنات لا تُرى وصرخات صياح الحُداة في بطاح وهاد/ تِيغَرْضِينْ المِلاح... المقصود بالثقافة هنا، كل ما له علاقة بهوية جذر ما تميزه بالضرورة عن غيره من الجذور وتربطه به في الآن نفسه، من خلال منتوجاته المتنوعة الكثيرة التي تحمل بصماته المتوارثة عبر تعاقب الموروثات جيلا بعد جيل.عشنا ذلك عايشناه من خلال مطبخنا اليدوي بتوابل ثَريده وبازينه وأَبَرْتُولِه وأرغفته الترابية، بأسقفنا الواطئة والشاهقة المنغلقة والمنفتحة الفاتحة والغامقة بسواد اليحموم..من خلال دورنا وهندستنا وأتربتنا وألواننا الطبيعية وروائحنا المخضبة على الجدران وفي البيادر وعبر صفوف سكك تشقها تخطها ألسنة المحاريث تُعَمق غور المزروعات في حقولنا ذات خريف ذات شتاء ذات ربيع ذات مصيف تَخْضر تخضل تتلون تصفر تنمو تتطاول تيبس تُقْطَف تُجْنَى يقتاتنا عبير أطياف الألوان الفاقعة نمسي في تلابيبها أنوارا زُهَيْرات أتربة شفافة تسيح تذوب في الأجواء حية لا تموت أبدا..لِمَ لا نستغل مواهب الطبيعة وما أكثرها_ أيها المازيغيون، يا سكان المداشر والدساكر وأقاصي الربوع، في الفنون كلها، في أساليب المعيش اليومي، نوظف المهارات كلها دون آستثناء ما آستطعنا إلى ذلك سبيلا من أجل إعادة تأصيل الهوية الجماعية لأزمنتنا ماضيها حاضرها ومستقبلها..بل وحتى في العلوم المسماة"بحتة"، لِمَ لا ينجز أهل الصحة المختصون وغير المختصين تجارب مستخلصة من أعشاب صافنات الجبال البرية مثلا_وهي كثيرة ومتنوعة وذات خصوصة أكيد في مجالها_..لِمَ لا ينجز الجغرافي خرجات ميدانية يفحص فيها الغطاء النباتي الأصلي في منطقة منشئه بأمواهها وهوائها وحيواتها المختلفة..لِمَ لا يفعل ذلك باحث علم الحياة..لِمَ لا ينجز المهندس والتقني خرائط ورسومات لنوع الهندسات القائمة قديما وعلاقتها بمجالها الحيوي وآقتراح مشاريع هندسية جديدة أصيلة مستمدة من طبيعة البلدات وتصديرها كمنتوج سلعي مميز قابل للاستهلاك في مناطق أخرى مشابهة أو قريبة الشبه بتضاريس الجبال..لِمَ لا يعمد صاحب رأس المال إلى توظيف أمواله في مشاريع سياحية تجارية عن طريق سن سياسة القرب من آبن البلد وإدماجه في هذه المشاريع الحيوية الاقتصادية..ما حك جلدك غير ظفرك..يجب أن لا ننتظر من الغير(دولة أو غيرها...)أن يقوم بمهمتنا المنوطة بكاهلنا،هذا قدرنا،وعلينا مواجهته والوعي بخطورة مسؤوليتنا والاعتماد على أنفسنا وآستخلاص شتى مهاراتنا الممكنة في مجمل الميادين وتوظيفها التوظيف المناسب إذا أردنا التنمية العميقة الصادقة لأنفسنا ومناطقنا... مجتمع الجماعات الحالية كما ورثناها موحدة وواحدة لا تملك للأسف ثقافة معلنة لأنها ظلت رهينة عتاقة مسموعات ومحفوظات غير مكتوبة غير موثقة، لَمْ نُدَون شيئا لَمْ نُوَثق لَمْ نكتب..هذا أكيد.. لقد استغرقتنا ظواهرنا الصوتية ظللنا حبيسي تشعباتها نصرخ نجأر نصدح نحدو العناز نسوس الخراف والبهائم نتلاسن نتشاتم نسحق في الفراغ بترانيم أهازيج"لْغَا"،"إيزلان" في أعراس عابرة ننظم ما ننظم من أوزان وقواف تحفزنا زغاريد نسوة يلقين توابلهن في وجوه مشاييخ شعراء غالهم زهايمر النسيان قبل بلوغهم أعمار المشيب، وظلت تلك الآلات العابرة للقارات التي آستقدمَها معهم جنودنا في سبعينيات القرن الماضي بلا معنى تسجل أصوات الأعالي عبر أسلاك النحاس دون تحفظها الأدمغة والقلوب؛ حتى إذا تعاقبت السنون تلو السنين، طغت طوفان العولمة بكل تفاصيله القاتلة للهويات، ضاع كل شيء في المتاه... ولكن، دعوني يا أيها المعنيون بهواجس مَوروثات اللسان، دعوني أهمس في أحاسيسكم.. إن حياتنا كما هي في شكلها الخام الفطري الطبيعي الأصيل قد تكون هي نفسها المسماة "الثقافة"..بلغة فيشر وغير فيشر.. إن مِثل هذا التوجه نحو تجليات معيشنا البسيط العتيق العميق كما هو دُونَ تحولات مشوهة سيكون دون شك مرتبطا أشد ارتباط بواقعنا الحضاري المتجذر في القِدم الذي نسعى جاهدين إلى خدمته والتواصل ما أمكننا معه والانطلاق منه وتوظيفه والتفاعل معه في أعمق الآفاق وأبعد الحدود..عْلَاشْ لَا..
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رَجُلٌ يَنَامُ
-
حُلْمٌ بَارِد
-
عِيدٌ لَا يشبه باقي آلأعياد
-
زُرْقَةٌ لَا تُطَاقُ ...
-
الجبل السحري المازيغي
-
مقام الخوف
-
عنبر كورونا
-
عطسة
-
ثيران في شاطئ ماريم...
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|