|
النجدة! مثيرو سلام!
أوري أفنيري
الحوار المتمدن-العدد: 1681 - 2006 / 9 / 22 - 10:34
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
هل لكم أن تعرفوا من قال: "الدخول إلى لبنان كان بمثابة عمل فاضح...كان بالإمكان التغلب على مشكلة الصواريخ بوسائل دبلوماسية... الهجمة التي نُفذت في اليومين الأخيرين من الحرب، بعد أن كان قد تقرر وقف إطلاق النار، والتي قُتل فيها 33 جنديا، حاكها رئيس الحكومة... على رئيس الحكومة، وزير الدفاع وقائد الأركان أن يستقيلوا...
صحيح، "كتلة السلام" هي التي صرحت بهذه الأقوال.
ولكن هذا الأمر ليس بجديد. الجديد هو أن قائد الأركان السابق موشيه يعلون قد ردد أمس هذه الكلمات بحذافيرها تقريبا.
"بوغي" يعلون بعيد عن "كتلة السلام" كبعد الشرق عن الغرب. إنه ليس من أتباع "مجموعة هامشية". لقد أتى من مركز السلطة، وهو يميني فذ. لقد كان مسؤولا عن عدد من الأعمال الأكثر بشاعة التي نفذها الاحتلال.
هناك فرق آخر: لقد قالت "كتلة السلام" هذه الأقوال في الوقت الحقيقي، في خضمّ الحرب، بينما كان ما زال من الممكن إنقاذ حياة 33 جنديا. لم تحظ هذه الأقوال بشعبية في حينه، وكانت متطرفة تصل إلى حدود الخيانة. ولأن أي من وسائل الإعلام الإسرائيلية لم توافق على نشرها، قامت الكتلة بنشرها في إطار إعلانات مدفوعة الأجر. ها هو يعلون يأتي الآن، بعد أن تغير اتجاه الريح في الدولة، لتحظى هذه الأقوال بالشعبية.
دوافع يعلون ليست مهمة. (تذكرون أنه قبل سنة واحدة كان أريئيل قد أقصاه عن المنصب وعين دان حالوتس خلفا له ليدفع خطة "الانفصال" قدما.) المهم هو أن هذه الأقوال يتفوه بها شخص يتمتع بصلاحية عسكرية عليا. حين يقول هذا الرجل أن الجنود الثلاثة والثلاثين قد قتلوا من أجل مصلحة إيهود أولمرت الشخصية، فهذا اتهام خطير. حين يقول أن الحرب برمتها كانت أمرا لا حاجة إليه، وأنه كان بالإمكان التغلب على المشكلة على الحدود الشمالية بوسائل دبلوماسية، فإن لهذه الأقوال مفعولها.
هذه الأقوال مهمة ليس بالنسبة للأحداث التي جرت قبل شهرين فحسب، بينما ادعى زعماء الدولة بوجود خطر محدق على الحدود مع لبنان، بل هي أكثر أهمية بالنسبة لأحداث اليوم، بينما يحذر هؤلاء الزعماء من "خطر" أكبر بكثير في مكان آخر.
يُسمع في أروقة الحكومة الآن صراخ استغاثة: "النجدة! سلام عليك يا إسرئيل!"
إن عدوا غاشما يحيك مؤامرة ليفرض علينا السلام. إنه يتقدم باتجاهنا من ناحيتين، بحركة كماشة هائلة.
إحدى ذراعي هذا الهجوم هي حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي من المتوقع إقامتها.
والذراع الأخرى هي قرار الجامعة العربية إعادة إحياء مبادرة السلام العربية.
من جهة حكومة إسرائيل، فإن هذا الهجوم أخطر بكثير من كل صواريخ حسن نصر الله.
حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية تأتي بالأساس لتلبي احتياجات فلسطينية داخلية.
منذ انتخاب الجمهور الفلسطيني لحماس، نشأ وضع من الفوضى في الشارع الفلسطيني. الصدام المتواصل بين الرئيس، وهو رئيس فتح أيضا، ورئيس الحكومة، وهو من أتباع حركة حماس، خلق وضعا من التنافر والشلل في وقت يحتاج الشعب الفلسطيني فيه بالذات إلى الوحدة للدفاع عن نفسه.
لقد سيطرت حركة فتح على الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ تأسيسها على يد ياسر عرفات قبل زهاء 50 عاما، وهي لم تتقبّل هزيمتها. غير أن الشعب الذي يقاتل من أجل وجوده لا يمكنه أن يسمح لنفسه أن تنشغل حركتان مركزيتان بالصراع فيما بينهما، بدل أن تتعاونا في النضال من أجل حريته.
إضافة إلى ذلك، فإن الخناق الذي فرضته أوروبا وأمريكا على السلطة الفلسطينية، بأمر من الرئيس بوش، هو محاولة لم يسبق لها مثيل لتجويع شعب بأكمله، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وذلك لإرغامه على إسقاط الحكومة التي كان قد انتخبها في إطار انتخابات ديموقراطية.
تهدف حكومة الوحدة إلى إعادة استتباب النظام الفلسطيني العام وكسر الطوق الدولي.
لتحقيق هذا الهدف يتوجب على الحكومة تخطي بعض العقبات. يصعب على حماس، لأسباب دينية، الاعتراف بدولة إسرائيل رسميا. ليست لهذا الأمر أية علاقة بمعاداة السامية، بل أنه حسب الدين الإسلامي، تعتبر فلسطين "وقفا" يملكه الله (الأمر يشبه معتقدات المتزمتين اليهود، بأن الله قد وعدنا بالبلاد وأن التخلي عن أي جزء منها هو بمثابة خطيئة لا تغتفر). ولكن الإسلام قد فتح بابا خلفيا لتخطي هذه الوصية عن طريق القدرة على إقامة "هدنة" لوقت طويل، لعشرات وحتى لمئات السنين.
الطريق لحل المشكلة هي توقيع حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة حماس، على إعلان يعترف "بوثيقة الأسرى"، بقرارات الأمم المتحدة، بالاتفاقيات المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وبالمبادرة العربية - مستندات ترتكز جميعها على الاعتراف بدولة إسرائيل. يجدر بهذا أن يكون كافيا لمن يريد حقا دفع السلام الإسرائيلي - الفلسطيني قدما.
هذه هي المشكلة التي تواجهها حكومتنا.
الذراع الثانية لهجمة السلام هي إعادة إحياء "مبادرة السلام العربية".
طرح هذه المبادرة، في حينه، ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير عبد الله الذي أصبح اليوم ملكها. لقد تم تبني هذه المبادرة من قبل مؤتمر قمة رؤساء الدول العربية الذي انعقد في بيروت.
تنص هذه الخطة، ببساطة، على ما يلي: العالم العربي بأسره يعترف بدولة إسرائيل ويبرم معها معاهدة سلام، شريطة انسحابها إلى حدود عام 1967، وإمكانية إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
رفضت إسرائيل هذه المبادرة "رفضا باتا" (يرفضون لدينا أية مبادرة سلمية "رفضا باتا"، لكي لا يكون لها، لا سمح الله، موطئ قدم على عتبتنا). تم وضع المبادرة على الرف وقد اعتلاها الغبار هناك. ها هم العرب الأشرار يقررون مسح الغبار عنها وإعادتها إلى الطاولة.
أمام هذا الخطر المحدق الذي يحدثه مثيرو السلام العرب، تستجمع حكومة أولمرت كل ما أوتيت من قوة. رغم كون كافة القيادات السياسية والعسكرية منشغلة الآن بقدرتها على البقاء بعد الفشل الذي منيت به في حرب لبنان، ها هي تتحد أمام هذا التهديد المرعب.
تم إيفاد تسيبي ليفنه إلى الولايات المتحدة على جناح السرعة لكي تستبق حدوث الكارثة. لقد توجهت إلى هناك لتقنع الرئيس بوش (الذي "تسلل" إلى الغرفة بينما كانت تتحدث مع كوندوليسا رايس) ليفرض فيتو أمريكي فتاك على أي قرار يتخذه مجلس الأمن من شأنه أن يدعم السلام. سوف تلتقي هناك برؤساء حكومات ووزراء خارجية لتطلب منهم رد الخطر عن إسرائيل.
لهذا الهدف أخرجت من مستودع وزارة الخارجية الأسمال الدبلوماسية البالية المسماة "خارطة الطريق". لم تكن حكومة إسرائيل لتحلم ذات مرة بتنفيذ هذه الاتفاقية، التي كان الهدف الرئيسي منها، منذ البداية، هو خلق انطباع يوحي بأن الرئيس بوش قد أحرز نجاحا ما في الشرق الأوسط. لقد أدرك الأطراف، منذ اللحظة الأولى، أن هذه الوثيقة غير قابلة للتنفيذ.
ستعلن إسرائيل والولايات المتحدة، إذن، أن مبادرة السلام العربية تلحق الخطر بالسلام، لأنها تتعارض مع "خارطة الطريق". أما حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية فيجب رفضها إن قامت، لأن ليس فيها أي إعلان واضح يفيد بأن كل أعضائها يعترفون بدولة إسرائيل (وكأن كل أعضاء حكومة إسرائيل مستعدون للاعتراف بدولة فلسطين أو بحكومتها). لذلك يجب تطويق الشعب الفلسطيني حتى يركع ويستلسم.
لماذا تدب هجمة السلام الرعب في قلب حكومة إسرائيل؟
لو جاءوا في الرابع من حزيران 1967، وقالوا لنا أن كل العالم العربي مستعد لصنع السلام معنا في إطار الحدود التي كانت قائمة في ذلك الحين، وأن الفلسطينيين سيشكلون زعامة تكون مستعدة لإنهاء النزاع التاريخي، لكنا سنعتقد بأن أيام المسيح المنتظر قد حلّت.
ولكن في الخامس من حزيران 1967 خرجنا في حرب غيرت كل شيء. احتللنا فلسطين كلها ومناطق واسعة أخرى، وأعلنا أننا نسيطر عليها مؤقتا بهدف المقايضة، ولكن الشهية تأتي مع الطعام. بدأنا ضم المناطق (القدس الشرقية وضواحيها وهضبة الجولان)، وتصرفنا في الضفة الغربية بشكل مكثّف.
ترى حكومة إسرائيل أن مبادرة السلام - أي مبادرة سلام كانت - ليست إلا مؤامرة دنسة يحيكها مثيرو السلام بهدف انتزاع هذه الأراضي منا. كان هذا سيجبرها على وقف موجة الاستيطان، التي لم تتوقف منذ عام 1968 حتى ولو للحظة واحدة، والمستمرة اليوم أيضا بكل قوتها، وأن تفكك المستوطنات القائمة.
حركة الكماشة التي يطبقها مثيرو السلام من المحتمل أن تتسارع وذلك لخلق ضغط دولي لا يمكن الصمود أمامه، ومن هنا يأتي الهلع الذي ينتاب القدس.
مبادرة السلام العربية يمكن أن تكون مقنعة في حال نجحت في طرح خيار بسيط ومحدد أمام الجمهور الإسرائيلي: سلام من دون مناطق محتلة، أو مناطق محتلة من دون سلام.
بعد ست حروب كبيرة وبعض الحروب الصغيرة هنا وهناك، كان من شأننا أن نشك في أن ثمن الدم والدماء كان باهظا أكثر مما يجب، والمهم هو أنه لا يأتي بالنصر، بل يؤدي إلى تدهور المجتمع الإسرائيلي.
خلال سنوات الحماقة الست، بين حرب عام 1967 وحرب عام 1973، قال موشيه ديان: "شرم الشيخ من دون سلام، أفضل من سلام من دون شرم الشيخ".
بسبب مثل هذه الشعارات قتل 2700 جندي إسرائيلي (ويعلم الله كم عدد القتلى المصريين والسوريين) في حرب تشرين. بعد هذه الحرب أعدنا شرم الشيخ وسيناء كلها، وحظينا بسلام مع مصر. موشيه ديان ذاته لعب دورا في إحراز هذا السلام.
كم من الجنود والمدنيين الإسرائيليين والعرب، يجب أن يُقتلوا لنفهم أن السلام مع الشعب الفلسطيني والعالم العربي أهم بكثير من أراضي المستوطنات؟
#أوري_أفنيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسار، ولكن
-
النحل على جيفة الأسد
-
مثلما انتصر نابليون في معركة ووترلو
-
كلب الروطوايلر الأمريكي
-
الضحية رقم 155
-
من الهوس إلى الهلوسة
-
ماذا حدث للجيش الإسرائيلي؟
-
مساطيل
-
طعنة من الخلف
-
في المرصاد: سوريا! أو: حرب صغيرة وجميلة
-
حرب أحادية الجانب
-
أغاتا في أمطار الصيف
-
كرة بدل عيارات
-
حتى حجارة الجدران تستغيث
-
يا لها من خطة رائعة!
-
إهدار الفرص
-
من هو المذنب؟ الضحية طبعا
-
أصوات من السجن
-
الفخ
-
من الكلب؟ ومن الذيل؟
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|