الثقافة والوعي مفهومان مرتبطان بتطور الإنسان وبطبيعته الاجتماعية ونشاطه العلمي والإبداعي منذ القِدَمْ، الوعي يظهر ويتطور كجانب من ممارسة الإنسان الاجتماعي وترابطه وتفاعله القائم ما بينه وبين الموضوع الذي يجري التفاعل معه، وهو وثيق الصلة باللغة هذه الآلة التي تستطيع أن تقدم الامكانيات الهائلة من أجل نقل ثمار نشاطه للأجيال القادمة، ومعرفته بطبيعة الأشياء المحيطة به.. وهنا تبرز اللغة شكلاً من أشكال التجسد المادي للوعي فضلاً عن تجسده في موضوعات الثقافة فيما يخص العمل وسائر الأعمال الفنية الأخرى.
ويتميز الوعي الذاتي للفرد في معرفته لقدراته في اتخاذ القرارات وسلوكه العام والخاص، ولم يكن الإنسان بمعزلٍ عن التغيرات المستمرة على نمط وأسلوب حياة الجماعة المحيطة به، ونلاحظ أن طابع أفكار الناس وتطورهم وتقدمهم مرتبط بمستوى إنتاج الخيرات المادية، ومع هذا فإن هناك تعقيدات وتناقضات كبيرة بين " الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي" وقد لوحظ أن التطور الكبير في الصناعة والتكنيك العلمي والمساعي المستمرة للسيطرة على الطبيعة واكتشاف مصادر جديدة للطاقة وقيام منظومة عالمية من الاتصالات الراقية والسريعة باستخدام الأقمار الصناعية والثورة المعلوماتية، وَسَعَتْ النظرة العامة والوعي لدى الإنسان.
أن البحث عن المعارف الجديدة إلى جانب المعارف اليومية " الفردية " هو سبيل صحيح لتطور الإنسان والمحيط الذي يعيش فيهِ، كلما كانت المعارف أكثر قرباً لحياة الناس وواقعهم، فإنها ترسم سلالم جديدة لمعرفة واكتشاف معارف جديدة وطرق استخدامها للوصول إلى معارف أخرى وهكذا حلقة بعد حلقة إلى ما لانهاية..
لقد أدى الإلمام بالتكنولوجيا منذ البدء إلى صناعات مختلفة في الكثير من المجالات، وسوف يستمر ذلك في المستقبل.. من هذا المنطلق فإن المعارف في النشاط الروحي وانعكاس الواقع الموضوعي تتجسد في نظريات علمية، كما أن الفن واللغة لا يمكن نقلهما بشكل ميكانيكي للأجيال القادمة لأنهما عاملان مهمان في تعميق الوعي الثقافي ونشره من خلال التطور الجاري عند الإنسان وفي ما حوله " فيجعل النشاط المعرفي السالف الذي قام به المجتمع يتبدى امامه في صورة معرفة جاهزة ينبغي استيعابها "وعندما يستطيع الإنسان ادراج المعرفة في نشاطه ويستوعبها فانه بذلك يطور قدراته الروحية ويحولها إلى " عنصر من الوعي " عند ذلك تتجلى فيه امكانية ان يكون كصائغ مبدع للثقافة والنشاط الهادف الذي يمارسه الإنسان يؤدي إلى اكتشاف أو " خلق أو اختراع " مال يكن معروفاً للناس قبل اكتشافه..
كما أن الثروة الثقافية التي راكمتها البشرية منذ فجر التاريخ للحظة الراهنة هي دائرة من المعارف الواسعة في مجالات " الفكر والعمل والعلم " ومنذ خروج الإنسان من الكهف المظلم واكتشافه النار والزراعة وتنظيم الري وتدجين الحيوانات واختراع الكتابة والعجلة واستنباط طرق جديدة للمعيشة وتنظيم حياته الاجتماعية وسن القوانين واعتناق الديانات والمعتقدات ظل يفكر ويبحث ويعمل مستخدما الوسائل المتاحة لديه من أجل خدمته الذاتية والجماعية، وتوصل فردياً وجماعياً إلى معارف اغنت وعيه وثقافته، وكلما تراكمت هذه المعارف والثقافة ازداد استيعاب الثروة الثقافية استيعاباً فعالاً من اجل الاستجابة لمتطلبات عصره، ولهذا لم تنحصر معارفه كحصيلة للنشاط النظري فحسب وإنما جاءت تعبيراً عن توجهاته المستقبيلية، وكان لابد أن يتميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى بإبداعه لأن الشرط الضروري للإبداع هو اهتمام الشخصية العميق لعصرها والقدرة على استشفاف مشكلاتها الملحة في سياق الحالات والأوضاع الملموسة.
ان الثقافة مفهوم واسع ارتبط بألوان " النشاط التحويري للإنسان والمجتمع " كذلك يشمل نتائج هذا النشاط المتعدد الجوانب، وهناك تمايز ما بين " الثقافة المادية والثقافة الروحية " ففي الثقافة المادية يندرج العدد من الخيرات المادية " ووسائل الإنتاج " أما الثقافة الروحية فهي تشمل العديد من المعارف وكل الأشكال للوعي الاجتماعي " الفلسفة، والعلم، والأخلاق، والحق، والفن.. وغيرها " وتتجلى في التاريخ البشري عناصر الثقافة المتنوعة جميعها بالإرتباط الوثيق فيما بينها " النشاط البشري المادي، والانتاجي " يحتوي في جوهره على نشاطهم في باقي ميادين الحياة. أثناء هذه العملية نجد أن " ثمار نشاطهم الذهني يكتسب صيغة مادية تتحول إلى وسائل معرفية تكنيكية أو أعمالاً فنية "
ان الباحثين في مجالات الثقافة توصلوا إلى أن المعارف البشرية في مجال " التكنيك الكهربائي " مثلاً تنتمي إلى " الثقافة الروحية " التي امتلكها البشر خلال مجرى تطور العملية التاريخية، بينما نجد أن المحركات الكهربائية تنتمي إلى " الثقافة المادية " ومثلما أسلفنا فإن الثقافة تمتد بعيداً بجذورها إلى أعماق التاريخ وهي ترتبط اشد الإرتباط بظهور الإنسان أثناء تطوره المستمر من أجل امتلاك ناصية الطبيعة وتسخيرها لمصلحته، واختراع أساليب وطرق فنية اعتمدها خياله الخصب بسبب مجهولية مئات الآلاف من القضايا المحيطة به " الأرض والكون " وكذلك الأسئلة المطروحة من قبل فكره.. وعندما يغير البشر وسطهم الطبيعي بسبب تحسن واتساع معارفهم ومؤهلاتهم وقدراتهم فانهم يخلقون الوسط الثقافي الذي يشمل " السكن والمواصلات ووسائل الارتباط كاللغة والكتابة... الخ "
ان الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر وما رافقتها من اختراعات وانجازات وتطورات هائلة في عالم الإكتشافات على امتداد القرن العشرين والمحاولات والنجاحات النسبية لاكتشاف الفضاء الخارجي جعلت البشر يعيشون في وسط صناعي متنوع الأشكال والأنواع.. هذه الثروة لو استخدمت لإيجاد طرق حديثة لخدمة الإنسان وتنفيذ رغباته الحياتية الطبعية وتطور عمله ومداركه واستخدام التكنيك الحديث في إنجاز عشرات الالاف من الأعمال الخاصة والعامة، لوجدنا أن هذه الثروة والتطور قد تضاعفا أكثر من مرة أو مرتين مما هو عليه الآن واصبح في خدمة الأكثرية لا الأقلية من البشر.
وكما نرى فقد استغلت قضايا كثيرة ومنها التكنيك الحديث " ثقافياً " من أجل استخدامه لأغراض خاصة حاز عليها القلة من الناس " مادياً " ، واستغلت الاختراعات في مجال العقول الالكترونية " الرابوتات " في أكثرية الدول المتطورة صناعياً وغيرها لأجل تقليص اليد البشرية العاملة مما زاد جيش العاطلين الاحتياطي عن الحد المعقول هذا الجيش الذي يرسخ تحت قوانين " بدل البطالة.. أو المساعدة الاجتماعية " الصارمة التي تهددها السياسة النقدوية مثلما كان الحال في أواسط الثمانينات لتقليص المساعدات الاجتماعية والصحية والخدمية واطلاق يد الاحتكارات حتى في التأمينات العامة التي تتكفل بها الدولة، ويعتبر النقدويون ان الحكومة " الدولة " بتدخلها تجعل النظام الرأسمالي اقل استقراراً وكفاءة بسبب حرمانه من المرونة، كما حاول النقديون تقديم النقدوية كأنها " نزعة شعبية تستمد قوتها من السخط الجماهيري العام الموجه ضد البيروقراطية للدولة" كما عارضوا تدخل الدولة في إصدار قوانين تثبت حدّاً أدنى للأجور والإعانات في حالة البطالة وتوسيع خدمات الضمان الاجتماعي..
لقد أثبتت تحليلات واكتشافات المفكرين العلمية للتاريخ البشري ونشوء الطبقات في المجتمع البشري على قوة حقيقتها من خلال التطورات اللاحقة على التشكيلات حيث " لكل تشكيلة اقتصادية واجتماعية مستوى معين من الثقافة المادية والروحية " وان تطور الانتاج المادي يقوم في صلب تقديم الثقافة، وعندما يتم تغير اسلوب الانتاج يؤدي إلى تغيرات نوعية في القضايا الثقافية وفي الوعي، ويتحتم عندما تجري هذه التحويلات والانتقالات من مستوى معين لتطور الثقافة إلى مستوى آخر، الاستخدام الجيد لجميع الجوانب القيمة للمعارف التي تم الحصول عليها أثناء إنجازات الماضي الثقافية وبدون الاستخدام هذا لا يمكن أن تقوم المجتمعات البشرية بدورها بشكل مناسب في التطور العام، وتجري إعاقة هذا التطور بسبب الهيمنة القسرية على المؤسسات الساسية " أحزاب، برلمانات، مجالس عليا، جمعيات "..
ان تجربة فشل الثورات في القرون السابقة وفشل كومونة باريس لم توقف العملية الثورية للخلاص من الإستغلال واقامة العدالة الاجتماعية بل العكس فقد استمر التقصي والبحث والنضال في تحقيق حلم الإنسان في العدالة..
ان النظام في الإتحاد السوفيتي السابق وبلدان أوربا الشرقية أكبر برهان على ذلك ،
فعلى الرغم من المزايا الإيجابية الإجتماعية والصحية والخدمية التي توفرت في هذه الدول ( وهذا لا يعني مطلقاً أن النظام الرأسمالي المعاكس للعملية " مثالياً وأزلياً " ولا حتى ديمقراطياً بتصورات حقيقة الديمقراطية المراد تحقيقها من قبل أكثرية الجماهير الكادحة، فالديمقراطية المعنية هنا تخص مصالح النظام الرأسمالي ومنفعة توجهاته الجوهرية التي تتركز على الربح، وهو سيقف حتماً وبكل ما يملك من قوة ضد أي اختلال في خلق قيم ثقافية ووعي جماعي وفردي من أجل الإنتقال إلى أسلوب من الإنتاج لا يتسم بالإستغلال لقدرات وقوة عمل الآخرين حتى لو جدلاً كان هذا الإنتقال غير عنفي وسلمي )..
إما في الأنظمة الآنفة الذكر فقد أمست التراجعات في الوعي الثقافي إلى تقلص الإعتماد على الجماهير مما أدى إلى تقلص المستلزمات الحديثة المبنية على التكنيك الحديث، والاختراعات الجديدة ومستلزمات إنتاج البضائع الصغيرة " القسم المدني " ولم يجر الاستخدام الأمثل لمعرفة الماضي وإدخال ما هو جديد واعتماد أساليب أكثر ديمقراطية لعملية الخلق وحرية الرأي، والحركة والتعبير والاختيار الحر والاستقلالية ومواصلة الجهود من أجل رفاهية الفرد وخلق مستلزمات للإبداع الفني الملتزم وغير الملتزم، وعدم وضع القوالب الجاهزة من قبل المؤسسة السياسية بحجج الحفاظ على المنجزات من العدو الخارجي والداخلي بينما يكمن في جوهرها العداء للديمقراطية ومحاصرة الحريات وإبعاد الجماهير من مسؤولياتها التاريخية في أن تتخذ دورها الحقيقي في انتخاب ممثليها بحرية وديمقراطية وعند ذلك ستدافع هذه الجماهير عن حريتها وديمقراطيتها وبلدها بقناعة تامة وتضحيات كبيرة.
كما جرى نسخ الوعي الثقافي للناس في الدول الشمولية بطريقة ميكانيكية فأدى إلى تدني روح المسؤولية والشعور بالإغتراب الداخلي والخارجي، مما جعل ليس شغيلة اليد وحدهم وإنما شغيلة الفكر لا يدافعون عن المكتسبات والإنجازات الإجابية المحققة نتيجة للجهود والتضحيات في خلق حياة جديدة تعتمد على اسلوب للإنتاج يختلف عما سبقه، وبالتالي القبول بنظام العاهات الإجتماعية والأخلاقية لرأسمالية مبتذلة تعتمد طرق المافية في تدبير شؤونها وشؤون الدولة والقبول بالمهرج رئيساً لدولة كبرى..
وبينما كان البحث والحديث يجري عن أسباب اتسام الثقافة بالتناقضات التناحرية فإن الجانب المخطئ في تطبيق مقولات " الوعي ، الجماهير " قد أدى بالنتيجة إلى البطء الشديد في خلق قيم متواصلة من أجل الإستخدام الجيد للإنجازات الثقافية، وانحصر مفهوم تجلي الثقافة والوعي باتجاه القسرية والترقب والحذر والاستنساخ وعدم الانفتاح التدريجي والاعتلاء على القوى المنتجة الذي أدى إلى خضوع ناصية المؤسسة السياسية للعقلية الفردية وعبادة الشخصية وتأليه القادة، هذه المؤسسة التي صاغت أنظمتها الداخلية وبرلمجها المرحلية " استراتيج، تكتيك " على أساس قيادة المجتمع بالإعتماد عليه لإنجاز المرحلة التاريخية في تغير أشكال ونمط الإنتاج القديم إلى اسلوب من الانتاج الجديد الذي يخدم الغالبية العظمى من السكان ويحررهم من أوهام الخوف والرعب من المستقبل والتمتع بقدراتهم وإمكانياتهم الذاتية والجماعية في سبيل زيادة الثروة الثقافية وتشعبها..
ان التطبيق الخاطئ لمقولات الوعي باعتباره " شكلاً بشرياً خاصاً يعكس الواقع واستيعابه الروحي، ولمفاهيم الثقافة والجماهير " والدور التاريخي لفئات واسعة من البشر، وقضايا نظرية أخرى كان المعيق الحقيقي لتقدم وتطور هذه المجتمعات وفشل نماذجها المعروفة، والذي أدى إلى عدم ترسيخ قيم أخلاقية ووعي مدرك ومتطور يتمازج تمازجاً طبيعياً من أجل استيعاب الإنتكاسة والعمل من أجل إنقاذ الجوانب الإيجابية بدلاً من السقوط في أوهام العناصر القديمة، وعلى الرغم من تغير أشكال وتنظيم أسلوب الإنتاج بالقفز على المراحل التاريخية فإن ذلك لم يوفر " اسساً مغيرة لنشاط الناس التحويري والتطور الثقافي "..
ان الأسئلة الكثيرة التي طرحت والمطروحة في وقتنا الراهن حول الثقافة والوعي من قبل المفكرين والباحثين والمثقفين والمختصين والعلماء " منتمين أو لا منتمين " تجول في عقول ملايين البشر لرغبة المعرفة والتدقيق لا للتشفي والإنحدار لمقولات بائدة يراد منها ذر الرماد في العيون..
1- هل كان كل شيء على خطئ لأنه انحصر في شكل واحد ؟
2- هل الخطأ في النظرية أو في التطبيق المرحلي ؟
3- هل الطرف المعاكس " النموذج الرأسمالي " هو الصحيح والدائم ؟
4- لماذا بقاء وتطوير الترسانة النووية والأسلحة المتطورة بعد انتهاء الحرب الباردة وحل الإتحاد السوفيتي وحلف وارشو؟
5- أين يقع مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما يتعارضان مع مصالح البلدان الرأسمالية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية
6- لماذا يجري التميز بين الأنظمة الدكتاتورية التي تحكم العشرات من بلدان العالم الثالث بطرق مختلفة ؟
7- ما هي أهداف العولمة الجديدة في جعل العالم " قرية صغيرة " بالتخطي على قيام الأمم والبلدان المستقلة ؟
8- هل الثقافة بشقيها " المادي والروحي " ستكون لفائدة الأكثرية ؟ أم تبقى لفائدة الأقلية في النظام العالمي الجديد " القرية الصغيرة " التي تعدها الشركات الفوق قومية ما أجل مصالح حفنة من الراسمالين المعدودين في العالم ؟
9- هل الإرهاب الدولي ولا سيما بعد 11 / سبتمبر / 2001 يعني المنظمات والجمعيات التي تمارس الإرهاب ؟ أم هناك دول شريكة للرأسمال العالمي كإسرائيل التي تحتل الأراضي العربية والفلسطينية بعد حرب 1965 ضاربة عرض الحائط قرارات الأمم المتحدة بضرورة الإنسحاب وإقامة دولة فلسطينية على هذه الأراضي،وكذلك الأنظمة في باكستان وتركيا ودول في أمريكا اللاتينة التي تخرق حقوق الإنسان بشكل علن وجميع هؤلاء يحضون بدعم وتأيد من قبل أمريكا والعديد من دول الغرب الرأسمالي..
10 – لماذا تمنح الولايات المتحدة الأمريكية الحق لنفسها بوضع بعض الدول في خانة الإرهاب مع العلم إن تاريخها المعاصر دل على أنها تدخلت واحتلت العديد من البلدان بقوة السلاح ؟
أسئلة كثيرة أخرى تطرح لتدل على عدم الثقة والقناعة بالنظام العالمي الجديد ومصداقيته في أكثرية القضايا المطروحة في زمن الحرب الباردة والتي يجب أن تحل بذهاب الأسباب الموجبة لأستمراره.. وأكبر مثال الهبات والاحتجاجات والتظاهرات والغليان الاجتماعي أعوام 2000 و 2001 بالضد من العولمة المنتهجة من قبل الدول الصناعية ، والمظهارات الإحتجاجية التي عمت العالم قبل الحرب على العراق وأثناء الحرب في 2003 .
هل اغنت التجربة الثروة الثقافية والوعي عند الناس ؟
ان الحديث عن السلبيات دون الإيجابيات يجعل الأمور اصعب للفهم مما حاصل، فلا يوجد في قانون التطور شيء ثابت فعلى الرغم من حالات التراجع النسبية فإن الوعي البشري " الفردي والجماعي " يزداد بحتمية التغيرات وانتقالها من حالة إلى حالة أخرى بدون التكرار المطلق.. ومن أجل فهم ما حصل علينا أن نستوعب الصراع بشكله الخاص والعام، هذا يجعلنا من جهة المقارنة واغناء معارفنا وثقافتنا ووعينا.. كما لايمكن اغفال الكم الهائل من العمل والبناء والثروة الثقافية التي وفرتها هذه البلدان للبشرية،
واكبر خطأ اقترفه بعض الباحثين والمعنين والمفكرين عندما وضعوا علام ( X ) على جميع الإيجابيات واعتبارها تجارب فاشلة لا يمكن الإستفادة منها أو اعتبارها قاعدة لتوجيه العملية التاريخية لوضعها في المكان المناسب لها.
ان الثقافة يجب أن لا تنحصر في الفئوية الضيقة ( النخبة ) الذين يتمتعون بثمار التطور الثقافي والمعرفة البشرية وإنما يجب وضعها في متناول وخدمة الأغلبية.
ان استغلال المنجزات الثقافية والتأثير الدعائي النفسي المحصور بالنخبة استخدم للترويج عن البضائع الاستهلاكية وخلق قيم أخلاقية هابطة من أجل غرس وترسيخ النزعة الإستهلاكية والقيام بتشويه أية قيمة إيجابية تتعارض مع مصالح اسلوب الإنتاج المحدد بــ الريح + الريح = ربح غير محدود بتسميات ومقولات إنسانية، بدءاً " بالديمقرتطية وحقوق الإنسان وإنتهاءً بالقانون والدفاع عن العالم الحر، وقيم الأمة "
ان السياسة الموجهة هذه تتجسد في دعوات متماثلة تهدف إلى بث وعي ثقافي مخطط تهدف من خلاله إلى تحقيق أهداف استغلالية بعيد المدى يتضادد من ذلك الوعي الثقافي الذي يدرك قيمة ومسؤولية الدفاع عن مصالحه بالوقوف بوجه الاستغلال والتسلط
وتتخذ اجراءات تعتمد على الإعلام المضاد إلى تشويه الحقائق واختراع مستقبل موهوم بضجيج هذه الدعاية التي تعتمد ضخ سياستها الإعلامية الموجهة في الشبكات والقنوات الإعلاميةالمختلفة الحديثة كالإذاعات وقنوات التلفزة والمجلات والكتب والجرائد والسينما وافلام الفيديو وقضاياالعنف والجنس والمخدرات والجريمة المنظمة لتغطي بها مساحات سكانية واسعة ليس في البلدان الصناعية المتطورة أو الأقل تطوراً فحسب وإنما يجري تصديرها إلى بلدان العالم الثالث التي تعاني من الجوع والبطالة والفقر والأمراض ومن الهيمنة الاقتصادية ونهب خيراتها واعتمادها الأكبر على استيراد البضائع الإستهلاكية وفقدان الحريات والديمقراطية .
ان استشفاف المستقبل اعتماداً على التطور التاريخي للبشرية يؤكد بأن " الثقافة ستغدو إنسانية الطابع " وهي ليست محكومة بحقبة زمنية محددة بل مرتبطة بإدراك جملة من الحقائق تؤدي بدورها إلى الحقيقة والقناعة التامة.. إذا لم يخرج أصحاب الترسانات النووية عن طورهم بقيام حرب ننوية لا تبقي ولا تذر..
ان العمليات المخططة لإعاقة تطور الوعي الطبيعي للأكثرية من البشر تصب في مجرى العداء للديمقراطية وحقوق الإنسان، واستمرار التبعية الإقتصادية بالنسبة لدول العالم الثالث والبلدان الأقل تطوراً ، وهوهدف تسعى من اجل تثبيته الدول الرأسمالية الكبرى وعلى رأسها أمريكا للحفاظ على مصالحها الإستغلالية.
ان التغيرات في عالمنا الراهن ستبقى مرهونة بكمية ونوعية الثروة الثقافية والوعي عند الناس .
يتبع ـــ " ماذا كان يجري في العراق ؟ تشويه الوعي الثقافي "