|
وقفة أولية مع ظهور المسيحية
عيسى بن ضيف الله حداد
الحوار المتمدن-العدد: 7319 - 2022 / 7 / 24 - 15:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الدين ظاهرة مجتمعية طبيعية، رافقت ظهور البشرية بوعيها البدائي، وواصلت تطوره بتطور وعيها وخبرتها في رؤيتها لما حولها، ولعله يأتي كانبثاق من خفايا الوعي واللاوعي البشري.. انطلاقاً من تلك الحقيقة الأولية، يكون ظهور المسيحية في لحظتها التاريخية الأولى، بما قد ظهرت عليه في بداياتها، يشكل استجابة موضوعية لمجريات الواقع المجتمعي للعالم المتنوع والمتعدد لحوض البحر المتوسط. المهيمن عليه من قبل الإمبراطورية الرومانية.. وقفة تعريف: نحن الآن في منتصف القرن الأول الميلادي، ونظام العبودية مازال جاثماً على صدور المجتمعات الخاضعة للإمبراطورية الرومانية وبقوة، وقد طال أمدها وطال شأن حضورها.. في الصفحة 672 من الحضارات القديمة، يأتي مقولة تعود لانجلس: يقسم المجتمع إلى أغنياء مالكو العبيد يسبحون برغد العيش، إلى جانبهم شريحة لا تملك شيئا ومحرومة من كل حقوق الدولة مع أنها حرة، كذلك العبيد لا يملكون أي حق أمام سادتهم.. في واقع الأمر، إن هذه الحقيقة كانت متبعة من بدايات نشوء الإمبراطورية، وكانت بمثابة المرجعية الثابتة لها وتشمل على نحو أشد كل البلدان المُهيمن عليها.. من ناحية أخرى والقول لي، أن بلدان الشرق قد أصابها ما أصاب غيرها، وهي بما تملك من رصيد ثقافي متوارث، مستمد من ماضيها الحضاري، مما أدى إلى تراكم ظاهرة استبطان تاريخي في أعماق عقلها الجمعي بمكوناته الشعورية واللاشعورية.. مما قد انبثق عنه ما يماثل طفرة، تحمل في طياتها ارهاصات ديانة الخلاص المتمثل بالمسيحية في زمنها المبكر.. في واقع الأمر، من الصعوبة بمكان معرفة البذور الأولى لمسيحية الخلاص، نظراً لوجود العديد من الأناجيل.. وما يمكن التوقف عنده مستمد بقدر ما، من الوقائع المتبادلة على نحو واسع، متجنبا ما يمكن اعتباره غير مؤكد: الأوساط الاجتماعية للمسيحية الأولى، من البداية وخلال القرن الثاني: ولدت وانتشرت المسيحية في بداياتها في الأوساط الاجتماعية السفلى والمستغلة، الشعب المضطهد والمعذب، الناس الأحرار المدمرون وعلى أبواب فقدان حريتهم، صغار المهنيين، البروليتاريين والعبيد.. لقد كانت الجماهير الشعبية العبدة، المضطهدة، والمدمرة اقتصادياً والقابعة في بؤس الإمبراطورية الرومانية، قد بحثت في البدء، طوال القرنيين الثاني والأول ق م، عن مخرج مما هي فيه، عبر النضال المكشوف وفي التمرد، لكن فشل كل الانتفاضات دلّ على أن مقاومة السلطة الرومانية مآلها الفشل. لذا ولد لدى الشرائح السفلى وأنتشر بسرعة انتظار " المنقذ السماوي " من آلام وتعاسات الأرض.. وكان مثل هذا الانتظار شائعا على مدى واسع في المنطقة. (ص 677/ الحضارات القديمة) البدايات (ص 679-682): كانت الكنائس الأولى منظمة على مبدأ المساعدة المتبادلة، يعيش أعضاؤها كما في معسكر في العراء، بانتظار نهاية العالم القريبة. على رأس هذه المخيمات يعيش ال " شيوخ " (الكهنة) يساعدون " الشمامسة الإنجيلين"، وأفقر الناس الأحرار والعبيد يمكن أن يصيروا كهنة. يتحدى المسيحيون الأغنياء في قولهم " أسهل على الجمل أن يدخلوا ثقب الإبرة من أن يدخل الغني ملكوت السماوات "، ولم يكن مسموحاً للأغنياء دخول الكنائس، إلا إذا وزعوا أرزاقهم على في الفقراء.. في بداية الدعوة، كان المسيحيون يجتمعون سراً في المقابر السردانية، المسماة ديماس، في قبو الكنيسة يدفنون موتاهم، كما كانت تفعل النقابات المهنية وغيرها من (الشعب الصغير). في تلك المرحلة ظهرت الطقوس المتعارف عليها.. منذ البدء، كان الدين المسيحي يكرز بالخضوع والتسليم، مما قد أدى لتحويل الجماهير الشعبية عن النضال ضد المضطهدين ليزجهم في حقل الأحلام.. التحوًل كبداية: لقد أفضى الطابع السلبي للكنيسة منذئذ بالضرورة على زعزعة المسيحية وتفككها، متخلية عن كونها دين الكادحين، المضطهدين، المعوزين والعبيد لتكون كباقي الأديان في المجتمع الطبقي، بحيث قد أداة ضغط طبقي، وسنداً للطبقات السائدة.. في الوقت ذاته تبدلت التركيبة الاجتماعية للكنيسة، إلى جانب الفقراء دخلها الأغنياء، ودفعوهم إلى الصفوف الخلفية. أغرقوا الناس بهباتهم: صار بعض أعيان النبلاء سادة الكنائس المسيحية كلها (كمثال: أسرة متلوس النبيلة، ومارسيا محظية الإمبراطور كومود) التطوًر: أثناء القرن الثاني، تسارع هذا التطور وفي بداية القرن الثالث، حدث تحوًل جري، صال البعض مالكاً لأطيان كبرى، بيوت للإيجار ميزانيات ومبالغ ضخمة من المال. أن تكون كاهن كنيسة عمل مريح، حتى بعض المخاتلين والمغامرين ارتدوا هذا الثوب، مستغلين سذاجة البسطاء (بقلم لوسيان دي ساموزات). في المواعظ، بدأت تسمع ملاحظات جديدة: قيل فيها على العبد الخضوع للسادة، لأن كل سلطة آتية من الله. نحو نظام كهنوتي: راح يظهر موظفون كبار ال " أساقفة " الذين كانوا يسهرون على كنائس المناطق كله، مرتبطين بمركز المنطقة (متروبوليت)، التي أصبحت مقام هذه السلطة الدينية الرفيعة الشأن.. وبدون أمر الأساقفة لا يستطيع الاكليروس المنتخب ممارسة مهمته، في إدارة المعمودية، ورئاسة الصلوات المشتركة وغيرها من طقوس معتمدة.. بدأ أساقفة المدن الكبرى، الإسكندرية وإنطاكية، ومن بعدهم أساقفة روما، يتمتعون بسلطة فريدة، إذ تضاعفت الطقوس المقتبسة من الأديان الأخرى، وصار العماد والتناول أسرارا وألغاز تتشبه الألغاز التي يمرسها متعبدو أدونيس وغيره.. في القرن الثالث وظهور المجامع - بدأ الأساقفة يجتمعون بمجمعات كنسية، ليقرروا أي اقتراحات وأي نظريات يجب أن تكون مقبولة بشكل دائم وإلزامية وأي منها يجب إدانته ورفضه.. ومن الأدب المسيحي الغزير لم يعترفوا إلا بالأناجيل الأربعة، المتداولة حالياً، وأعمال الرسل ورسائلهم الواحد والعشرين ورؤيا يوحنا، واعتبرت الكتابات الأخرى مزورة يجب تحريم تداولها، وبشكل عام كل الخروج عن "النظريات الصحيحة"، أعلن أخطاء مؤذية، ومنها ما اعتبر اجرامياً يجب معاقبته، وانتزاعه من مجمع المؤمنين أو حتى تحريمه.. أدى النشاط الأسقفي والمجامع الكنسية حشد التجمعات المسيحية المشتتة حتى آنئذ، ودمجها في لحمة واحدة تضم كل أرجاء الإمبراطورية الرومانية، نجم عنها تشكل قوة اجتماعية هائلة، بيد أنها لم تسلم من ظهور تيارات متباينة ومتعادية، خاضت صراعاً ضارياً، إذ لم يستطع الكثير من الناس، وبخاصة الفقراء، الخضوع للنهج الجديد التسلطي المفوض على المؤمنين، ودافعوا عن حرية البحث والتقصي، فكانوا لهذا من المضطهدين، وأعلنوا ك "ملحدين " وفصلوا من الكنيسة.. أهم ما ظهر من تمردات " على الخط القويم «واعتبروا كهراطقة، ظهروا في وسط المثقفين والمطلعين على الفلسفة الهيلينية الغنوصية أي المعرفة. كان الغنوسيون يبحثون عن توفيق النظرية المسيحية مع الحكمة " الوثنية "… (وللموضوع بقية حتى قسطنطين)
#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقفة موجزة مع العبودية كنظام سائد في النظام الروماني- مقتبس
...
-
خلاصات بحثية، أولها في الجزيرة العربية، وثانيهما تعكس ذاتها
...
-
من التراث/الماء كمقدس
-
مقدمة عمل عنوانه في معترك السياسة في جامعة دمشق في عقد الستي
...
-
الإمبراطورية الرومانية في ظل قسطنطين
-
احتضار وسقوط امبرطورية العبودية الرومانية.
-
مقاربة تاريخية/ بدايات وتحولات
-
وقفة سريعة/ ما بين زنوبيا وبولس السيمساطي/ ساموات السوري
-
المشترك في الزمن البابلي
-
مقتطف من كتابي - البحث عن موسى - في قراءة مغايرة - ومناظرة م
...
-
قراءة في التاريخ القديم لما بين الرافدين - كليات في وقائع
-
غزوات شعوب البحر في قراءة مغايرة تصدع في تاريخيات غزوات شعوب
...
-
وقفة في ظلال علم الأديان -
-
أسرار الكهوف - النبض السري لمدونات كهوف قمران والبحر الميت
-
مع العلمانية / موقف
-
من التاريخ - الإمبارطورية
-
من حروب غيرت مسار التاريخ - الحروب ما بين روما وقرطاج
-
القبائل العبرية فيما قبل اليهودية
-
إضاءة تاريخية على الأصل الأقدم للفينيقيين
-
اضاءة على الأصل الأول لفينيقيا
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|